Friday, March 4, 2016

معجزة الإثني عشر


البــــاب الأول

معجـــــزة  الإثنــــي عشـــــر



                                                             المقـــــدمه





كان استسلام الإمبراطورية الرومانية رغم عظمتها وقوتها وجبروتها لبشارة الفداء والخلاص لربنا ومخلصنا يسوع المسيح ، القادمة من الشرق علي أيدي خاصته وأتباعه المعروفون باسم التلاميذ او الرسل الإثني عشر الذين إختارهم للكرازة  ، دليلا واضحا وصريحا علي قوة عمل الروح القدس الذي حل عليهم يوم الخمسين وعلي مقدار جهودهم التبشيرية . كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم . لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي " (يو16:15) ، كذلك " فقال لهم إن الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون . فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلي حصاده . اذهبوا . ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب ." (لو2:9-3) . ولم تكن مهمتهم الكرازية سهلة،  لكنها كانت صعبة مملوءة بالمخاطر والأهوال والإضطهادات والتعذيبات ، كقول رب المجد يسوع بفمه الطاهر   " .... في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا . أنا قد غلبت العالم " ( يو33:16) .

من كان يظن أن حفنة قليلة من الرجال البسطاء العاميين وعديمي العلم لا يزيد عددهم عن إثني عشر ، وبعيدين كل البعد عن نطاق المدارس الفلسفية أو الأفكار السياسية أو الدينية ، ولم يكونوا أثرياء بل معدمين ، بدون مراكز إجتماعية أو مناصب مرموقة في الدولة والمجتمع في ذلك الوقت ، يستطيعون أن يحققوا هذا النجاح في نشرالبشارة المفرحة بالإنجيل في العالم كله . لم يكونوا يتبعون قائدا حربيا قويا معروفا عالميا ، بل كانوا يتبعون رجلا جليليا فقيرا ولد في مذود بقر ، قضي الثلاثين عاما الأولي من حياته في حرفة النجارة ، لم يكتب كتابا دون فيه تعاليمه الروحية كأعظم فلاسفة العالم ،  ليشتهر به ويكون منارا لأتباعه من بعده ، لكنه قضي تقريبا الثلاث سنوات ونصف الأخيرة من عمره في التبشير بالتوبة والخلاص. يصنع معجزات لاحصر لها مظهرا سلطانه الإلهي علي الطبيعة (مت 28:8 ، 25:14 ،مر48:6 - 49، يو19:6    )  ، يقيم الموتي (يو3:11-4 ، مر41:5-42 ، لو13:7-14) ، يشفي المرضي من كل مرض (يو6:9-7) ، ويشبع الجموع الغفيرة من خمس خبزات وسمكتين (يو9:6-13) ، ويحول الماء إلي خمر(يو6:2-10). كان يدرب تلاميذه الإثني عشر(مت 1:10)  ، وأرسلهم للكرازة وأوصاهم " وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين إنه قد اقترب منكم ملكوت السموات . اشفوا مرضي . طهروا برصا . أقيموا موتي .أخرجوا شياطين . مجانا أخذتم مجانا إعطوا " (مت7:10-8)،   وزودهم فيما بعد بالقوه ، قوة الروح القدس التي وعدهم بها " لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق . لأنه إن لم أنطلق لآ يأتيكم المعزي . ولكن إن ذهبت أرسله إليكم . ومتي جاء ذاك يبكت العالم علي خطية وعلي بر وعلي دينونة. أما علي خطية فلأنهم لم يؤمنون بي . وأما علي بر فلأني ذاهب إلي أبي ولا ترونني أيضا . وأما علي دينونة فلأن ريئس هذا العالم فد دين" (يو7:16-11) . كذلك  قال لهم " وأما متي جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلي جميع الحق لأنه لايتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية . ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم . "(يو13:16-14) . لقد إختار تلاميذه ليكونوا شهود عيان لحياته علي الأرض ولكرازته وتعاليمه وصلبه وقيامته ، ومن كان يتوقع أن يكون لشهادتهم كأتباع        " شخص محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به " (إش3:53) ، علق علي الصليب بين لصين ، هذا التأثير الهائل في العالم أجمعه. إنها أعظم معجزه من كل معجزات رب المجد يسوع التي  صنعها  أثناء خدمته الكرازية . فالمعجزة هي عمل خارق لقوانين الطبيعة لا يقبله العقل أو المنطق إلا بالإيمان .      

لكن الحقيقة المذهلة  أنهم قد جابوا العالم أجمع كارزين ومبشرين بيسوع المصلوب وتعاليمه السامية واستطاعوا أن يقنعوا الناس في كل مكان بشروا فيه بالإيمان بيسوع أبن الله الحي . وكان الناس يأتون مؤمنين وساجدين وخاضعين ومعترفين بخطاياهم لكي ينالوا الخلاص بالإيمان والمعمودية  ، كقول الكتاب " وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون بإسمه . الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" ( يو 12:1-13)  ، كذلك " من آمن واعتمد خلص . ومن لم يؤمن يدن " (مر16:16) .

وكلمة تلاميذ  هي جمع تلميذ وهي تدل في معناها العالمي علي كل انسان تتلمذ علي يدي معلم او معلمين طلبا للعلم والمعرفه . أما في المسيحية فكلمة تلاميذ تعني في معناها الخاص كل من تتلمذ علي يدي المسيح له المجد وتبعه ورافقه أينما ذهب طوال مدة الثلاث سنوات ونصف وهي مدة خدمته الكرازية ، عاين تعاليمه السمائية وعاشها وثبت فيها ، وكان شاهدا  لعماده ولمعجزاته ولمحاكمته وصلبه ودفنه وقيامته من بين الأموات وصعوده إلي السموات ، وكان من ضمن من حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين . أما في معناها العام بعد صعود المسيح له المجد فهي تطلق علي كل من يعترف بالمسيح ربا ومخلصا. كلمة تلميذ مترجمة من الكلمة اللاتينية     discipulus أما كلمة رسول التي وردت في العهد الجديد فهي مترجمة من الكلمة اليونانية apostolos للدلالة علي كل مرسل أو مبعوث من الله . وقد جاء في سفر التكوين عندما قال يوسف لإخوته " فقد أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض وليستبقي لكم نجاة عظيمة " (تك7:44) ، وكقول معلمنا القديس بولس الرسول بالروح القدس " من ثم أيها الإخوة القديسون شركاء الدعوة السموية لاحظوا رسول إعترافنا ورئس كهنته المسيح يسوع ..." (عب 1:3) . فالمسيح رسول مرسل من الله الآب لفداء وخلاص البشرية ، كذلك  " بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل إبنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به " (1يو 9:4) ، أيضا " ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصا للعالم " (1يو14:4) ، ولكي يتكلم بكلام الله " لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله . لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح " (يو34:3)، ويتمم مشيئة الله كقول رب المجد يسوع المسيح " لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي يل مشيئة الذي أرسلني . وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئا بل أقيمه في اليوم الأخير. لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يري الإبن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير " (يو38:6-40) .

والكرازة بالإنجيل تلمذة كقول رب المجد يسوع المسيح " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر. آمين " (مت19:28) . كذلك مكتوب أن القديسين بولس وبرنابا عندما ذهبا إلي دربة " بشرا في تلك المدينة وتلمذا كثيرين " (أع21:14) ، وهذا يدل علي أن التلاميذ تتلمذ علي أيديهم أناس آخرين ليكونوا تلاميذا  ورسلا لهم ليكرزوا بالإنجيل .  وكما هو مكتوب  كان لمعلمنا إشعياء النبي تلاميذ  " صر الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي " (إش 16:8) ، وهي تعني احفظ وادخر الشهادة بالله ، واختم الشريعة في قلوب تلاميذي . وكان الفريسيون يعتبرون أنفسهم تلاميذ موسي النبي ويفتخزون بذلك كما هو مكتوب أنهم قالوا للمولود أعمي " ... أنت تلميذ ذاك . وأما نحن فإننا تلاميذ موسي ." (يو28:9). كما كان لمعلمنا يوحنا المعمدان تلاميذ " حينئذ أتي اليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وأما تلاميذك فلا يصومون. " (مت 14:9) . وقد      " دعي التلاميذ مسيحين في أنطاكية أولا " (أع 26:11) .

وهناك شروط يجب توافرها للتلمذة ، أولها الثبات في وصايا الرب وتعاليمه كقول رب المجد يسوع " إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي " (يو31:8) . والشرط الثاني للتلمذة هو وجود المحبة الصادقة كقول السيد المسيح لتلاميذه " بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي ، إن كان لكم حب بعضكم لبعض " (يو35:13) . والشرط الثالث للتلمذة  هو الترك  كقول رب المجد يسوع " إن كان أحد يأتي إليً ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وإخوته وأخواته حتي نفسه أيضا فلا يقدر أن يكون لي تلميذا " (لو26:14) ، أيضا " فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذا " (لو33:14) ، والمقصود من كلام السيد المسيح ليس هو تفتيت الأسرة وانقسامها وزرع بذور البغضة والكراهية ، لأن المسيحية تكرم الأسرة وتقدس الزواج فهو أحد الأسرار الكنسية السبعة وهي تنادي بالمحبة. البغضه هنا تعني فك الروابط الأسرية الشديدة والتي سوف ’تقطع يوما ما بالموت فهي روابط عالمية فانية وزائلة ، لأن الذي ينطلق في الحياة الروحية مع الله يبدو كمن ولد من جديد ولادة روحانية فالمسيح له المجد هو الحياة الآبدية والملكوت .  وليس من الممكن ان كل الناس يتركون أعمالهم ويتفرغوا للكرازة بإسم المسيح فمن الممكن أن تكون علمانيا وفي وظيفة شريفة ومن خلالها تخدم اللة وتكرز بإسمه . لقد حذر السيد المسيح الجموع  حتي لا يندفعوا وراءه في حماس سطحي وأوضح لهؤلاء السطحين أن يتعمقوا ويعرفوا أن هناك تكلفة في حياتهم العائلية والمالية أيضا، لأنهم لا يستطيعون خدمة سيدين ، إما الإهتمام بحياتهم العائلية والمالية او إهتمامهم بالتبعية للسيد المسيح والتلمذة علي يديه والكرازة بإسمه.  والشرط الرابع هو حمل الصليب حينما قال لهم " ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا "  (لو 27:14) . ومعني حمل الصليب هنا كان معروفا للجمهور الذي تبعه ، فعندما كان الرومان يريدون تنفيذ حكم الإعدام علي شخص مجرم ،  كانوا يجبرونه علي حمل الصليب الذي سوف يصلب عليه إلي مكان الإعدام ، كنوع من إظهار خضوعه لروما وللحكم الروماني . إن إيماننا المسيحي ان موت المسيح له المجد علي الصليب وقيامته  هو موت وقيامة لنا في ذات الجسد الذي له الذي هو نحن " حمل هو نفسه خطايانا في جسده علي الخشبة  لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر . الذي بجلدته شفيتم " (1بط24:2)  فالتلمذة هي خضوع تام وتسليم كامل للرب .



البـــــاب الثـــــاني




إختيــــــار الإثنــــــي عشـــــر








لقد كان للسيد المسيح تلاميذ كثيرين ، ولا تعطينا الأناجيل الأربعة  عدد هؤلاء التلاميذ ، ولكن يوضح لنا معلمنا القديس متي البشير في الموعظة علي الجبل (اصحاح5 ، 6، 7 ) أن رب المجد يسوع عندما " رأي الجموع صعد إلي الجبل . فلما جلس تقدم إليه تلاميذه " (مت 2:5) وبدأ يعلمهم  .  فهذه الجموع  كان بينهم عدد كبير من تلاميذه (لو17:6)، وكان يعلمهم بسلطانه الإلهي " فلما أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه. لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة " (مت 28:7-29) . هذا بالإضافة للسبعين رسولا ونسوة كثيرات ،  بالإضافة إلي القديس مرقس الذي لم يختار ضمن الإثني عشر وهو كاتب أول الأناجيل الأربعة ، كذلك معلمنا القديس لوقا لم يختار ضمن الرسل الإثني عشروهو كاتب الإنجيل المعروف بإسمه ،  وقد  إختار من  كل هؤلاء  إثني عشر تلميذا  ليكونوا أتباعه  وخاصته المقربين له . ليكونوا شهود عيان لكل التفاصيل الدقيقة في حياته الكرازية إبتدءا من عماده ومحاكمته وتعذيبه وصلبه وموته ودفنه وقيامته وظهوراته لهم طوال أربعين يوما وأيضا كانوا ممن حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين حتي تكون شهادتهم صادقة ومقنعة بما لا يدع مجالا للشك في صحة هذه البشارة كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " ومتي جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي . وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الإبتداء "(يو26:15-27)،   أيضا " لكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلي أقصي الأرض" (أع8:1) .

عندما اختار رب المجد  يسوع المسيح أولئك التلاميذ الإثني عشر الأوائل قال لهم بفمه الطاهر " هلم ورائي فاجعلكما صيادي الناس " (مت 19:4،مر17:1) ،  فقد اختارهم كمبعوثون شخصيون في فترة كرازته ليكرزوا للشعب وزودهم بالسلطان   " ودعا تلاميذه الأثني عشر وأعطاهم قوة وسلطانا علي جميع الشياطين وشفاء أمراض . وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله  ويشفوا المرضي " (لو1:9-2) ، ثم جدد ارساليته لهم بعد قيامته (انظر يو21:20، مت19:28)  .  وربما يتساءل سائل لماذا كان عدد التلاميذ اثني عشر لا أزيد ولا أقل ؟ حتي بعد أن شنق يهوذا الإسخريوطي الخائن نفسه وأصبح عددهم  11  رسولا ، عين  بقية الرسل  متياس بديلا  عنه ليحل محله ، وذلك بعد أن صاموا وصلوا والقوا القرعة (أع    23:1 – 26)  حتي لا ينقص العدد عن 12  !!!! .

وللإجابة علي هذا السؤال الذي قد يبدو صعبا ،  فلابد من الرجوع إلي الكتاب المقدس الذي ’يدخر فيه كل كنوز العلم والمعرفة " لأن فيه معلن بر الله " (رو17:1).  فلو دققنا في العهد القديم نجد أن هناك رموز وإشارات تشير إلي ذلك ، ففي أثناء ارتحال معلمنا موسي النبي بإسرائيل من بحر سوف جاءوا إلي إيليم " ثم جاءوا إلي إيليم وهناك إثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة" (خر27:15) ، فالإثنتا عشر عين ماء تشير وترمز إلي الإثني عشر رسولا الذين بشروا بكلمة الله ينبوع الماء الحي والسبعون نخلة ترمز إلي السبعون رسولا ، كما أن عدد أسباط إسرائيل اثني عشر ، وكانت كل هذه الأسباط الإثني عشر ترمز إلي الرسل الإثني عشر       " أسباط العهد الجديد " أي " كنيسة العهد الجديد " الذين اختارهم رب المجد يسوع في اُثناء كرازته . أما لماذا رقم 12 وليس 11  ؟ فواضح جدا من إرسالية السيد المسيح للرسل ، فقد أرسلهم اثنين اثنين كقول معلمنا القديس مرقس الرسول " ودعا الإثني عشر وإبتدأ يرسلهم اثنين اثنين . وأعطاهم سلطانا علي الأرواح النجسة" (مر7:6) ، كذلك " وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم إثنين إثنين أمام وجهه إلي كل مدينة وموضع حيث كان مزمعا أن يأتي " (لو1:10) ، فكان لابد أن يكون العدد زوجي وليس فردي لكي يرسلهم اثنين اثنين . والدارس للكتاب المقدس يجد أن المبدأ الإلهي إثنين إثنين موجود في العهد القديم ايضا ، فقد كان موسي النبي يلزمه هرون الكاهن ، وإيليا النبي يلزمه إليشع النبي . ففي وجود الإثنين معا  كان كل منهما يكمل نقائص الآخر ويقوي ضعفات الآخر ، وكان ما يخرج من شخصين غير مكتملين شخص مكتمل . 

وقد وجدت أنه من الضروري أن أوصح أنه بعد استشهاد معلمنا القديس يعقوب الرسول وهو يعقوب بن زبدي أخو القديس يوحنا الرسول ، أول شهيد من الإثني عشر رسولا وثاني شهيد في الكنيسة الأولي بعد إسطفانوس رئيس الشمامسة ، قد وجد الرسل أنه ليس ضروريا تعين آخر مكانه لتكميل العدد إلي إثني عشر . فالأهمية الحقيقية للرسل الإثني عشرلم تكن مرتبطة بحياة الجماعة المعاصرة ، لأنها تكونت في البداية من أجل ملكوت الله الآتي وواجبهم الحقيقي الذي سوف يمارسونه في آخر الأيام . فهم سوف يجلسون علي اثني عشر كرسيا يدينون أسباط إسرائيل الإثني عشر، كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متي جلس ابن الإنسان علي كرسي مجده تجلسون أنتم أيضا علي إثني عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الاثتي عشر. .... ويرث الحياة الأبدية" (مت28:19- 29) .

