Friday, February 19, 2016

المجئ الثاني ونهاية العالم






المجـــئ الثـــاني ونهـــاية العـــالم



بإسم الآب والإبن والروح القدس إله واحد آمين



البــاب الأول



المقــدمه





موضوع نهاية العالم  يشغل إهتمام الغالبية العظمي من البشر بصرف النظـرعـن معتقداتهم الدينية ، والمجئ الثاني لمخلصنا يسوع المسيح يشغل إهتمام كل المسيحين من مختلف الطوائف في جميع دول العالـم ، وذلك نظرا لمجيئه الفجائي . والإنسان الواعي الذي يهتـم بأبديته لا يستهين بطول أناة ولطف ورحمة ربنا علينا ، لأن هذا اليوم الأخير للعالـم سيكون مرعب ومخيف ، وقد وصفه معلمنا القديس يوحنا الرائي بقوله  " لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف " (رؤ17:6) ،  كذلـك قول معلمنا إشعياء النبي بروح النبوة " ولولوا لأن يوم الرب قريب قادم كخراب مـن القادر علي كل شيئ " (إش13 :6)، كما أنـه قـد أعطانا صورة مصغرة لما سيكون عليه ذلك اليوم فقال" وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حرأخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس علي العرش وعـن غضب الخروف " (رؤ15 :6-16) . فكل إنسان مؤمن من أبناء النور يدرك تماما أننـا فـي بداية نهاية الأيام،  أما أولئك الذين يسيرون في الظلام فلا يدركون هذه الحقيقة لأن الخطية قـد أعمـت عيونهم فلا يبصرون ، وأصمت آذانهم فـلا يسمعـون ، ولا يدركـون ويستهينـون بكل القيم الأخلاقية وبوصايا الرب الإله ، فدفعوا أنفسهم بإرادتهم إلـي حيـاة الكسل والشر وعدم الإكتراث.

المسيحين بكل طوائفهم  ومذاهبهم يؤمنون بحقيقة المجئ الثاني لـرب المجد يسوع المسيح ، والكتاب المقدس الذي هو كلمة الله يؤكد هذه الحقيقة . فمعلمنا القديس لوقا البشير يوضح لنا أنه  حينما كان رب المجد يسوع المسيح مجتمعا مع التلاميذ علي جبل الزيتون بعد صعوده "  ارتفع وهم ينظرون . وأخذته سحابة عن أعينهم . وفيما كانوا يشخصون إلي السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقـالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلي السماء . إن يسوع هـذا الـذي إرتفع عنكم إلي السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلي السماء" (أع9:1-11) ، كما أن معلمنا القديس  يوحنا البشير يؤكد حقيقة المجئ الثاني لـرب المجد يسـوع المسيح فيقول " أيها الأحباء الأن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سيكون . ولكـن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو " (1يو 2:3)  ، كذلك قوله " هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض. نعم آمين " (رؤ7:1) ، أمـا معلمنـا القديس متي البشير فيسجل لنا قـول رب المجد يسوع " وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء . وحينئذ تنـوح جميع قبائـل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيـا علـي سحـاب السمـاء بقـوة ومجـد كثير" (مت30:24) ، وأيضا " ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس علي كرسي مجده " (مت 31:25) ، وأيضا " وحينئـذ يبصرون ابن الإنسان آتيا علي سحابة بقوة ومجد كثير " ( لو27:21) .  معلمنا القديس بولس الرسول يؤكد هذه الحقيقة بقوله " لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا فـي المسيـح سيحيا الجميع . ولكن كل واحد في رتبته. المسيح باكورة ثـم  الذيـن للمسيح في مجيئه " (1كو22:15-23) .

وإنني أشكر الله أبو ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي زرع في قلبي وروحي الإنشغال بموضوع المجئ الثاني ، وكان الهدف مـن أجـل استفادتي أنا شخصيـا    و لمزيد من الإستنارة الروحية والمعرفة والإلمام بكل ما يرتبط به وكذلك من أجل إستنارة وزيادة معرفة كل من يطلع عليه. ومن الأمور التي زادتني ولعا وإهتماما بموضوع المجئ الثاني ونهاية العالم هو ما حدث من تدهور فـي سـوق الأوراق والسندات المالية الأمريكية  وما صاحبه من تدهورالإقتصاد العالمي لدرجة أن كل العالم قد إهتم بهذا الموضوع وكان شغل الناس الشاغل لكل الطبقات في أي مجتمع ، وأيقنت تماما أن الشيطان مع أنه مقيد إلا أنه يتلاعب بعقول الناس ليشغلهم ويبعدهم عن التفكير في كيفية إرضاء الله والإهتمام بحياتهم الأبدية .

 في هذا البحث سأحاول بقدر إستطاعتي المحدودة أن أجمع كل البراهين والشواهـد الكتابية عن موضوع المجئ الثاني  ونهاية العالم، وعن العلامات التي تسبـق هـذا المجئ الثاني  ، وعن موعد هذا المجئ الثاني ، كذلك الحكم الألفي وقيامة الأموات  ، والطغمات السمائية ، وملكوت الله  وملكوت السماوات والحياة الأبدية .

وانني أتضرع إلي الله القدير أن يوفقني في هذا البحث من أجل اظهار مجد ونعمـة وغني محبة ولطف وطول أناة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد دائما .





البــاب الثــاني

ملكـوت اللـه وملكـوت السمـوات

والحيــاة الأبــدية



لقد انشغلت كثيرا فـي معرفـة ماذا يعني ملكوت الله وماذا يعني ملكوت السموات ، وبدأت أبحث عن ذلك في الكتاب المقدس ، وذات ليلة وأنا أتابع محاضرة لقداسة البابا شنودة الثالث والتـي يلقيها قداستة كل يوم أربعاء وتذيعها قناة أغابي الفضائية ’وجه لقداسته سؤال عـن ملكوت الله وملكـوت السموات ، فأجـاب قداسته بأن ملكوت الله هو أن يملك الله علينا هنـا ونحـن علي الأرض ، أمـا ملكوت السموات فهو ملكوته علينا عندمـا نصل إلـي السماء بعد إنتقالنا من العالم . ثم أضاف قداسته بأن ملكوت الله أشمل لأن الله يملك علي المؤمنين وهم هنا في الأرض وأيضا وهم في السماء . لقد كـان رد قداسة البابا شنودة الثالث معلـم الأجيـال الملقـب بذهبي الفم للقرن الواحد والعشرين جامعا وكافيا وافيا. كما أن قداسة البابا شنودة الثالث في كلمته التي ألقاها في عيد الميلاد المجيد في السادس من يناير عام 2009  والتي شاهدتها علي قنـاة أغابي الفضائية قد أوضح أن من ضمـن المعاني الروحية لملكوت الله هـو إنتشار البشارة بالإنجيل في كل أرجاء المسكونة .

ملكوت السموات هو امتداد لملكوت الله ، والمؤمنين الذيـن يعيشون ملكوت الله فـي أثناء حياتهم علي الأرض يكونون مستأهلين لدخول ملكوت السموات والحياة الأبدية . 

ملكـوت اللـه : 

المسيحين في كل مكان عندما يصلون يبدأون بالصلاة الربانية التي علمهـا لنـا رب المجد يسوع المسيح والتي نقول فيها " أبانا الذي في السماوات . ليتقدس اسمك . ليأت ملكوتك . لتكن مشيئتك . كما في السماء كذلك علـي الأرض . خبزنـا الـذي للغـد اعطنا اليوم . واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا . ولا تدخلنـا فــي تجربة . لكن نجنا من الشرير. بالمسيح يسوع ربنا . لأن لك الملك والقـوة والمجد إلـي الأبد . آمين . " ( مت 9:6-13) ، وقد أضاف أبائنـا الرسل عبارة " بالمسيح يسوع ربنا "، لأننا لا نستطيع أن نصلي إلي الآب إلا من خلال الإبن الكلمة المتجسد ، الذي فدانا وخلصنا من عبودية الخطية الموروثة من أبواينا الأولين، فنحن لاشئ بـدون المسيح له كل المجد ، والمسيح له كل المجد قد قال بفمه الطاهر " لأنكـم  بدونـي لا تقدرون أن تفعلوا شيئا " (يو5:15) ، كذلك قال رب المجد يسوع المسيح  " ... . الحق الحق أقول لكم إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم . إلـي الآن لـم تطلبوا شيئـا باسمي . اطلبوا تأخذوا ليكـون فرحكم كاملا ."( يو23:16-24). وكما هـو مكتـوب    " وصعد بطرس ويوحنا معا إلي الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة . وكان رجل أعرج من بطن أمه ’يحمل . وكانوا يضعونه كل يوم عند باب الهيكل الذي يقال لـه الجميل ليسأل صدقة من الذين يدخلون الهيكل . ... . فقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك . باسم يسوع المسيح الناصري قـم وامشـي . "  (أع 1:3-2،6) ، فبالإيمان وبالطلب باسم يسوع المسيح كان أبائنا الرسل الأطهار يصنعون المعجزات . معلمنا سليمان الحكيم يعبر عن ذلك علي فم عروس النشيد فيقول  " اسمك دهن مهراق " ( نش3:1).

  ملكوت الله ملكوت روحي وليس ملكوت أرضي زمني ، فالله يملك علي قلوب المؤمنين وعلـي أرواحهم وعقولهم وافكارهم بالروح القدس الساكن فيهم ، وبذلك يكـون ملكوت الله موجود داخلهـم كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر  "... لا يأتي ملكوت الله بمراقبة . ... هـا ملكوت الله داخلكم " (لو20:17-21) .  وقد اوضح معلمنـا القديس بولس الرسول ذلك بقولة " لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا . بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس " (رو17:14) . ولذلك يقول أيضا بإرشاد من الروح القدس " إن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله  . ولا يرث الفساد عدم الفساد " (1كو50:15)  ، ثم يقدم لنا إرشادا روحيا فيقول " وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد " (غل 16:5) ، ولا يتركنا عند هذا الحد  بل يظهر لنا المكافأة إذ يقول " إذا لا شئ من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح . لأن نامـوس روح الحيوة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت " (رو 1:8-2) . وقد أعطانا رب المجد يسوع  المسيح أمثلة كثيرة عن ملكوت الله ، ففـي مثـل الزارع عندمـا سأله التلاميذ " ما عسي أن يكون هذا المثل . فقال  لكم قـد أعطي أن تعرفـوا أسرار ملكوت ألله وأما للباقين فبأمثال حتي أنهم مبصرين لا يبصـرون وسامعيـن لا يفهمون "  (لو9:8-10) .

لقد أتي ملكوت الله بقوة ومجد وبدأت إشراقة نوره العجيب علـي الأرض بميـلاد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح في بيت لحم اليهودية كنبوة ميخا النبي " أما أنت يـا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا علي إسرائيل ومخارجه منذ القدم منذ أيام الأزل " (مي2:5).  بميلاد رب المجد يسوع المسيح كان هناك فرح في السماء وعلي الأرض ، فقد ظهر ملاك الرب للرعاة  ويقول الكتاب " وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما . فقال لهم الملاك لا تخافوا . فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب . أنـه ولـد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب . ... . وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة " (لو9:2-11 ، 13-14).  كذلك المجوس الثلاثه وهم مجموعة حكمـاء أتقياء ويدرسون النجوم والفلك وقد جاءوا من المشرق من بلاد فارس  إلـي أورشليم وقالـوا كقول الكتاب " أين هو المولود ملك اليهود . فإننا رأينا نجمه في المشرق  واتينا لنسجـد له " (مت2:2)  جـاءوا مـن بلاد بعيده ليسجدوا للمسيح  "  ملك اليهود "  وليتعبدوا له فالسجود هو في حد ذاته عبادة ، لذلك قدموا له  " ذهبا ولبانا ومرا  " ، وتقديمهم الذهب يرمز إلي أنه  " ملك الملوك ورب الأرباب " ، كذلك تقديمهم اللبان يرمز إلي أنـه هـو " كاهن الله العلي "  لأن اللبان يستخدم في تحضير البخور، أما المر فإنه يرمز إلـي آلام رب المجد يسوع فادي ومخلص البشرية كلها.  كان ذلك تحقيقا لنبوة دانيال النبي القائلة  " فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دا 14:7) .  والبار سمعان الشيخ كان احد السبعين شيخا المكلفين بالترجمة السبعينية ، وعندما جاء إلي ترجمة نبوة إشعياء النبي القائلة " ولكن يعطيم السيد نفسه آية . ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " (إش 14:7)  شك في ذلك وأراد أن يغير كلمة العذراء إلي كلمة سيدة ، فأوصاه الوحي الإلهي بأن يكتب العذراء ، والكتاب المقدس يوضح " وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يري الموت قبل أن يري مسيح الرب . فأتي بالروح إلي الهيكل . وعندما دخـل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس أخذه علي ذراعيه وبارك الله وقال الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام . لأن عينيً قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب ." (لو26:2-31) ،  وعبارة "  بارك الله " تعني أنه سبـح الله بالفرح والتهليل لأن عيناه قد أبصرتا مسيح الرب مخلص البشرية .

 أتي ملكوت الله بقوة ومجد عظيم في عماد رب المجد يسوع المسيح من يوحنا المعمدان ويقول معلمنا القديس متي البشير بإرشاد من الروح القدس " فلما إعتمد يسـوع صعـد للوقت من الماء . وإذا السموات قد انفتحت له فرأي روح الله نازلا مثل حمامـة وآتيـا عليه . وصوت من السموات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " ( مت 16:3-17) . يا لـه مـن مجد عظيم يبهر العقول ويلهب الأفئدة والقلوب  ،  فالسموات قـد ا نفتحت بقوة الجوهر الإلهي الواحد ، والثالوث الأقدس متجليا فـي أبهي صوره ، معلنا إتيان ملكوت الله في نزول الروح القدس منبثقا من الآب وآتيا علي إبن الله يسوع المسيح له المجد مثل حمامة و’مظهرا سرور الله الآب بإبنه الكلمة المتجسد المولود منه قبل كل الدهور، ملك الملوك ورب الأرباب ، الأبدي الأزلي  ، معلنا من السماء بصوت مسموع أن هذا هو إبنه الحبيب  .  ومعلمنا القديس يوحنا البشير يسجل لنـا شهادة معلمنا يوحنا المعمدان بقوله " وشهد يوحنا قائلا إني قـد رأيت الروح نازلا مثـل حمامة من السماء فاستقر عليه . وأنا لم أكن أعرفه . لكن الـذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قـال لي الذي تري الروح نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس . وأنـا قـد رأيـت وشهدت أن هذا هو ابن الله " ( يو32:1  -34) . والسر في مسرة الله الآب بإبنه الوحيد هو أن يسوع المسيح له كل المجد  قد تجسد مـن أجـل أن يهبنا الخلاص المجاني لأن " ليس بأحد غيره الخلاص.  ... " (أع12:4)، وأيضا لكي يعرفنا بالآب السماوي ، لأن " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر "  (يو 18:1) . فالابن قد جاء إلي العالم لكي يخبرنا عن الآب كقول  رب المجد يسوع بفمـه الطاهـر مخاطبا الآب " أنا مجدتك علي الأرض . العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته . ... . أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم . كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك . ... . أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك . أما أنـا فعرفتك وهؤلاء عرفـوا أنـك أنت أرسلتنـي . وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم " (يو4:17 ، 6 ، 25-26) ، كذلك عرفنا بالروح القدس كقوله " روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن  يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه . وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم " ( يو 17:14) . والكنيسة تعتبر يوم عماد رب المجد يسوع المسيح ، عيد سيدي وتطلق عليه عيد الظهور الإلهي .

وبناءا علي هذا التدبير الإلهي فإن كنيستنا تسير علي هذا الطقس ،  كقول رب المجـد يسوع المسيح عندما ظهر لتلاميذه الاحدي عشر المجتمعين  " اذهبوا إلي العالم أجمـع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص . ومن لم يؤمن يدن " (مر16: 15-16) . فعندما يعمد الإنسان التائب وينال سر المسحة المقدسة فإنه يغسل من خطاياه السابقة ويولد ولادة ثانية مـن المـاء والـروح كقـول معلمنـا القديس حنانيا لشاول الطرسوسي  " ... قم واعتمد واغسل خطاياك داعيا بإسم الرب " (أع16 :22) ، وأيضا قول رب المجد يسوع لنيقوديموس  " الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فـوق لا يقدر أن يدخل ملكوت الله . ... . الحق الحق أقول لك  إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل  ملكوت الله " يو3:3-5) .   بالمعمودية ننال غفران خطايانـا السابقة ، وبالرشم بزيت الميرون المقدس 36 رشمـة يدشن هيكلنا الجسماني كما تدشن مذابح وهياكل الكنائس لنكون مخصصين لله ولكي يحل  ويسكن الله فينا بروحه القـدس كقول معلمنا القديس بطرس الرسول " توبوا وليعتمد كـل واحد منكم علي إسم يسـوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلـوا عطيـة الـروح القـدس" (اع38:2) .  فبالمعموديـة نستطيع أن ندخل ملكوت الله أي نكون ضمن جوقة المؤمنين الذين يملك الله عليهم وعلي قلوبهم وعلي أرواحهم ، هؤلاء الذين يصنعون إرادته ويعيشـون بالتقـوي والصـلاح كقول معلمنا القديس بولس الرسول " ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي بـه ختمتم ليوم الفداء " (أف30:4) ، وأيضا قوله " أما تعلمون أنكـم هيكل الله  . وروح الله يسكن فيكم" (1كو16:3) . كنيستنا القبطية  تعمد الأطفال الصغار علي إيمان والديهم ، حتي يستطيع والديهم من أن يقدموهم  للتناول من الأسرار المقدسة حتي لو كانوا رضعا  كقـول رب المجد يسوع   " دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" (مت  14:19) . الأطفال كلهم براءة  وطهارة ونقاوة قلب  ويؤمنون بكل ما يقال لهـم من والديهم أو من الإشبين فيما يختص بالإيمان المسيحي ، لا يجادلـون  ولا يحتاجون إلي إقناع  ولا يشكـون ، ووجودهم داخل الكنيسة مـع والديهم يعطيهـم الفرصة لكي يترعرعوا  في الإيمان ويزدادوا في النعمه .  ففي سفر الخروج  قال الله  لموسي النبي  " فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصـر من الناس والبهائم. ... . ويكون لكم الدم علامة علي البيوت التي أنتم فيها . فـأري الـدم وأعبر عنكم " (تك 12:12-13) . فالأطفال الأبكار الذين خلصوا لم يعلنوا إيمانهم  ولكن نجوا من الموت  بإيمان والديهم بدم خروف  الفصح الذي يرمز إلي دم  المسيح له كل المجد كقول معلمنا بولس الرسول " ... . لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا " (1كو7:5).  أيضا الأطفال الذين إعتمدوا مع أسرهم علي يد معلمنا القديس بولس الرسول ومعلمنـا القديس سيلا مثل عائلة حافظ السجن الذي آمن كقول الكتاب " اعتمد فـي الحـال هـو والذين لـه أجمعون " (أع33:16) ، كذلك ليدية بائعـة الأرجوان يقول الكتـاب أنهـا  " اعتمدت هي وأهل بيتها " (أع15:16) . والمعمودية تكون مرة واحـدة لايجوز أبـدا إعادتها لآنها ولادة من الماء والروح ومعلمنا القديس بولس الرسول يوضح ذلك بقولـه   " رب واحـد إيمان واحـد معمودية واحـدة "  (أف5:4)  ،  كذلك نحن نقـول فـي قانون الإيمان المقدس الأرثوذكسي "... ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا... ". لقد أتي أيضا ملكوت الله بقوه ومجد في ظهور كل من معلمنا موسي النبي ومعلمنا إيليا النبي * مع رب المجد يسوع المسيح علي جبل التجلي أو طور تابور . إنه لقاء فريد من نوعه فيه التقي ابن الله ، الملك الحقيقي ، الأزلي الأبدي ، مع اثنين من أنبياء العهد القديم ، ليظهر لنا الرابطة القوية بين ناموس موسي ونبوات الأنبياء في العهد القديم  وفي سفر المزامير كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " وقال لهم هذا هـو الكلام الـذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بد أن يتم جميع ما هـو مكتوب عني فـي ناموس موسي والأنبياء والمزامير " (لو44:24) ،  فكلها تتنبأ عن المسيا المنتظر مخلص البشرية ، فقد تنبأت عن ميلاده وصلبه وألامه وقيامته وصعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين الآب  .

______________________________________________

  • وإذا تأملنا في شخصية وأعمال هذين النبيين العظيمين نجد أن  موسـي النبي كان حليماجدا كشهادة الكتاب المقدس عنه  " وأما الرجل موسي فكان حليما جـدا أكثر مـن جميع الناس الذين علي وجه الأرض " ( عد3:12)  ، وقائدا شجاعا وإيليا النبـي كـان ناريا حادا في طباعه وكلاهما صنع معجزات ، الأول مثل الله أمام فرعون مصـر  و شق البحر الأحمر ليعبـر هـو والشعب الإسرائيلي معـه إلـي بريـة سينـاء   (خر 15:14، 21) ،  والثانـي مثل الله أمام أخاب الملك الشريـر بالمملكـه الشماليـه وزوجته الملكة إيزابـل الشريـرة ،  وفي أواخر حياته شق نهر الأردن ليعبر هو وتلميـذه أليشـع إلـي الأردن (2مل6:2-8) ، الأول أعاله الله هو وشعبه بالسلوي والمن النازل من السماء (خر13:16) والثاني أعاله الله بواسطة الغربان (1مل6:17)، الأول علي يديه إنفجر الماء من الصخرة في حوريب (خر6:17) والثاني علي يديه أمسكت السماء من أن تمطر ثلاث سنين ونصف ووعلـي كلامه امطرت السماء (1مل 1:17)  ،  الأول علي يديه تم قتل كل أبكارالمصرين (خر29:12،5:11) والثانـي علـي يديـه تـم ذبـح 850 من أنبيـاء البعــل وأنبيـاء السـواري (1مل19:18) ، الأول أوحي الله له بالروح  القدس بالشريعـة الموسويـه وسلمه لوحي
    الوصايا العشر المكتوبة باصبع الله والثاني قدم الذبيحة فسقطت نار الرب  وأكلت المحرقة والحطب (1مل38:18) ، الأول  مات علي الرجاء ودفن والثاني صعد حيا إلي السمـاء .
    إن لقاء رب المجد يسوع المسيح مع كل من موسي النبي وإيليا النبي لقاء تحوطه أمجاد التجلي ، لقاء تخطي كل حواجز الزمان والمكان ليظهر لتلاميذه الثلاثة أمجـاد ملكوت الله علي طور تابور، ليقوي إيمانهم ويكون ذلك سندا لهم بعد صعوده ليكرزوا  ببشارة الإنجيل ، بشارة الخلاص بالمسيح يسوع له كل المجد  .
     لقد قال  رب المجد يسوع بفمه الطاهر "  حقا أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذقون الموت حتي يروا ملكوت الله " (لو27:9).  وكان رب المجـد يسوع يقصد ثلاثـة من تلاميذة وهم بطرس ويوحنا ويعقوب كقول الكتاب " وبعد ذلك الكلام بنحو ثمانيـة أيام أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلي جبل ليصلي. وفيما هو يصلي صارت هيئـة وجهه متغيرة ولباسه مبيضا لامعا. وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسي وإيليا.اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيدا أن يكمله في أورشليم . وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم . فلما إستيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين معه . وفيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلم جيد أن نكون ههنا . فلنصنع ثلاث مظال . لك واحدة ولموسي واحدة ولإيليا واحدة. وهو لا يعلم ما يقول . وفيما هـو يقـول ذلك كانت سحابة فظللتهم. فخافوا عندما دخلوا في السحابة. وصار صوت من السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا " (لو28:9- 36 ) .
    __________________________________________
  • في مركبه من  نار وخيل من نار (2مل 11:2) ، وسوف يأتي في أواخر الأيـام كنبــوة ملاخي النبي القائلة " هأنذا أرسل اليكم إيليـا النبي قبل مجئ  يوم الرب العظيم والمخوف . فيرد قلب الآباء علي الأبناء وقلب الأبناء علي آبائهم لئـلا آتـي وأضرب الأرض بلعن " (ملا5:4-6) .




لقد ’كتبت حادثة التجلي أيضا فـي بشارة الإنجيل لمعلمنا القديس متي البشير ( مت1:17-9) بإرشاد مـن الروح القدس لأجل تثبيت إيماننا بالذي أحبنا وأسلم ذاته فداء عنا ، واننا نطلب من الله أن  يعطينـا البصيرة الروحيه لنري ونعيش ملكوت الله ونحن علي الأرض.

لقد أتي ملكوت الله بقوة و بمجد في سر التناول من الأسرار المقدسة الذي أسسـه رب المجد يسوع المسيح يـوم الخميس الأخير قبل صلبه والذي يطلق عليه خميس العهد ، ففيه سلم رب المجد يسوع المسيح جسده الطاهر ودمه الذكي الكريم إلي تلاميذه الإحدي عشر وذلك في ليلة آلامه كما هو مكتوب " أخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم  قائلا هـذا هو جسدي الذي يبذل عنكم . إصنعوا هذا لذكري . وكذلك الكأس أيضا بعد العشاء قائلا هذه الكأس هي العهد الجديـد بدمي الذي يسفك عنكم " (لو19:22-20)  .  ففي أثنـاء القداس الإلهي وفي السجدة الأولي يحل الروح القدس علـي القرابين والكأس ويحـول القرابين والخمر إلي جسد حقيقي ودم حقيقي لرب المجد يسوع في كل الكنائس فـي كل أنحاء العالم . ويؤكد رب المجد يسوع ذلك بقوله " الحق الحق أقول لكـم ليس موسـي أعطاكم الخبز من السماء بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي مـن السماء .لأن خبز الله هـو النازل من السماء الواهب حيوة للعالم . ... . أنا هو خبز الحيوة . من يقبـل إليّ  فـلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا "(يو32:6-35)  ،  ورب المجد يسوع المسيح يقول بفمه الطاهر عبارة " أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء

________________________________________

 * يوضح  لنـا معلمنا القديس  لوقا البشير بالروح القدس أن موسي وإيليا كانا يتكلمان مع رب المجد يسـوع عن خروجه في أورشليم الذي كـان وشيكـا أن يفعلـه حامـلا صليبـه إلـي الجلجثـه ليصلب ويتمم الفـداء ويعطي الخلاص  لكل من يؤمن به ، وقد حول رب المجد يسوع هذا الصليب مـن صليب لعنـة كقـول الكتـاب "ملعون كل من علق علي خشبة " (غل13:3) إلي صليب إفتخار " حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لـي وأنـا للعالم " (غل14:6-15) ، وإلـي صليب قـوه " كلمة الصليب عنـد الهالكين جهالة أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كو18:1)  ، وإلي صليب بـر  " الذي حمل هو نفسـه خطايانا في جسده علي الخشبة لكي نموت عـن الخطايا فنحيا للبـر" (1بط24:2) .




" فكلمة " يعطيكم " هي فعل مضارع مستمر وتعني أن ملكوت الله أتي ويأتي بقوة ومجد وأن  سر التناول مستمر منذ أسسه رب المجد يسوع حتي الآن وفي المستقبل وإلي إنقضاء الأيام  ، كمـا أن الجوع والعطش هنا ليس جوعا وعطشا للجسد ، بل هو جوع وتعطش لروح الإنسـانلنـوال الخلاص  وإشتياق لملكوت الله  ، فالشبع والإرتواء الحقيقي للإنسان  هو في الوجود مع ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح  ، لأنه هو ملجأنا نتجه إليه بأرواحنا وقلوبنـا لكي

يريحها من أتعابها ويقوي ضعفاتها ويسدد احتياجاتها وأعوازها وليملأها فرحا وسرورا وبهجه . والأب الكاهن في القداس الإلهي يقـول  "  يعطـي عنـا خلاصـا وغفرانـا للخطايا وحياة أبدية لمـن يتناول منه " وأيضـا يقـول " القدسات للقديسين " .  بإتمـام سر الإعتراف  وإتمام هذا السر العظيم سر التناول من جسد ودم  رب المجد مخلصنـا يسوع المسيح  الذي أحيانا يطلق عليه " سر الشركة "  كقول معلمناالقديس بولس الرسول بإرشاد من الروح القدس" كأس البركة التي نباركها أليست هـي شركـة دم المسيـح . الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح . فإننا نحن الكثيرين خبـز واحد جسد واحد لأننا حميعا نشترك في الخبز الواحد " (1كو16:10-11)  ،  لأن كل المؤمنيـن يشتركون في ذبيحة الصليب المقدمة مرة واحدة  ،  وبالتقـوي والصلاح وممارسـة الأعمال الصالحة نستطيع أن نعيش ملكوت الله ونحن علي هذه الأرض .

لقد أتي ملكوت الله بقوة ومجد في حلول الروح القدس علي الجموع والتلاميذ المجتمعين  يوم الخمسين كوعد رب المجد يسوع المسيح لهم بعد قيامته من الأموات " وها أنا أرسل إليكم موعد أبي . فأقيموا في مدينة أورشليم إلي أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لو49:24)،  وقد أطاع الجميع وصية رب المجد يسوع المسيح ومكثوا في العلية في أورشليم وكانوا يواظبون علي الصلاة معا بنفس واحدة كل يوم ، ونالوا بركة طاعة الوصية فقد إنسكب عليهم الروح القدس يوم الخمسين كقول معلمنا القديس  لوقا البشير " وصار بغتـة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين . وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار وإستقرت علي كل واحد منهم . وإمتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخري كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا " (أع2 :2-4) .  كما أنه سبق أن قال المسيح له المجد للتلاميذ الأطهار " ومتي جـاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء " (يو26:15-27) . وقد إنسكب عليهـم الروح القدس يوم الخمسين  و نال آبائنا الرسل الأطهار والمجتمعين معهم  مواهب روحيه كمـا قسم الله لكل واحد منهم كقول الكتاب   "  فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة . ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد . ولآخر إيمان بالروح الواحد . ولآخر مواهب شفاء  بالروح الواحد . ولآخر عمل قوات ولآخر عمل نبوة . ولآخر تمييز الأرواح . ولآخـر أنواع ألسنة . ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسما لكـل واحد بمفرده مـا يشاء " (1كو8:12-11) ، وهذه المواهب هي من الآب وتتحقق من خلال الإبن بواسطة الروح القدس ، كذلك كان الروح القدس يقودهم ويرشدهم كقول معلمنا القديس لوقا البشير " ... قال الروح القدس أفرزوا  لي  برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليـه " (أع 2:13) ، أيضا منع الروح القدس معلمنا القديس بولس الرسول  وتلميذه تيموثاوس من الكرازة في أسيا وأيضا منعهم الروح القدس من الذهاب إلي بثينية كقول الكتاب "  وبعد  ما اجتازوا  في فرنجية  وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في أسيا . فلما أتـوا إلي ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلي بثينيه فلم يدعهم الروح " (أع6:16-7) ، وهكـذا  كان آبائنا الرسل الأطهار يعيشون مسوقين بالروح القدس وبذلك كانوا يعيشون ملكـوت الله  وهم علي الأرض . كذلك كل مؤمن يطلب إرشاد الله ويصلي بقلب مملوء بالإيمان فإن الروح القدس الساكن فيه يقوده ويرشده ويعلمه الطريق ، وأحيانا ينطـق علـي لسانه ويعلن له أسرار سمائية أو مقاصد إلاهية ، والأمثلة علي ذلك كثيرة ، وعلي سبيل المثال ما كان يحدث مع أمنا إيريني والبابا كيرلس السادس وغيرهم من مواهب شفاء ،  وكلام حكمة ، وعلم ، وإخراج شياطين فهؤلاء القديسين كانوا يعيشون ملكوت الله وهـم علي الأرض . ولو نظرنا إلي آبائنا الشهداء  الذيـن استهانوا بالموت والتعذيب مـن أجـل محبتهم للمسيح له المجد ، لأنهم كانوا ممتلئين من الروح القدس ، روح الحق الذي كان يرشدهم إلي جميع الحق ويثبتهم في إيمانهم حتي أنهم لم يحبـوا حياتهـم حتي الموت .  ومعلمنا القديس بطرس الرسول  يوضح لنا المواعيد العظمي  والثمينة فيقول  " كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحيوة والتقوي بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمي والثمينة لكي تصيـروا بهـا شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد في العالم بالشهوة " ( 2بط 3:1-4) ، والمقصـود هنـا ب   " شركاء الطبيعة الإلهية " هو أن نكون شركاء في طبيعة عدم الموت موت الخطية أي نكون شركاء في الحياة الروحية والجهاد المستمر ضد الخطية بالهروب من الفساد الذي يملأ العالم بالشهوة ، و طبعا لا نكون شركاء في طبيعته الأزلية وأيضا عدم محدوديته ،    وبذلك نستطيع أن نعيش ملكوت الله ونحن هنا علي الأرض لكي نكون شركاء في الحياة  الأبدية. والكنيسـة تعتبـر يـوم الخمسين عيد سيدي وتطلق عليه عيد العنصرة او عيد حلول الروح القدس وتقـرأ  فيه فصل من يشاره الإنجيل (لو36:24-53)  وتخصص صلاة السجدة الثانية للسجود لرب المجد يسوع المسيح تذكارا  لسجود التلاميذ لـه ثم رجوعهم إلي أورشليم  بفرح عظيـم كقول الكتاب  " واخرجهم خارجا إلي بيت عنيا. ورفع يديه وباركهم . وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلي السماء . فسجدوا لـه ورجعوا إلي أورشليم بفرح عظيم " (لو24:  50-52).

لقد أتي ملكوت الله بقوة ومجد في خراب أورشليم ودمارالهيكل سنة 70 ميلادية علي يد القائد الروماني تيطس ، وقد بكي رب المجد يسوع علي أورشليم كقول الكتاب " وفيمـا هو يقترب نظر إلي المدينة وبكي عليها . قائلا إنك لو علمت أنت أيضا حتي فـي يومك هذا ما هو لسلامك . ولكن الآن قد أخفي عن عينيك . فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة . ويهدمونك وبنيكي فيكي ولا يتركون فيكي حجرا علي حجر لأنك لم تعرفي زمان إفتقادك " (لو41:19-44) . كما أنـه قال عن أورشليم  " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مـرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولـم تريدوا . هـوذا  بيتكم يترك لكم خرابا ." (لو37:23-38) ، (مت38:23) .   وعن خراب الهيكل قـال يسوع المسيح له المجد لتلاميذة " ... . الحق أقول لكم إنه لا يترك ههنا حجر علي حجر لا ينقض" (لو 2:24) .  ويعتبر خراب أورشليم دينونة إلاهية لهـا لأن مخلصنا يسوع المسيح أتي إلي خاصته اليهود وهم رفضوه  وصلبوه فاستحقوا أن يترك لهـم دارهـم خرابا، وهذا الخراب الذي حل بأورشليم يرمز إلي المجئ الثاني للمسيح في نهاية الأيام.  وقد كان خراب أورشليم سببا في تشتت اليهود المتنصرين ، ممن شاهـدوا المسيح أيام حياتة وخدمتة علي الأرض وشاهدوا معجزاته وتعاليمه وعاينوا آلامه وصلبه  وقيامته وآمنوا به ، وقد ذهبوا إلي أمم كثيرة مما كان سببا في إنتشار البشارة بالإنجيـل بقـوة وبذلك يكون ملكوت الله قد أتي بقوة ومجد .

المسيح له المجد حاضر في الكنيسة بإستمرار ، يرعي شعبه كقول معلمنا إشعياء النبي بإرشاد من الروح القدس " هوذا السيد الرب بقوة يأتي وذراعه تحكم له . هوذا أجرتـه معه وعملته قدامه . كراع برعي قطيعه بذراعه . يجمع الحملان وفي حضنه يحملهـا ويقود المرضعات " ( إش10:40-11) . حضوره في الكنيسة يعطينا قوة ونعمة وحياة ، ولعبادتنا طهارة وقبولا كقوله بفمه الطاهر " لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا " (يو 5:15) .  الأب الكاهن عندما يدخل الكنيسة يفتح حجاب الهيكل،ويسجد قائلا " نسجد لك أيها المسيح مع أبيك الصالح والروح القدس لأنك أتيت وخلصتنا " وبفتحه الحجاب يعلن للشعب أن السماء مفتوحة أمامهم كقولنا في قطع صلاة الساعة الثالثة " إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس نحسب كالقيام في السماء ." ، ثم يقول " إرحمنا يالله ضابط الكل ... " ، وكنيستنا تؤمن بأن هيكل الكنيسة هو هيكل الآب مدشنا بالروح القدس من خلال الإبن الوحيد ، كما أننا نقول لأمنا العذراء  " يا والدة الإله . أنت هي باب السماء . إفتحي لنا باب الرحمة " ، وأيضا نقول  " الآب إختارك والروح القدس ظللك والإبن تنارل وتجسد منك "  ، ثم يقوم الشمامسة والشعب في تقديم صلاة الشكر .  وعندما يقوم الأب الكاهن بتقديم البخورالذي يرمز إلي السحاب والضباب ، فإنه أيضا يعلن عن حضور الله كقول معلمنا داود في المزمور " السحاب والضباب حوله . العدل والحق قاعدة كرسيه " (مز 2:97) ، وأيضا كقول معلمنا سليمان الحكيم " قـال الرب إنـه يسكن فـي الضباب " (1مل12:8) .