وقد اختارهم رب المجد يسوع المسيح عندما التقي بهم لأول مرة ليس لاستحقاق فيهم،  ولكن بسبب ما يمكن أن يؤولوا  إليه بفضل تعاليمه السمائية وقوته الإلهية . فهو الفخاري الأعظم العالم بكل شئ الذي  يستطيع أن يغير ويشكل الإنسان الذي يريده أن يخدمه لإعلان حبه للبشرية ونعمته المجانية بالخلاص كقول السيد المسيح بفمه الطاهر " كل شيئ قد دفع لي من أبي . وليس أحد يعرف الإبن إلا الآب . ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له ." (مت 27:11)  .  فقد كان اختيارهم وتعينهم كشهود جديرين بالثقة نابعا من إرادته الإلهيه ووفقا لخطة الآب السماوي الأزلية لخلاص البشرية . وقد تم هذا الإختيار بعد قضاء الليل كله في الصلاة طالبا إرشاد الآب السماوي لكي تشترك الأقانيم الثلاثة في إختيار الإثني عشر رسولا من بين تلاميذه ، وكما هو مكتوب " ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضا رسلا. سمعان الذي سماه أيضا بطرس واندراوس أخاه.  يعقوب ويوحنا . فيلبس وبرثولماوس. متي وتوما . يعقوب بن حلفي وسمعان الذي يدعي الغيور . يهوذا أخا يعقوب ويهوذا الإسخريوطي الذي صار مسلما أيضا "     ( لو13:6- 16) . ثم بعد ذلك تركزت صلاته وطلباته علي الرسل الذين إختارهم حتي يتركوا العالم ويتفرغوا للكرازة،  ويأتو بثمر ويدوم ثمرهم  (يو 16:15) . حتي في صلاته الشفاعية في العلية ، كشف بحكم علمه السابق النقاب عن يهوذا الخائن    " حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب"  (يو12:17) ، والمقصود بالكتاب هو نبوة زكريا النبي ( زك 12:11-13) .  وبعد صعود رب المجد يسوع وحلول الروح القدس عليهم في العلية يوم الخمسين  اصبحت خدمة الرسل هي الكرازة بالإنجيل ، وأخذوا علي عاتقهم مهمة تلمذة الآخرين للمسيح ، وكانوا مسؤلون عن تأسيس الكنائس البشرية لا الحجرية في كل مكان كرزوا فيه ، وبالتالي مسئولين عن رعاية هذه النفوس التي قبلت الإيمان وافتقادها وتثبيتها في الإيمان وتعزيتها ودحض كل تعاليم كاذبة تصلهم .  وكونهم رسلا كانوا كممثلين شخصيين للمسيح القائم من الأموات ، وكانوا مزودين بسلطان وكرامة مرسلهم الذي " تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربنا الذي به لأجل إسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم " (رو4:1-5) .

وقد اعتبرت الكنائس التي تأسست في أورشليم أو في الأمم ككنائس أنطاكية وروما والإسكندرية وكورونثوس  وغيرهما أن سلطانهم الروحي مستمد من السيد المسيح ذاته ،  وكانوا يطلبون مشورة الرسل وتعاليمهم عن طريق الرسائل المكتوبة أو المنقولة شفويا أثناء كرازتهم الأولي لهم ، أو المدونة في الأناجيل ، فكما هو مكتوب عن الكنيسة  " مبنين علي أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية"  ( أف20:2)  . وبذلك أصبح إيمان هذه الكنائس الرسولية الأولي وتعاليمها الرسوليه مرجعا واضحا وصريحا لا يمكن إهماله أو التحول عنه.

و الكنيسة الأولي قد رفضت وتصدت بقوة لكل محاولات منح  لقب " رسول" للميشرين والخدام الأتقياء ، كما هو مكتوب إلي ملاك كنيسة أفسس " أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك وأنك لا تقدر أن تحتمل الأشرار وقد جربت القائلين أنهم رسل وليسوا رسلا فوجدتهم كاذبين " (رؤ2:2) ، كذلك " ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضا في ما يفتخرون به . لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم إلي شبه رسل المسيح " (2كو12:11-13).  فالأساقفة الذّين اؤتمنوا بعد الرسل لم يلقبوا أنفسهم  رسلا بل    " ممثلين للرسل " أو " خلفاء " لهم ، وبذلك استطاعوا أن يحافظوا علي الإيمان المسيحي بأن إقتدوا بحياة الرسل وبشهاداتهم وتعاليمهم المدونة في التقليد الكنسي وفي أسفار العهد الجديد القانونية .

لقد تكونت الكنيسة المجاهدة الأولي علي الإيمان بالمسيح القائم وعلي الأنبياء وعلي إثني عشر عمودا هم الإثني عشر رسولا ، الذين كانوا يخاطرون بحياتهم كل يوم ، ومع كل ذلك مضوا قدما لإكمال رسالتهم بسبب إخلاصهم للسيد المسيح الذي كان يقويهم ويقول لهم " لا تخافوا " (مت26:10 ،28) .  ومع أنهم كانوا مكروهين لكن ليسوا متروكين ، كانوا أشخاص ضعفاء  يسلمون إلي مجالس وفي مجامعهم يجلدون ويساقون أمام ولاة وملوك  من أجل شهادتهم للمسيح (مت 17:10) لكنهم كانوا أقوياء بقوة عمل الروح القدس  الحال فيهم (أع 8:1) لثقتهم وإخلاصهم للشهادة التي اؤتمنوا عليها ، هذه القوة التي قادتهم إلي عدم الفشل في نشر بشارة الفداء والخلاص بالإيمان بالسيد المسيح ربا ومخلصا . وكان هدف الرسل هو إظهار شخص المسيح له المجد للجماعات التي تكونت في أماكن متفرقة من العالم والتواصل معهم لتثبيتهم في الإيمان وفي العيش حياة الشركة المسيحية بالروح وفي المسيح القائم ،  بعيدا عن كو نهم كانوا  يهودا أو أممين .  فالشعب الجديد أو الكنيسة الجديدة لم تكن سمات شعبها  أنهم أولاد الموعد وأبناء أبونا ابراهيم بالجسد ولهم الناموس وعلامة ختان الجسد ، بل سماتها الإيمان بيسوع المسيح والولادة الروحية من الماء والروح وقبول عمل النعمة وختان القلب والروح ، كقول معلمنا بولس الرسول بالروح القدس " لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه. لأن بالناموس معرفة الخطية. وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودا له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلي كل وعلي كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق . إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله . متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله " (رو20:3-25) . كذلك " فدفنا معه بالمعمودية للموت حتي كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحيوة " (رو4:6) . ويؤكد ذلك بقوله " إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة . الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا ." (2كو15:5-17) .

وفي آخرظهورات السيد المسيح له المجد للأحد عشر أيدهم بعمل المعجزات والآيات     " وهذه الآيات تتبع المؤمنين . يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة . يحملون حيات وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم علي المرضي فيبرأون" ( مر17:16-18) ، تأكيدا لإرساليتهم . لأن الرسل كانوا هم وسيلة للتدخل الإلهي في عمل معجزات شفاء المرضي . ويوضح لنا معلمنا القديس مرقس الرسول أنهم " خرجوا وصاروا يكرزون أن يتوبوا. وأخرجوا شياطين كثيرة ودهنوا بزيت مرضي كثيرين فشفوهم "(مر12:6-13).

وأصبح الرسل يستخدمون هذه الطريقة الطبية وهي مسحة المرضي بالزيت في إجراء معجزات الشفاء ، وقد كان ذلك سببا في تشجيع الرسل مما                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          أدي إلي امتداد الرسالة إلي أفاق أرحب ولخدمة ممتدة بلا نهاية ، في ذلك يقول معلمنا القديس يعقوب الرسول " أمريض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب . وصلوة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه وإن كان قد فعل خطية تغفر له " (يع14:5-15) . والآن مسحة المرضي هي إحدي أسرار الكنيسة السبعة .

وكان علي الرسل أن يعملوا أيضا كما هو مكتوب " وكانوا يواظبون علي تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات . وصار خوف في كل نفس . وكانت عجائب وآيات كثيرة تجري علي أيدي الرسل . وجميع الذين آمنوا كانوا معا وكان عندهم كل شئ مشتركا ." (أع42:2-44) . كما كانوا أيضا يقومون ببعض الأعمال الادارية (أع1:6-4) . وكانوا يقومون ببحث وحل كل المشكلات والبدع التي تظهر من وقت لآخر مثل بدعة التهود قبل قبول الإيمان بالنسبة للأمم ( أع 6:15) .

وقد وصف لنا إنجيل معلمنا القديس مرقس البشير المهام الثلاثيه الرئيسية وهي أن يكونوا مع يسوع ، وأن يذهبوا بعيدا للكرازة بالإنجيل ، وأن يكون لهم السلطان والقوة علي شفاء الأمراض وإخراج الشياطين " ثم صعد إلي الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه . وأقام إثني عشر ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا . ويكون لهم سلطان علي شفاء الأمراض وإخراج الشياطين " (مر13:3-14) .  لقد إختارهم ليكونوا معه في كل الأوقات ويتحركون معه من مكان إلي آخر وهم يبدو عليهم الفقر لعدم وجود حرفة لهم يكسبون منها رزقهم اليومي ، ولكن الرب يسوع كان في وسط هذه الجماعة ككنز نعمة لا ينضب ، فعندما فرغ كيس نقودهم المشترك وحان وقت دفع الجزية  ، قال رب المجد يسوع لبطرس " إذهب إلي البحر والق صنارة والسمكة التي تطلع أولا خذها ومتي فتحت فاها تجد إستارا فخذه وإعطهم عني وعنك"  (مت27:17) . وكونهم معه دائما إستطاع أن يكشف لهم أسرار فكره حيث لم يكشفها للآخرين ، كقوله بفمه الطاهر " لا أعود أسميكم عبيدا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده . لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي " (يو15:15) .



  





                                      البـــاب الثـــــالث

إعــــداد الإثنــي عـشــــر للخــــدمة الرســــولية





لقد أعد السيد المسيح والمعلم الصالح تلاميذه الإثني عشربطريقة معجزية فريدة من نوعها وفي زمن قصير جدا حيث قال لهم " تعلموا مني " .  وهذا الإعداد لم يكن سهلا ، فقد فشل أكثرهم ذكاء في فهم المغزي الحقيقي لرسالة السيد المسيح حتي بعد قيامته . لم يفهموا ما تنبأ به أنبياء العهد القديم عن المسيح له المجد . لقد جذب المعلم كل واحد منهم مع إختلاف عقلياتهم وشخصياتهم وأذواقهم وأهوائهم نحو الشركة معه،  حتي أنهم بعد صعوده كانوا يسترجعون كلماته وتعاليمه السامية ، فقد قال لمعلمنا بطرس " .. لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد "          ( يو7:13) ، وكان يكلم الجمع بأمثال حتي ان معلمنا بطرس لم يفهم المثل وطلب من الرب يسوع أن يفسر لهم هذا المثل " فقال يسوع هل أنتم أيضا حتي الآن غير فاهمين " (مت16:15) ثم فسره لهم ، أيضا    " لأنه كان ’يعلم تلاميذه ويقول لهم  إن ابن الإنسان يسلم إلي أيدي الناس فيقتلونه . وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثالث. أما هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه " (مر 31:9-32) . وإضطر المسيح له المجد لتوبيخهم كما هو مكتوب " أخيرا ظهر للإحدي عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام " (مر 14:16) .

  لقد أعلنوا عن رغبتهم في الموت من أجل معلمهم ، كذلك أعلنوا أنهم " تركوا كل شئ وتبعوه " (لو11:5) ولكنهم هربوا وتركوه وحيدا وقت القيض عليه في بستان جثسيماني " فتركه الجميع وهربوا " (مر50:14) كذلك تركوه وقت آلامه ، لكن المريمات كن آخر من تركنه عند الصليب وأول من ذهبن إليه عند القبر .

كانت بينهم مشاحنات ومشاجرات بسبب الكبرياء والغيرة حتي أنهم سألوا المسيح له المجد عن " من هو الأعظم في ملكوت السموات " (مت1:18) فأعطاهم درسا في التواضع والمحبة .

إذا نظرنا إلي هؤلاء الرسل الإثني عشر بشخصياتهم هذه  وبكل ما  فيها  من  تناقضات  وضعفات  بمنظارنا البشري لما وجدنا أي أمل يمكن أن نترجاه منهم في الكرازة ببشارة الإنجيل  المفرحة  للعالم  أجمع ،  ولكن قد حدثت  معجزة  المعجزات  واستطاع  يسوع المسيح له المجد أن يحول هذه الأنية الضعيفة إلي سلاح قوي لهدم حصون ، فقد استخدم المزدري وغير الموجود ليغير الوجود ويحقق به الخطة الإلهية الأزلية ، حتي  أصبحوا نورا للعالم  وملحا  للأرض . لقد تشربوا منه الحكمة التي لا تضاهيها أي حكمة أرضية.

فقد  إلتفوا حوله  وإستمعوا  لأحاديثه الرائعة  وتعلموا من أمثاله التي  ضربها لهم   ومن  محبته  وتواضعه  وطول أناته  وصبره ، وكان ’يظهر  لهم  قوته  وسلطانه  كإبن لله ، واستطاعوا أن يوجهوا إليه كل ما يدور في مخيلتهم من أسئلة  وكان لذلك أكبر الأثر في صقل استعدادهم  الروحي  والعقلي  والأخلاقي  ليحملوا علي عاتقهم  بكل جرأة  وبسالة مسؤلية الكرازة ، متحررين من  قيود الناموس والتقاليد  والعادات اليهودية ،  وأصبحت  طباعهم  ’مطهرة  لا  يوجد  فيها  حقد  ولا غضب  ولا  رغبة  في الإنتقام ، بل كلها حب وتواضع  وطول  أناة  وصبر ، وذلك  بفعل وعمل  الروح القدس تحت  قيادة  معلمهم ،  واستطاعو أن يكونوا مؤسسين لمجتمع جديد وهو كنيسة الله في العهد الجديد .                                                 

وبفضل  تعاليم  المسيح  له المجد  استطاعوا  فهم معني  ملكوت الله  وملكوت السموات، وتعلموا كيف يصلون وكيف تكون لصلاتهم قوة وفاعلية . كذلك حقيقة موته وقيامته، وحقيقة صعوده بجسد ممجد، وإرساله لهم الروح القدس المعزي ، ومجيئه الثاني المخوف المملوء مجدا.

ويوضح سفر أعمال الرسل  وسفر الرؤيا  والرسائل أن هذه الأمور ثبتت  في عقولهم وكان لعمل الروح القدس أثره الكبير في تفتيح أذهانهم لفهم كل الأمور المتعلقة بالمسيح له المجد ومغزاها الروحي ، وألهمهم بتسجيلها لنا وأعطاهم كل ما يكتبونه وصانهم من الخطأ  في  كتابة  أسفار العهد الجديد ، للإستنارة  وتثبيت  الإيمان  المسيحي   وتهذيب البشرية  عبر الأجيال . 

ولإعداد الرسل الإعداد الكامل كان عليهم أن يكونوا أولا في حالة الأهبة التامة  ، فقد    " أوصاهم أن لا يحملوا شيئا للطريق غير عصا فقط " (مر8:6) ، أيضا " لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم . ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولاعصا. لأن الفاعل مستحق طعامه " (مت9:10-10) . وقد حذرهم من إرتداء ثوبين لأن ذلك من سمة الأغنياء ، وقد ذكر أبسط أنواع الأحذية وهي الصنادل ، وقد أوصاهم بذلك لكي يزيد إيمانهم وثقتهم فيه كما هو واضح من المكتوب " ثم قال لهم حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود هل أعوزكم شئ . فقالوا لا. فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ." (لو35:22-36) .

ثانيا أن يكونوا علي إستعداد لقبول الناس لهم أو رفضهم  كقول السيد المسيح لهم       " وأية مدينة أو قرية دخلتموها فافحصوا من فيها مستحق . وأقيموا هناك حتي تخرجوا . وحين تدخلون البيت سلموا عليه . فإن كان البيت مستحقا فليأتي سلامكم عليه. ولكن إن لم يكن مستحقا فليرجع سلامكم إليكم . ومن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجا من ذلك البيت أو من تلك المدينة وانفضوا غبار أرجلكم ." (مت 11:10-14، مر10:6).

 ثالثا  الجهاد والمثابرة وعدم اليأس ، ففي الكرازة عليهم أن يعرفوا أنهم مهما عملوا كل ما في وسعهم فلا بد من وجود أناس معارضين مملوئين كراهية وحقدا لهم ولتعاليمهم الجديدة. ولكن يجب بذل حهود متكررة لكسب هؤلاء المعارضين مع استخدام الحكمة كقول رب المجد يسوع " ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب . فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام " (مت 16:10) . فالحيات رمز للمكر والدهاء ، والحمام رمز البساطة ونقاء القلب والفكر . وعليهم أن يعلموا ويؤمنوا أن الله يتتم مقاصده حتي من خلال تجاربهم وإضطهاداتهم  وضيقاتهم ، " لأنه وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا بل أيضا أن تتألموا لأجله." (في29:1) .