لقد أفصح لنا معلمنا القديس بولس الرسول أن هذا السر عظيم  وهو من جهة المسيح له المجد والكنيسة المجيدة كقوله " ...  . المسيح هو رأس الكنيسة. وهو مخلص الجسد ." (أف23:5) ، وأن المسيح له المجد هو رأس كل رجل كقوله " ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح .  ...  . ورأس المسيح هو الله " (1كو3:11) . أيضا نحن أعضاء جسمه   " لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه " ( أف 30:5)  ، والمسيح له المجد يطالبنا أن نثبت فيه  كقوله " أثبتوا فيّ وأنا فيكم . كما أن الغصن لا يقـدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضا إن لم تثبتوا فيَّ . أنـا الكرمة وأنتم الأغصان . الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير . لأنكم بدوني لا تقـدرون أن تفعلوا شيئا " (يو4:15-5) .   وهناك وسائل للثبات في الله وهو فينا كما دونها لنـا الكتاب المقدس هي : -

1 - الإيمان والاعتراف أن يسوع المسيح هو ابن الله  ، كقول معلمنا القديس يوحنا الرسول " من اعترف أن يسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله " (1يو 15:4) .

2 – التناول من جسد ودم مخلصنا وفادينا رب المجد يسوع المسيح كقول رب المجد يسوع بفمه الطاهر " من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيً وأنا فيه " (يو 56:6) .

3 -  حفظ وصايا الله ، كقول معلمنا القديس يوحنا الرسول بالروح القدس " ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه. وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا "(1يو3: 24). ومعني حفظ وصايا الله هو  أن نعيش فيها ونعمل  بها ونطبقها في حياتنا اليومية، كما أن  المرنم في المزمور يقول   "  طوبي للكاملين طريقا السالكين في شريعة الرب . طوبي لحافظي شهاداته. من كل قلوبهم يطلبونه " (مز1:119-2) .

4 – المحبة ، ونحن نعلم مقدار محبة الله لنا ، ولكن ما هو مقدار محبتنا لله ومـا مقدار محبتنا للآخرين في ذلك يقول الكتاب "ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا . الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه . " (1يو16:4) .

والثبات في الله هو الوجود في الحضرة الإلهية ، ووجود الحضرة الإلهيـة فينا، وهـذا ليس معناه الثبات في جوهر الله ، كلا ، وإنما هو الثبات فيه وهو فينا بالمحبة وبحفـظ وصاياه وبالإيمان والاعتراف والتناول من الأسرار المقدسة .  ثم أن هناك ثمار للثبات في الله والله فينا وهي الفرح والسلام والمحبة وهذه كلها هي ثمار الروح القدس الساكن في أولاد الله الثابتين فيه . يقول الأب الكاهن في القسمة في  القداس الإلهي عـن الآباء القديسين الذين تركوا العالم بكل ما فيه وسكنوا البراري من أجل الوجود مع الله والثبات فيه  " سكنوا الجبال والبراري وشقوق الأرض ، من أجل محبتهم للملك المسيح " ، فقـد كانت أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم هائمة في محبة المسيح  .  ولونظرنا إلي حيـاة آباؤنا الرسل الأطهارالقديسن نجد أنهم تركوا كل شئ وتبعوا المسيح له المجد من أجل الوجود معه حتي أن معلمنا القديس بطرس الرسول قال لرب المجد يسوع " يارب إلي من نذهب وكلام الحيوة الأبدية عندك " (يو 68:6) ، هؤلاء الآباء القديسين كانوا  يعيشون ملكوت الله وهم علي هذه الأرض ، فياليتنا نتمثل بهم .

ملكــوت السمــوات :

ملكوت السموات  هوملكوت معد قبل تأسيس العالم للعتيدين أن يرثوا الخلاص ، ففيـه  يملك الله علي أرواح الأبرار والقديسين المنتقلين إلي ملكوت السموات و الحياة الأبدية، بعد المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح لإتمام الفداء والخلاص والدينونة ، وكنيستنا تؤمن بوجود أربع سماوات، الأولي هي الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية أوسماء الطيور.  والثانية هي سماء النجوم والقمـر والشمس وكل المجرات السمائية ، والسماء الثالثة هي فردوس النعيم  وهو مكان إنتظارأرواح الأبرار، أما الأشرار فإنهم يذهبـون بعـد وفاتهم إلي الحجيم فهو مكان إنتظار أرواح الأشرار . معلمنا القديس بولس الرسول يقول عـن إختطافه إلي السماء الثالثة " أعرف إنسانا في المسيح قبل أربع عشرة سنة أفي الجسـد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم . الله يعلم . اختطف هـذا إلـي السماء الثالثـة . وأعرف هذا الإنسان أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم . الله يعلـم . أنـه أختطف إلي الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها " (2كو2:12-4) اما السماء الرابعة فهي سماء السموات وهي مسكن الله مع الملائكة وكـل الطغمات السمائية كقول المرنم في المزمور " الرب في السموات ثبت كرسيه ومملكته علي الكل تسود " (مز 19:103) .  كذلك قول معلمنا سليمان الحكيم بعد بنائه الهيكل " لأنـه هل يسكن الله حقا علي الأرض . هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هـذا البيت الذي بنيت ." (1مل 27:8) ،  كما أن رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر يؤكد حقيقة السماء في قوله لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13:3) .  كذلك قوله لنثنائيل    " الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون علي ابـن الإنسان " (يو 51:1) ، وفي الموعظة علي الجبل قٌال " لا تحلفوا البتة لا بالسماء لأنها كرسي الله    ولا بالأرض لانها موطئ قدميه " (مت 34:5-35) .

 الإنسان مخلوق يتطلع دائما إلـي السماء ورجاؤه في السماء كقول معلمنا القديس بولس الرسول بالروح القدس " نشكر الله وأبا ربنا يسوع المسيح كل حين مصلين لأجلكم إذ سمعنـا إيمانكـم بالمسيـح يسـوع ومحبتكـم لجميـع القديسين من أجل الرجاء الموضوع لكم في السموات الذي  سمعتم به قبلا في كلمة حق الإنجيل " (كو 3:1-5)  ، وأيضا قولة " وأقامنا معه وأجلسنا معـه في السماويات فـي المسيح يسوع " (أف2: 6) ، وأيضا " فإن سيرتنـا نحـن هي في السموات التي منها أيضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح " (في20:3) .  أما هذا الرجاء الموضوع لنـا في السموات  ، فالاصوام  والصلوات والإبتهالات إلي الله مـا هي إلا تعبير عن رجائنا فيه وأيضا تعبيرعن الحب العميق المغروس في نفوستا نحـو الله الحي القدوس الذي هو في السماء ، فهذه الأصوام المقرونة بالتضرعات والطلبات في أثناء الصلاة هي الرابطة والوسيلة القويـة لإظهار محبتنا للمسيـح الملك ، مـن خلالها نطلب أن يملك علـي قلوبنا وأرواحنا وكل أحاسيسنا ، ومن خلالها نكشف لـه عن متاعبنا وضعفاتنـا وضيقاتنـا ، وبهـا أيضا نستمـد القـوة والإرشـاد لنكمـل مسيرتنا في خوف الله أثناء أيام غربتنا ،  ورب المجد يسوع يقول لنا " اسألوا تعطوا . اطلبوا تجدوا.اقرعوا يفتح لكم" (مت7:7) .

أيضا هذا الرجاء الموضوع لنا في السموات هو في افنقاد الأرامل والأيتام واستضافة الغرباء " لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون " (عب2:3) ،  ودفـع العشـور والبكور والنذور كقول رب المجد يسوع المسيح " لا تكنزوا لكم كنـوزا علـي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون.  بل اكنزوا لكم كنوزا فـي السمـاء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لاينقب سارقون ولا يسرقون . لأنـه حيث يكـون كنزك هناك يكون قلبك أيضا "(مت19:6-21)  ، أيضا قولة " وأنا أقول لكم اصنعوا لكم اصدقاء من مال الظلم حتـي إذا  فنيتم  يقبلونكم فـي المظـال الأبديـة  " (لو9:16).



أيضا هذا الرجاء الموضوع لنا في السماوات هـو فـي تشفعنا  بالقديسيـن والشهـداء والملائكة الأبرار. وفي صلواتنا وصلوات الآباء الكهنة أثناء القداس الإلهي مـن أجـل أبائنا واخوتنا المنتقلين إلي السماء ، وكنيستنا  تعلمنا التشفع بالقديسين والإيمان بفاعليتهم  في الشفاعة من أجلنا ، ففي ذكصولوجية باكر ، اننا نهدي السـلام للقديسين كل واحـد بإسمه وكل واحدة بإسمها ،كذلك في صلاة المجمع في كل قداس إلهي يقول الأب الكاهن " لأن هذا يا رب هو أمر إبنك الوحيد ان نشترك في تذكار قديسيك ، تفضـل يارب ان تذكر جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء ... " ،  وما أجمل كلمات القداس الكرلسي التي فيها يقول الأب الكاهن " وليس اننا أيها السيد نستحق أن نتشفع في طوباوية أولئك ،  بل هم القيام أمام منبر ابنك الوحيد،ليكونوا هم عوضا عنا يشفعون عن مسكنتنا وضعفنا. كن غافرا لأثامنا لأجل طلباتهم المقدسة ولأجل إسمك المبارك الـذي دعـي علينـا ."  وهكذا تكون الرابطة قوية بيننا وبين سكان السموات،بركة صلواتهم وطلباتهم وشفاعتهم تكون معنا آمين .  أما عن شفاعة الملائكة كما دونها لنا الكتاب المقدس في (زك 12:1-16 ،3:1) ، وفي ( رؤ3:8 ، 8:5) ، كذلك السلم الذي رأه أبونا يعقوب قديما في حلـم يصل السماء بالأرض والملائكة تصعد وتنزل عليه ، فالملائكة تصعد عليـه حاملـة احتياجات وطلبات وصلوات المؤمنين يقدمونها إلي الجالس علي العرش ، وينزلـون حاملين النعم الإلهية والاستجابة السمائية ( تك12:28) .

الإنسان مخلوق يتطلع دائما إلي ملكوت السموات ، فأبونا آدم وأمنا حواء خلقهما الله الساكن في سماء السماوات  ، ولذلك فـإن المؤمنين من ذرية آدم وحواء حتما سوف يذهبوا إلي هناك عند الإختطاف. الإنسان خلقه الله مـن تراب الأرض كقول الكتاب " وجبل الرب الإله آدم ترابـا من الأرض. ونفخ فـي أنفه نسمة حيوة . فصار آدم نفسا حبة." (تك 7:2) ، فعندما يموت الإنسـان  ،  فـإن  جسده الترابي يعود إلي الأرض التي أخذ منها ،  أما نفسه وهي نسمة الحياة فإنها تعود إلي الله  واهبها .  إننا كمسيحين نؤمن أن لنا وطن سماوي ،  وحياتنـا علـي الأرض قصيرة الأيام كالبخار الذي يظهر قليلا ثم يضمحل،  ونظرا لأننا غرباء في هذا العالم  فإن أجسادنا كالخيـام التي بمرور الأيام والأعوام القليلة تبلي وتموت كقول معلمنا القديس بولس الرسول "  لأننـا نعلـم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غيـر مصنوع بيد أبدي  . فإننا فـي هـذه أيضا نئن مشتاقين إلي أن نلبس فوقها مسكننا الذي في السماء  " (2كو1:5-2)  ،  وأيضا قولـة  " وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضـا صـورة السماوي "   (1كو49:15) . ويوضح رب المجد يسوع المسيح أن لنا أب سماوي كقوله " لأن أباكـم السماوي يعلم أنكـم تحتاجون إلي هذه كلها " (مت32:6) ، وأيضا "فإنـه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفـر لكم أيضا أبوكم السماوي "(مت14:6)  ، فمادام لنا أب سماوي، إذا لا بـد أن نذهب  إليه حيثما يكون لأنه " هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له نسبحـه ونمجـده ونزيده علوا "  من ثيؤطوكية يوم الجمعة في التسبحة السنوية .  وقد أوضح لنا معلمنا القديس بولـس الرسول بنويتنا لله كقوله  " ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلي قلوبكم صارخا يا أبا الآب.إذا لست بعد عبدا  بل ابنا وإن كنت إبنا فوارث  لله  بالمسيح " (غل6:4-7) ، وأيضا " فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسـل إبراهيم وحسب الموعد ورثة " (غل29:3) .  وما دمنا ورثـة للمسيح الذي هو فـي سمـاء السموات فلا بد إذا أن نكون معه في ملكوت السماوات كقـول رب المجد يسوع المسيح بفمـه الطاهر "  في بيت أبي منازل كثيرة . وإلا فإني كنت قلت لكم . أنا أمضي لأعد لكـم مكانـا. وان مضيت واعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إليَ . حتي حيث أكـون أنـا تكونون أنتم أيضا"(يو2:14-3)، وايضا قول الرب في سفر الرؤيا " من يغلب فسأعطيه أن يجلس معـي في عرشي كما غلبت أنا  أيضا وجلست مع أبـي فـي عرشه " (رؤ 21:3) .  وقـد أوضح معلمنا القديس بولس الرسـول أن رب المجد يسوع المسيح بعد قيامته وصعوده دخل مرة واحدة إلي  السماوات كقوله " وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنـة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذي ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلي الأقداس فوجـد فدءا أبديا " (عب 9 :11 -12) ، كما أنه ’سمي ملكوت السموات بجبل صهيون وبمدينة الله الحي أورشليم السمائية كقوله " بل قد أتيتم إلي جبل صهيون وإلي مدينة الله الحـي أورشليم السمائيـة وإلي ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات وإلي الله ديانا الجميع وإلي أرواح أبرار مكملين وإلي وسيط العهد الجديد يسوع وإلي دم رش يتكلم أفضل من هابيـل  " (عب 22:12-24) .

الحيــاة الأبــدية :

هي الحياة مع الله ومع إبنه الوحيد يسوع المسيح في ألأمجاد السمائية حينمـا يتوقـف الزمن لأنهـا ستكون باقيـة إلي أبد الآباد كقول معلمنا القديس يوحنا البشير بإرشاد من الروح القدس " وهـذه هي الحيـاة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو3:17) . فالحياة الأبدية هي أن يعرفوا ويشاهدوا ويدركوا من آمنوا  به  ، ويكون في وسعهم أن يدركوه الادراك الروحي ويشاهدوه المشاهـدة العقلية بالمعرفة وليست مشاهدة الإيمان ، حينئذ  يري العقل " ما لم تر عين وما لـم تسمع أذن وما لم يخطر علي بال إنسان . مـا أعده الله للذين يحبونـه " ( 1تيمو9:2) .  الحيـاة الأبدية هي المكافأة والجزاء وهي هبـة الميراث الأبدي مع القديسين من كل الأمم ومن كل الشعوب كما هو مكتوب " فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسـب الموعـد ورثة " (غل29:3) ، أيضـا " الروح نفسه أيضا  يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله . فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا ورثة الله  ووارثون مع المسيـح. " ( رو 16:8-17) ،  لأن الله سوف يعطينا ذاته كمـا قـال قديما لأبونا ابراهيم " أنا أجرك العظيم جدا "(تك 1:15) ، وكذلك سنكون نحن له إلي الأبـد كقول داود النبي في المزمور " لك أنا " (مز94:119) ، وأيضا " مـن يغلب يـرث كل شئ وأكون له إلها وهو يكون لي إبنا " (رؤ7:21) ولا يكون هناك ما يفصلنـا عنه او مـن سيفصلنا عنه ، كما قالت عروس النشيد لحبيبهـا " أنا لحبيبي وحبيبي لي.... وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أرخه" (نش16:2،4:3)،  معلمنا يوحنا الحبيب يوضح لنا ذلك بقوله " أيها الأحباء ألآن نحن أولاد الله ولم يظهـر بعد ماذا سنكون . ولكن تعلم أنـه إذا أظهر نكون مثله لأتتا سنراة كما هو " (1يو2:3) ، فرؤية الله كما هو سوف تكون حدث عظيم ، يصبح كل شئ غيره تافها ولا قيمة لـه .  إن مجد الله المتوج بالبهاء والكرامة والقداسة في السماء لا  تستطيع عيوننا البشرية الآن أن تراه كقول معلمنا القديس بولس الرسول بإرشاد مـن الـروح القدس   " الذي وحده له عدم الموت . ساكنا في نور لا يدني منه . الذي لم يره أحد مـن الناس ولا يقـدر أن يراه . الذي له الكرامة والقـدرة الأبدية " (1تيو 16:6) . أما فـي الحياة الأبدية قسنراة بالروح كما هو وسنري جمالـة وبهاؤة وعظمتة وقدسيتة.  وإننا كبشر بفكرنا وادراكنا  المحدود  لا نستطيع أن ندرك تماما ما ستكون عليه الحياة الأبدية،ولكننا نتمسك بما لدينا من العبارات القليلة التي زودنا بهـا الروح القدس من خلال الكتاب المقدس بواسطـة الأنبياء والرسل الأطهار . الحياة الأبدية هي السعادة الدائمة التي لا تدانيها أيـة سعادة عالمية ، وهي هبة المعاينة لأمجاد الله اللاهوتية الأزلية الأبدية ، ومعلمنا القديس بولس الرسول الذي صعد إلي السماء الثالثة وشاهـد وعايـن يعلمنا أن نتطلع دائما إلي وطننا السمائي ويكون لنا إشتهاء مقـدس نحوه كقوله " لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح . ذاك أفضل جدا " (في23:1) . هناك سوف نسمع صوت التسبيح من الملائكة الواقفين حول العرش  ومعهم الشيوخ والأربعة حيوانات ونشنرك معهم " قائلين آمين. البركـة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنـا إلـي أبـد الآبدين .  آمين " (رؤ12:7) .  هنالك سيكون " جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده مـن كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمـام العرش وأمـام الخروف متسربلين بثيـاب بيـض وفي أيديهم سعف النخل . وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس علي العرش . " (رؤ 9:7-10)  وسعف النخـل يشيـرإلـي أن هؤلاء هم المنتصرين " الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم  وبيضوا  ثيابهم فـي دم الخروف  "   ( رؤ 14:7).

هنالك لا يكون عطش ولا جوع ولا حر ولا برد كقول الكتاب " لن يجوعوا بعـد ولـن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شئ من الحر " (رؤ 16:7) . في الحياة الأبدية لا يوجد خصام وغيرة وحسد كقول المرنم في المزمور " لأن هناك أمـر الرب بالبركـة حيوة إلي الأبد " (مز 3:133) . في الحياة الأبدية لا يوجد شهوات جنسية ، لا يزوجون ولا يتزوجون لأنهم سيكون هناك بأجساد ممجدة روحانية والشيطان لا وجود  له " بـل يكونون كملائكة الله  في السماء  " (مت30:22 ) . في الحياة الأبدية " الموت لا يكـون فيما بعد ولا يكون  حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد . لأن الأمور الأولي قد مضت  " (رؤ 4:21)  لأنهم سيسكنون المدينة المقدسة أورشليم الجديدة السمائية فهي " مسكن الله مع الناس وهو يسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسة يكون معهم إلها لهم " (رؤ 3:21) . هنالك سنري ونعرف كل من سبقونا في المجد من القديسين والأبراروالأنبياء والرسل والشهداء والمعترفين إبتداءا من آدم وحتي نهاية الدهور ، هؤلاء الذيـن كنـا نتشفع بهم وعلي رأسهم أمنا القديسة العذراء الطاهرة مريم ورئيس الملائكـة ميخائيل ويوحنا المعمدان ، كذلك هؤلاء الذين كنا نطلب صلواتهم وتضرعاتهم وهـم القديسين والملائكة الأبرار وكل أحبائنا وأقاربنا الذين أرضوا الله بأعمالهم الصالحة . في الحياة  الأبدية ينال المؤمنين هبة الكهنوت من  رب المجد يسوع المسيح كقول الكتاب  " ...  .  الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلي أبد الآبدين . آمين " (رؤ5:1-6) ،  ويؤكد ذلك معلمنـا القديس بطرس الرسـول بالروح القدس وبقول  " مبنين كحجارة حية بيتا روحيا كهنوتا مقدسا لتقديم ذبائح روحيه مقبولة عند الله بيسوع المسيح " (1بط5:2) ، وكقول الرب قديما " وأنتـم تكونـون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة " (خر6:19) .

وتكون سعادة المؤمنين العتيدين أن يكونوا كهنة في الحياة الأبدية هي إنشغالهم المستمر بتقديم ذبائح التسبيح والحمد والشكر بغير فتور،  كقول المرنم في المزمور " أذبـح لله حمدا ... ذابح الحمد يمجدني .... ." (مز 14:50 ،23) . معلمنا القديس يوحنا البشير يوضح ويؤكد لنا وعد الله منذ الأزل بالحياة الأبدية التي أعطيت لنا في المسيح يسوع ربنا بمقتضي الفصد والنعمة كقوله" وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحيوة الأبدية "  (1يو25:2) وكقول معلمنا القديس بولس الرسول بالروح القدس " علي رجاء الحيـوة الأبدية التي وعد بها الله المنزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية " (تي 2:1) ، أيضاقوله " فإن الحيوة قد أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحيوة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا " ( 1يو2:1) .

قيامة المسيح له كل المجد من بين الأموات هي الضمان الأكيد بالحياة الأبدية ، لأنـه بالإيمان بالمسيح له المجد ،  وبالمعمودية  بالتغطيس علي  إسـم  الثالوث  الأقدس  ، وبالمسحة المقدسة ، وبالإعتراف  والتناول من الأسرار المقدسة ، وبالأعمال الصالحة وبالجهاد المستمر نرث الحياة الأبدية لأن أسماء العتيدين أن يرثوا  مدونة في سفر الحياة منذ الأزل كقول الكتاب " لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صـورة ابنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين " (رو29:8) ، وذلك لعلـم الله السابـق ومعرفته بأولاده المختارين . ورب المجد يسوع المسيح قد قال بفمه الطاهر " ...  إنـي أنا حي فأنتم ستحيون " (يو19:14) ، ومعلمنا  يوحنا الرائي بإرشاد من الروح القدس يوضح لنا بما لا يدع مجالا للشك بوجوب التمسك بما عندنا لئلا يحذف إسمنا مـن سفـر الحيـاة  كقوله " تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك " (رؤ 11:3) ، ايضـا " كـن أمينا إلـي الموت فسأعطيك إكليل الحياة " (رؤ10:2) ، ورب المجد يسوع المسيح هو نفسه إكليل الحياة كقول إشعياء النبي " في ذلك اليوم يكون رب الجنود إكليل جمال تاج بهاء لبقيـة شعبه " (إش5:28) .

إذا كنا نثق أننا كمسيحين لنا وطن سمائي دائم ، يشرق فيه الله شمس البر، وأننا سوف نتمتع بالوجود الإلهي الدائم ، وأدركنا معني هذه الحياة الأبدية ، فلا بد لنا  إذا أن نتعرف علي من سيشاركوننا وسنشاركهم نحن هذه الحياة الأبدية من الطغمات السمائية،  لذلك خصصت الباب التالي ليكون عن الطغمات السمائية.



البــاب الثــالث

الطغمــات السمــائية



كلمة طغمات تعني الرتب الملائكية ،  الطغمات السمائية متعددة ولكل طغمة مـن هذه                                                                                                                                                                                      الطغمات عملها  ، ومع أننا ليس لدينا الكثير عنهم ، إلا أننا سوف نكتفي بما سمح الله لنا من إعلانات الوحي الإلهي المدونة في أسفار الكتاب المقدس بعهديه وفي صلاة القداس الإلهي. وهذه الطغمات أو الرتب الملائكية   يمكن تقسيمها إلي الآتي :-

1 – السيرافيم والشاروبيم :

 وكلمة السيرافيم تعني المتقدون بالنار أو المحترقون او المتوهجون وربما كـان هـذا الإسم للدلالة علي نقاوتهم كخدام لله الكامل في قداسته وفي عدله ورحمته ومحبته، وسفر إشعياء النبي يذكر لنا  " رأيت السيد جالسا علي كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل . السيرافيم واقفون فوقة لكل واحد ستة أجنحة. بإثنين يغطي وجهه وبإثنين يغطي رجليه وبإثنين يطير . وهذا نادي ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجـده ملء كـل الأرض" (إش1:6-3) ، و عمل هذه الطغمة  هو التسبيح الدائـم والوجود الدائم فـوق العرش الإلهي.

أما الشاروبيم أو الكروبيم فهي تعني ملء المعرفة لأنها ترمز لحضور الله  القوي وأيضا للحراسة  ولذلك هم ممتلئون أعينا وهم إحـدي الطغمـات الملائكية الخاصة بتمجيد الله الكلي القداسة والكمال ، وجاء ذكر هذه الطغمة في سفر التكوين كقول الكتـاب " فطرد الإنسان وأقام شرقيّ جنة عدن الكروبيم ولهيـب سيـف متقـلب لحراسة طريق شجرة الحيوة " (تك24:3)، وأيضا في سفر الخروج فقد كان غطاء تابوت العهد مزينا بكروبين من الذهب كقول الله لموسي النبي " وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك من علي الغطاء من بين الكروبين اللذين علي تابوت الشهادة بكل مـا أوصيتك بـه إلـي بنـي إسرائيل " (خر22:25)  ، وقد كان ذلك يرمز إلي حضور الله القوي . ويقول الأب الكاهـن فـي القداس الإلهي " أنت هـو القـيام حولـك الشاروبيم الممتلئـون أعينا والسيـرافيم ذو الستة أجنحة يسبحونك علي الدوام بغير سكوت قائليـن قـدوس قـدوس قـدوس رب الصباؤوت السماء والأرض مملؤتان من مجدك الأقدس " .

2 -  الأربعة حيوانات أو الأربعة كائنات :

هذه الأربعة الحيوانات الغير المتجسدين الحاملون مركبة الله  ، يقومون بقيادة الطغمات السمائية الأخري في العبادة والتسبيح ، وإعلان قداسة الله .  وهذه الكائنات الأربعة تمثل صفات الله ، فالثور يرمز إلي أمانة الله ، والأسد يرمز إلي القوة والسيطرة لله علـي كل المخلوقات ، والإنسان يرمز إلي الذكاء وإلي المعرفة الإلهية الكاملة ، والنسر يرمز إلي الرفعة والسمو الإلهي .  وقد  رأي  حزقيال  النبي  في  رؤياه  أربعة  كائنات  تشبههـا (حز5:1-10) .

3 -  الكراسي أو العروش :

 وهم إحدي الطغمات السمائية المقتدرة تقوم بتمجيد الله وخدمة العرش الإلهي  ، وقد جاء ذكرها في القداس الغريغوري فيقول الأب الكاهن " أنت الذي ترسل لك الكراسي الكرامة . ألوف ألوف وقوف قدامك .  وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة .... " وعددهم كثير فهم ألوف ألوف وربوات ربوات .

4 – الأرباب والأجناد والسلاطين والقوات :

هذه الطغمات السمائيه عملها هو التمجيد والتسبيح الدائم لله وإعطائه الكرامة . والأب الكاهن في القداس الإلهي الباسيلي  يقول " الذي يقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكـة والرؤساء والسلاطين والكراسي والأرباب والقوات " ،  وفي القداس الإلهي الغريغوري يقول الأب الكاهن " أنت الذي تسبحك الملائكة وتسجد لك رؤساء الملائكة . أنت الذي تباركك الرؤساء وتصرخ نحوك الأرباب . أنت الذي تنطق السلاطين بمجـدك . أنت الذي ترسل لك الكراسي الكرامة . ألوف ألوف وقوف قدامك ، وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة " .

5-  الأربعة وعشرين قسيسا والمائة وأربعة وأربعون ألفا البتولين:                               

 هؤلاء الأربعة وعشرين قسيسا هم في كنيسة الأبكار يسبحونه بلا فتور ويتشفعون عن المرضي والراقدين ويطلبون الرحمة والسلام لكافة ميراثه .   والأب الكاهن فـي قسمة القداس الإلهي يقول " والأربعة وعشرين قسيسا جلوس علي كراسيهم، وأربعة وعشرين إكليل ذهب علي رؤوسهم ، وأربعـة وعشرون جامـا مـن ذهب فـي أيديهم مملوءة بخورا الذي هو صلوات القديسين ، ويسجدون أمام الحي إلي أبد الآبدين. والمائة واربعة وأربعون ألفا البتوليون غير الدنسين يسبحون الرب قائلين  قدوس قدوس قدوس آميـن الليلويا"  ،  وهؤلاء الأربعة وعشرين قسيسا  يرمزوا إلي الاثني عشر رؤساء أ سباط اليهود بالإضافه إلي الاثني عشر تلميذا.

 6 -  الملائكة  ورؤساء الملائكة الأبرار :

 يوجـد سبعـة رؤسـاء ملائكـة مقدسين ، هـم ميخائيـل  وغبريـال  ورافائيـل  وسوريـال وسداكيـال وسراتيـال وأنانيـال وقوف يسبحون أمام الضابط الكل  ، أما عدد الملائكة فهو غير معروف  لكثرتهم ، ففي صلاة القسمة في القداس الإلهي الباسيلي يقول الأب الكاهن " الذي يقف أمامه ألوف ألوف وربوات ربوات من الملائكة رؤساء                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                        الملائكة المقدسين .... "  ، والكتاب المقدس يوضح لنا أنه عندما أحاط  ملك آرام مدينة دوثان بخيل ومركبات وجيشا ثقيلا ، إضطرب جحزي غلام أليشع النبي ، يقول الكتاب "وصلي أليشع وقال يا رب إفتح عيني الغلام فأبصر وإذا الجبل مملوء خيلا ومركبات نار حول  أليشع " ( 2 مل 17:6) . وليلة آلام رب المجد يسوع المسيح قـال لبطرس وهو في بستان جثيماني  "  أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلي أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون " ( مت 53:26-54) ،واثني عشر جيشا من الملائكة عدد ضخم جدا لوقسناه بمنظورنا البشري.والملائكـة ورؤساء الملائكة هم قديسون وأكثر حكمة من الإنسان ويمكنهم الإنتقـال بسرعة فائقة من مكان إلي مكان آخر يبعد آلاف الأميال في لمح البصر ، هـذا بحكم طبيعنهم فهـم أرواح خادمة نورانية  كقول معلمنا القديس بولس الرسول بالروح القدس " أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص  " (عب 14:1) .كذلـك قول المرنم في المزمور " الصانع ملائكته أرواحا وخدامه نارا ملتهبة " (مز 4:104) . ونظرا لطبيعة  الملائكة النورانية،لذلك يعنقد بعض الدارسين للكتاب المقدس أنهم خلقوا في اليوم الأول عندما خلق الله النور كقول الكتاب " ليكن نـور فكان نور " (تك2:1) ، والبعض الأخر يعتقد أنهم كانوا مخلوقين قبل تكوين العالم  معتمدين في ذلك علي كلام الرب من العاصفة مع أبونا أيوب البار "  أيـن كنـت حين أسست الأرض ؟ أخبر إن كان عندك فهم . من وضع قياسها ؟ لأنك تعلم ! أو من مـد عليها مطمارا ؟ علي أي شئ قرت قواعدها أو من وضع حجر زاويتها عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف  جميع بني الله ؟ "(أي38 : 4-7)، وكواكب الصبح وبني الله تشير إلي الملائكة الأبرار.

والملائكة ورؤساء الملائكة لا يموتون وهذا ما يؤكده رب المجد يسوع المسيح وسجله لنا معلمنا القديس لوقا " ولكن الذين حسبوا أهلا للحصول علي ذلك الدهر والقيامـة من الأموات لا ’يزوجون ولا يزوجون . إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضـا لأنهـم مثـل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة " (لو35:20-36) ، ولهـم معرفـة محدودة فيمـا يختص بالأسرار الإلهية ولكنها تفوق معرفة البشر نظرا لوجودهم بالقرب مـن الحضرة الإلهية ، وهذه المعرفة مرتبطة بالمشاهدة العقلية بقدر ما يوكل إليهم من أعمال فيدركون بعـض الأسرار الإلهية ،  فمثلا  " أرسل  الملاك جبرائيل من الله إلي مدينـة من الجليل اسمهـا ناصرة إلي عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف . واسم العذراء مريم ... وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيما وابن العلـي يدعي ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه . ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ولا يكون لملكه نهاية " ( لو26:1-27 ، 31-33) . فهذه البشارة من الملاك جبرائيل هـي بحكم عمله لذلك هو علم بمحتويات هذه البشارة ، كذلك تكليف الله لأحد الملائكة ليخبـر فـي حلم القديس يوسف النجار خطيب القديسة العذراء مريم ليأخـذ الصبـي وأمـة ويهـرب إلي مصر(مت 13:2). وعن محدودية معرفتهم فقد أوضح رب المجد يسوع المسيح عـدم معرفتهم بموعد المجئ الثاني ونهاية الأيام في قوله " وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلا الآب " (مر32:13) .

والملائكة ذو قدرة وقوة عالية جدا  كقـول معلمنـا إشعياء النبي " فخرج ملاك الرب وضرب من جيش أشور مئة وخمسة وثمانين ألفا . فلما بكروا صباحا إذ هم جميعا جثث ميتة . " (إش36:37) ، وقد ترنم معلمنا داود النبي عن قدرتهم وقال  " باركو الـرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمـرة عنـد سماع صوت كلامه " ( مز03 20:1 ) .   والملائكة يحضرون في كل الأماكن التي يكون موجودا فيها المسيح له المجد ،  فهـم سيكونون مع رب المجد يسوع علي السحاب في مجيئه الثاني، وهم  يحضرون إلي المذبح أثناء القداس الإلهي ، ولذلك فإننا نقول في صلاة رفع بخور باكر " فلنسبح مع الملائكة قائلين المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وفـي النـاس المسرة .  ...  ." كذلك نقول " قدوس قدوس قدوس رب الصابؤت ...."، "  وقدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت  .... " لنشترك مع السمائين في تسبيحهم الله ، وهناك ملاك للذبيحة يقوم الأب الكاهن بصرفه عند الإنتهاء من القداس الإلهي ،  فبعـد غسل أواني المذبح  يأخذ الأب الكاهن ماء في يديه ويرش منه قليلا علي المائدة والباقي إلي أعلا ويقول  "  يا ملاك هذه الذبيحة الطائر إلي العلو بهذه التسبحة إذكرنا قدام الرب ليغفر لنا خطايانا " . وهناك أيضا الملاك الحارس كقول رب المجد يسوع المسيح بفمـه الطاهر " انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار . لأني أقول لكم إن ملائكتهـم فـي السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات"(مت 10:18) . ومن ضمن عمل الملائكة الشفاعة في المؤمنين ( زك1:12-17)  ، وتنفيذ أحكام الله (أع12:21-23).

 7 – طغمة الملائكة الأشرار أو الشياطين :

لقد كان رئيس الشياطين رئيس ملائكة برتبة كاروبيم قبل سقوطه وهو يدعي سطانائيل ونتيجة كبرياؤه وتعاليه سقط كقول الكتاب " كيف سقطت من السماء يـا زهـرة بنت الصبح. كيف قطعت إلي الأرض يا قاهر الأمم. وأنت قلت في قلبك أصعد إلي السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس علي جبل الإجتماع في أقاصي الشمال . أصعـد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي . لكنك انحدرت إلي أسفـل الجـب  "  ( إش 12:14-15) . ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول عن الشيطان ومصارعة البشر معه " فإن  مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم علـي ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماوات " (أف 12:6) ، والشياطين أعداد ضخمة لا تعد ولا تحصي من الكثرة ولهم مملكتهم وجيوشهم ، وهذا ما يوضحـه لنـا الوحي الإلهي في سفر دانيال النبي ، فقد صام  دانيال النبي واحد وعشرون يوما وتذلل أمام الله ، فرأي رؤيا عظيمة ولمسه الملاك وأقامه  كما هو مكتوب " فقال لي لا تخف  يا دانيال لأنه في اليوم الأول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولإذلال نفسك قدام إلهك ’سمع كلامك وأنا أتيت لأجل كلامك . ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحدا وعشرين يوما وهوذا ميخائيل واحد مـن الرؤسـاء الأوليـن جاء لإعانتي وأنا بقيت هناك عند ملوك فارس .  ... . فقال لي عرفت لماذا جئت إليك . فالآن أرجـع وأحـارب رئيس فارس . فإذا خرجت هوذا رئيس اليونان يأتي . ولكن أخبرك بالمرسوم في كتاب الحق .  ولا أحد يتمسك معي علي هؤلاء إلا ميخائيل رئيسكم " ( دا 12:10-13 ،20-21) ، ممـا يدل علي أن رؤساء الشياطين هم رؤساء ممالك مثـل مملكـة فارس ومملكـة اليونان وغيرهما . ومن صفات الشيطان أنه عنيد و’ملح ، لا يكل ولا يمل عن محاربة أولاد الله ويستخدم طرق ملتوية في محارباته وخداعه وتشكيكه فمثلا قالت الحيـة وهي الشيطان لأمنا حواء قديما " أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة  "  (تك1:3) .  والشيطـان دائما يلجأ إلي إيقاع الفتنة والخصام بين الناس لكي تختفي المحبة وهي أعظم الوصايـا " الإيمان والرجاء والمحبة ولكن أعظمهن المحبة " ، والشيطان مع قوته وجبروته فهـو لا يستطيع أن يؤذي الإنسان أو يجربه إلا بإذن وسماح من الله  ، ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول    " لم تصيبكم تجربة إلا بشرية ، ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا " (1كو 13:10 ) .  ومعلمنا القديس يوحنا يوضح لنا أن رب المجد يسوع المسيح قد جاء لكي ينقض أعمال إبليس كقوله " من يفعل الخطية فهو من إبليس . لأن إبليس مـن البـدء يخطئ . لأجل هذا ’أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس " (1يو8:3) .