وبعد قيامة الرب والمعلم من بين الأموات ظل يظهر لهم مدة أربعين يوما  يعلمهم  بكل الأمور المختصة به ، كما هو مكتوب عن تلميدي عمواس " ثم  إبتدأ  من  موسي  ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب " (لو27:24) . كذلك ظهر وقال للإحدي عشر رسولا المجتمعين بأورشليم " هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسي والأنبياء  والمزامير . حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب . وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث .  وأن  يكرز  باسمه  بالتوبة  ومغفرة  الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم .  وأنتم  شهود  لذلك  . وها  أنا أرسل إليكم  موعد  أبي . فأقيموا في مدينة أورشليم إلي أن تلبسوا قوة من الأعالي ." (لو44:24-49) .

كان يوم الخمسين هو اليوم المختار لإتمام الوعد الإلهي " ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين . وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت علي كل واحد منهم . وامتلأ الجميع من الروح القدس ..." (أع1:2-4) .   ويوم الخمسين كان دائما عيدا سنويا علي مر الأجيال مذكورا في ناموس موسي (لا15:23-16) . كذلك يطلق عليه عيد الأسابيع (خر22:34 ، تث 10:16) المحتفل به في نهاية السبع أسابيع ، وأحيانا يطلق عليه عيد الحصاد (خر16:23) ، وأيضا يوم الباكورة (عد26:28) ، ويطلق عليه أيضا اسم عيد العنصرة أي عيد حلول الروح القدس يوم الخمسين " البنتاكوست ". ويؤكد التقليد اليهودي أن يوم الخمسين كان يقابل نفس اليوم الذي أعطي فيه الناموس لموسي النبي علي جبل سيناء .  لذلك فإن موت الرب وقيامته يعتبر إتماما لعيد الفصح اليهودي،  وبذلك يكون يوم الخمسين وحلول الروح القدس عيد بداية الحصاد للنفوس البشرية التي آمنت بالمخلص القائم من بين الأموات.   ففي عظة واحدة آمن ثلاث آلاف نفس علي  أيدي القديس بطرس وبقية الرسل " فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وإنضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس " (أع41:2).

والقارئ لسفر أعمال الرسل ، يري  واضحا أن موعد حلول الروح القدس يوم الخمسين كان أعظم عطية إلاهية مجانية للرسل وللبشرية جمعاء ، ففيه اختفي من قلوب الرسل الخوف والرعب والجبن ، وحل محلها الشجاعة والجرأة والجسارة المقدسه ، لأنهم كانوا منقادين بالروح القدس ، كقول معلمنا القديس بطرس الرسول   " فقال لي الروح أن أذهب معهم غير مرتاب في شئ . ... " (أع12:11) . كذلك قول الرسل والمشايخ " لأنه قد رأي الروح القدس ونحن ... "(أع28:15) .

يا له من مشهد ثلاثي عجيب يملأ النفس فرحا وغبطة وسرورا وسلاما :

فالرب يسوع صعد إلي السماء يوم الأربعين  ،  والروح القدس منبثقا من الآب ومرسلا من المسيح القائم  ونازلا علي الرسل يوم الخمسين  ،  والرسل بدأوا طريق كرازتهم  في كل مكان بفعل قوة الروح القدس .  ويمكننا القول أن مقومات نجاح الكرازة كانت المسيح له المجد ثم الروح القدس ثم الرسل .

لقد نجح الرسل في كرازتهم بالمسيح المصلوب لأنهم صلبوا ذواتهم وأهوائهم مع المسيح " مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيً ." (غل20:2) ، فالرسل لم يكرزوا فقط بالمسيح بل كرزوا أيضا بالصليب لأنه " قوة الله للخلاص " . لقد كانت كرازتهم بكلمة الله ، الموحي بها من الروح القدس ، تتضمن حياة رب المجد يسوع ومحاكمته وصلبه وموته وقيامته كما هو مدون في (أع23:2-24 ،30- 31 ،36 ،5:8،32 ...)، فبعد أن شاهدوا صلبه وموته وقيامته (أع15:3) ، أكملوا بشارتهم رغم تضجر الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون (أع1:4-2) ،             " وكثيرون من الذين سمعوا الكلمة آمنوا وصار عدد الرجال نحو خمسة آلاف رجل " (أع4:4) . كما أنهم بعد صعود المخلص إلي السماء كانوا يؤكدون وعد المعلم بمجيئه الثاني (يو1:14-3 ،أع10:1-11) ، وبعد حلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين " البنتاكوست " كرزوا بحقيقة مجيئه الثاني (أع20:3-21) .

والقارئ عندما يبدأ في  التأمل في شخصيات الرسل الإثني عشر ، كل علي إنفراد ، لا شك أنه يشعر أن تأثيرهم  كان رائعا في رفع مستوي إيمان  وحياة من بشروهم ، وأن هذا التأثير لم يموت بموتهم ، بل علي العكس ما زال تأثيرهم قويا علي حياة الملايين علي مر العصور .  إنهم خالدون بما تركوا لنا  من كنوز تساعد الشعوب علي الإستنارة والمعرفة وعلي الحياة في مخافة الرب بالإيمان والتقوي والقداسة التي بدونها لن يري أحد الرب . 









                                               

البــــاب الرابـــــع




دراســـة  شخصيــــــات الرســــل الإثنـــــي عشــــر






إن آبائنا الرسل الأطهار الإثني عشر يستحقون منا كل إكرام وإحترام وتبجيل لأنهم أول جماعة مسيحية كانت مرافقة للسيد المسيح ، كما أنهم كانوا المبعوثون الشخصيون له  والمزودون بسلطانه في رسالتهم التمهيدية (مت5:10-42،مر15:16 ) ، ثم بعد قيامته جدد إرساليتهم (مت18:28-20)  ، ولذلك فهم أكثر من نال الكرامة في الكنيسة علي مر الأجيال ، ففي طقس التسبيح في الكنيسة يأتي الرسل بعد السمائين وقبل الشهداء والقديسين ولا يتقدم عليهم إلا القديسة العذراء مريم والدة الإله والقديس يوحنا المعمدان لأنه أول من بشر بمجئ رب المجد يسوع المسيح .

الرسل هم شهود القيامة الذين بشرونا بحياة الدهر الآتي ، والكنيسة في كل صلاة قداس إلاهي وكذلك في صلوات الإجبية السبعة تذكرنا في نهاية قانون الإيمان فنقول"  وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين "  .  لقد خلق المسيح له المجد من هؤلاء البسطاء كارزون بإسمه وبملكوت الله للعالم أجمع ، وهذا في حد ذاته معجزة المعجزات التي لا تقل أهمية عن خلقه كل شئ آخر .  و’كتاب البشائر الأربعة ركزوا أنظارهم علي شمس البر رب المجد يسوع فغابت عن أنظارهم هؤلاء الإثني عشر نجما المحيطة به . ونحن بدراسة شخصيات الرسل الإثني عشر، نود معرفة المزيد عنهم لكي ما نقتدي بهم وبسيرتهم العطرة ، إلا أن المعلومات التي لدينا عنهم  في الإنجيل قليلة  . وسوف ندرس شخصية كل رسول من هؤلاء الإثني عشر علي إنفراد بحسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم:-

1 –    أندراوس الرسول  : من بيت صيدا في الجليل (يو44:1) وكان الأخ الأصغرلبطرس الرسول ، كان إسمه غير مرتبط  بأبيه بل بأخيه " أندراوس أخو سمعان بطرس " (يو40:1) وربما كان ذلك لأن أباهما يوحنا أو يونا لم يكن علي قيد الحياة وقت أن أصبحا تلميذين لرب المجد يسوع ، ويسجل لنا القديس يوحنا البشير دقة الوحي الإلهي المتناهية في سرد إسم أندراوس قبل سمعان بطرس في هذة الآية " وكان فيلبس من بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس " (يو44:1).  فهذه هي المرة الوحيدة التي فيها ورد إسم أندراوس قبل إسم أخيه الأكبر بطرس لأن هذه الآية تتحدث عن الوقت الذي بدأ فيه يسوع خدمته الكرازية قبل أن يدعو أندراوس أخوه بطرس ليتعرف علي المسيح له المجد وقبل تعين الرسل . ولكن وقت إختيار الرسل كان اسم بطرس علي رأس القائمة ، بينما جاء اسم أخوه المخلص لاحقا (مر16:3-19)   وكان كلاهما يعمل في صيد السمك كباقي العائلة (مر 16:1 ، مت 18:4) .

كان أندراوس في بادئ الأمر تلميذا ليوحنا المعمدان ثم تبع رب المجد يسوع بعد معجزة صيد السمك الوفير(لو4:5-9) ، فهذه المعجزة أقنعت الصيادين بلاهوت وعظمة المعلم الصالح ، فقد سبق أن سمع معلمه يوحنا المعمدان يقول عن رب المجد يسوع " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " (يو29:1) .

كان أندراوس ذو عقلية واعية بنبوات العهد القديم وكان بإشتياق يبحث عن الحق وفي إنتظار المسيا المنتظر،  كقول المرنم في المزمور " كما يشتاق الإيل إلي جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله . عطشت نفسي إلي الله إلي الإله الحي"  (مز 1:42 -2) ، وامتلك الحماس الشديد  كل مشاعره وأحاسيسه عند إعلان معلمه يوحنا المعمدان الخبر السار " بمجئ حمل الله " .  كان أندراوس مملؤا غيرة مقدسة نحو الله ، بإيمان حي حتي أنه بمجرد أن إلتقي بالمسيح له المجد ، ترك أندراوس كل شئ وتبعه (مت20:4) . ولم يكن ذلك لأنه غير مخلص لمعلمه يوحنا المعمدان ولكن لأنه سمع معلمه يوحنا المعمدان يقول عن السيد المسيح     " ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص " (يو30:3) .

لقبته الكنيسة الأولي بلقب " أندراوس المدعو أولا "  وقد اوضح لنا معلمنا يوحنا البشيرالظروف التي قادت أندراوس لمعرفة المسيح له المجد  وعن الدور الذي لعبه أندراوس في اقتياد أخية بطرس ليسوع المسيح (يو35:1) ، أيضا دوره وسيطا للبركة فهو الذي أخبر رب المجد يسوع عن الغلام صاحب الخمسة أرغفة والسمكتين (يو9:6)،  وذلك لأن أندراوس كان لديه الإيمان بقدرة المعلم الصالح ، الذي قال عنه يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " (يو29:1)،  علي إشباع هذه الجموع الكثيرة من هذه الكمية القليلة من الطعام فهو يعلم أن  " الغير مستطاع عند الناس مستطاع عند الله " (      ) ، كذلك كيف ان فيلبس وأندراوس أتيا باليونانين الراغبين في رؤية يسوع وقدماهم  اليه (يو20:12) . هؤلاء اليونانين كانوا  باكورة الأممين الذين آمنوا وكانوا هم سببا في إيمان الكثيرمن الأممين الأخرين .

يعتبر أندراوس كارزا حقيقيا، لأنه لم يبطئ في أن يكون التلميذ الأول للمسيح له المجد ، وهو أيضا أول مرسل كانت له كرازته الشخصية ، فقد اندفع علي الفورمجندا نفسه لربح نفوس الآخرين للمسيح كقول معلمنا سليمان الحكيم " ... رابح النفوس حكيم " (أم30:11) ، وكانت هذه هي السمة المميزة لأندراوس وهي اشراك الآخرين في كنزه الثمين بكل فرح وابتهاج كقول المرنم في المزمور       " وليبتهج ويفرح بك كل طالبيك وليقل دائما محبو خلاصك ليتعظم الرب "  (مز4:70) .

لقد أوضح لنا معلمنا القديس يوحنا الرائي عن المرتبة الرفيعة للرسل الإثني عشر في ملكوت الله الأبدي ، كما هو مدون برؤياه " وذهب بي الروح إلي جبل عظيم عال وأراني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله  .....  وسور المدينة كان له اثنا عشر أساسا وعليها أسماء رسل الخروف الإثني عشر ." (رؤ10:21-14) .  ونظرا لأن أندراوس الرسول هو احد هؤلاء الرسل الإثني عشر الذين اختارهم رب المجد يسوع ، فإن اسمه مكتوب علي واحد من تلك الأساسات .

كان أندراوس الرسول مثالا يحتذي به في التواضع تعلمه من وجوده بجوار رسول اعترافنا ورئيس كهنته  المسيح له المجد ، ومع أن بطرس الرسول هو الأخ الأكبر لأندراوس الرسول ، إلا أن أندراوس يعتبر أبوه الروحي لأنه هو الذي جذبه نحو معرفة المسيح له المجد ، ولولا أندراوس ما كان بطرس رسولا لليهود . كان أندراوس الرسول متسربلا بالتواضع كقول الكتاب "... وأما المتواضعين فيعطيهم نعمة" ( يع6:4 ، 1بط 5:5)  ، فهو الرجل الذي يفكر في الخدمة بعيدا عن الشهرة،  لذلك لم يحسد أو يحقد علي أخيه بطرس الرسول عندما أصبح رئيس وقائد للإثني عشر ، لأنه كان يمتلك فضيلة المحبة      "  ....المحبة لا تحسد  ..." (1كو4:13) .

لم يكن أندراوس علي قدم المساواة مع الرسل العظماء الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنا الذين كان يشار اليهم " أعمدة الكنيسة " ، فلم ’يسمح له بمشاهدة بعض الأحداث المجيدة معهم . ’ترك أندراوس عندما أخذ المسيح بطرس ويعقوب ويوحنا ليشهدوا إقامة إبنة يايروس من الموت وأيضا حادثة التجلي علي الجبل المقدس وكذلك آلامه في البستان ، وربما يكون السبب أنه أقل جرأة وجسارة منهم.

لم يكن أندراوس واعظا ولم يكتب أي رسائل مثل زملائه الرسل ، وكانت تنقصه الجرأة المقدسة التي لبطرس والمقدرة الأدبية التي لمتي والخيال الملهم الذي ليوحنا .

خدم أندراوس في شبه جزيرة بلقان وفي مقاطعة اخائية باليونان ، واستشهد مصلوبا علي شكل حرف (  X  ) ، والكنيسة تحتفل به في  اليوم السادس من شهر كيهك المبارك من كل عام .



2 –    بـرثـولمــاوس الرسول : من بلدة قانا الجليل ( يو21:2) ، كان يعمل بصيد السمك . وهو أحد الإثني عشر رسولا الذين دعاهم وعينهم السيد المسيح للرسولية ، له إسم مزدوج " نثنائيل برثولماوس " ، وبرثولماوس هو الترجمة اليونانية للإسم الأرامي " برثلماي " أي ابن ثلماي ، وعلي ذلك يكون اسم " نثنائيل برثولماوس " هو " نثنائيل بن ثلماي " . وقد  ’ذكر اسم نثنائيل في إنجيل القديس  يوحنا فقط (يو 45:1 – 51، 21:2)،  بينما ذكر في كل من اناجيل القديسين متي (3:10) ومرقس (مر18:3) ولوقا (لو14:6) وكذلك سفرأعمال الرسل (أع13:1) بإسم برثولماوس ،  وقديما كان من المألوف أن يكون للشخص أكثر من اسم (انظر مر16:3-19) .

 وكان دائما ’يذكر اسم الرسول فيلبس مقروننا باسم الرسول برثولماوس " فيلبس وبرثولماوس"  ، فقد كانا صديقين ، وكان نثنائيل  بسيطا  غير ثوري وعلي جانب كبير من التفوق الأخلاقي ، وكان من ضمن اليهود الذين يتوقعون ظهور المسيا المنتظر ليخلصهم من عبودية الرومان ، لأنه كان ملما بأسفار العهد القديم  ، وقد منحه الله امتيازا عظيما ومجيدا فقد  كان أحد الإحدي عشر رسولا الذين  شاهدوا شخصيا  قيامة الرب من بين الأموات .                             .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    ذكر القديس يوحنا الإنجيلي أن نثنائيل هو واحد من السبعة تلاميذ الذين عادوا لمهنة صيد السمك (يو2:21-3) ، فقد حنوا إلي حرفتهم القديمة فهل يعقل أنهم بعد أن وضعوا يدهم علي المحراث بدأوا ينظرون إلي الوراء ؟ ربما يكون قد أصابهم الإرهاق بسبب الحزن والمراقبة وقلة الموارد المالية لهم ، وربما يكون قد أصابهم الإحباط  لأن الروح القدس لم يكن قد حل عليهم بعد . كانت هذه الليلة التي عادوا فيها لصيد السمك أسوأ ليله في حياتهم ، فلم يصطادوا شيئا . "  ولما كان الصبح وقف يسوع علي الشاطئ . ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع . فقال لهم يسوع يا غلمان العل عندكم إداما . أجابوه لا . ... فلما خرجوا إلي الأرض نظروا جمرا موضوعا وسمكا موضوعا عليه وخبزا " (يو4:21-5، 9) ، وكأب حنون عالم بإحتياج أولاده وتلاميذه ، أعد لهم الإفطار لأنهم تعبوا الليل كله وجاعوا ، فكما أطعم يسوع المسيح له المجد أفواههم الجائعة كان عليهم في كرازتهم أن يطعموا الجموع خبز الحياة بكل تفاني في كرازتهم . وبعد أن ألقوا الشبكة إلي جانب السفينة الأيمن (يو6:21)  بناء علي أمر رب المجد يسوع  ، كانت كمية السمك بالشبكة كبيرة جدا لدرجة أنهم لم يستطيعوا أن يجذبوها . لقد كان هذا الصيد الوفير من السمك رمزا  لعملهم في حصاد النفوس الكثيرة في إرساليتهم  التي كان علي نثنائيل أن يشارك فيها.  