والشيطان في الكتاب المقدس له أسماء مختلفة منها :-                                                    

1 – بعلزبول  :

 وهو كناية عن إله الفلسطينين الأكبر بعل زبوب إله عفرون كما ورد في(2مل2:1)

2 – إله هذا الدهر :

كما ورد في رسالة معلمنا القديس بولس الرسول إلي أهل كورونثوس الثانية " الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمي أذهان غير المؤمنين لئلا يضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله " (2كو4:4) .

3 – التنين العظيم الحية القديمة :

كما ورد في سفر الرؤيا " فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطـان الذي يضل العالم كله طرح إلي الأرض وطرحت معه ملائكته " (رؤ 9:12) .

4 – المشتكي :

كما ذكر معلمنا القديس يوحنا الرائي " وسمعت صوتا عظيما قائلا في السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي علي إخوتنا الـذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهارا وليلا . وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتي الموت " (رؤ10:12-11) .  ففي سفر أيوب نجد أن الشيطان كان يشتكي علي أيوب البار أمام الله وقال عن أيوب " هل مجانا يتقي أيوب الله . أليس أنك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية. ... . ولكن ابسـط يـدك الآن ومس كل ما له فإنه في وجهك يجدف عليك فقال الرب للشيطان هوذا كل ما له في يدك . وإنما إليه لا تمد يدك " (أي9:1-12)  ، فسمح له الله بأن يجرب أيوب ففقد أيوب كل أولاده وكل ثروته في التجربة الأولي ، والكتاب المقدس يوضخ أن مع ضخامـة هذه التجربة إلا أنه لم يخطئ  كما هو مكتوب " في كل هذا لم يخطئ أيوب ولم ينسـب لله جهالة " (أي22:1) ، وإشتكي الشيطان علي أيوب مرة ثانية فسمح له الله بأن يجربـه ثانية كقول الكتاب " ها هو في يدك ولكن إحفظ نفسه  . فخرج الشيطان مـن حضرة الرب وضرب أيوب بقرح ردئ من باطن قدمه إلي هامته  ( أي 6:2-7) ، ولم يخطئ أيوب وقال لزوجته التي أسائت إليه وعيرته  " أالخير نقبل من عند الله  والشر لا نقبل. في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه " ( أي10:2) . هذا هـو إسلوب الشيطان فهو دائما يعيد الكرة لعل الإنسان يسقط  ، ومعلمنا القديس بولس الرسول يؤكد لنا  بالروح القدس  " ... . ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أبضا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا " ( 1كو13:10) .

5 – بليعال :

 كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لا تكونوا تحت نير غير المؤمنين . لأنه أية خلطة للبر والإثم . وأية شركة للنور مع الظلمة . وأي إتفاق للمسيح مع بليعال . وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن " (2 كو14:6-15) .



طغمات الملائكة الأشرار ليس لهم وجود واضح وظاهر الآن لكونهم مقيدون لأننا نعيش الآن في الملك الألفي ، لذلك خصصت الباب التالي عن الملك الألفي وقيامة الأموات .  



البــاب الـرابـع

الملــك الألفــي وقيــامة الأمــوات



الملــك الألفــي :

 تنادي كنيستنا القبطية الإرثوذوكسية كذلك الكنيسة الكاثوليكيـة والكنيسة الأنجليكانيـة بالتفسير الرمزي للملك الألفي ، والمقصود بالملك الألفي هو أن المسيح له المجد يملك علينا ملكا روحيا ، وليس ملكا أرضيا ماديا كقول رب المجـد  يسـوع لبيلاطس الوالي  " أجاب يسـوع مملكتي ليست من هذا العالم . لو كانت مملكتي مـن هـذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلي اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا"(يو36:18)، فقد ملك رب المجد يسوع المسيح علي قلوبنا روحيا بالفداء الذي أتمه علـي الصليب . وقـد بدأ هـذا الملك الألفي منذ لحظة صلبه وسيستمر إلي وقت الضيقة العظيمة والتي سوف تستمر زمانـا يسيرا قبل  وقت مجيئه الثاني في نهاية الأيام . ولا يجب أن تفسر الألف  سنة حرفيا بل تفسر رمزيا ، فهي ترمز إلي اكتمال الأزمان  والععروفة مدته في سابق علم الله وحده ، كما وضحه لنا معلمنا القديس بطرس الرسول بقوله" ولكن لا يخف عليكم هذا الشئ الواحد أيها الأحباء أن يومـا واحـدا عند الرب كألف سنة وألف سنـة كيوم واحـد " (2بط 8:3).  ومـن مميزات هـذا الحكم الألفي أن الشيطان يكون مقيدا ويعم السلام كقول رب المجد يسوع المسيح  بفمه الطاهر " الآن دينونة هذا العالم. الآن  يطرح رئيس هذا العالم خارجا." (يو31:12) ،  كذلك قـول السبعين رسولا للمسيح له المجد " يا رب حتي الشياطين تخضع لنا بإسمك . فقال لهم رأيت الشيطان ساقطا مثـل البرق من السماء " (17:10-18) ،  كما أنها تتميز أيضا بإنتشار البشارة بالإنجيل فـي كل أنحاء المسكونة وفيها تمتد كنيسة الله الي كل مكان ،  وإننا نشكر الله أننا الآن ننعـم بالسلام  والطمأنينة كقول معلمنا القديس بولس الرسـول    " لأنه هو سلامنا الذي جعلالإثنين واحـدا ونقض حائط السياج المتوسـط أي العـداوة مبطـلا بجسـده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الإثنين في نفسه إنسانا واحدا صانعا سلاما " (أف14:2-15).  وتقييد الشيطان يعني تحديد حريته ، إذ قد وضعت له قيود وحدود لا يتعداها ، ولكنه مـا زال يعمل فهو يشبه الأسد الموضـوع فـي حديقة حيوانات لـه حدود لا يستطيع ان يتخطاها ولكنـه يزأر ويرعب الحيوانـات الأخـري والزائرين .  فلـو قارنـا السلام الـذي نعيش فيه الآن  بعد الصلب وتقييد الشيطان مع تلك الأزمنة قبل الصلب في وقت دمـار العالم بالطوفان ولم ينجوا إلا ثمانية أفراد هـم نوح وزوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم  ، كذلك وقت حرق سدوم وعموره ولم ينجـو منهم إلا  لوط وبناته الإثنين لأن زوجته عصت كلام الملاكين ونظرت إلـي الوراء فصارت عمـود ملـح ، فهـذا الدمـار الشامل للعالم أو لقري بأكملها إن دل فلا يدل علي شئ سوي ان الشيطان كان حرا يضل الناس كقول الكتاب " ولم يشفق علي العالم القديم بل إنما حفظ نوحا ثامنا كارزا للبر إذ جلب طوفاناعلي عالم الفجار . وإذ  رمًد مدينتي سدوم وعمورة حكم عليهما بالإنقلاب واضعا عبرة للعتيدين أن يفجروا وأنقذ لوطا البار مغلوبـا مـن سيرة الأردياء في الدعارة" (2بط5:2-7) . وقديما إختار الله له شعبا مختارا وهـم بنو إسرائيل ، ولكـن الشيطان أضلهم فعبدوا العجـل الذهبي أيام معلمنا موسي النبي كقول الكتاب "فقال الرب لموسي اذهب انزل  .  ... . صنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا لـه وذ بحوا له وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التـي أصعدتك من أرض مصـر" (خر7:32-8). كذلك سليمان الحكيـم إنحرف وعبد آلهة الأمم إرضاءا لنسائه الأجنبيات الموآبيات والعمونيات والأدوميات والصيدونيات والحثيات كقـول الكتاب  " فغضب الرب علـي سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي ترآءي له مرتين وأوصاه فـي هـذا الأمر أن لا يتبع آلهـة أخـري . فلم يحفظ ما أوصي به الرب "   ( 1مل9:11-10).  كمـا ان الملك يربعام  ملك مملكة إسرائيل صنع عجلين من ذهب وضع أحدهما فـي بيت إيل والآخر في دان  وقال لشعبه " ... . هوذا آلهتك با إسرائيل الذيـن أصعـدوك مـن أرض مصـر " (1مل28:12) ، فقد كـان الزني الروحي بعبادة الأصنام والشر بكل أنواعـه منتشـرا فـي العالـم قبـل الصلـب.

وسـوف يحـل الشيطان في نهاية الحكـم الألفـي زمانا يسيرا كقول الكتاب " ثم متي تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمـم الذين فـي أربع زوايا الأرض جـوج وماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر .  ...  . فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم . وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيـرة النـار والكبريت حيث الوحش والنبـي الكذاب وسيعذبون نهارا وليلا إلـي أبـد الآبديـن . "  (رؤ7:20-10 ).  ومعلمنا القديس متي البشير يوضح لنا بإرشاد من الروح القدس أنه في الفتـرة القصيرة التي بين نهاية الحكم الألفي وقبل المجئ الثاني للمسيح لـه المجد ستكون ضيقة عظيمة وفترة إرتداد عن الإيمان المستقيم كقوله "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ إبتـداء العالم إلي الآن ولن يكون .  ولو لـم تقصـر تلك الأيام لـم يخلص جسد.ولكن لأجـل المختارين  تقصر تلك الأيام . ... .  لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبـة ويعطـون آيات عظيمة وعجائب حتي يضلوا لو أمكن المختارين أيضا " (مت24 :21-22 ،24).  ومعلمنا يوحنا الرائي في سفر الرؤية يقول عن الملك الألفي " ورأيت عروشا فجلسـوا عليها وأعطوا حكما ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع  ومن أجل كلمـة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة علـي جباههـم وعلـي أيديهم فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة .  وأمـا بقيـة الأموات فلم تعش حتـي تتـم الألف السنة. هذه هـي القيامة الأولي. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولي.  هؤلاء ليس للموت الثاني سلطـان عليهم بل سيكونون كهنة لله والمسيح وسيملكون معه ألف سنة  " (رؤ4:20-6) ، في هـذه الأعـداد يتكلم معلمنا يوحنا الرائي عن الشهداء فقط الذين قتلوا من أجـل شهادة يسوع وهنـا القيامـة الأولي  هـي قيامة أرواح وليست قيامة أجساد  ، لذلك إستخـدم الوحـي الإلهي لفـظ  " عاشوا " للدلالة علي أن نفوسهم كانت حية ، ويؤكد ذلك معلمنا القديس يوحنـا الرائي في قوله   "  ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفـوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم ."(رؤ 9:6) . ويؤكـد معلمنـا القديس بولس الرسول أن   " القيامة الأولي " المذكـورة هنا هي قيامة روحية وليسـت قيامة جسدية كقوله " وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا "(أف1:2) ، وأيضا قوله" وإذ كنتم أمواتا في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا " (كو 13:2) وكقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامـي ويؤمن بالذي أرسلني فله حيوة أبدية ولا يأتي إلي دينونة بـل قـد إنتقل مـن الموت إلـي الحيوة . الحق الحق أقول لكم إنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون "(يو24:5-25)، كما أن سفر الرؤية لم يذكر تعبيـر  " قيامة ثانية " ولكـن تحدث عن " قيامة عامة " . كذلك الموت الثاني في سفر الرؤيا هو موت روحي يعنـي الإنفصـال عن الله مانح التوبـة والخلاص ،  وقد أكد ذلك رب المجد يسوع المسيح في قوله " وتأتي ساعة وهي الآن "  ففي تلـك الساعة عندمـا قـال هـذه الكلمات لم تتم أية معجزة لإقامة إنسان من الموت مـوت الجسد .

 أما عن " قيامة الدينونة "  فيصرح معلمنا القديس يوحنا البشير بإرشاد من الروح القدس بقوله  "  لا تتعجبوا من هذا فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين فـي القبور صوته . فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة " (يو28:5-29).

أما معلمنا القديس بولس الرسول فإنه يوضح المكافأة التي ينالها المؤمنون عند القيامـة في اليوم الأخير فيقول "  فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب أننا نحن الأحياء الباقيـن إلـي مجئ الرب لا نسبق الراقدين . لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولا . ثم نحن الأحياء الباقيـن سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء . وهكذا نكون كل حين مـع الرب "  (1  تس15:4-17) ، وهو لم يذكر قيامة الأشرار ليس لأنهـم لـن يقوموا من الأموات كلا بل لأنه كان يوضح للمؤمنين في تسالونيكي مصير أحبائهم  الأموات فـي المسيح بأنهم سيقومون أولا عند سماع صوت البوق ثم نحن الأحياء الباقيـن سنخطف لملاقاة الرب في الهواء في نفس وقت قيامة الأموات في الرب  ويؤكد أن الأحياء الباقين لا يسبقون الراقدين. وكنيستنـا القبطية الأرثوذوكسية تؤمن بقيامة واحدة ودينونة واحدة في نهاية الأيام للأبرار وللأشرار للأحياء وللأموات كقول معلمنا القديس لوقا البشيـر  " لآنه أقام يوما هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قـد عينه مقدمـا للجميع إيمانا إذ أقامه من الأموات " (أع31:17) .

قيامة الأمــوات :

 قيامة الأموات حقيقة مؤكدة كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر  " وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئا بل أقيمه في اليوم الأخير . لأن هذه مشيئة الذي أرسلني أن كل من يري الإبن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير " (يو 39:6-40) .  وقيامة الأموات في اليوم الأخير هي قيامة واحدة للأبرار والأشرار في يوم واحد وفي ساعة واحدة وفـي لحظـة واحـدة  كقول معلمنا القديس لوقا البشير  " ولي رجاء بالله في ما هم أيضا ينتظرونه أنه سوف تكـون قيامة للأموات الأبرار والأثمة " (أع15:24) . فالمجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح يكون مقرونا بالقيامة العامة للأموات الأبرار والأشرار، وتعاليـم رب المجـد يسوع المسيح توضح أن الأبرار والأشرارسيكونون معا كما وضحه في مثل الحنطة والزوان حتي يوم الحصاد وهو يوم المكافأة للأبرار ويوم الدينونة للأشرار كقـول معلمنـا القديس بولس الرسول " إذا لا شئ من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع السالكيـن ليـس حسب الجسد بل حسب الروح " (رو1:8) ، كذلك ( يو28:5-29) . وهذا المجئ الثاني سيكون علنا وليس في الخفاء فستنظره كل عين كقول القديس يوحنا الرائي " هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض"(رؤ7:1)   ونظرا لأن الجسد قد إشترك مع روح الإنسان في كل عمل صالح أو عمل شرير ، لذلك فإن قيامة الأموات هي قيامة أجساد ، فالأرواح تنتقل من مكان الإنتظار وتأخذ جسـدها المقام الممجد كما هو مكتوب " وكثيرين من الراقدين فـي تـراب الأرض يستيقظـون هؤلاء إلي الحيوة الأبدية وهؤلاء إلي العار للإزدراء الأبدي " (دا2:11).

وعن طبيعة جسد القيامة فالكتاب المقدس وهو كلمة الله يوضح لنا أن جسد القيامة سوف يكون جسد ممجد كقول معلمنا القديس بولس الرسول "  فإن سيرتنـا نحـن هـي فـي السموات التي منها أيضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح . الذي سيغير شكـل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شئ " (في20:3-21) . وأيضا قوله " هوذا سر أقوله لكم. لا نرقد كلنا ولكننا كلنـا نتغير في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير . فإنه سيبوق فيقام الأمـوات عديمي فساد  ونحن نتغير.لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت "  (1كو51:15-53) . فإذا أخذنا الموضوع من الناحية العلمية البحته فإننا نجد أن قوانين علم الطبيبعة تتفق تماما مع قيامة الأموات عديمي فساد . فقانون الحـرارة الديناميكية الأول ينص علي أن " الماده لا تفني ولا تستحدث من عدم  " فجسم الإنسان بعد موتـه ودفنه يتحلل ويتحول إلي تراب  ولكنه لايندثر تماما ولا يتلاشي تماما ، لذلك عندما يقام الأموات فإن الله  الذي خلقهم سوف يقيم أجسادهم عديمة فساد أي أجساد ممجده كاملة الأعضاء والأطراف أي أجساد غير مشوهة ، وحتي ولو كانوا قـد ولـدوا مشوهين .  ومعلمنا القديس بولس الرسول يشرح بإرشاد من الروح القدس كيف يقام الأموات وبأي جسم يأتون فيقول " يا غبي . الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت. والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي.ولكن الله يعطيها جسما كما أراد ولكل واحد من البذور جسمه. ليس كل جسد جسدا  واحدا بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد آخر . وللسمك آخر وللطير آخر . وأجسام سموية وأجسام أرضية . لكن مجد السمويات شئ ومجد الأرضيات آخر . " (1كو36:15-40) . 

ومما هو جدير بالذكر لأهميته هو أن هناك  " قيامة من بين الأموات "  وهي قيامة رب المجد يسوع المسيح  ،  وهناك  " قيامة الأموات "   وهي قيامة الأبرار والأشرارالذين رقدوا ، فسيقومون معا في وقت واحد في نهاية الأيام للدينونة.

ومن الأمور الهامة التي تشغل تفكير الكثيرين عن المجئ الثاني ونهاية الأيام  هو متي سيكون ذلك ؟ ، هل سيكون نهارا أم ليلا صيفا أم شتاءا وفي أي يوم من أيام الإسبوع يكون ؟، لذلك خصصت الباب التالي ليكون عن موعد المجئ الثاني والعلامات التي تسبقه.



البــاب الخـامـس

 موعـد المجـئ الثـاني والعلا مـات التي تسبقـه



قبل المجئ الأول  لرب المجد يسوعالمسيح وهو ميلاده من الروح القدس ومن العذراء الطاهرة  مريم ، كان العالم مملوء شرا ونجاسة كقوله  " كما هو مكتوب أنه ليس بـار ولا واحد . ليس من يفهم . ليس من يطلب الله . الجميع زاغوا وفسدوا معا . ليس مـن يعمل صلاحا ليس ولا واحد .  " (رو10 :3-12)، لآن الشيطان كان حرا طليقا يضل الناس ، لا قيود ولا حدود له .   وأما الآن وبعد المجئ الأول  فقد ظهر" بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلي كل وعلي كل الذين يؤمنون . لأنه لا فرق . إذ الجميـع أخطـأوا وأعوزهم مجد الله " ( رو22:3-23) ، وأيضا قوله " في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله  بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا "(1يو10:4)  .  هذا الظهـور الإلهـي بالجسد في ملئ الزمان ، وتقديم الفداء والخلاص المجاني علي الصليب وموته كفـارة عن خطايانا وخطايا البشرية كلها ، جعلنـا ننعم بالخلاص والبنوة والسلام كقول معلمنا القديس يوحنا البشير "  وأما كل الذـين قبلـوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه " ( يو1:12) ، وأيضا قـول معلمنا القديس بولس الرسول  "  فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنـا يسـوع المسيح الـذي بـه أيضـا قد صار لنا الدخول بالإيمان الي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر علـي رجـاء مجد الله" (رو5:1-2)،  لآنه بالصليب ’قيد الشيطان ولم تعد له حريته السابقة .  أما المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح فسيكون لإتمام الخلاص وللدينونة كقول رب المجـد يسـوع المسيح بفمه الطاهر " لأن الآب لا يدين أحدا  بـل قد أعطـي كـل الدينونـة للإبن " (يو22:5) .

ومجئ المسيح الثاني  حقيقة مؤكدة عند جميـع الطوائف والمذاهب المسيحية  ،  وهو أساس هام لتكون  كل الكنائس علي إختلافاتها يقظة دائما في إنتظار عريسها السماوي، وهذا ما يؤكده لنا معلمنا القديس بولس الرسول  في قوله "حتي إنكم لستم ناقصين فـي موهبة ما وأنتم متوقعون استعلان ربنا يسوع المسيح" (1كو7:1) ، فهذا الإنتظار هـو منبع القوة للكنائس ولكل المسيحين  " لانه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطئ  "  (عب 37:10) ، كذلك قوله " وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثـم بعـد ذلك الدينونة هكـذا المسيح أيضا بعد ما ’قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه " (عب37:9-38). ومعلمنا القديس بطرس  الرسول يقول "   منتظرين وطالبين سرعة مجئ يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصرمحترقة تذوب "  (2بط12:3) .

موعد المجئ الثاني :

 منذ العصر الأول للمسيحية وحتي يومنا هذا ،حاول عدد من الناس جاهدين أن يحددوا موعد المجي الثاني ، مع أن المسيح له المجد سبق وأعلن لنـا أن لا أحـد يعرف ذلك اليوم  وتلك  الساعة ولا ملائكة السموات إلا الآب وحده كقوله "وأما ذلك اليـوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلا الآب" (مر32:13)، كذلك قوله " وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده. وكما كان أيام  نوح كذلك يكون أيضا مجئ  ابن الإنسان " (مت36:24-37)  ، حتي بعد قيامة رب المجد يسوع من بين الأموات وقبل صعوده الي السماء سأله الرسل المجتمعون في أورشليم قائلين " يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلي إسرائيل. فقال لهم ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه " (أع6:1-7).كما أن التلاميذ سبق أن سألوا رب المجد يسوع وهو جالس علي جبل الزيتون قائليـن "...قل لنا متي يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر . فأجاب يسوع وقال لهم انظروا لا يضلكم أحد . فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين." (مت24: 3-5) . وأما عن أن مجيئه الثاني الذي سيكون فجأة قال  "  فكونوا أنتم إذا مستعديـن لأنه فـي ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان " (لو40:12) ، كذلـك   في (مت 44:24) ، وأيضا " انظروا .  اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متي يكـون الوقت ." (مر33:13) .كما أن رب المجد يسوع المسيح سبق أن قال بفمه الطاهر " لا تتعجبوا من هذا . فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته . فيخـرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحيوة والذين عملوا السيئات إلي قيامـة الدينونـة " (يو28:5-29) .

 وإنني أتذكر أن بعض الإخوة في مصر حددوا يوما في شهر إبريل سنة 1984 موعدا لنهاية العالم ، وتركوا أعمالهم وصعدوا فوق سطح كنيستهـم المعمدانيـة بالخلفاوي ، وقاموا بخلع ثيابهم إستعدادا لإختطافهم وبقوا اليوم كله في إنتظار ، وبالطبع لم يحـدث شيئا ، فقاموا بتحديد موعد آخر في شهرأكتوبر سنة1992 ، وقاموا بالتجمع فوق سطح كنيستهم منتظرين نهاية العالم. كما أن أحد أساقفة كنيستنا قام بعمل بحـث مستخدمـا الأرقام الموجوده في سفر الرؤيا وسفر دانيال وحدد موعـدا لنهايـة العالـم والمجئ  الثاني وكـان ذلـك الموعـد هو عام   0002  ميلادية ، وطبعا كل محاولة لتحديـد ذلك اليوم سوف تبوء بالفشل لأن وعود الله صادقة وكلامه لايزول ، لأنه قال لدانيال النبي  "  أما أنت يا دانيال فاخف الكلام واختم السفـر إلـي وقت النهايـة . كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد " (دا4:12) ، وهناك حكمة إلاهية من إبقاء موعـد المجئ الثاني سرا مخفيا لا يعلم به إلا الله وحده ، وهو أن يكون الإنسان متيقظـا وساهرا علي حياته الأبدية ، منتظرا  وعلي استعداد تام للقاء مشتهي الأجيال الـرب يسوع  ، كقول رب المجد يسوع المسيح " اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعه يأتي ربكم. واعلموا هذا أنه لو عرف رب البيت في أي هزيع يأتي السارق لسهر ولـم يدع بيته ينقب . لذلك كونوا أنتم أيضا مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابـن الإنسان " (مت42:24-44) .  الإستعداد في حياة المؤمنون المسيحيون أمـر ضروري لأنهـم لا يعلمـون موعد مجئ يوم الرب ، سواء كان هذا اليوم  لإتمام خلاص البشريـة كلهـا ودينونة العالم ، أم انه لإتمام خلاصهم الفردي ولنوال المكافأة الشخصية لحظة إنتقالهم مـن هذا العالم ، إنها لحظة تحديد المصير الأبدي .  ويجب أن لا يكون عندنا مبدأ التباطؤ  ، لأن الله لا يتباطأ بل هو يتأني ليعطي فرصة للتوبة كقول الكتاب " عالمين هذا أولا أنه سيأتي في أواخر الأيام قوم مستهترين  سالكيـن بحسب شهوات أنفسهم وقائلين أين هو موعد مجيئه  لأنه من حين رقد الآباء كل شئ باق هكذا منذ بدء الخليقة .  ... .لا يتباطأ الرب  عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأني علينا وهو لا يشاء أن يهلك أنـاس بـل أن يقبل الجميع إلي التوبة " (2بط3:3- 4 ، 9 )  .   كما أن هذا اليوم سيكون كالبرق  يأتي سريعا وفجائيا كقول المسيح له المجد " لأنه كمـا أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلي المغارب هكذا يكون أيضا مجئ ابن الإنسان " (مت27:24)  ، ويا ليت كل مؤمـن يترنم مع معلمنا القديس بولس الرسـول ويقـول  " يا لعمق غني الله وحكمته وعلمه . ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء . لأن من عرف فكر الرب أو مـن صار له مشيرا . أو من سبق فأعطاه  فيكافأ . لآن منه وبه ولـه كل الأشياء . له المجد إلي الأبد . آمين " (رو33:11-36) .

إن موعد المجئ الثاني يعلمه الله الواحد المثلث الأقانيم الآب والإبن والروح القدس ، ولكن المسيح له المجد دائما يقدم الآب أمامه لذلك قال " وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحـد ولا الملائكة الذيـن في السموات ولا الإبن إلا الآب " (مر32:13) .  فالروح القدس الذي هو روح الله  كقول معلمنا القديس بولس " لأن الروح يفحص كل شئ حتي أعماق الله .  ...  . هكـذا أيضـا أمور الله لا يعرفهـا أحد إلا روح الله " (1كو10:2-11)   ، وأيضا قوله أنه روح الآب " لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم " (مت20:10) ، والروح القدس هو روح الإبن كقوله   "  ثـم بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلـي قلوبكم صارخا يا أبا الآب " (غل6:4) ، وأيضـا روح المسيح " وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكنا فيكم . ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له " (رو9:8) . الروح القدس هو روح الله ، روح الآب ، روح الإبن ، روح المسيح ، فلا بد أن  يعلم الروح القدس كذلك المسيح بموعد المجئ الثاني . كما أن المسيح له المجد عندما تحـدث عـن يوم المجئ الثاني  ذكرعلي أنه يومه  كما هو مكتوب " لأنه كما أن البرق الـذي يبرق مـن ناحيـة تحت السماء يضئ إلي ناحية تحت السماء كذلك يكون أيضا ابن الإنسان في يومه"(لو24:17) ، فإذا كان هذا اليوم هو يومه فلا بد أن يعلم به .

العلامـات التـي تسبـق المجـئ الثانـي :

 لقد أخفي الله عن البشر موعد المجئ الثاني لحكمة إلاهية ، ولكن من محبتـه للبشرية أعلن عن العلامات التي تسبق مجيئه لكي يعطي الفرصة لكل إنسان أن يتوب ويستعد ، فهذه العلامات بمثابة إنذار ليصحو كل نائم من غفلتة وهذه العلامات هي:- 

أولا : الإضطهاد الذي يعاني منه المؤمنون المسيحيون : 

لقد قال رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " وقبل هذا كله يلقون أيديهـم عليكـم ويطردونكم ويسلمونكم إلي مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي " (لو12:21 ) .  فمنذ ولادة الكنيسة الأولي في العصر الأول المسيحي والكنيسة تعاني من الإضطهاد ، فكان المسيحيون يعانون من الكراهية والبغضة  لهم حتي من أقرب الناس ، كقول رب المجد يسوع المسيح " وسوف تسلمـون من الوالديـن والإخـوة والأقرباء  والأصدقاء . ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل إسمي  "  (لو16:21-17)  ،  وكان المسيحيون يسمون " أهل الطريق " كقول الكتاب " وأما شاول فكان لم يزل ينفث تهديدا وقتلا علي تلاميذ الرب . فتقدم إلي رئيس الكهنة وطلـب منه رسائل إلـي دمشق إلي الجماعات حتي إذا وجد أناسا من الطريق رجـالا أو نسـاءا يسوقهـم موثوقيـن إلي أورشليم " ( أع 1:9 -2) ، وفي عهد الطاغية الروماني نيرون كانوا يعذبونهم ويلقونهم للوحوش لتلتهمهم ،  وفي أوقات لاحقة  أيام الحكـم الإسلامي كان يطلق عليهم" العظمـة الزرقاء "   والآن يطلقون عليهم  " الكفرة والمشركون " .  وإننـا كمسيحين نشكـر الله علي هذه الإضهادات لأنها تزيدنا تمسكا بإيماننا بالمسيح له كل المجد ، الـذي سبق أن أعلمنا بكل هذا .  فالإضطهـاد الذي تعانـي منه الكنيسـة والمسيحيون في كل عصر وكل زمان يكـون بمثابة النار التي تنقي الذهـب ، ففـي العصور التي يزداد فيها الإضطهاد يزداد الإيمان ويقوي ، لأن وعـود الله لنـا صادقة وأمينة ، كقول رب المجد يسوع المسيح" ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركـم اقتنوا أنفسكم " (لو18:21-19) . ومع كل هذه الإضطهادات والآلام ولكن ليس المنتهي بعد .

ثانيا : الكوارث الطبيعية :  

لقد ذكر لنا رب المجد يسوع المسييح هذه الكوارث الطبيعية كقوله  " وتكـون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات  وأوبئة . وتكون مخاوف وعلامات عظيمة مـن السماء " (لو 11:21) .  هذه الكوارث الطبيعية من براكين وزلازل  وفياضانـات فـي الأنهار والبحاروإشتعـال الحرائق المدمرة ،  كذلك الأعاصير المدمرة والأوبئة والمجاعـات التي دائما تحدث في أماكن مختلفة من العالم  وكان ضحيتها ألاف الملايين مـن البشر علي مـر العصـور السابقة وكلمة الله في الكتاب القدس تؤكـد أن كل ذلك سيحدث  وسماها" مبتدأ الأوجـاع"    " ... . وتكون زلازل فـي أماكـن وتكـون مجاعات واضطرابات. هذه مبتدأ الأوجـاع  " (مر 8:13) ،  ولكن في هذه الأيام الأخيـرة لوحظ أن  تكرار حدوثها في فترة زمنية معينة قد إزداد بدرجة كبيرة مما ينبئ بأنها مبتدأ الأوجاع  وبقـرب نهايـة العالم وبقرب  موعد المجئ الثاني .

ثالثا : حروب وأخبار حروب :

قد أنبأنا بذلك السيد المسيح له كل المجد كقوله " فإذا سمعتم بحروب وأخبار حروب فلا ترتاعوا . لأنها لا بد أن تكون. ولكن ليس المنتهي بعد " (مر 7:13) ، كذلك (لو9:21).

 لقد تعرض العالم لسلسلة من الحروب والثورات في أوقات سابقة ، ومـا زالت تندلـع الحروب بين الأمم والشعوب بين الحين والحين .  وبعد أن كانت حروب عالمية مثـل الحرب العالمية الأولي والثانية تحولت إلي حروب إقليمية مثل تلك التـي إندلعت فـي الشرق الأوسط  بين إسرائيل والعرب ، وبين إيران والعراق   وبين التجمـع العالمي للدول ضد العراق ، والمجازر البشرية في البوسنة والهرسك ، وفي بورندي ورواندا ،  والعدوان الإسرائيلي الفلسطينيني والعدوان الإسرائيلي اللبناني وفي السودان ودارفور وغيرهما.  والخبـراء العالميون والمحللون السياسيون يتوقعون قيام حرب قـد تكـون حـرب  عالمية ثالثة علـي المـاء ، وذلك نظرنا لإزدياد التعداد السكاني فـي العالـم وزيادة الطلب في إستهلاك الماء ونقص موارد المياه الطبيعية نظرا للتغير الكبير الـذي حدث في المناخ العالمي وما صاحبه

رابعا : ظهور أنبياء وسحرة ومسحاء كذبة :

لقد ذكر رب المجد يسوع المسيح لناهذه العلامة كقوله " لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات وعجائب لكي يضلوا لو أمكن المختارين أيضا " (مر22:13)  .

ظهور أنبياء وسحرة ومسحاء كذبة بدأ مع بداية القرن الأول للمسيحية ، من هؤلاء كان رجلا ساحرا نبيا كذابا يهوديا إسمه باريشوع المعرف بإسم " عليم الساحر " الذي حاول أن يعرقل خدمة معلمنا القديس بولس الرسول وزميلـه فـي الخدمة القديس برنابا من تبشير سرجيوس والي مدينة بافوس ، وان يفسد الوالي عن الإيمان .  ويقـول الكتـاب  " وأما شاول الذي هو بولس أيضا فامتلأ من الروح القدس وشخص إليـه وقـال أيهـا الممتلئ كل غش وكل خبث يا ابن إبليس يا عدو كل برألا تزال تفسد سبل الله المستقيمة.  فالآن هوذا يد الرب عليك فتكون أعمي لا تبصر الشمس إلي حين. ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمسا من يقوده  بيده "    ( أع 9:13-11) . أيضـا سيمون الساحر الذي كان يدهش شعب السامرة بسحره  ، ويقول الكتاب " ولكـن لمـا صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله  وباسم يسوع المسيـح اعتمدوا رجالا ونساء. وسيمون أيضا نفسه آمن ." (أع12:8-13) ، كما قـام أيضـا " ثوداس قائـلا عن نفسه أنه شئ " (أع 36:5)  ، كذلك " يهوذا الجليلي في أيام الإكتتاب  وأزاغ وراءه شعبا غفيرا." (أع 37:5). وما زال يظهروسوف يظهر هؤلاء الأنبياء والمسحاء الكذبة، مثل ظهر المورمان وشهود يهوه . ولكن ليس المنتهي بعد .

خامسا : انتشار البشارة بالإنجيل إلي كل أنحاء العالم : 

قال المسيح لـه المجد بفمه الطاهـر   " ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم .  ثم يأتـي المنتهي"  (مت14:24) .

 لقد أوصي رب المجد يسوع المسيح تلاميذه "  وقـال لهـم اذهبوا إلي العالـم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلهـا " (مر15:16)  ،  وأيضا قولـه    " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم  باسم الآب والابن والروح القدس ." (مت19:28) . وقد تحقق انتشار البشارة بالإنجيل إلي كل أنحاء العالم في القرن الأول الميلادي وذلك بكـرازة الرسل  كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لكنني أقول ألعلهم لم يسمعوا . بلي . إلي جميع الأرض خرج صوتهم وإلي أقاصي المسكونة أقوالهم " (رو 18:10) ، وكقـول المرنم في المزمور " في كل الأرض خرج منطقهم وإلي أقصي المسكونة كلماتهـم " (مز4 :   19) ، وهذه البشارة بالإنجيل لن تتوقف بل سوف تستمرإلـي منتهي الأيام .  ومما ساعد في انتشار البشارة بالإنجيل في عصرنا الحالي هو استخدام التقـدم العلمي السريع في وسائل الاعلام المرئية والمقرؤة والمسموعة ، كذلك الإنترنت والقنـوات الفضائية المرئية المخصصة لنشر كلمة الله  ،  و مع هذا الإنتشار بالكرازة  بالإنجيل  والبشارة بالملكوت  فإنه سيكون دينونة عظيمة للذين لا يقبلون رسالة الإنجيل وهي البشارة المفرحة بالتوبة و بالخلاص .