ْْالإصحاح الأول من إنجيل معلمنا يوحنا البشير يذكر " في الغد أراد يسوع أن يخرج إلي الجليل . فوجد فيلبس فقال له إتبعني .  ...  . فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسي في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة . فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شئ صالح .  قال له قيلبس تعال وأنظر " (يو43:1 -46) .  

لقد أسرع فيلبس إلي نثنائيل صديقه ليخبره بالمفاجأة المثيرة أنه وجد المسيا المنتظر ، فدائما يزف الصديق إلي صديقه أية أخبار سارة . فإعترت الحيرة والدهشة نثنائيل لذلك سأله أمن الناصرة يمكن أن يكون شيئا صالحا ؟ كان فيلبس حكيما لذلك لم يدخل في مناقشة مع نثنائيل بل اكتفي بقوله تعال وأنظر ، لأنه كان واثقا أن صديقه سوف ينجذب نحو المسيح له المجد. والناصرة هذة هي بلد أمنا الطاهرة العذراء مريم التي تربي فيها المسيح له المجد  ولذلك دعيً ناصريا ، وكانت سمعة الناصرة سيئة ، ولم يكن اندهاش نثنائيل نابعا عن كبرياء في نفسه أو غرور.

كان الرب يعلم كل شئ عن نثنائيل ، لذلك عندما رأه مقبلا قال عنه " ... هوذا إسرائيلي حقا لا غش فيه " (يو 47:1) ، وكان ذلك مدحا من يسوع له المجد فهذا يعني أنه يهودي صادق وأمين  ، له إيمان فطري بإله إسرائيل  ويخافه ، وكان في إنتظار تحقيق نبوات العهد القديم الخاصة بالمسيا المنتظر. اندهش نثنائيل مرة ثانية وسأل الرب " من أين تعرفني . أجاب يسوع وقال له . قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك . أجاب نثنائيل وقال له يا معلم أنت ابن الله. أنت ملك إسرائيل " (يو47:1 -49) ، تحقيقا لنبوة زكريا النبي   " في ذلك اليوم يقول رب الجنود ينادي كل إنسان قريبه تحت الكرمة وتحت التينة " (زك10:3). في البداية لم يكن نثنائيل يعرف أنه إبن الله العارف الجميع " لأنه لم يكن محتاجا أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان " (يو25:2) ،  وقد ترنم معلمنا داود النبي في المزمور وقال" يا رب قد اختبرتني وعرفتني . أنت عرفت جلوسي وقيامي . فهمت فكري من بعيد .  ....  . لم تخفي عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقمت في أعماق الأرض . رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها " (مز1:139 – 16).

لقد كانت المفاجأة الكبري لنثنائيل عندما قال له الرب " وأنت تحت التينة رأيتك " ، فآمن واعترف  " أنت ابن الله . أنت ملك إسرائيل ."   . كانت شجرة التين المورقة تعطي ظلا تحتها لكل من يبحث عن الهدوء والسكينة بعيدا عن ضجيج المنزل . ويبدوا أن نثنائيل كان دائما يجلس تحت شجرة التين في خلوة خاصة مع الله ساكبا قلبه أمام الرب في الصلاة ، وربما كان يتأمل في أسفار العهد القديم ، وكان فيلبس يعرف ذلك فجاء له  تحت شجرة التين.  وقد وجه رب المجد يسوع هذه الكلمات إلي نثنائيل " سوف تري أعظم من هذا "  أي أنه سوف يري براهين قوية أنه هو المسيا المنتظر من معجزاته وسلطانه علي الطبيعة وعلي الشياطين وكذلك قيامته وصعوده إلي السموات ، هذا بالإضافة إلي مجده الذي سوف يستعلن في مجيئه الثاني  المخوف. إن شخصية نثنائيل برثولماوس الرسول تستحق المديح والإطراء الذي تلقاه من السيد المسيح نظرا لسر جماله الأخلاقي وإيمانه بالمسيا ، هذا المديح الذي لم يتلقاه أي رسول آخر .

بشر نثنائيل في أورشليم واليهودية وبلاد العرب ، كما كرز في بلاد الهند حيث ترك نسخته من إنجيل متي مكتوبة باللغة العبرية ، التي وجدها بانتانيوس الاسكندري عميد المدرسة اللاهوتية بالإسكندرية عندما ذهب إلي هناك عام179 ميلادية . كما كرز في ليكاؤنيه بأرمينيا  حيث إستشهد بسلخ جلده وهو حي ثم صلب منكس الرأس.

تعيد له الكنيسة في أول يوم من شهر توت المبارك من كل عام .

3     بطـــــرس الـرســــول :  ولد في بيت صيدا بالجليل وكان يعمل في صيد السمك مع أخيه اندراوس ، وكان يمتلك قاربا للصيد ويمتلك بيتا في كفر ناحوم (مت5:8) ،                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    عاش فيه مع أخيه اندراوس ، وبعد أن تزوج عاش فيه مع زوجته وحماته (لو 38:4) . وكانت زوجت بطرس  ترافقه في بعض الرحلات الكرازية  .

بطرس الرسول هو سمعان بن يونا الملقب بسمعان بطرس باللغة اليونانية، وصفا بالعربية ، وشمعون كيفا بالأرامية والعبرية ، وبالإنجليزية Simon Peter، واللقب الذي إختاره له رب المجد  يسوع هو بطرس وتعني الصخرة . هو أحد التلاميذ أو الرسل الإثني عشر الذين اختارهم السيد المسيح من بين أتباعه  .

كان لبطرس شخصية جذابة  وسجل نابض بالحياة والخشونة لطبيعة عمله كصياد للسمك  وكان له مكانة خاصة فكان إسمه  في أول قوائم الرسل الإثني عشر "الأول سمعان الذي يقال له بطرس" (مت2:10) ، وكان له الصدارة والمكانة الأولي بين الرسل (أع15:1) ، وكان المتحدث باسمهم (يو 6:13،67:6 -68)  ، وقد ’ذكر إسمه أكثر من بقية التلاميذ في الأناجيل الأربعة.  كان بطرس أول الرسل الذين أعلنوا إيمانهم " أنت هو المسيح  ابن الله الحي . " (مت 16:16) ،  " أخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطئ "(لو8:5)، أيضا " نحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله " (يو69:6) . وكان بطرس أحد الثلاثة تلاميذ الذين عاينوا مجد الرب (لو33:9) ، وسمع صوت من السحابة يقول " هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت . له إسمعوا " (مت5:17) ، وأيضا كان أحد الثلاثة تلاميذ الذين عاينوا اقامة ابنة يايروس أحد رؤساء المجمع (مر22:5-43) ، وكان أحد الرسولين الذين أرسلهما المعلم الصالح ليعدا العشاء الرباني الأخير(لو8:22) وأول من "  دخل القبر الفارغ " ... ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان علي رأسه ليس موضوعا مع الأكفان بل ملفوفا في موضع وحده." (يو6:20-7)  ، وهو أول من نظر مجد الرب فقد ظهر له المسيح القائم " إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان " (لو 34:24) ، كذلك        " وإنه ظهر لصفا ثم للإثني عشر "  ( 1كو5:15). وقد خصه الملاك في قوله للنسوة " لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلي الجليل  . هناك ترونه كما قال لكم" (مر7:16) . وبطرس الرسول هو الوحيد الذي قال له رب المجد يسوع المسيح ثلاث مرات" يا سمعان بن يونا  أتحبني أكثر من هؤلاء . ... قال له ارع خرافي" (يو15:21- 17) ، وبطرس الرسول هو الوحيد الذي أنبأه يسوع له المجد أنه سوف يموت مصلوبا (يو18:21-20) ، كما تمم الله علي يدي بطرس الرسول معجزة شفاء الأعرج من بطن أمه عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل (أع2:3-8) ، وشفاء اينياس ، كما أقام طابثا من الموت (أع40:9). والكنيسة في القداس الإلهي طوال صوم الرسل تذكرنا فيقول الاب الكاهن " أما بطرس وبولس الرسولان فكان ظل أحدهما يشفي الأمراض ، وكانت مناديل وعصائب الآخر تذهب الأمراض ، وتخرج الأرواح الشريرة " ، وهي مأخوذة من (أع12:19) .

 لقد تعرض بطرس الرسول لتجربة قاسية وغربلة من الشيطان كما أنبأه رب المجد  يسوع " سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك . وأنت متي رجعت ثبت إخوتك " لو31:22-33) ، فأنكر سيده ثلاث مرات أمام جارية في بيت رئيس الكهنة (مت69:26-75) ، مع أنه سبق أن قال " ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك " (مت35:26) ، أيضا  " إن شك الجميع فأنا لا أشك (مر29:14)  ، ولم يكن هذا عدم إخلاص لمعلمه الصالح ، بل لأنه لم يكن مدركا لضعفه البشري وكان معتمدا علي ذاته ، ولكنه ندم ندما شديدا وبكي بكاءا مرا علي غلطته هذه . الإنسان دائما يتعلم من أخطائه ، ويأخذ دروسا من تجاربه ، فبعد أن سقط القديس بطرس الرسول صفح عنه السيد المسيح وأصبح سهما مسنونا في يد معلمه الصالح وقائدا هماما لزملائه الرسل .                   

كان بطرس مندفعا في الكلام ، ففي بداية تلمذته كان بلسانه " يبارك ويلعن " ، كقول معلمنا يعقوب الرسول " من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة .  ... " (يع10:3) ، فقد كان يتحدث بإسم الآب السماوي (يو17:16) وللأسف أحيانا يتحدث بإسم الشيطان (يو23:16)  ، ولكن بعد حلول الروح القدس عليه يوم الخمسين كان خاضعا للتوجيه الإلهي يتحدث بما يعطية الروح القدس ان يقول .

 وبعد صعود الرب أخذ بطرس علي عاتقه نعمة بشارة أهل الختان ، ثم بعد ذلك بشارة الأمم (أع6:15-8)  . ظل بطرس الرسول محتفظا بمكانته الأولي بين الرسل حتي ظهر معلمنا القديس بولس الرسول ، وذلك لأنه لم يكن يمتلك المقدرة الطبيعية ولا المزايا التعليمية لشاول الطرسوسي ، ولم يكن فكره كفكر بولس الرسول . ففي  أنطاكية وجه بولس الرسول لوما لبطرس الرسول " ولكن لما أتي بطرس إلي أنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوما " (غل11:2) .  نجد بجانب الأعمال المجيدة لمعلمنا القديس بطرس الرسول هناك أخطاء أشبه ما تكون بالأشواك بين الورود ، فهو صاحب قلب كبير مملوء محبة وإخلاص ،  كانت شجاعة بطرس تفوق بكثيرالرسل الآخرين وقد ظهرت شجاعته في محاولته المشي علي مياه البحر الهائجة ، وكذلك توبيخه وادانته للرؤساء والشيوخ والكتبة  بكل جرأة علي صلبهم رب المجد يسوع المسيح (أع5:4-13).

بعدإعلان بطرس الرسول إيمانه برب المجد يسوع المسيح " أنت هو المسيح ابن الله الحي "(مت16:16) ، كانت النتيجة أن طوبه يسوع المسيح له المجد وكافأه " وأنا أقول لك أيضا أنت بطرس وعلي هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها . وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات . فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطا في السموات . وكل ما تحله علي الأرض يكون محلولا في السموات " (مت 18:16-19) . والمقصود " وعلي هذه الصخرة أبني كنيستي " هو أن المسيح له المجد بني كنيسته علي " صخرة الإيمان بالمسيح ابن الله " التي لبطرس الرسول ، وليس علي بطرس الرسول كما تفسرها بعض الطوائف الأخري، لأن الكنيسة هي عقيدة وإيمان وليست شخصية وبالتالي يكون بناء الكنيسة علي عقيدة وإيمان القديس بطرس الرسول وهي إيمانه  بالمسيح ابن الله . وقول المسيح له المجد " وأبواب الجحيم لن تقوي عليها " تعني بقائها حية منتصرة قوية ضد هجمات الشيطان عليها وصامدة في وجه العواصف العاتية التي تهب عليها من الأعداء والعالم علي مر الأجيال ، حتي مجيئه الثاني لتخطف معه ، لأن يسوع المسيح له المجد هو الصخرة " وكانت الصخرة تتبعهم وكانت الصخرة هي المسيح ". أما عن قول المسيح له المجد " وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات " فيفسرها البعض خطأ أن الله أعطاه السلطة الكاملة والفريدة من نوعها وهي مفاتيح ملكوت السموات ،  لأن هذا ما جاء عن السيد المسيح نفسه في نبوة معلمنا إشعياء النبي القائلة  " وأجعل مفتاح بيت داود علي كتفه فيفتح وليس أحد يغلق ويغلق وليس أحد يفتح " (إش22:22) ، كذلك ما جاء في سفر الرؤيا " ... . هذا ما يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح " (رؤ 7:3) . أما عن الفتح والإغلاق فهو من عمل الله كما هو مكتوب عن الرسولان برنابا وبولس " ولما حضرا وجمعا الكنيسة أخبرا بكل ما صنع الله معهما وأنه فتح للأمم باب الإيمان " (أع 27:14)، فالباب هو الإيمان ،كذلك " فلما أتوا إلي ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلي بيثينية فلم يدعهم الروح " (أع7:16) ، لقد اغلق الله باب بيثينية في وجه الرسولان بولس وتيموثاوس وفتح لهما بابا آخر وهو مكدونية ، وقد كان الإعتقاد السائد في ذلك الوقت أنه عمل الكتبة والفريسيون الذين قال عنهم رب المجد يسوع بفمه الطاهر " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون " (مت13:23) وعن المفتاح قال " ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتوهم " (لو52:11) .

كتب معلمنا القديس بطرس الرسول رسالتين ، الأولي كانت لتشجيع المسيحين من أصل يهودي ، المتألمين والمطرودين من أورشليم والمتشتتين في آسيا الصغري ، وهذه الرسالة نافعة لكل المؤمنين أينما كانوا . والرسالة الثانية كانت لتحذير المؤمنين المسيحين من المعلمين الكذبة والدجالين ، وفيها يدعو المسيحين إلي التمسك بالإيمان والنمو في معرفة المسيح له المجد ، وان يثبتوا علي رجاء مجيئه الثاني .

استشهد القديس بطرس الرسول مصلوبا منكس الرأس ، وتعيد له الكنيسة في الخامس من شهر أبيب المبارك من كل عام .





4 – تــــداوس الـرســـــول :  اسمه باللغة اليونانية تداوس والإنجليزية Thaddaeus  وهو أحد الإثني عشر رسولا الذين عينهم رب المجد يسوع للرسولية  بعد ليلة صلاة ، ليكونوا شهود عيان لحياته ابتداءا من معموديته إلي قيامته  وصعوده وكان ممن حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين ، وأرسلهم ليشهدوا ويبشروا برسالته ، رسالة التوبه والخلاص بالإيمان بالمسيح الفادي والمخلص ، ويسهموا في القيام بخدمته المعجزية . ولا يوجد أية معلومات عن حياته وعمله قبل دعوته للرسولية ، ولا إنجازاتة التي حققها. كان أميا عديم العلم  ، ولم يكن مشهورا أو قياديا بين الرسل  لكنه عاش للرب وبذل كل ما في وسعه لخدمته ، فكونه مجهولا في السجلات الأرضية إلا أنه سيكون مشهورا في سفر الحياة وسجلات السماء .

تداوس الرسول الوحيد  بين الرسل الذي له ثلاثة أسماء كما ذكرته أسفار العهد الجديد : لباوس الملقب تداوس (مت3:10) ، يهوذا اخو يعقوب (أع14:1 ، لو16:6) ، يهوذا ليس الإسخريوطي (يو22:14)  ، ربما لتوضيح أنه ليس يهوذا الخائن الذي باع سيده بثلاثين من الفضة ، ولذلك ميزه معلمنا القديس يوحنا بقوله " يهوذا ليس الإسخريوطي"،   وتداوس الرسول شقيق الرسول يعقوب ابن حلفي الذي يعرف بيعقوب الصغير، واسم والده يعقوب وأمه مريم  ، هو أحد أقرباء السيد المسيح له المجد حسب الجسد (مت55:13).

يذكر إنجيل معلمنا القديس يوحنا البشير أنه أثناء العشاء الرباني الأخير كان ليهوذا تداوس سؤال طرحه علي رب المجد يسوع المسيح "  يا سيد ماذا حدث حتي أنك مزمع أن ’تظهر ذاتك لنا وليس للعالم " (يو22:14) ، وفي إجابته علي هذا السؤال كرر الكثير من الأقوال التي سبق أن قالها من قبل . لقد سمع تداوس الرسول إجابات الرب علي أسئلة الرسولين توما وفيلبس (يو5:14-10) ، ولم يستطع أن يفهم المغزي الحقيقي لها لأنه كان يفكر بطريقة عقلانية كلها صدق وأمانة للرب ، فعدم فهمه جعله يسأل بكل شجاعة ، فالرب كان يتكلم عن تركه للعالم ، وعدم إظهار نفسه لهم ، مما أثار الدهشة والحيرة للرسل لأن عيونهم وذهنهم لم يكونا قد انفتحا بعد ،  حيث أن الأمور اللاهوتيه لا تدرك إلا بالإيمان وإرشاد الروح القدس . ولكن بعد قيامة رب المجد يسوع  وحلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين أدركوا كل شئ وفهموا كل شئ  ولم يعودوا بحاجة لأي تفسير عن كل حقائق الأمور التي ذكرها حين كان معهم  كقول معلمنا القديس بولس الرسول " وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس " (1كو3:12) .