.سادسا : الضيقة العظيمة والارتداد :

 لقد أوضح لنا الكتاب المقدس صورة رمزية مصغرة لما ستكون عليه الضيقة العظيمة، وهو ما حدث أثناء خراب أورشليم وتدمير الهيكل سنة 70 ميلادية ، كما سماها دانيال النبي رجسة الخراب والمذكوره في  (مت15:24-20) ، وهذه الضيقة العظيمة سوف تبدأ بفك الشيطان من قيده زمانا يسيرا في نهاية الحكم الألفي وتمتد  إلي المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح في نهاية الأيام  ،  كقول معلمنا القديس متي البشير بالروح القدس " لآنه يكون ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلي الآن ولن يكون .  ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد  . ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام " (مت 21:24-22) ، (مر19:13-20) .   ومعلمنا القديس بطرس الرسول يقول بوحي من الروح القدس  "  عالمين هذا أولا أنـه سيأتي فـي أواخر الأيام قوم مستهزئين سالكين بحسب  شهوات  أنفسهم " (2بط 3:3)  ، وهذه الحالة قد تكون مثل أو أكثر بشاعة عن حالة إنتشار الشر والفساد والإباحية التي سبقت نزول الطوفان أيام نوح البار ، وكذلك تلك الحالة التي سبقت حرق سدوم وعموره أيام لوط البار . كما أنه في هذه الفترة تبرد محبة الكثيرين كقول الكتاب " ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين. ولكن الذي يصبر إلـي المنتهي فهذا يخلص"  (مت12:24-13) .  في أيامنا هذه سوف يحدث ارتداد ،فكثيرون يتركون الإيمان المسيحي إلي ديانات أخري أو فلسفات وهرطقـات أخـري نتيجـة الضيقات والمضايقات والإضطهادات والإغراآت الماليـة أوالعالمية ،  وأيضا كثيرون سـوف ’يقبلون إلي المسيحية . وقد حدث هذا الإرتداد في فترة إزدهار الشيوعية فـي روسيـا ، فإرتد الشعب الروسي عن المسيحية وأصبحت كنائسهم متاحف ، وإننا نشكر الله أنه بعد تدهور الشيوعية في اواخر القرن الماضي  بدأت المسيحيـة تزدهـرهناك مـرة أخري . كما أن الإرتداد سوف يتكرر في أماكن أخري من العالم بصور وأسباب مختلفة كالتعاليم الخاطئة الصادرة من الحكام والقادة السياسين والقادة الدينين المتطرفين الذين يحاربون المسيح والمسيحية .  ويوم المسيح لن يأتي إن لم يأتي رجوع اليهود إلي المسيحية أولا كقول معلمنا القديس بولس الرسول " فإني لست أريـد أيهـا الإخـوة أن تجهلوا هذا السر . لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء . أن القسـاوة قـد حصلت جزئيـا لإسرائيل إلي أن يدخل ملئ الأمم . وهكذا سيخلص جميع إسرائيل " (رو25:11-26)، وكنبوة هوشـع النبي القائلـة  "  لأن بني إسرائيل سيقعدون أياما كثيرة بلا ملك وبلا  رئيس وبلا ذبيحة وبلا تمثال وبلا إفود وترافيم . بعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبـون الرب إلههـم  وداود ملكهم ويفزعون إلـي الرب وإلي جوده في آخر الأيام " (هو4:3-5). سيكون إرتدادهم إلي المسيحية عندمـا يقدمون ذبيحتهم وهي البقرة الحمراء ( عد  2:19)  ولا تقبـل ، عنئذ يؤمنون بالمسيح ويأخذونه ربا ومخلصا ويعترفون أنه قد جاء وهم صلبوه .  كما أن معلمنا القديس بولس الرسول يقول  "  لأنـه لا يأتي إن لـم يأت الارتداد أولا  ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع علي كل ما يدعي ألها أو معبودا حتي أنـه يجلس فـي هيكل الله  كإلـه مظهرا نفسه أنه إله " (2 تس3 :2-4) ، وإنسان الخطية  ابن الهلاك المقاوم هو المضاد للمسيح أو النبي الكذاب الذي يضل الناس ويدعي أنه هو المسيح المنتظر الذي ينتظـرة اليهـود ، فيصنع معجزات كاذبة وأيات  "حتـي أنـه يجعل نارا تنزل من السماء علـي الأرض قـدام الناس " ، وسفر الرؤيه وهو سفر رمزي يوضح أن المضاد للمسيح هو الوحش الطالع مـن البحر ، أما الوحش الطالع مـن الأرض فكان يضل الساكنين علي الأرض  بالآيات التي اعطي أن يصنعها أمام الوحش الطالع مـن البحر ( رؤ 1:13-14) . كما يتحـدث سفر الرؤية عن الوحش الصاعد مـن الهاوية  الذي  حارب الشاهدين وقتلهما كمـا في (رؤ3:11-7) ، وهذين الشاهدين همـا إيليـا وأخنوخ لآنهما صعد ا إلي السماء أحياء ولا بد أن يأتيا إلي العالم " وسأعطي لشاهـدي فيتنبآن مدة 1260 يوما  لآبسين مسوحا " (رؤ 3:11) ، وبذلك تكـون قـد تحققت نبوة ملاخي النبي  القائلة " ها أنا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجئ يوم الرب اليـوم العظيـم والمخوف " ( ملا5:4)، لأنهما لابد أن يموتا كمـا هـو مكتوب أنـه " وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة"(عب27:9).  كما يتحدث سفر الرؤية عـن التنين فهو الحية القديمة وهو إبليس والشيطان كمـا جاء في (رؤ 9:12 ، 2:20 ) . كما يسجل لنـا معلمنا يوحنا الرائي أنه متـي تمت الألف سنة فإن الشيطـان سيحل مـن قيوده زمانا يسيرا كما هـو مكتـوب  "  ثم متي تمت الألف السنة يحل الشيطان مـن سجنـه  ويخرج ليضل الأمـم الذيـن في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهـم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر . فصعدوا علي عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسيـن وبالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم . وإبليس الـذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذبـون نهارا وليلا إلي أبد الآبدين " (رؤ20 : 7-10) .

سابعا : العلامات التي تظهر في الشمس والقمر والنجوم :

هذه العلامات التي ذكرها رب المجد يسوع المسيح ستحدث قبل مجيئه كقوله " وتكـون علامات في الشمس والقمر والنجوم وعلي الأرض كرب  أمم بحيرة .  البحر والأمواج تضج . والناس يغشي عليهم من خوف وانتظار ما يأتي علـي المسكونـة لآن قـوات السموات تتزعزع. وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحابة بقوة ومجـد كثيـر "  (لو25:21-26) .  لقد إظلمت الشمس وقتيا ساعة صلب المسيح له المجد كقول معلمنا القديس متي البشير " ومن الساعة السادسة كانت ظلمة علي كل الأرض إلـي الساعـة التاسعة ." (مت45:27) ، (مر33:15) ،(لو44:23) وقد كان ذلك إعلانا من الطبيعـة علي سخطها وغضبها علي من قاموا بصلبه ،  وفـي المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح سوف تظلم الشمس نهائيـا ، والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط  من السماء إعلانا عن نهاية العالم  لأن اللحظة التي فيها يدين المسيح له المجد العالم قد أتت كقـول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " وللوقت بعـد ضيق تلك الأيـام تظلـم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط مـن السماء وقوات السموات تتزعزع .  وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء . وحينئذ تنوح جميـع قبائـل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا علي سحاب السماء بقوة ومجد كثير .  فيرسل ملائكتـه ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السمو ات إلـي أقصائهـا " (مت 24: 29-31) . وعلامة ابن الإنسان هي الصليب المقدس ، فسوف يظهر منيرا ساطعا  في السماء لتراه كل عين في كل المسكونة .

ثامنا : دينونة العالم :

 إن يوم المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح سوف يكون مملـوء مجـدا وسيكـون مفرحا ومبهجا للقديسين والأبرار لأنه يوم المكافأة والجزاء ، وسيكون مرعبا ومخيفـا للأشرار لأنه بالنسبة لهم هو يوم العقاب والإنتقام كقول رب المجد يسوع المسيح "  فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله"   ( مت27:16) ، كذلك قوله  "  ومتي جاء ابن الإنسان فـي مجـده وجميـع الملائكـة القديسين معه فحينئذ يجلس علي كرسي مجده . ويجمـع أمامـه جميع الشعوب فيميـز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف مـن الجداء .  فيقيـم الخراف عن يمينـه والجداء عن اليسار .  ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركـي أبـي رثـوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم . " (مت 31:25-34) ،  ومعلمنا القديـس بولس الرسول يوضح لنا  أن عمل كل واحد منا سوف يمتحن  بالنار كقوله "  حسب نعمة الله المعطاة لي كبناء حكيم قد وضعت أساسا وآخر يبني عليه . ولكن فلينظر كل واحد كيف يبني عليه . فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غير الذي ’وضع  الذي هو يسوع المسيح . ولكن إن كان أحد يبني علي هذا الأساس ذهبا فضة حجارة كريمة خشبا عشبا قشا فعمل كل واحد سيصير ظاهرا  لأن اليوم سيبينه . لأنه بنار يستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو . إن بقي عمل أحد قد بناه عليه فسيأخذ أجرتة . وإن احترق عمل أحد فسيخسر وأما هو فسيخلص كما بنار " (1كو10:3-15) .  لقد شبه معلمنا القديس بولس الرسول اعمال الإنسان المؤمن بالذهب او الفضة او الحجارة الكريمة او الخشب او العشب او القش، وأوضح انها كلها يوم الدينونة سوف تمتحن بنار،  فاذا بقي عمـل إنسان ، لأن أعماله كانت ذهبا او فضة او احجارا كريمة ،  فسيأخذ أجرتة ومكافأته ، واذا احترق عمل احد،لأن أعماله كانت هشة كالخشب او العشب او القش، فإنه يخسر أجرتة ولكنه سوف يخلص برأفة المسيح ومحبته وشفاعته لأولاده ،  كمـا أن  معلمنا القديس بطرس الرسول يؤكد لنا ذلك بقوله " لأنه هكذا يقدم لكم بسعة دخول إلي ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدي " (2بط1 :11) . وإنني أتضرع إلـي الله القدوس أن يطهرنا ويقدسنا في إسمه القدوس وفي دم ابنه المبارك لنسمع هـذا النداء " تعالـوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ولا يسمح ابدا لأي ابن لـه أن يسمع ذلك القول   " إذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته "

تاسعا : النهاية :

 يشرح لنا معلمنا القديس بولس الرسول بإرشاد من الروح القدس نهاية العالـم فيقـول  " ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين . فإنه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضا قيامة الأموات . لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا فـي المسيح سيحيـا الجميع . ولكن كل واحد في رتبته . المسيح باكورة ثم الذين في المسيح فـي مجيئـه . وبعد ذلك النهاية متي ’سلم الملك لله الآب متي أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة . لأنه يجب أن يملك حتي يضع جميع الأعداء تحت قدميه . آخر عدو يبطل هو الموت . لآنه أخضع كل شئ تحت قدميه . ولكن حينما يقول  أن كل شئ قد ’أخضع فواضح أنه غير الذي أخضع له الكل .  ومتي أخضع له الكل فحينئذ الإبن نفسه أيضا سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل ." (1كو20:15-28) . 

الله واحـد مثلث الأقانيم ، أب وابن وروح قدس ، وهـذه الأقانيم الثلاثة متساوين فـي الجوهر اللاهوتي ، فالله الأب مساوي لله الابن مساوي لله الروح القدس ولكـل منهمـا عمله.  المسيح له المجد هو رأس الكنيسة كما هو مكتوب " وأخضع كل شئ تحت قدميه وإياه جعل رأسا فوق كل شئ للكنيسة . التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل . "( أف22:1-23).  هذه الكنيسة هي الكنيسة المجاهدة هنا علـي الأرض عبر الأجيال والعصور  والتي سارت علي الإيمان القويم ، يعمل فيها الروح القدس المنبثق من الأب والمرسل من الابن ، لكي يثبت إيمان أبنائها ويقويهم ويرشدهم إلي الحق  وينير الطريق أمامهم ، ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول أن الله اختارنا في المسيح لـه كل المجـد كقوله " كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لـوم قدامه فـي المحبة. " (أف 4:1)  . هـذه الكنيسة المجاهدة عبر الأجيال والعصور ينضم اليها الأنبياء وآبائنا الأبرار في العهد القديم ( عب 4:11-38) الذين ارضوا الله بأعمالهم الصالحة وماتـوا علي الرجاء  كقول الكتاب " فهؤلاء كلهم مشهودا لهم بالإيمان لم ينالوا المواعيد إذ سبق الله فنظر لنا شيئا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا " (عب39:11). عنـد المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح علي السحاب فإن الأحياء الباقين إلي يـوم مجئ الرب لا يسبقـوا الراقدين كقوله " لأن الرب نفسة بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولا ثم نحن الأحياء الباقين  سنخطـف جميعـا معهـم فـي السحـب لملاقـاة الـرب في الهواء . وهكذا نكون كل حين مع الرب." (1 تس16:4-17) . هذا الإختطاف لأعضاء الكنيسة المجاهدة إلي ملكـوت السموات لتصبح الكنيسة المنتصرة المجيدة التي رأسها هو المسيح له المجد ، حينئذ يسلم المسيح ابن الإنسان الكنيسة التي فداها بدمه الثمين إلي الآب الذي أخضع كل شيئ تحت قدميه. وبموت المسيح له المجد علي الصليب أباد ذاك الذي له سلطان الموت وأنهي سيادتـه علي الإنسان وبالتالي أنهي سيادة الموت ، وبذلك يكون قد أتم كل عمل جاءالمسيح لأجله وهو فداء وخلاص الكنيسة المنتصرة المجيدة ويسلمها لله الأب ليملك عليهـاويكون الله المثلـث الأقانيم الأزلي في ملكه الأبدي، حيث نكون مع الله كل حين في سعادة الحيـاة الأبدية .                                         



البـاب السـادس

يــوم المجــئ الُثــاني



الكتاب المقدس بعهديه ، العهد القديم والعهد الجديد ، يتحدث عن يوم المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح  وقد استخدمت أسماء كثيرة لهذا اليوم كما  هو موضح فيما يلي :-

أولا : في العهد القديم .

 أ- يـوم الـرب :

1  - تنبأ يوئيل ثلاث  نبوات عن يوم المجئ الثاني ووصفة بأنه قريب فقال " آه علي اليوم لأن يوم الرب قريب . يأتي كخراب من القادر علـي كـل شئ " (يؤ 15:1) ، كذلك وصفـه بأنـه قـادم وأنه   قريب  " اضربوا بالبوق في صهيون صوتوا في جبل قدسي . ليرتعد جميع سكان الأرض لأن يوم الرب قادم لأنه قريب " (يؤ 1:2)،  كما وصفه بأنه قريب في وادي القضاء  " جماهير جماهير في وادي القضاء لأن يوم الرب قريب في وادي القضاء . الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها".  (يؤ14:3-15) .

2 – تنبأ عوبيدا النبي نبوة عن يوم المجئ الثاني ووصفه بأنه قريب وأن فيه أعمال كل إنسان تتبعة " فإنه قريب يوم الرب علي كل الأمم . كما فعلت يفعل بك . عملك يرتـد علي رأسك " (عو 15)  .

3 – تنبأ صفنيا النبي نبوتين عن يوم المجئ الثاني ووصفه أنه قريب كقوله " اسكت قدام السيد الرب لأن يوم الرب قريب. لأن الرب قد  أعد ذبيحة قدس مدعويه " ( صف7:1)،  كذلك وصفه بأنه قريب وسريع جدا كقوله " قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جدا.  صوت يوم الرب . يصرخ حينئذ الجبار مرا . ذلك اليوم يوم سخط يوم ضيـق وشدة يوم خراب ودمار يوم ظلام وقتام يوم سحاب وضباب يوم بوق وهتـاف علـي المدن المحصنة وعلي الشرف الرفيعة " (صف 14:1-16) . في هذه النبوة أعطانا وصفـا دقيقا لما سيكون فيه من سخط وغضب وضيق وخراب ودمار وظلام ، وصوت بوق .

4 – تنبأ عاموس النبي نبوة عن يوم المجئ الثاني علي أنه يوم ظلام وقتام كقوله " أليس يوم الرب ظلاما لا نورا وقتاما  ولا نور له  " (عا20:5) .

5 – تنبأ إشعياء النبي نبوة عن يوم المجئ الثاني ووصفه بأنه قريب  وقـادم كخراب كقوله " ولولوا  لأن يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر علي كل ِشئ . ... . هوذا يوم الرب قادم قاسيا بسخط وحموغضب ليجعل الأرض خرابا ويبيد منها خطاتها . فإن نجوم السموات وجبابرتها لا ’تبرز نورها.  تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوءه ." (إش 6:13 ، 9-10) .

ب- يـوم مجيئـه :

تنبأ ملاخي النبي نبوة عن يوم المجئ الثاني ووصفه بأنه يوم مجيئه ، ومن يثبت عند ظهوره كقوله " ها أنا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلي هيكلـه السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هوذا يأتي قال رب الجنود . ومـن يحتمل يوم مجيئه ومن يثبت عند ظهوره . لأنه كنار الممحص ومثل أشنان القصـار " (ملا 1:3-2) . في هذه النبوة هناك مرسلان ، الأول هو يوحنا المعمدان كما جاء في (مت10:11 ، لو27:7) والثاني هو المسيح له المجد في يوم مجيئه الثاني .

ج- اليـوم المتقـد كالتنـور :

تنبأ ملاخي النبي نبوة عن يوم المجئ الثاني ووصفه بأنه اليوم المتقد كالتنـور  في قوله " فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكـل فاعلـي الشـر يكونون قشا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود فلا يبقي لهـم أصلا ولا فرعـا "  (ملا 1:4) .

ثانيـا : في العهد الجديد :

أ- يـوم الـرب :

1 – كتب معلمنا القديس لوقا البشير عن يوم المجئ الثاني لرب المجد يسوع فقـال " تتحول الشمس إلي ظلمة والقمر إلي دم قبل أن يجئ يوم الرب العظيم الشهير  " (أع20:2) .

2 – كتب معلمنا بولس الرسول عن يوم المجئ الثاني ووصفه بأنه يجئ كلص في الليل كقوله " لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجئ . لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ  يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلي فلا ينجون"(1تس2:5-3) .

3 -  كتب معلمنا القديس بطرس الرسول علي ان يوم الرب سيأتي كلص " ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها . ... . منتظرين وطالبين سرعة مجئ يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب "( 2بط 10:3 ، 12).

ب- اليـوم الأخيـر :1

  كتب معلمنا يوحنا البشير ما  قاله رب المجد يسوع المسيح عن يوم المجئ الثاني ووصفه بأنه اليوم الأخير كقوله " وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئا بل أقيمه في اليوم الأخير . لأن هذة مشيئة الذي أرسلني أن كل من يري الإبن ويؤمن به تكون له حيوة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير . ... .  لا يقدر أحد أن يقبل إلي إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير . ... . من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير " (يو39:6-40 ، 44 ، 54) .

ج - يـوم ابـن الإنسـان :

  كتب معاملنا القديس لوقا البشيرما قاله المسيح له المجد عـن يـوم المجئ الثانـي فوصفه بيـوم ابن الإنسان كقوله " لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضئ إلي ناحيـة تحت السماء كذلك يكون أيضا ابن الإنسان في يومه " ( لو24:17) .

د- يـوم المسيـح :

تكلم معلمنا القديس بولس الرسول عن يوم المجئ الثاني علي أنه هو يـوم المسيح كقوله " ثم نسألكم أيها الإخوة من حهة مجئ ربنا يسوع المسيح وإجتماعنـا إليـه أن لاتتزعزعوا سريعا عن ذهنكم ولا ترتاعوا  لا بروح ولا برسالة كأنها منا أي أن يوم المسيبح قد حضر ."(2تس1:2-2) .  كذلك قوله "واثقا بهذا عينه أن الذي ابتدأ فيكـم عملا صالحا يكمل إلي يوم يسوع المسيح . ... .  حتي تميزوا الأمور المتخالفة  لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلي يوم المسيح " (في1: 6 ، 10   ) . كذلك " الذي سيثبتكم أيضا إلي النهاية بلا لوم في يوم ربنا يسوع المسيح " (1كو 8:1) .

هـ - ذلـك اليـوم :

  1. كتب معلمنا القديس متي البشيرقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر عن يوم المجئ الثاني ووصفه بأنه هو ذلك اليوم كقوله " كثيرون سيقولون في ذلك اليوم يا رب يا رب  أليس بإسمك  تنبأنا وبإسمك أخرجنا شياطين وبإسمك صنعنا قـوات كثيـرة . فحينئذ أصرخ لهم لم أعرفكم قط . اذهبوا عني يا فاعلي الإثم " (مت22:7) .  

2 – كتب معلمنا القديس مرقس البشير قول رب المجد يسوع المسيح عن أن يوم المجئ الثاني لا يعلم به أحد  كقوله " وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلا الآب " (مر32:13) .







البــاب الســابع

الخاتمــة

إن المسيحية ليست فقط ديانة تحض علي الفضيلة وتنهي عن الرذيلة كباقـي الأديـان الأخري. ولكنها ديانة  سماوية تهتم بروح الإنسان ووجدانه ، تجعـل روح الإنسـان تسمو نحو الخالق وملكوت السموات، والكتاب المقدس يبشرنا بالفداء والخلاص الذي تممه لنا الرب يسوع المسيح وهو معلق علي عود الصليب وأيضـا بالخلاص الـذي سيتممه لنا عند مجيئه الثاني. وكما صنع الله لـه بيتا هنا علـي الأرض ، وهى خيمة الإجتماع في العهد القديم ، وكما أسس المسيح له المجد كنيسة العهد الجديد بنفسه ، كذلك أعد لنا بيتا في السماء كقوله الصادق " في بيت أبي منازل كثيرة. وإلا فإني كنت قد قلت لكم . أنا أمضي لأعد لكم مكانا . وإن مضيت وأعددت لكم مكانـا آتـي أيضا وآخذكم إليَ حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا " (يو2:14-3) . ملكوت السموات والحياة الأبدية هـي وطننا الدائم ، وكـل المؤمنون المسيحيون تتجـه أنظارهـم وقلوبهـم دائمـا إلـي هـذا الوطن السماوي ، وكنيستنا الأرثوذوكسية دائما في القداس الإلهـي تذكرنا بذلـك فالأب الكاهن يقول " إرفعوا قلوبكم " فيجاوبه الشعب قائلين ” هـي عنـد الرب" ثم بعـد ذلـك يرددون تسبحـة الملائكة الواقفون أمام العرش الإلهـي قائليـن " قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤوت السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس ". وحينما ينتهي هذا العالم ويزول" يكون الله الكل في الكل " (1كو 15: 28) و سوف لا يبقي سوي كنيسة الأبكار المفدية فـي مقرها السماوي الدائم .

الله من محبته للإنسان بذل إبنه الوحيد لكي يرد الإنسان إلي رتبته الأولي كقول معلمنا  القديس يوحنا البشير " لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (يو16:3) ، لأن " الله يريد أن الكل يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون " (1تيمو4:2)  ،  والأب الكاهن يقـول فـي القداس الإلهي " ليس شئ من النطق يستطيع أن يحد لجة محبتك للبشر " والله قد ميـز الإنسان بـأن أعطاة نفسا حية خالدة  أما كل المخلوقات الأخري فإنه قد جعل نفسها فـي دمها كقول الكـتاب عـن الإنسان " فيرجع التراب إلي الأرض كما كان وترجع الروح إلـي الله الذي أعطاها" (جا7:12) ، لأنه عندما خلق الله آدم " وجبل الرب آدم ترابا من الأرض . ونفخ في أنفه نسمة حيوة .فصار آدم نفسا حية " (تك 7:2) ، أما عـن باقي المخلوقات قال " وقـال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها . بهائم ودبابات ووحـوش أرض كأجناسها . وكـان كذلك " (تك 24:1) .

وعندما خلق الله الإنسان خلقة علي صورتة ومثالة كقوله " فخلـق الله الإنسان علـي صورته . علي صورة الله خلقه. ذكرا وأنثي خلقهم " (تك27:1)، لذلك أعطـاة عقـلا وفهما ومعرفة ، واعطاة أن يميز بين الخير والشر ومنحه حرية الإرادة ، كذلك منحـه بعض الفضائل كالمحبه والتواضع والرجاء والرحمة والصبر ليكون إلي حد ما مشابهـا لصورة لله ، كذلك أعطاة معرفة أن روحة خالدة وأنها سوف تنتقل بعد أن تفارق الجسد إماإلي فردوس النعيم وهو مكان إنتظار الأبرار أو إلي الجحيم  وهـو مكـان إنتظـار الأشرار وفي نهاية العالم وبعد الدينونة ستذهب  إما إلي  الحياة الأبدية أو إلي جهنـم  ،  ومعلمـنا القديس بولس الرسول يوضح لنا أنه لابد أن يكون لنا هدف واضح فـي هذه الحياة ، ويجب أن لا يقتصرعلي هذه الحياة الفانية بل يجب أن يكون هدفنا الأكبر نحـو ميراث الحياة الأبدية كقوله " إن كان لنا في هذه الحيوة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقي جميع الناس . ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين . فإنـه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضا قيامة الأموات." (1كو19:15-21) ، و لذلك عنـد المجئ الثاني يقول معلمنا القديس بولـس الرسول " لذلك رفعه الله أيضا وأعطاة إسما فوق كل إسم . لكي تجثو باسم  يسوع  كل ركبة ممن في السماء ومن علـي الأرض ومن تحت الأرض . ويعترف كل لسـان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب"( في9:3-10).

وعقيدتنا الأرثوذكسية تعلمنا أن أي إنسان لايؤمن بقلبه ويعترف بلسانه أن المسيح هـو الله الظاهر في الجسد والذي تنازل وتجسد من الروح القدس ومن العذراء الطاهـرة مريـم ،  وتألم وصلب وقبر وقام في اليوم الثالث وصعد إلي السماء وجلس عن يمين الآب ، وانه سوف يأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات ويجازي كل واحد حسب أعماله ،  وأيضا كل من لـم  يعتمد من الماء والروح ، وكذلك كل من لم يحل عليه الروح القدس عـن طريـق قبـول المسحـة المقدسة فلن يستطيع دخول ملكوت السموات ولـن يكـون لـه نصيب وميراث فـي الحياة الأبدية مهما كانت أعمالة صالحة ومهما كان يخـاف الله ويخشـاه  ، سواء كان يهوديا أو بوذيا أو من أي ديانة أخـري. فالأعمـال الصالحة ومخافة الله ليس لها قيمة مادام لم يؤمن الإنسان بإبن الله وما دام لـم ينال المعموديـة لمغفـرة الخطايـا السابقـة للمعموديـة ، و لـم يتناول بعـد ذلك مـن الأسرار المقدسة لأن " دم المسيح يطهرنا من كـل خطيـة " كقـول معلمنـا يوحنا البشير " كل من يؤمن أن يسوع هـو المسيح فقـد ولـد مـن الله ." (1يو1:5) ، وكقول رب المجد يسوع المسيح لنيقوديموس " الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولـد مـن الماء والروح لا يقـدر أن يدخـل ملكوت الله " (يو5:3) ، وأيضا قوله " وكما رفع موسي الحية في البريـة هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان . لكي لا يهلك كل من يؤمن به بـل تكون لـه الحيوة الأبدية " (يو 14:3-15) . ويقدم لنا معلمنا القديس بولـس الرسـول الإرشـاد الروحـي فيقـول " لذلـك نحـن أيضا إذ لنـا سحابة مـن الشهـود مقدار هـذه محيطة بنـا لنطرح كل ثقـل والخطية المحيطـة بنـا بسهولـة ولنحاضـر بالصبـر فـي الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلـي رئيس الإيمـان ومكملـة يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمـل الصليـب مستهينـا بالخزي فجلس فـي يمين عرش الله " (عب1:12-2) .

 ويوضح لنا معلمنا القديس بولس الرسول من هم هؤلاء الذين ليس لهـم نصيب  فـي ملكوت الساوات وليس لهم ميراث في الحياة الأبدية ، كقوله " لأنكم تعلمون أية وصايـا أعطيناكم بالرب يسوع . لأن هذه هي إرادة الله قداستكم . أن تمتنعوا عن الزنا أن يعرف كل واحد منكم أن يقتني إناءه بقداسة وكرامة . لا في شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله . أن لا يتطاول أحد ويطمع علي أخيه في هذا الأمر لأن الرب منتقم لهذه كلها كما قلنا لكم قبلا وشهدنا . لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل فـي القداسة  " (1تس 2:4-7) ، لأن مـن يقترفون هـذه الأفعال هم خطاة أثمة وغيرمؤمنون يعيشـون حيـاة النجاسة والرذيلة، ونظرا لأهميتة فقد جاهدت أن أجمع  كل ما كتب في الكتاب المقدس لألفت أنظار القارئ إلي خطورة هذه الأعمال البشعة حتي لا يستهين أحدا ويضل الطريق ،  كذلـك قولـه  " وإعمال الجسد ظاهرة التـي هي زني عهارة نجاسة دعارة . عبادة الأوثـان سحـر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكـوت الله".  (غل19:5-21) ، وكذلك قوله " وأما الزني وكل نجاسة أو طمع فلا يسم بينكم كما يليق بقديسين ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل الذي لا يليق بل بالحري الشكر . وإنكـم تعلمون هذا أن كل زان أو نجـس أو طماع الذي هو عابد للأوثـان ليس لـه ميـراث فـي ملكوت المسيح والله "  (أف3:5-5) ، وأيضا قوله" أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله . لآ تضلوا لا زناة ولا عبدة أوثـان ولا فاسقـون ولا مأبونـون ولا مضاجعوا ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفـون يرثون ملكوت الله "(1كو 9:6-10)، أما معلمنا القديس يوحنا البشيـر فيقـول "وأمـا الخائفون  وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزنـاة والسحـرة وعبـدة الأوثـان وجميـع الكذبة فنصيبهم في البحيـرة المتقدة  بنار وكبريت الذي هو المـوت الثانـي " (رؤ8:21)  .

فأي خطية من الخطايا السابقة كفيلة بأن تحرم الإنسان من ملكوت السمـوات وتسلبـة ميراثـة الأبدي ، " فالخطية هي تمرد وعصيان علي الله وكسر لوصاياة " ، والله يقول علي فم معلمنا القديس يوحنا الرائي " من يغلب يرث كل شئ وأكون لـه إلهـا وهـو يكون لـي إبنا  " (رؤ 7:21) ، كذلك يقول" ها أنا آتي سريعا وأجرتي معـي لأجازي كل واحد كما يكون عمله " (رؤ 12:22) .

يظن بعض الناس أن الكذب خطية صغيرة ، ولكي يحللوا لأنفسهم الكـذب يقولـون أن هناك كذبة بيضاء وكذبة سوداء ، والإنسان الكذاب هو ابن للشيطان كقول رب المجـد يسوع المسيح " أنتم من أب هو ابليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا . ذاك كان قتالا للناس منذ البدء ولم يثبت في الحق لأن ليس فيه حق . متي تكلم بالكذب فإنما يتكلم ممـا له لأنه كذاب وأبو الكذاب " (يو44:8) ، ومعلمنا القديس يعقوب يقول في ذلك " لأن من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرما في الكل "  (يع10:2) .  كما ان الخوف هو غريزة طبيعية عند الإنسان ، ولكن ما يقصده الله علي فـم معلمنـا القديس يوحنا الرائي ليست غريزة الخوف ، ولكن هي الخوف من الشهادة للمسيح أمام الرؤساء والملوك والولاة ، كذلك الخوف من الإستشهاد أيام الإضطهاد أو الخوف من أن يشهـد ضد إنسان إرتكب جرما معينا هو يعلمه فيخاف أن يقول الحق فيؤذيه . فالإنسان المؤمن لايخاف لآنه دائما يلقي همه علي الله  ويترنم مع  معلمنا داود النبي قائلا  " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف . الرب حصن حياتي ممن أرتعب. عندما اقترب إلـي الأشرار ليأكلوا لحمي مضايقيَ  وأعدائي عثروا وسقطوا . إن نزل عليّ جيش لا يخـاف قلبي. إن قامت عليَ حرب ففي ذلك أنا مطمئن. "( مز1:27-3).

 إن الإباحية والدعارة والشذوذ الجنسي أمر لا يقبلة الله القدوس ، لأن الله منذ البدء خلق  الإنسان ذكرا وأنثي كقول الكتاب " فخلق الله الإنسان علي صورته . علـي صورة الله خلقه . ذكرا وأنثي خلقهم " (تك27:1) . كما أن الله عندما خلق لأبونا آدم زوجة خلق له حواء واحدة فقط  كقول الكتاب " وقال الرب الإله ليس جيدا أن يكون آدم وحده . فأصنع له معينا نظيره " (تك18:2) . والإنسان الذي يكسر وصايا الله وتعاليمه إنما يجلب علي نفسه غضب الله ودمار حياته لأن مصيرة جهنم النار الأبدية ، والكتاب المقدس يوضح ذلك جليا في مواضع مختلفة ، سوف أكتفي بحالتين منها ، الأولي أيام أبونا نـوح الذي يشهد عنه الكتاب " كان نوح رجلا بارا كاملا في أجياله . وسار نوح مع الله " (تك9:6)، ففي أيام أبونا نوح إنتشرت الإباحية والخطية وزادت الشرور كقول الكتاب " وفسـدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما . ورأي الله الأرض فإذا فسدت . إذ كـان كـل بشر قد أفسد طريقه علي الأرض. فقال الله لنوح نهاية كل بشر قـد أتـت أمامي . لأن الأرض امتلأت ظلما منهم . فها أنا مهلكهم مع الأرض . " (تك11:6-13) . فأنزل الله الطوفان وأغرق الأرض بما فيها ليغسلها ويطهرها وليقضي علـي الشـر والخطية ، وإستبقي الله لـه ثمانية أنفس أبرارهم نوح وزوجته وأولاده الثلاثة ساما وحاما ويافث وزوجاتهم ليعمر بهـم الأرض التي طهرها الله وأزال كل نجاساتها بالطوفان . أمـا الثانية فقد كانت أيـام أبونا لوط البار عندما إنتشر الشر والفساد بكل أنواعه في مدينتي سدوم وعموره كقول الكتاب " وقال الرب إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جدا "( تك 20:18). فأرسل الله ملاكين إلي لوط ليخرجاه من مدينته سدوم حتي لا يهلك ويقـول الكتـاب المقدس . "ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجلان لوطا قائلين قـم خـذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك بإثم المدينة. ولما تواني أمسك الرجلان بيـده وبيـد إمرأته وبيد إبنتيه لشفقة الرب عليه وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة . ... . وإذ أشرقـت الشمـس علي الأرض دخل لوط إلي صوغر . فأمطر الرب علي سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء ." (تك15:19-16 ، 23-24). والسبب في تواني وتلكؤ لوط هو أنه لا يريد أن يترك ثروته  ورفاهيته  وراءه في سدوم ، ويبدو أن الناس في عصر لوط كانوا يقترفون نفس الخطايا البشعة المنتشرة فـي العالم هـذه الأيام ، وهذا منـذر بقـرب المجئ الثاني ونهاية العالم.

 وبإختصار أي إنسان مسيحي مؤمن  هو هيكلا لله ، والله يسكن فيه كقول معلمنا القديس بولس الرسول " أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم. إن كـان أحـد يفسد هيكل الله  فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو " (1كو16:3-17). كذلـك يقول " اهربوا من الزني . كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد . لكن الـذي يزني يخطئ إلي جسده . أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكـم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم . لأنكم قد اشتريتم بثمن . فمجدوا الله في أجسادكـم وفي أرواحكم التي هي لله " (1كو18:6-20) . والله يقول لكل إنسان " أشهد عليكم اليوم السماء والأرض . فد جعلت قدامك الحيوة والموت . البركة واللعنة . فاختر الحيوة لكي تحيا أنت ونسلك " (تث 30:19) .

أي إنسان يريد أن يكون له نصيب في الميراث الأبدي لا بد أن يسير حسب وصايا الله وتعاليمه وأن  ينمي في داخله الإيمان والتواضع والمحبة والرأفة والرحمة وهو ما زال علي هذه الأرض ، لا بد أن يسهـر علي حياته "  لذلك يقول استيقظ أيهـا النائم وقـم مـن الأموات فيضئ لك المسيح " (أف14:5) ، كذلك قوله " لأن ثمرالروح هو في كل صلاح وبر وحق " (  أف9:5) .

المؤمنون المسيحيون مدعون جميعا أن يعيشوا حياة القداسة  وأن يسلكوا فـي القداسة وهم هنا علي هذه الأرض حتي يكونوا مستأهلين لميراث الحيوة الأبدية التي وعدنا بها الرب يسوع كقول معلمنا القديس بولس الرسول " وأما الأن إذ أعتقتـم مـن الخطيـة وصرتم عبيدا لله فلكم ثمركـم للقداسة والنهاية حياة أبديـة " (رو22:6)  ،  ونكـون مستعديـن ومستأهلين لحضور وليمة عرس الخروف ، فالقداسة هـي بمثابـة البـز والرداء الـذي يرتديه المدعوين لكي يكونوا مستأهلين لحضور الوليمة كقـول الملاك لمعلمنا القديـس يوحنا الرائي " لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن عرس الخروف قد جاء وامرأتـه هيأت نفسها  . وأعطيت أن تلبس بزا نقيا بهيا لآن البز هوتبريرات القديسين" (رؤ 7:19-8).

القداسة والطهارة والعفة هي سمات شعب كنيسة الله المجاهدة كقوله " وأمـا أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب إقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكـم مـن الظلمة إلي نوره العجيب " (عب39:10) . كذلك يقـول معلمنـا القديس بولس الرسول " اتبعوا السلام مـع الجميع والقداسة التي بدونها لـن يري أحـد الرب ملاحظين لئلا يخيب أحد من نعمة الله " (عب 14:12-15) .

لنفرح ولنتهلل لأن  الله حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي ولميراث لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل كقول معلمنا القديس بطرس الرسول " مبارك الله أبـو ربنـا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجـاء حـي بقيامة يسوع المسيح مـن الأموات لميراث لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلكم أنتم الذين بقوة الله محروسين بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير " (1بط3:1-5) .

وليس هناك كلمات أجمل من تلك الكلمات التي قالها  أيضا معلمنا بطـرس الرسـول بإرشاد من الروح القـدس   " ومتي ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلي " (1بط4:5) .
وانني أتضرع وأبتهل إلي الله أن يكون هذا البحث سبب بركه وإستنارة روحية لكثيرين حتي تكون أسماؤنا مكتوبة في سفر الحياة ويكون لنا نصيـب في ملكـوت السمـوات و ميراث في الحياة الأبدية . بشفاعة أمنا الطاهره والـدة الإلـه القديسة العذراء مريم  والقديس يوحنا المعمدان ورئيس الملائكة ميخائيل ، وبالصلوات والطلبات والتسبيحات التي ترفعها عنا الطغمات السمائية والأنبياء وكاروز الديار المصرية وكافـة الرسـل الأطهار والقديسين والشهداء ، وصلـوات أبينا الطوباوي قداسة البابا شنـوده الثالـث وشريكه فـي الخدمة الرسولية نيافة الحبر الجليل الأنبا دانييل وسائر أبائنـا المطارنة والأساقفـة والكهنـة ، وإخوتنا الشمامسة وإخوتنـا الرهبان  وكافة المؤمنين في كل المسكونه ، ولإلهنا المجد الدائم إلي الأبد

No comments:

Post a Comment