إن رب المجد يسوع رأي في تلميذه تداوس روح المحبة والطاعة ، لذلك أوضح له أن "الظهور والإعلان الإلهي " المقصود به في سوأل تداوس الرسول " ’تظهر لنا " لا يتحقق إلا بالمحبة ، ولا ’يدرك ولا ’يفهم إلا بالمحبة وحدها . فالمحبة هي المفتاح لأبواب الطاعة ، وهي أيضا مفتاح للدخول في شركة مع الأقانيم الثلاثة الآب والإبن والروح القدس ، كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا " (يو23:14) .

كتب رسالة يهوذا وهي مكونة من إصحاح واحد ، فيه يحذر المؤمنين من المعلمين الكذبة ومن الإرتداد ومن الإبتعاد عن السيد المسيح له المجد .

بشر في أورشليم اليهودية وسوريا وبلاد ما بين النهرين وليبيا واستشهد في بلاد فارس بقطع رأسه .

تعيد له الكنيسة في اليوم الثاني من شهر أبيب المبارك .



5 – تـومــــــا الـرســـــول :   اسمه باللغة العبرية توما وباللغة اليونانية Didymus  وتعني " التوأم " كما هو مسجل في إنجيل معلمنا القديس يوحنا البشير " أما توما أحد الإثني عشر الذي يقال له التوأم فلم يكن معهم حين جاء يسوع " (يو24:20) ، وكان يوصف بالشكاك ربما لأنه كان مصابا بمرض  الوسوسة والشك أو  ربما لأنه شخص ذو رأيين " رجل ذو رأيين متقلقل في جميع طرقه " (يع8:1 ، 8:4) ، فهو الشخص الوحيد المتسم بالشك بين الرسل ، وذلك نابع من شخصيته التي  تؤمن فقط  بالمنظور، أما الغير منظور فلا يؤمن به ،لأن الغير منظور يحتاج إلي إيمان قوي  .  كان توما يهوديا ولد في الجليل (أع11:1) من أسرة فقيرة ، وكان يعمل في صيد السمك (يو2:21) ، ذو قدر بسيط من التعليم وإلمام بأسفار العهد القديم ، وهو أحد الإثني عشر رسولا الذين دعاهم رب المجد يسوع المسيح للرسولية .

وقد ’ذكر اسم توما في ثماني آيات من الكتاب المقدس ، في أربع منها جاء اسمه ضمن قائمة الرسل ( مت3:10 ،  مر18:3 ، لو 15:6 ، أع 13:1)  ، وأربع مرات أخر في إنجيل معلمنا القديس يوحنا البشيرالذي سلط عليه بصيصا من الضوء ليظهر لنا شخصيته الإنسانية وجراءته ( يو 16:11 ، 24:20 ، 26 ،2:21)  .

لقد تغيرت حياة القديس توما منذ اللحظات الأولي التي فيها التقي بالمسيح له المجد ، لأن رب المجد يسوع أعطاه مع بقية الإثني عشر قوة وسلطانا علي جميع الشياطين وشفاء الأمراض وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله (لو1:9-2) .

كان معلمنا القديس توما جريئا ومخلصا ومحبا لرب المجد يسوع ، فقد ظهر ذلك واضحا في ثلاث أجزاء من إنجيل معلمنا القديس يوحنا البشير ، الأولي عندما علم رب المجد يسوع بموت لعازر وأعلن عن عزمه الذهاب إلي بيت عنيا ليقيمه من الموت (يو14:11 -15) ، ولكن  الرسل حاولوا أن يثنوه من الذهاب الي هناك لأن اليهود كانوا يطلبون أن يرجموه . أظهر توما محبته القوية للمعلم الصالح ولم يخيفه الموت ولم تكن حياته شيئا ثمينا لديه ، لأن المحبة تطرح الخوف خارجا ، كقول الكتاب  " فقال توما الذي يقال له التوأم للتلاميذ رفقائه لنذهب نحن أيضا لكي نموت معه " (يو16:11) . كان قول معلمنا القديس توما صادقا ومؤيدا بالأفعال لأنه عبر الأردن وذهب مع يسوع إلي اليهودية  ومعه بقية الرسل وهم متوقعون الموت هناك ، وقد كان ذهاب رب المجد يسوع إلي بيت عنيا " لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به " (يو4:11)، ولكي يزيد إيمان الإثني عشر رسولا. أما الثانية فكانت بسبب عدم إعتقاد القديس توما في القيامة (يو25:20) ، ربما لعدم معرفته بكل ما هو مكتوب في أسفار العهد القديم ، فعلي سبيل المثال فإن مزمور 23 ينبئ عن آلام السيد المسيح علي الصليب ، أيضا ( مز9:16-11 ، هو2:6) ينبئ عن قيامته ، كذلك (مز18:68) ينبئ عن صعوده إلي السماء.  والثالثة كانت عندما إجتمع رب المجد يسوع المسيح مع تلاميذه الإثني عشر في العلية وقال لهم " لا تضطرب قلوبكم . أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي . في بيت أبي منازل كثيرة . وإلا فإني كنت قلت لكم . أنا أمضي لأعد لكم مكانا . وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إليً حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا . وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق " (يو1:14-5) . كانت هذه الكلمات ثقيلة علي آذانهم  بالرغم من إظهار السيد المسيح إبتهاجه بعودته إلي أمجاده السمائية في بيت أبيه ، فقد أحزنت نفوسهم ومشاعرهم وخصوصا أنهم لا يعلمون أين هو ذاهب ، لذلك سأله القديس توما   " يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق " (يو5:14) . لم ينجذب معلمنا القديس توما لما قاله رب المجد يسوع عن المنازل الكثيرة التي في بيت أبيه في الأمحاد السماوية ، لأنه كان منشغلا بمعرفة إلي أين سوف يذهب الرب ويتركهم كغنم بلا راع ، ربما لحذره الشديد في قبول الحق أو لبطئ فهمه لهذه الأقوال والتعاليم الإلهية، وربما لأنه كان يعلم أنه لكي يكون كارزا وشاهدا لحياة  الرب علي الأرض لا بد له من أن يتحقق من كل صغيرة وكبيرة لكي تكون شهادته وكرازته صادقة ومقنعة لكل من يكرز لهم .   ولم يتركه الرب بدون إجابة لأنه يحب خرافه ولهذا جاء إلي العالم " قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحيوة . ليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي ." (6:14) ، وكانت هذه الإجابة كافية لتروي ظمأه وتشبع جوعه لمعرفة الحق ، بل كل الحق  الذي كان يبحث عنه . ولم يكتفي المسيح القائم بذلك ، بل ظهر للتلاميذ العشرة حيث القديس توما لم يكن معهم في العلية " فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب . فقال لهم إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع اصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أومن .  وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضا داخلا وتوما معهم . فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم . ثم قال لتوما هات إصبعك إلي هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا. أجاب توما وقال له ربي وإلهي. " (يو25:20 – 28) ، ولم يكن توما الوحيد بين الرسل الذي لم يؤمن بالقيامة، بل بقية الرسل لم يؤمنوا بالقيامة (يو17:17 ، 20) حتي رأوا بأنفسهم الرب القائم (يو19:20-21) . كما أظهر نفسه لسبعة من تلاميذه  علي بحر طبرية وكان توما واحدا منهم (يو1:21-2) ، كما ظهر للأحد عشر وهم متكئين ، " ثم إن الرب بعد ما كلمهم إرتفع إلي السماء وجلس عن يمين الله " (مر19:16) ، كذلك ظهر للإحدي عشر رسولا المجتمعين للصلاة في العلية في اليوم السابق ليوم الخمسين (أع13:1) # . 

وقد رأي القديس  توما الرسول صعود جسد السيدة العذراء مريم إلي السماء .

بشر القديس توما في اليهودية والعراق والهند والصين والحبشة ،  واستشهد بطعنة حربة وهو يبشر في الهند .

تعيد له الكنيسة في يوم السادس والعشرين من شهر بشنس المبارك من كل عام .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

# لمزيد من المعلومات عن ظهورات السيد المسيح ،أنظر ذلك في كتاب " المسيح بين العهدين "  صفحة 30 .



6 – سمعــــــان الغيــــــور : القديس سمعان الرسول الملقب " الغيور " (لو15:6 ، أع13:1) هو أيضا الملقب " القانوي " (مت4:10 ، مر18:3)  لتمييزه عن سمعان بطرس . الاسم اليوناني Zelotes   المستخدم لوصف " الغيورين " وهم حزب راديكالي ثوري بين جماعة اليهود ، تأسس أيام المكابين لإتخاذ موقف حازم ضد التأثير الأجنبي علي حياتهم الدينية ، وكان مبدأهم " فالآن أيها البنون غاروا للشريعة وابذلوا نفوسكم دون عهد آبائنا " (1مكا50:2) ، وقد أعلن هؤلاء اليهود المتعصبين أن روما تريد أن تقضي علي استقلال إسرائيل وتمارس الضغوط لوقف ممارسة طقوس العبادة حسب ناموس موسي النبي ، ومن مقرهم الرئيسي في الجليل أعلنوا التمرد والعصيان علي روما ، وايام السيد المسيح حكم علي العديد من قادتهم بالموت. لقد ضرب الله حزب الغيورين المخدوعين ضربة قاضية عندما نهب وحرق الجنود الرومان بقيادة تيطس الهيكل وتم تدميره .  ولقب الغيور المعطي للقديس سمعان يوحي بأنه كان وطنيا يشتعل حماسا وربما كان عضوا عاملا في هذا الحزب. أما لقب " القانوي " فهو مستمدة من الكلمة العبرية " قانا " التي تعني المتحمس او الغيور وهي المرادف العبري لكلمة غيور والتي استخدمها معلمنا القديس  لوقا .

القديس سمعان الغيور هو أحد الإثني عشر رسولا الذين عينهم رب المجد يسوع للكرازة 

ولا يوجد هناك أية معلومات عن اسم ابيه أو امه ، ولا يعرف أي شئ عن عمله قبل دعوته للرسولية  ، وليس له أي كتابات أو رسائل أو أقوال أو أعمال تنسب له. لكنه كان صالحا لخدمة السيد المسيح لذلك إختاره وإلا ما كان إختاره  للرسولية ، ولا بد أنه أدي عمله الرسولي كباقي الرسل ، عندما أرسلهم رب المجد يسوع اثنين اثنين (مر7:6).

لقد انجذب القديس سمعان الغيور للسيد المسيح ورسالته السمائية المملوءة محبة وسلاما، ووجد فيه ضالته المنشودة التي لم يستطع ان يحققها أثناء إنضمامه لحزب الغيورين بقيادة  يهوذا السمالي الثوري الدموي ، واعتقد أن رب المجد يسوع المسيا المنتظر هوالذي سوف يخلصهم من طغيان الرومان ،  وعملت نعمة السيد المسيح فيه وحولت وطنيته الملتهبة إلي غيرة مقدسة ودائمة للمسيح وملكوته لأن " .... كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده "             ( رو28:8)  .  ولكن من خلال تعاليم السيد المسيح الروحية السامية تعلم القديس سمعان أن ملكوت السيد المسيح ليس ملكوتا أرضيا عالميا . فحدثت المعجزة ووضع كل أساليب الكراهية والمكر والخبث والخداع التي للغيورين عند قدمي يسوع المسيح له المجد ، وتحول إلي شخص جديد يتكلم وينادي بالمحبة والسلام  لأنه " يجعل من الآكل أكلا ومن الجاف حلاوة " ،  وتعلم أن العدو الأكبر لبلاده لم يكن الأمبراطورية الرومانية بل خطايا الشعب والإبتعاد عن الله   " لأن غضب الله معلن من السماء علي جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم." (رو18:1) .

ربما يتسأل سائل عن الأسباب التي جعلت المعلم الصالح يختار رجل مثل سمعان الغيور الثوري العنيف  ليكون رسولا بين الرسل ، وهل من الممكن الإعتماد عليه والثقة به ليحمل الكرازة ، فربما يعرض المعلم الصالح لشبهات ذات طابع سياسي . لكن نظرة الرب تختلف عن نظرتنا العالمية لأنه الرب العالم بكل شئ والقادر علي كل شئ  والمدبر كل شئ ، استطاع عن طريق القديس سمعان الغيور توصيل رسالة الفداء والخلاص إلي هذه الطبقات الخطرة علي المجتمع ، وبعض من الرسل الآخرين أمكنهم  تبشير الطبقات المحتقرة والمرذوله في المجتمع والبعض الآخر بشر تلك الطبقات الباحثة عن الحق وهكذا ، وهؤلاء جميعا قد قبلوا نعمة الكرازة كقول معلمنا القديس بولس الرسول " الذي لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم " (رو5:1).  وقد كانت محبة الرسل للسيد المسيح وقناعتهم الكاملة برسالتهم الكرازية، ومحبتهم لإخوتهم في البشرية سواء كانوا يهودا أم أممين ،عبيدا أم أحرارا ، جعلتهم يجوبون الأرض وهم علي استعداد للمخاطرة بأرواحهم من أجل نشر البشارة المفرحة وهي الإنجيل ، كقول معلمنا القديس يوحنا " نحن نعلم أننا قد إنتقلنا من الموت إلي الحيوة لأننا نحب الإخوة. من لا يحب أخاه يبق في الموت . كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس . وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حيوة أبدية ثابتة فيه . بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة " (1يو14:3-16) . أيضا قول معلمنا القديس بولس الرسول " فإننا لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربا ولكن بأنفسنا عبيدا لكم من أجل المسيح . لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح." (2كو5:4-6) .

بشر القديس سمعان الغيور في سوريا وفي بلاد ما بين النهرين وفارس .  استشهد بقطع رأسه .

تعيد له الكنيسة يوم الخامس عشر من شهر بشنس المبارك من كل عام .



7 - فيلبـــس الرسول : فيلبس اسم يوناني معناه " محب للخيل " ولد في بيت صيدا الجليل علي بحيرة طبرية ، مدينة اندراوس وبطرس التي رفض أهلها كلمات الحق الإلهي التي أيدها بمعجزات وأعلنها لهم الرب ، ولذلك استحقوا الويلات (مت21:11) .  وهو أحد الإثني عشر رسولا الذين عينهم السيد المسيح وأرسلهم للكرازة بإسمه للعالم أجمع . جاء ذكر اسم فيلبس في القوائم الكاملة للإثني عشر رسولا والمدونة في ( مت3:10 ،  مر18:3 ، لو14:6 ، أع13:1) ، في حين أن معلمنا القديس يوحنا البشير هو الوحيد الذي سجل لنا الصورة الأدبية للقديس فيلبس الرسول وشخصيته الجذابة كما ورد في  (يو 5:6-7، 20:12-23 ، 8:14) .

لقد بشر القديس  فيلبس الرسول أصدقاءه وأهل بلدته الذين سبق أن رفضوا يسوع ، ويبدو أنه كان لهذا الرسول صلات يونانية ، وهذا يفسر لماذا تكلم فيلبس الرسول نيابة عن اليونانين في عيد الفصح ، ولماذا جاء اليونانيون الباحثين عن يسوع المسيح له المجد إلي فيلبس أولا (يو21:12-22) .  كان القديس فيلبس الرسول يهوديا كباقي الرسل وعبرانيا خالصا من ناحية إقتناعه الديني ، وقد إنجذب لتعاليم رب المجد يسوع المسيح الذي  ينادي بملكوت السموات والحياة الأبدية .  ولا يوجد أي معلومات عن اسم والده أو والدته ولا عن حرفته قبل دعوته للرسولية .

 يوضح لنا معلمنا القديس يوحنا البشير أنه بعد أن دعي يسوع اثنين من تلاميذ القديس يوحنا المعمدان وكان أحدهما هو أندراوس أخو سمعان بطرس(يو39:1-40) ، كما أنه " في الغد أراد يسوع أن يخرج إلي الجليل . فوجد فيلبس فقال له اتبعني " (يو43:1) . كان رب المجد يسوع يبحث عن فيلبس لأنه كان إناءا مختارا من الله ، وبمجرد أن وجده وجه له الدعوة وقال له اتبعني  ، وواضح جدا أن القديس فيلبس الرسول كان أيضا يطلب ويبحث عن يسوع له المجد لذلك قال لنثنائيل " وجدنا الذي كتب عنه موسي في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة " (يو 45:1) . الرب يستجيب لكل من يطلبه كقول معلمنا داود النبي" طلبت إلي الرب فاستجاب لي ومن كل مخاوفي أنقذني " (مز4:34) ، وأيضا قول رب المجد يسوع  " اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم " (مت7:7) ، كذلك " وتطلبونني فتجدونني إذ نطلبونني بكل قلبكم " (إر13:29).

كان القديس سمعان الشيخ ينتظر تعذية إسرائيل لذلك نال البركة وحمل علي ذراعيه عمانوئيل ، وكان قلب فيلبس الرسول مستعدا ، لذلك عند سماعه المخلص يقول له        " اتبعني " ، ترك كل شئ وتبعه وبذلك كان لفيلبس الرسول امتياز أن يكون أول من ’دعي للرسولية ، وأصبح باكورة الرسل الإثني عشر، علما أن أندراوس وبطرس الرسولان كانا أول من أتيا إلي المسيح له المجد ولكنهما رجعوا  لصيد السمك ، وبعد سنة ’دعيا إلي الرسولية من قبل الرب.

ونجد في شهادته لنثنائيل الرسول قال " وجدنا الذي كتب عنه موسي في الناموس والأنبياء " لذلك قبل السيد المسيح وتبعه لأنه وجد أن  فيه تتحقق كل النبوات وتنطبق عليه كل الأوصاف المذكورة عنه في العهد القديم .

وفي معجزة إطعام الجماهير  ، قال رب المجد يسوع لفيلبس الرسول " من أين نبتاع خبرا ليأكل هؤلاء . وإنما قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل ." (يو5:6-6) ، كان ذلك لكي يمتحن إيمان فيلبس الرسول بقوته الإلهية وأيضا لكي يعلمه درسا لاينسي ، وكانت إجابة فيلبس الرسول أن مئتي دينار لا تكفي لشراء الخبز ليأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا ، كانت هذه الإجابة تجسيدا لعدم إيمانه بقدرة السيد المسيح الإلهية لبطئ فهمه الروحي .

عندما اجتمع السيد المسيح مع تلاميذه في العلية المعدة لعيد الفصح أظهر لهم أنه هو الوسيط بين الله والناس " ... . ليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي " (يو6:14) ، ومع هذا سأله فيلبس الرسول وقال " ... يا سيد أرنا الآب وكفانا " (يو8:14) ، هنا نجد صورة واضحة لإنعدام البصيرة الروحية لفيلبس الرسول ،  لذلك وبخه السيد المسيح بمحبة وقال له " أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس . الذي رآني فقد رأي الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب " (يو9:14) .

لقد قام فيلبس الرسول بمهمته التي ’دعي إليها خير قيام كبقية الرسل ، فمضي يكرز بالإنجيل بكل شجاعة وكان الرب معه يثنت الكرازة بالآيات (مر20:16) ، وكان فيلبس واحدا من الرسل المجتمعين في العلية يوم الخمسين حين حل عليهم الروح القدس (أع1:2-3) .

بشر القديس فيلبس الرسول في اورشليم واسيا وإستشهد مصلوبا .

تعيد له الكنيسة في الثامن عشر من شهر هاتور المبارك من كل عام .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حتي لا يحدث إلتباس علي القارئ وجدت أن انوه إلي أن القديس فيلبس الرسول ليس هو القديس فيلبس الشماس الكارز كما هو موضح في (أع5:6 ،5:8-8 ، 26-40) .





8 - متـي الـرســــول : "متي" هو اسمه اليوناني مأخوذ من الإسم العبري مثتيا ويعني " عطية يهوي " ، أما " لاوي " فهو اسمه القومي كعبراني ، واسم  " لاوي" يعني " يقترن " كما جاء في (تك 34:29) ، وهذا الإسم لاوي يدل علي انتسابه للنظام الكهنوتي وعلي عضويته في سبط  لاوي المخصص لعبادة الله وخدمته (عد6:3 ، تث8:10) . وقد استخدم كلا من القديس مرقس والقديس لوقا اسمه القديم  " لاوي "  في حين أنه يتحدث عن نفسه " كمتي " وفضل هو أن يشير إلي نفسه بإسم " متي العشار".    ولد في كفر ناحوم من أبوين تقيين هما حلفي ومريم وهي أخت مريم أم الرب ( يو 25:19) ، وهو كاتب الإنجيل المعروف بإسمه والذي منه يظهر أنه كان علي قدر من التعليم وكان ملما بالعهد القديم وبتقاليد معلمي اليهود . وعندما كبر عمل في وظيفة " العشار " وهي تختص بجمع الضرائب من الشعب لحساب الإمبراطورية الرومانية المستعمرة ، وهي وظيفة كان اليهود يعتبرونها ذات سمعة سيئة وفي نظرهم أن من يقوم بها هو عميل للإمبراطورية الرومانية بسبب طرق تعاملهم الجاحفة وظلمهم الشديد في طريقة جباية الضرائب الباهظة ، فكانوا يجمعون أكثر من أضعاف المبالغ التي يطلبها قيصر لكي يكون لهم النصيب الأكبر فيها . ونجد ذلك واضحا في اعتراف زكا رئيس العشارين للسيد المسيح كما هو مكتوب " فوقف زكا وقال للرب ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف " (لو8:19) .  كما أشار معلمنا القديس يوحنا المعمدان الي ذلك عندما جاء العشارون إليه طلبا للمعمودية وسألوه " يا معلم ماذا نفعل . فقال لهم لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم " (لو12:3-13) .

وفي كتابته للإنجيل المعروف بإسمه ، نجد آثار عمله السابق قبل دعوته للرسولية واضحا فقد استخدم لفظ المال أكثر من الأناجيل الأخري ، كما أنه استعمل كلمة جزيه بدلا من الدينار في سرده لمعجزة الإستار (مت24:17 -27 ،  22: 19)

وقد دعي رب المجد يسوع  متي العشار وهو جالس يباشر عمله كجابي ضرائب في كفر ناحوم كقول الكتاب " وفيما يسوع مجتاز من هناك رأي إنسانا جالسا عند مكان الجباية اسمه متي . فقال له اتبعني . فقام وتبعه " (مت 9:9) ، وكانت هذه الدعوة بمثابة أمر ملوكي لذلك ترك عمله واصحابه وتبع الرب يسوع ، لأن هذا العشار كان قلبه مستعدا لهذه الدعوة ، لما سمعه عن الرب ومعجزاته وكان في اشتياق لمقابلته . وفي الحال تحرر من كل الذنوب والخطايا التي إقترفها في حياته العملية كجابي للضرائب ، لأنه آمن به وقام وتبعه . ترك وظيفته المربحة ، مكتبه وحساباته وأرباحه والموظفين الذين تحت رئاسته ، أي أنه حمل صليبه ،  وقام وتبع المسيح له المجد  . ومن إتضاع القديس متي لم يذكر في الإنجيل المعروف بإسمه تضحياته وحمله الصليب في سرد قصته ، وكان يحرص علي إضافة لقب العشار إلي إسمه (مت 3:10) ، ليذكرنا بعمل النعمة الإلهية فيه.

عندما قبل متي العشار الدعوة وتبع الرب ، نال التوبة والفداء ووعدا بالخلاص ، وتحول من صديق للعشارين والخطاة إلي تلميذ لرب المجد يسوع ، وفيما بعد كارزا بالملكوت . بقبوله الدعوة وتبعيته للمسيح له المجد نال كرامة وتحول من إنسان خاطئ إلي عامل في كرم الرب ورسولا . يا له من قرار حكيم فوري ، فلو أنه تراجع في قبول الدعوة كما فعل الشاب الغني  ، كم كانت الخسارة كبيرة للكنيسة ، لأنه كتب إنجيلا كان سبب بركة للبشرية عبر الأجيال ، وكان مبشرا وكارزا بالملكوت والحياة الأبدية .

ومنذ اللحظات الأولي لقبوله التلمذة للمخلص ، أراد أن يباشر عمله الجديد كتلميذ ليخبر ويبشر الآخرين عن الخبر السار ، فأعد وليمة كبيرة وطلب من يسوع المسيح له المجد والتلاميذ وحشد كبير من جابي الضرائب من زملائه أن يحضروا ، كما هو مكتوب " وبينما هو متكئ في البيت إذا عشارون وخطاة كثيرون فد جاءوا واتكأوا مع يسوع وتلاميذه " (مت 10:9) ، كذلك " وصنع له لاوي ضيافة كبيرة في بيته . والذين كانوا متكئين معهم كانوا جمعا كثيرا من عشارين وآخرين " (لو29:5) .  ولم يجد أولئك العشارين والخطاة صعوبة في قبول هذه الدعوة لحضور الوليمه  وخصوصا أنها كانت من واحد كان منهم لفترة زمنية طويلة . والجميل في الأمر أن القديس متي الرسول بعد أن أصبح تلميذا لم يعطي ظهره لهؤلاء الزملاء في العمل السابق لدعوته للرسوليه ، فلقد أراد أن يشاركه هؤلاء العشارين والخطاة فرحته بالتوبة والفداء الذي تم له ، وأن يتبعوا المعلم الصالح مثله . أراد القديس متي الرسول أن يعترف بإيمانه بالرب يسوع علانية ولم يخجل من أن يعلن ذلك ، كما أراد ان ’يعرف الرجال الذين كان هو واحد منهم علي رئيس هذا الإيمان لعلهم يتحولون هم أيضا  .  وقد أظهرت هذه الوليمة التي أقامها القديس متي الرسول في بيته علي أنه يتحلي بروح شاكرة وأيضا يتميز بروح التبشير والكرازة ، فقد أراد  أن يخبر بكم صنع الرب به ورحمه  .

وقد تذمر الفريسيون المراؤن أصحاب البر الذاتي ، لجلوس الرب يسوع مع منبوذي المجتمع وقالوا لتلاميذه " لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة " (مت11:9) ، لذلك وبخهم المسيح له المجد وقال " ... لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي . فاذهبوا وتعلموا ما هو . إني أريد رحمة لا ذبيحة . لأني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلي التوبة" (مت13:9) ،  قال هذا لكي يوبخهم بما هو مكتوب عنه في النبوات " إني أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات " (هو6:6) . 

كان القديس متي الرسول يتقن اللغتين الأرامية واليونانية ، وقد كتب الإنجيل المعروف بإسمه باللغة الأرامية وترجم إلي اللغة اليونانية لأنه ’كتب إلي إخوته اليهود بصفة خاصة وإلي العالم أجمع بصفة عامة ، لأن اللغة الأرامية هي اللغة الشائعة في ذلك الوقت وهي التي كان يتكلمها السيد المسيح له المجد ، وهذا الإنجيل يركز علي الأعمال التي قام بها السيد المسيح في الجليل ، وينفرد القديس متي الرسول بإقتباسه في (مت 16:4) الوعد العظيم في نبوة إشعياء النبي القائلة " الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما .  الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور " (إش2:9 ) . في الإصحاح الأول عرض القديس متي الرسول كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم حتي يعقوب وابنه يوسف رجل السيدة العذراء مريم التي ولد منها يسوع المسيح وهي 42 جيلا ، كذلك ذكر قصة ميلاد رب المجد يسوع المسيح الذي جاء ليبارك العالم من خلال شعبه المختار ، ولكي يتحقق فيه رجاء الأمم . إنجيل متي فيه 41 إقيباس من نبوات العهد القديم ، وهو يعتبر إنجيل الملكوت  .  ويمكن تقسيم هذا الإنجيل إلي ثلاثة أقسام رئيسية  :-

1 – الإصحاحا ت  1 – 4 :  16       حياة السيد المسيح الأولي .

2 – الإصحاحات 17:4 – 20:16    آيات ومعجزات وأعمال السيد المسيح وارساله       .                                                 التلاميذ للتبشير بملكوت الله

3 -  الإصحاحات 21:16 – 20:28   آلام السيد المسيح وقيامته.

كان القدبس متي الرسول ملازما لرب المجد يسوع وشاهد معجزاته وآلامه وصلبه وموته وقبره وقيامته وصعوده إلي السماء وهو أحد التلاميذ الإثني عشرالمجتمعين في العلية للصلاة مع آخرين عندما حل عليهم الروح القدس في يوم الخمسين .

بشر  القديس متي الرسول في اليهودية وبلاد فارس ، واستشهد بقطع راسه .

تعيد له الكنيسة في اليوم الثاني عشر من شهر بابة المبارك من كل عام .



9 – يعـقــوب بـن حـلـفــي الرســـول :  يعقوب اسم عبري معناه " يعقب أو يمسك العقب "  ، في اللغة الإنجليزية James  المشتق من الأصل العبري Jacob  . وكان اسم يعقوب اسما شائعا ، فهناك يعقوب بن زبدي الملقب بالكبير ، ويعقوب أخو الرب ، ويعقوب أبو يهوذا ليس الإسخريوطي ، ويعقوب بن حلفي الذي أحيانا يطلق علية يعقوب الصغيروهو أخا متي.(مر18:3 ) الذي دعي أيضا " لاوي ابن حلفي " (مر14:2) ، وأمه مريم أخت السيدة العذراء مريم أم الرب (يو 25:19) والتي كانت احدي النساء اللواتي رافقن المسيح . وهو أحد الإثني عشر الذين إختارهم الرب للرسولية (مت10:2) ، وكان يعمل في وطيفة "جابي الضرائب" مثل أخيه " متي العشار ".  ولا يوجد أي معلومات عن القديس يعقوب بن حلفي ، فلا أقوال ولا كتابات ولا رسائل ولا أعمال منسوبة له  ، فقد فضل أن يؤدي عمله الرسولي في صمت  وعلي أكمل وجه ، ولم يكن محبا للصدارة والقيادة .  من مميزاته أنه كان مطيعا للرب يذهب إلي حيثما كان يرسله المعلم الصالح ، وقد عوضه الرب عن القصر في طول قامته  وعن كونه يحب أن يعمل خلف الكواليس فكان مثالا يحتذي به في إيمانه ومحبته للرب ، وفي إتضاعه ، وفي خدمتة الهادئة الصادقة والأمينه ، وقد إختاره رب المجد يسوع لأنه هو الله العالم بكل شئ وهو يستطيع أن يجعل منه رسولا ناجحا في رسوليته ، ولذلك نجده لم يتسبب أبدا في مضايقة الرب عن طريق الأسئلة الدالة علي سوء الفهم أو عدم الإيمان أو الشك كما كان يفعل بعض الرسل  .  لقد جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعي ، وحفظ الإيمان دون أي مديح من إنسان ، وانطبق عليه قول معلمنا القديس بولس الرسول " كمجهولين ونحن معروفون . كمائتين وها نحن نحيا. كمؤدبين ونحن غير مقتولين . كحزاني ونحن دائما فرحون . كفقراء ونحن نغني كثيرين . كأن لا شئ لنا ونحن نملك كل شئ " (2كو9:6-10)  . والديان العادل سوف يجازيه علي أمانته كقول الرب إل ملاك كنيسة سميرنا " كن أمينا إلي الموت فسأعطيك إكليل الحيوة " (رؤ10:2) .  سوف يكتب اسمه علي أحد الأساسات الإثني عشر التي للمدينة المقدسة أورشليم السمائية لأنه واحد من" رسل الخروف الإثني عشر ." (رؤ14:21) .

لقد خيم الصمت علي بعض الرسل ، والسبب في ذلك لأن ’كتاب الأناجيل الأربعة ركزوا إنتباهم علي الإنسان الأكثر أهمية وهو رب المجد يسوع المسيح .  لقد أراد يعقوب بن حلفي أن يكون معلمه الصالح هو الكل في الكل ، ولذلك أمات الذات داخله. وهو الآن حيا في السماء يسطع كالنجوم إلي الأبد ، وسوف يكون الإعتراف به كاملا في الحياة الأبدية " وعبيده يخدمونه وهم سينظرون وجهه واسمه علي جباههم" (رؤ3:22-4)  

رافق السيد المسيح في كل تحركاته وشاهد آلامه وصلبه وموته وقيامته وصعوده وكان واحدا ممن حل عليهم الروح القدس في العلية .

استشهد رجما بالحجارة ، وتعيد له الكنيسة في الثامن عشر من شهر أبيب المبارك من كل عام .



10 _ يعـقـــوب بـن زبــــدي الـرســــول : كما ذكر سابقا فإن الإسم يعقوب James في الإنجليزية  يرجع في الأصل للإسم العبراني لأبو الآباء يعقوب Jacob   ، وهو إسم كان شائع الإستعمال في الجالية اليهودية . هذا الرسول له لقبان الأول " ابن الرعد " واللقب الثاني هو " الكبير" ، وهو الشقيق الأكبر للقديس يوحنا الحبيب ، وكانا يعملان في صيد السمك (مر20:1) ، وقد تبعا رب المجد يسوع مع القديسين بطرس وأندراوس بعد معجزة صيد السمك الوفير(يو 6:21)، وكانا يعيشان مع والدين تقيين هما " زبدي " و " مريم الملقبة ب سالومة "   بالقرب من شاطئ بحر الجليل . وكانت مريم الملقبة سالومة إحدي النساء اللواتي خدمن  الرب من أموالهن حين كان في الجليل ، وتبعنه في رحلته الأخيرة إلي أورشليم " اللواتي أيضا تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل. وأخر كثيرات اللواتي صعدن معه إلي أورشليم " (مر40:15 ، مت 56:27) . كانت إمرأة جريئة مخلصة للسيد المسيح له المجد ، كلها إيمان راسخ وثقة كاملة فيه وفي الحياة الأبدية التي ينادي بها وبملكوته الآتي (مت20:20)، وكانت إحدي النساء  اللاتي كن عند الصليب باكيات علي ما شاهدن من آلامه  المبرحة ، وأتين صباح يوم القيامة ليدهن جسده الطاهر بالحنوط (مر1:16) . أما عن زبدي فقد كان رجلا غنيا وقد استأجر خداما ليساعدوه في  صيد السمك (مر20:1) ، وكان يمتلك منزلا في أورشليم ، وكان صديقا لرئيس الكهنة قيافا ، وكان معتادا علي زيارة بيت رئيس الكهنة (يو15:18-16).

كان يعقوب ويوحنا ، ابني زبدي ، يصلحان الشباك مع أبيهما ، فدعاهما رب المجد يسوع " فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه " (مت22:4) ، كما انهما كانا من بين أولئك الذين أظهر يسوع لهم نفسه مرة أخري بعد قيامته ، نظرا لأنهم قرروا العودة لحفرتهم القديمة وهي صيد السمك (يو2:21) . فكل إنسان له هدف ثابت في الله، لا ينظر إلي الوراء ويجب ألا يحاكي الآخرين ولا يكون مترددا .

وكون القديس يعقوب رفيقا مقربا وشريكا وثيق الصلة بالمعلم الصالح ، جعله يكون ملما بكل الأحداث التي مر بها الرب ، لكي يكون لشهادته عن يسوع المسيح له المجد كما لبقية الرسل انعكاسا حقيقيا واضحا لروح الفداء والخلاص الذي قدمه علي الصليب ، وتكون لروايتهم التي شهدوا بها عن المخلص أمام العالم أجمع المصداقية،  ويكون لديهم الأمانة في نقل كلماته وأقواله ومعجزاته وسرد الأحداث التي تمت في حياة المسيح له المجد .  وقد تأهلوا للمنصب الرسولي الفائق الأهمية والمسئولية لمدة تزيد عن الثلاث سنوات ، فالرسل لا يولدون رسلا بل يصنعون كقول رب المجد يسوع ، الفخاري الأعظم ، " فأجعلكما " . فبعد أن أكمل يعقوب ويوحنا فترة التلمذة علي يدي المعلم الصالح ، أعطاهم الرب اسم " بوانرجس أي ابني الرعد " (مر17:3) ، وهو اسم يدل علي انهما كانا ذا مزاج ناري وطبع حاد مندفع وغيرة آكلة ، لم يستأصل رب المجد يسوع هذا الطبع ، بل قدسه فيهم ليجعل منهم قوة دافعة في ملكوته ، لأن لهما في عيني الرب مركزا رئيسيا بارزا في البشارة والكرازة بالإنجيل  .  والإسم الذي أطلق عليهما  " ابني الرعد "  يعني صوت يزلزل السماء والأرض معا كما هو مكتوب " الذي صوته زعزع الأرض حينئذ وأما الآن فقد وعد قائلا  إني مرة أيضا أزلزل لا الأرض فقط بل السماء أيضا " ( عب 26:12)  ، كذلك "  لأنه هكذا قال رب الجنود . هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة . وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهي كل الأمم فأملأ هذا البيت مجدا قال رب الجنود " ( حج 6:2-7)   . 

وعندما أظهر القديسين يعقوب ويوحنا تعصبهما المكبوت الذي سجله لنا القديس لوقا البشير في حادثتين ، الأولي  " فأجاب يوحنا وقال يا معلم رأينا واحدا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه لأنه ليس يتبع معنا . فقال له يسوع لا تمنعوه . لأن من ليس علينا فهو معنا " (لو49:9-50) ، من الواضح أن هذا الشخص الذي يخرج الشياطين باسم السيد المسيح كان مؤمنا بالمسيح وبلاهوته وكان يحمل في قلبه وفي فمه الشهادة للسيد المسيح كالرسل تماما ، لذلك كان له القدرة علي طرد الأرواح النجسة ، ولكنهم منعوه من ذلك ، ولهذا وبخهم رب المجد يسوع لعدم تسامحهم وتعصبهم الأعمي وقال قولته المشهورة التي بها أرسي مبدأ هاما في الكنيسة علي مر العصور وهو    " من ليس علينا فهو معنا " (لو 50:9) ،   فكل من يحاول شفاء المرضي وخلاص النفوس باسمه المبارك القدوس ، يجب أن يعتبر واحدا من التلاميذ وعضوا عاملا في الكنيسة من أجل إظهار نعمة الله الشافية المخلصة .

والحادثة الثانية " وأرسل أمام وجهه رسلا . فذهبوا ودخلوا قرية للسامرين حتي يعدوا له . فلم يقبلوه لأن وجهه كان متجها نحو أورشليم . فلما رأي ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضا . فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما . لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص." (لو52:9-56) . كانت النزاعات الطائفية بين اليهود والسامريين كبيرة ، فلم يكن السامري سوي كلب في نظر اليهودي  ، هذا بالإضافة إلي ما يبدوأنه استخفاف بمكان عبادة السامرين وهو " جبل جزريم " ، لأن الرب مر به للسجود في أورشليم وليس في جبل جزريم ، وهذا دفعهم إلي عدم تقديم واجبات الضيافة أواستقباله كعادتهم لجميع المسافرين المارين ببلدتهم . وهذا دفع الأخوان يعقوب ويوحنا إلي الغضب ومحاولة التفكير في طلب الإنتقام من السماء لأن أهل السامرة وجهوا لمعلمهم الصالح الإهانة . ولكن رب المجد يسوع وبخهما  علي عدم إظهارالتعاليم التي تعلموها منه  وهي محبة الأعداء  ، والصلاة لأجل الذين يسيئون إلينا ، مذكرا إياهم بأن روح إيليا ليست هي روح ابن الإنسان ،"لأن ابن الإنسان لم يأتي ليهلك أنفس الناس بل ليخلص " (لو56:9).

عندما قام السيد المسيح بتهيئة عقول وأرواح رسله الأطهار بحقيقة صلبه وموته ثم قيامته في أثناء رحلته الأخيرة إلي أورشليم  (مت17:20- 19) ، كان لذلك أثره الكبير في ازدياد طموح أم ابني زبدي وابنيها يعقوب ويوحنا  ،  فطلبت منه أن يعطي يعقوب ويوحنا مركزين متقدمين عن بقية التلاميذ  " أن يجلس ابناي واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك  "(مت21:20) ، كوعده الصادق أنه عندما يأتي في ملكوته فإن تلاميذه سوف يجلسون علي اثني عشر كرسيا ويدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر (مت28:19) . فأجابهما رب المجد يسوع "لستما تعلمان ما تطلبان . أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا . قالا نستطيع " (مت22:20) ، ومع أنهما كانا أنانيين في طلبهما إلا أن قولهما " نستطيع " كان رائعا نابعا عن قلب مملوء محبة لمعلمهم الصالح ويريدان أن يكونا معه وبجواره حتي لو أدي ذلك إلي تجرؤ الكأس المريرة معه . وكان لحلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين تغبرا شاملا في حياتهم ، فقد اختفي التعصب الأعمي والأنانية ، كا اختفي السعي الطموح نحو السلطة ، وخدموا كرسل بقوة وبتكريس ثابت للبشارة المفرحة ، ولم يكونوا يخافون من الذين يستطيعون أن يقتلوا الجسد ، كقول معلمنا بولس الرسول بالروح القدس " فإني متيقن أنه لا موت ولا حيوة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلية ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخري تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا " (رو38:8-39).

كان يعقوب ابن زبدي أحد الثلاثة تلاميذ الذين شاهدوا معجزة إقامة ابنة يايرس (مر37:5- 42) ، كذلك كان واحدا من الثلاثة الذين عاينوا آلامه المبرحة وصلاته لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن في جثسيماني ، وكان أحد الثلاثة تلاميذ الذين عاينوا مجد الرب علي الجبل المقدس (لو28:9-33) .

ويعقوب ابن زبدي ليس هو كاتب رسالة يعقوب ، لأن الذي كتب هذه الرسالة هو يعقوب أخو الرب الذي أصبح رئيسا لمجمع أورشليم  .

بشر في اليهودية وفي السامرة ، وهو أول من استشهد من الرسل وثاني شهيد في الكنيسة الأولي بعد القديس الشهيد اسطفانوس رئيس الشمامسة . تعيد له الكنيسة في السابع عشر من شهر برموده المبارك من كل عام .



11 – يـهــــوذا سـمـــعـان الإسـخـــريـوطـي :يهوذا اسم عبري معناه " أحمد الرب" (تك35:29) ،  يهوذا سمعان الملقب بالإسخريوطي (يو71:6) وهو أحد الإثني عشر تلميذا الذين إختارهم رب المجد يسوع المسيح (مت4:10 ، مر19:3 ، لو16:6) وهو ذو شهرة أكثر من بقية الرسل بسبب خيانته البشعة للرب مما أكسبه لقبا سيئا علي مر الأجيال" يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه " . كلمة الإسخريوطي كلمة يونانية وتعني " رجل من قريوط " ، وقريوط هي المدينة الي ولد فيها ، وهي مدينه قريبة من أورشليم ، ويهوذا الإسخريوطي هو التلمبذ الوحيد بين التلاميذ الذي لم يكن جليليا، فهو يهودي ينحدر من سبط يهوذا ، ولم يكن الجليليون ’يعتبرون يهودا خالصين من قبل إخوتهم من الجنوب (يو52:7) .  الإسم يهوذا سمعان الإسخريوطي جاء ذكره في الكتاب المقدس في (يو71:6 ، 2:13 ،26) ، وصفه رب المجد يسوع ب          " شيطان " (يو70:6) ، وقال عنه  " كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد "(مر21:14 ، مت 24:26) ، أيضا قال عنه أنه "ابن الهلاك" (يو12:17 ، مت15:23 ،2تس3:2) ، وفي العشاء الأخيرصرح السيد المسيح للتلاميذ " إن واحد منكم سيسلمني " (يو21:13) ، فالمسيح له المجد كان يعلم من سيسلمه " فبعد اللقمة دخله الشيطان " (يو27:13) ، وبخه بحب " فقال له يسوع يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان " (لو48:22) .

دائما يذكر اسم يهوذا الإسخريوطي في ذيل قائمة الرسل ، ولم يكن يهوذا مخلصا  إخلاصا كاملا للسيد المسيح في بداية تلمذته ، لأنه لم يترك كل شئ ليتبعه كما فعل بقية الرسل ، فهو الوحيد بين الرسل الذي قدم ولاءا مزدوجا . فقد كان في قلبه محبة المال وأيضا محبة المسيح له المجد فانطبق عليه المثل القائل " الملتوي القلب لا يجد خيرا والمتقلب اللسان يقع في السوء "(أم20:17) ، فهو لا يستطيع أن يخدم سيدين إما المال وإما الله ، " ورجل ذي رأيين هو متقلقل في جميع طرقه " (يع8:1) ، ولذلك  " أصبحت داره خرابا وأخذ وظيفته آخر " (أع20:1) . استخدمه الرب أداة لعمل النعمه في قلوب الآخرين  وزوده بالقوة مع بقية الرسل ليكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي الأمراض ، ويخرج الشياطين (مر14:3-19) . أعطاه ثقة أكثر من باقي الرسل فعينه أمينا للصندوق ، ويوضح لنا معلمنا القديس يوحنا البشير " لأنه كان سارقا وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقي فيه " (يو6:12)  ، وبعد أن دخله الشيطان  (يو27:13) خان ربه وباعه بثلاثين من الفضة وهي ثمن عبد عندما يقتله ثور(خر32:21) . لذلك أصبح ينطبق عليه وعلي أمثاله قول السيد المسيح عند مجيئه الثاني " إني لم أعرفكم قط .اذهبوا عني يا فاعلي الإثم " (مت 23:7) .



والسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا اختار السيد المسيح يهوذا كتلميذ ضمن الإثني عشر وهو الله العالم بكل شئ ولا يخفي عليه شئ ؟   وقد قال عنه المرتل في المزمور " كل ما شاء الرب صنع في السموات وفي الأرض في البحار وفي كل اللجج " (مز6:135).            

وللإجابة علي هذا السؤال المحير ، وجب علينا أن نبحث في الكتاب المقدس بعهديه عن الدوافع والأسباب التي أدت بيهوذا أن يسلم ربه . ففي نبوات العهد القديم الموحاة بالروح القدس والتي تشير إلي يهوذا الإسخريوطي مسلمه نجد معلمنا داود النبي يقول في المزمور " أيضا رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع عليا عقبه " (مز 9:41) . كذلك " لتصر دارهم خرابا وفي خيامهم لا يكن ساكن"  (مز25:69) . كما أن زكريا النبي تنبأ عن بيع يهوذا الخائن للسيد المسيح بثلاثين من الفضة وهي ثمن عبد قتله ثور واشتروا بها حقل لدفن الغرباء فقال " فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا . فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة . فقال لي الرب ألقها إلي الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به . فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلي الفخاري في بيت الرب " (زك12:11-13) . وعلي هذا يتضح لنا أن كل هذا كان في خطة الله منذ الأزل من أجل خلاص البشرية ، وأن الله لم يدبر خيانة يهوذا  ، ولكنه كان يعلم أن ذلك سيحدث من يهوذا.

 فمنذ البدء خلق الله الإنسان وزوده بعقل لكي يستطيع  أن يميز بين الصواب والخطأ والخير والشر وقد أعطاه ضميرا يؤنبه ويرشده إلي فعل الخير ، فالإنسان ’مخير وليس ’مصير  . وفي حالة يهوذا هذه نجده قد إختار بمحض إرادته الصرفه خيانة الرب ، لأنه كان ينقصه الإيمان والمحبة . كان لديه كما لبقية الرسل فكرة أن المسيح له المجد قائدا سياسيا وطنيا وأنه سوف يخلصهم من الحكم الروماني وكان يطمع في مركز وسلطة كوزير للخزانة عند إعلان مملكته ، مع أن السيد المسيح قال" مملكتي ليست من هذا العالم " (يو36:18).  فعندما أعلن رب المجد يسوع المسيح عن موته وهو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص ، عندما أتت مريم أخت لعازر وسكبت علي رأسه وهومتكئ قارورة طيب كثير الثمن ، فإغتاظ التلاميذ " قائلين لماذا هذا الإتلاف . لأنه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير ويعطي للفقراء . فعلم يسوع وقال لهم لماذا تزعجون المرأة فإنها قد عملت بي عملا حسنا . لأن الفقراء معكم في كل حين . وأما أنا فلست معكم في كل حين . فإنها إذ سكبت هذا الطيب علي جسدي إنما فعلت ذلك لأجل تـكـفـيـنــي "(مت8:26-12) . فأدرك أن السيد المسيح سوف يموت دون أن ينشئ مملكة علي الأرض ، فخابت كل آمال يهوذا الخائن وطموحاته وملأه الإحباط غيظا كقول معلمنا القديس يوحنا البشير بإرشاد الروح القدس" فحين كان العشاء وقد ألقي الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلمه " (يو2:13).  ووجد هذه فرصة لكي يتقرب إلي رؤساء الكهنة اليهود طمعا في المال  لأن محبة المال قد أعمت عينيه وشلت فكره وأماتت ضميره ، " لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة " (1تيمو 10:6 ) ، ولكن" ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه " (مر36:8) .   في ذلك يقول معلمنا القديس بولس الرسول " فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية . لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل ." (رو14:7-15) ، فالإنسان الغير روحاني أحيانا يفعل الخطية التي يبغضها ولا يريد أن يفعلها ، لأنه مكبل بأحبال الشيطان.

كان يهوذا يخطط بهدوء وعن عمد وإصرار ليجد فرصة ليسلمه (مت16:26 ، مر11:14) . كان يسوع المسيح له المجد يجتمع مع تلاميذه في بستان جشسيماني     " وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع . لأن يسوع اجتمع هناك كثيرا مع تلاميذه " (يو2:18) . 

لقد ندم يهوذا علي فعلته المشينة ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان ، فالتوبة قد تأتي متأخرة فهو لم يطلب المغفرة من الرب وادرك أنه لا يستطيع إرجاع عقارب الساعة إلي الوراء .  فالله لايسر بموت الخاطئ كقوله " حي أنا يقول السيد الرب إني لا أسر بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طرقه ويحيا . ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الردية " (حز11:33) . لقد تخطي يهوذا الخائن عمل الفداء " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح . الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع ." (1تيمو5:2-6) ، ولم يصرخ قائلا أخطأت يا ربي سامحني وإغفر لي خطيتي ، ولم يسمع من السيد المسيح قوله " مغفورة لك خطاياك " لأنه لم يكن قريبا منه .  لقد أصبحت يدي يهوذا الإسخريوطي ملوثة بدماء رب المجد يسوع بإرادته الكاملة المدفوعة من الشيطان ، وكان ذلك بسماح من الآب السماوي ، لأنه دائما      " الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون " (1تيمو4:2) ، ندم وإمتلأ يأسا فذهب وشنق نفسه .

بعد موت يهوذا الخائن ، كان لا بد أن ’يختار آخر ليحل محله . فاجتمع الرسل لإختيار رسول آخر ، فتكلم القديس بطرس وناشدهم أن يختاروا واحدا من الرجال الذين اجتمعوا معهم كل الزمان الذي فيه دخل اليهم الرب يسوع وخرج " منذ معمودية يوحنا إلي اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحد منهم شاهدا معنا بقيامته . فأقاموا إثنين يوسف الذي يدعي بارسابا الملقب يوستس ومتياس . وصلوا قائلين أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الإثنين أيا اخترته . ليأخذ قرعة هذه الخدمة والرسالة التي تعداها يهوذا ليذهب إلي مكانه . ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة علي متياس فحسب مع الأحد عشر رسولا " (أع22:1-26) .

كان متياس أحد السبعين رسولا الذين عينهم الرب ، لازمه منذ البداية ، سمع تعاليمه وشاهد معجزاته، وصلبه وقيامته وصعوده إلي السماء .





  1. – يـوحـنـــا بـن زبـــدي الـرســـول :  يوحنا اسم عبري ويعني " الرب رحيم " أو " نعمة الرب " وفي الإنجليزية John  .  يوحنا الرسول له أربعة ألقاب الأول يوحنا الحبيب ، والثاني يوحنا الرائي ، والثالث يوحنا الإنجيلي ، والرابع ابن الرعد (مر17:3)،  وهو أصغر من أخيه يعقوب الرسول (مت 21:4) . كان يوحنا الرسول من عائلة غنية لأن والده زبدي كان لديه أجراء (مر20:1) ، والدته سالومة (مت56:27 ، مر40:15) كانت إحدي النساء اللواتي كن يخدمن الرب يسوع من أموالهن (لو3:8) ، وأيضا كانت إحدي النساء اللواتي اشترين حنوطا لدهن جسد الرب (مر1:16) . يوحنا الرسول هو أصغر التلاميذ الإثني عشر سننا ، وأطولهم عمرا وهو الوحيد بين الرسل الذي لم يستشهد . كان يعمل في صيد السمك في بحر الجليل (مر19:1-20 ،لو10:5) ، وهو من بيت صيدا .  كان للرسول يوحنا بيته الخاص في أورشليم ، وبعد موت السيد المسيح علي الصليب ، أخذ  العذراء مريم لتعيش معه كأمه (يو 26:19-27) ، وكان معروفا لدي رئيس الكهنة (يو15:18) . وعندما جاء يوحنا الرسول إلي الرب وقال له " يا معلم رأينا واحدا يخرج الشياطين بإسمك فمنعناه لأنه ليس يتبع معنا . فقال له يسوع لا تمنعوه . لأن من ليس علينا فهو معنا " (لو49:9-50) .
     بدأ القديس يوحنا الحبيب حياة التلمذة علي يدي القديس يوحنا المعمدان الذي قال عن نفسه " أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب " ( يو23:1) .  كان يوحنا الحبيب من أسرة تقية وكان ملما بالعهد القديم ، فقد كان علي دراية بكل نبوات إشعياء النبي عن آلام السيد المسيح وأوجاعه وصلبه وقبره (إش 1:53- 9) ، وكل ما يتعلق بخروف الفصح " جعل نفسه ذبيحة إثم " (إش10:53) . وكان يتوقع مجئ المسيا المنتظر لذلك عندما أعلن القديس يوحنا المعمدان أنه أتي ليعد الطريق للمسيا الموعود به ، آمن به . وعندما أتت الساعة وظهر المسيح له المجد ، أشار إليه يوحنا المعمدان وقال " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " (يو29:1) ، لذلك عندما دعا السيد المسيح يوحنا وأخيه يعقوب للتلمذة تركوا كل شئ وتبعوه (مت22:4) . وقد طلب يوحنا وأخيه يعقوب من الرب يسوع أن يعطيهما أن يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته (مر37:10) . كان يوحنا أحد التلاميذ الثلاثة  الذين اختارهم الرب لمعاينة إقامة ابنة يايروس من الموت ،  وليعاينوا  مجده في حادث التجلي ويسمعوا صوتا من السحابة التي ظللتهم قائلا " هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا " (مر7:9) . أرسل الرب بطرس ويوحنا ليعدا الفصح له مع التلاميذ الإثني عشر (لو8:22) ، وكان يوحنا متكئا في حضن الرب عندما قال لهم  " إن واحدا منكم سيسلمني . فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسي أن يكون الذي قال عنه " (يو21:13-25) .  جاء الرب  إلي ضيعة اسمها جثسيماني وقال لتلاميذه اجلسوا ههنا حتي أصلي " ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يدهش في البكاء ويكتئب . فقال لهم نفسي حزينة جدا حتي الموت . امكثوا هنا واسهروا " (مر33:14-34) . وعندما ’قبض علي رب المجد يسوع المسيح وأخذوه للمحاكمة ، تبعه الرسولان يوحنا وبطرس ، ودخل يوحنا الحبيب مع الرب يسوع إلي دار رئيس الكهنة (يو15:18) ، لأنه كان معروفا  لديه ، واستطاع يوحنا الحبيب أن ’يدخل بطرس الرسول معه (يو15:18-16).
    لم يقطع يوحنا الحبيب صلته بالقديس بطرس بسبب إنكاره معرفة رب المجد يسوع أمام جارية رئيس الكهنة ، بل ظل مرافقا له .  فنجد مريم المجدلية قد أتت اليهما   في صباح يوم القيامة " وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه . فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلي القبر . وكان الاثنان يركضان معا . فسبق التلميذ الاخر بطرس وجاء أولا إلي القبر وانحني فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل . ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان علي رأسه ليس موضوعا مع الأكفان بل ملفوفا في موضع وحده . فحينئذ دخل أيضا التلميذ الآخر الذي جاء أولا إلي القبر ورأي فآمن " (يو 2:8-8) . كان يوحنا الحبيب أحد السبعة تلاميذ الذين عادوا إلي حرفة صيد السمك في بحيرة طبرية (يو2:21-3).  وعندما ظهر لهم الرب ، قال القديس يوحنا الحبيب للقديس بطرس " هو الرب " (يو7:21) .
    ويسجل لنا سفر أعمال الرسل الإرتباط القوي بين القديس يوحنا الحبيب والقديس بطرس الرسول ، فكلاهما كان شاهدا لصعود رب المجد يسوع إلي السماء (أع9:1).  كذلك كانا ضمن الإحدي عشر رسولا الذين حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين (أع1:2-4) ، وكان كلاهما يصعدان معا إلي الهيكل وقت صلاة الساعة التاسعة (أع 1:3) .  كما أن الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون جاءوا  متضجرين من تعاليمهما للشعب بقيامة يسوع المسيح له المجد من الأموات والقوا القبض عليهما ووضعوهما في الحبس إلي الغد (أع 1:4-3) وكان ذلك بعد معجزة شفاء الأعرج من بطن أمه عند باب الهيكل.  وفي الغد قبل أن يطلقونهما " فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع " (أع18:4 -21) .  وقد كان القديس يوحنا الحبيب أحد الرسل الذين ألقي القبض عليهم  عندما وضعوهم في حبس العامة (أع18:5) ،       " ولكن  ملاك الرب في الليل فتح أبواب السجن وأخرجهم  وقال اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام الحيوة " (أع19:5-20) .
    وقد أرسل الرسل الذين في أورشليم القديسين يوحنا وبطرس إلي القديس فيلبس الرسول عندما علموا بكرازته الناجحة في السامرة التي قبلت كلمة الله وإعتمدوا باسم الرب يسوع  ، " الذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الر وح القدس .  ... حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس " (أع 15:8-17) .
    ويعتبر معلمنا القديس يوحنا الرسول أحد أعمدة الكنيسة الأولي وأنه من رسل الختان،  كما ذكر معلمنا القديس بولس الرسول في (غل9:2) . ويعرف برسول المحبة .
    وقد كتب خمسة أسفار بالعهد الجديد ، منهم ثلاث رسائل معروفة بإسمه ، وإنجيل يوحنا وكذلك سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي .
    بقي في أورشليم حتي نياحة القديسة العذراء مريم ، بعدها إنطلق إلي اسيا وأقام في مدينة افسس ، متابعا ومكملا كرازة القديسين بولس وأبولس في اسيا الصغري (أع24:18-28 ، 1:19-12) . قبض عليه ونفي إلي جزيرة بطمس ، وبعد موت الامبراطور دومتيان عاد إلي أفسس ليباشر عمله الكرازي والرعوي حتي تنيح في شيخوخة صالحة عن عمر يناهز المائة عام ، وتعيد له الكنيسة في السادس والعشرين من شهر بشنس المبارك من كل عام .

    وبذلك أكون قد انتهيت من سرد ملخص عن حياة ، ومعاملات الله ، وخدمة الإثني عشر رسولا الذين اختارهم رب المجد يسوع المسيح أثناء حياته علي الأرض .  
    ولكنني وجدت نفسي لا أستطيع أن أكتب عن الآباء الرسل الأطهار ولا أذكر اشهرهم ، واشجعهم ، وأكثرهم بسالة ومدعاة للسرور ، القديس بولس الرسول أو شاول الطرسوسي سابقا ، الجندي والعبد والمحب لربنا يسوع المسيح له المجد ، لذلك اقتبست بعض الآيات من رسائله العظيمة في الباب التالي .



    البــــاب الخـــامــــس

     مـعـــامـــلات اللـــه  مـع الإثنـــي عشـــر

    لا شك أن قراءة سير الآباء الرسل الأطهار القديسين ومعاملات الله معهم ، تقوي ايماننا ، وتملأ قلوبنا وأرواحنا بالرجاء في الله ، وتزيدنا محبة لله الذي أوجدنا في هذه الدنيا . هؤلاء القديسون لم ينقطع الرجاء من قلوبهم في الله رغم شدة الحروب والتجارب التي واجهوها من المقاومين لهم ولبشارتهم الجديدة ، بشارة الفرح . لم يشكوا في محبة الله ومساندته لهم ، بل كانوا كلهم إيمان وثقة تامة أن هذه التجارب والألام لمنفعتهم لكي يشتركوا في قداسته (عب9:12) . كان كل واحد منهم يردد مع معلمنا داود النبي " ومعك لا أريد شيئا علي الأرض " (مز25:73) ، فالنفس الشبعانة بالله وحلاوة العشرة معه تدوس كل أمجاد العالم وشهواته لأن " النفس الشبعانة تدوس العسل " (أم7:27) .  لقد أحبوا الرب يسوع ورسالته السماويه ، رسالة التوبة والخلاص " ها نحن تركنا كل شئ وتبعناك " (مت27:19) لأنهم أحبوه من كل قلوبهم " لأن المحبة قوية كالموت . .... مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها " (نش6:8-7) . استهانوا وضحوا بكل شئ من أجل الحياة مع الله " من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح " (في8:3) . لم يبالوا حتي بحياتهم وبكل المخاطر التي تحيط بهم " ولكنني لست أحتسب لشئ ولا نفسي ثمينة عندي حتي أتمم بفرح سعي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله " (أع24:20) .
    كان لهم هدف واحد  ورسالة واحدة وهي الكرازة بكلمة الله ، كانوا جنودا صالحين للسيد المسيح " فاشترك انت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح " (2تيمو 3:2 ) . كانوا أيضا رعاة غيورين وأمناء علي حفظ الرسالة " وما سمعته مني بشهود كثيرين اودعه اناسا أمناء يكونون اكفاء ان يعلموا آخرين " ( تيمو     ) .
    كان آبائنا الرسل يتلقون التعاليم من رب المجد يسوع ، فقد أنبأهم عن آلامه  وصلبه وقيامته  كما هو موضح في ثلاث اصحاحات من إنجيل معلمنا القديس مرقس البشير.  فقد قال لهم " أن إبن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل . وبعد ثلاثة أيام يقوم " (مر31:8) . كذلك " لأنه كان يعلم تلاميذه ويقول لهم إن إبن الإنسان يسلم إلي أيدي الناس فيقتلونه "(مر31:9) . أيضا "ها نحن صاعدون إلي أورشليم وإبن الإنسان يسلم إلي رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمو نه إلي الأمم  فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (مر33:10-34) . وقد كرر الرب لهم هذه التعاليم كما هو موضح في (مت 22:7-23، 17:20-19 ، لو 44:9-45،31:18-34) لكي يتذكروا جيدا ما قاله لهم قبل موته ، لما لها من أهمية قصوي ، لأن المسيح له المجد قد جاء من أجل هذا ، فلولا الصليب والقيامة لما نلنا الخلاص ولهلكت البشرية في خطاياها .
     إن كل ما أنبأهم به الرب عن آلامه وصلبه وقيامته قد حدث بالفعل بدقة متناهية ، وطبقا للترتيب الزمني الذي ذكره.  وهذا ما جعل الرسل ينبهرون ويقدسون حياة الرب وأقواله وتعاليمه بصفة عامة وقيامته بصفة خاصة ، فكتبوا الإنجيل ودونوا فيه كل شئ بدقة بالغة ، فقد كان الروح القدس يعطيهم ما يكتبونه ويصونهم من الخطأ . وبعد قيامة الرب من بين الأموات أكد ما قاله سابقا مذكرا إياهم بما  هو مكتوب عنه في الكتب" وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسي والأنبياء والمزامير . حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب . وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث.  وأن يكرز بإسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم . وأنتم شهود لذلك " (لو44:24-48) . لذلك كان لشهاداتهم بقيامة المسيح الصدق والأمانة والقوة والإخلاص ،  وكان لهم إلإيمان الكامل بالرب يسوع،  لأن كل ما قاله لهم تحقق بالتمام " فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه "(يو4:18) . وقد كان ذلك بصورة علنية واضحة ، مما جعلهم علي نفس فكر السيد المسيح أو بمعني آخر في ملئ قامة المسيح له المجد . فقد سبق أن قال لمعلمنا القديس بطرس " لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد " (يو7:13) ، كذلك قال لمعلمنا القديس نثنائيل " قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك . ... . أجاب يسوع وقال له هل آمنت لأني قلت لك إني رأيتك تحت التينة . سوف تري أعظم من هذا " (يو48:1-50) .
    والسيد المسيح بعد قيامته ذكرهم بما هو مكتوب عن آلامه وصلبه وموته وقيامته في ناموس موسي والأنبياء والمزامير ، التي سبق وأن نبههم عنها مرارا وتكرارا . لأنها في الواقع شهادة قوية عن صدق الأنبياء وكذلك صدق المسيح له المجد في آن واحد ، و’تظهر بوضوح عظمة العهد القديم وتوافقه مع العهد الجديد  بالكتاب المقدس.
    ونظرا لأهمية القيامة في ديانتنا المسيحية ، ركز معلمنا القديس بولس الرسول علي القيامة في كرازته بالمسيح القائم ، لأنها تنشئ قيامة فينا . فالقيامة كحقيقة واقعة لا تدرك إلا بإنفتاح البصيرة الروحية ويقين الإيمان التام ، كقوله " إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم . ونوجد نحن أيضا شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتي لا يقومون "(1كو14:15-15) ، لأن كل التلاميذ والرسل كانوا شهود عيان للقيامة  وهدفها الأسمي هو قيامتنا من سقطة الخطية التي توارثناها من أبوينا الأولين آدم وحواء .
    القيامة ليست قيامة أجساد أموات فقط ، بل هي حياة لخليقة جديدة ممجدة ، لها شركة في مجد الله . فالمسيح قام بجسد ممجد ، لذلك كان من الصعب علي التلاميذ بعيونهم العادية وإيمانهم العادي إدراك القيامة الإدراك الكامل ، ولم تجعلهم البراهين المادية من قبر فارغ (مر5:16-6 ، مت6:28) وحديث النسوة (مت8:28 ، لو8:24-9)     وشهادة ملائكة (لو23:24) ، وحديث المسيح المقام مع تلميذي عمواس وهما القديسين لوقا وكليوباس الرسولين (لو15:24-16) كان كافيا ، والكتاب يوضح أن بعض التلاميذ عندما رأوه شكوا ، مع أنهم سجدوا له (مت16:28-17)  .
    إن قيامة السيد المسيح كشفت عن مقدار مجد ه السماوي ، فقد تسلم من الآب كل سلطان مما في السموات وما علي الأرض ، كما هو مكتوب " فتقدم يسوع وكلمهم قائلا . دفع إليَ كل سلطان في السماء وعلي الأرض . فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به . وها أنا معكم كل الأيام إلي إنقضاء الدهر . آمين " (مت18:28-20) ، فهذا السلطان وهذا الأمر " فاذهبوا وتلمذوا ... وعمدوهم ... وعلموهم " يعطي الكنيسة المجاهدة علي الأرض قوة ورجاءا وإيمانا ثابت لا يقهر ، كما يعطينا قوة الإيمان بالقيامة لنوال الحياة الأبدية .   وبعد صعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين الآب أرسل لهم في يوم الخمسين الروح القدس المنبثق من الآب (أع 1:2- 12) ، لتكميل خدمة الكرازة بقوة من أجل خلاص البشرية ، بواسطة سلطان المسيح الحاضر في كنيسته المجاهدة علي الأرض  بقيامته ومجده ، من خلال ممارسة الأسرار الكنسية المقدسة .
    واننا نشكر الله الذي ما زال يعمل في كنيسته " وأبواب الجحيم لن تقوي عليها " رغم الظروف الصعبة التي مرت وتمر بها


No comments:

Post a Comment