Wednesday, March 30, 2016

درب آلام ربي


درب آلام ربـــي









 اعـــداد

دكتور جميـــل زكـــي فلتـــاؤوس









مـراجـعـــة

الـقمص / صـمـويـــل وديـــع

راعـي كنيسـة السيدة العذراء مريم ومـار مينـا

بكسلـي – سيـــدني - استراليا

يناير 1915








  درب آلام ربـي

شكر وتقدير



    أشكر الله أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح علي محبته الفائقة للبشرية التي صنعتها يداه ، لأنه أرسل لنا إبنه الوحيد لكي يفدي ويخلص ما قد هلك بالخطية الموروثة من آبوينا الأولين آدم وحواء نتيجة عصيانهما الله ، ووهب لكل من يؤمن به الحياة الأبدية ، كقول معلمنا يوحنا البشير " لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية .  ...  . الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد " (يو16:3 ،18 ) .

    في هذا الكتاب سندرس درب آلام ربنا يسوع المسيح ابتداء من يوم الخميس الموافق 23 نيسان من عام  34 ميلادية ، في علية صهيون بعد خروج يهوذا التلميذ الخائن من علية صهيون  التي كان الرب فيها مجتمعا مع تلاميذه الاثني عشر ، ففي أثناء العشاء ترك يهوذا هذا العشاء الأخير ، ليذهب إلي رؤساء الكهنة اليهود ويتشاور معهم علي تسليم الرب لهم ، وتقاضي ثلاثين من الفضة ثمنا لذلك . كما أننا سندرس مراحل درب الألام والصلب والدفن والقيامة الممجدة من بين الأموات .

    هناك العديد من الآيات بالكتاب المقدس تحضنا علي كل عمل صالح ، كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها " (رو10:2) .   أيضا " الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعبا غيورا في أعمال حسنة " (تي 14:2) ، كما يجب علينا أن نكون     " مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله " (كو10:1) ، " لأن الإيمان بدون أعمال ميت" (يع20:2) ، وكما هو مكتوب " أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني " (يع18:2)  انني أجد نفسي مأسورا بهذه  الآيات وغيرها ، كقول معلمنا القديس يعقوب " فمن يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل فذلك خطية له " ( يع17:4) . إن محبتي لربي وإلهي يسوع المسيح وكلمته المحيية تجعلني أجاهد في كتاباتي لإظهار مجد وغني نعمة ربنا يسوع المسيح طبقا لما هو مدون بالكتاب المقدس بعهديه ، راجيا من الله أن يوفقني في هذا العمل لمجد اسمه القدوس الذي دعيّ علينا . الرب قادر أن يفتح بصيرتنا الروحية لنفهم مقاصد الله في حياتنا كقول معلمنا القديس بولس الرسول " مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غني مجد ميراثه في القديسين " ( أف 18:1). وعلينا أن نضع الحياة الأبدية نصب أعيننا .

    أتقدم بخالص الشكر للأب الورع القمص / صمويل وديع لمراجعته هذا الكتاب الرب يعوضه علي تعب محبته ، طالبين شفاعة أمنا الطاهرة القديسة العذراء مريم والقديس يوحنا المعمدان ، وبالصلوات والطلبات التي يرفعها عنا أبينا الطوباوي قداسة البابا تاوضروس الثاني وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الأنبا دانييل أسقف مدينة المسيح سيدني وتوابعها ، وسائر أبائنا المطارنة والأساقفة والكهنة واخوتنا الشمامسة واخوتنا الرهبان ولإلهنا المجد الدائم آمين .

                                                                       د. جميل زكي فلتاؤوس

                



الـبـــاب الأول

المـقـــدمـــة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  

    لكي ندرس درب آلام ربنا يسوع المسيح لابد أن ندرس الآلام النفسية والآلام الجسدية التي تعرض لها . لأن ربنا يسوع المسيح وهو في الناسوت كان له روح ونفس وجسد ، فقد اجتاز الرب درب الآلام بكل أنواعها باختياره حتي أسلم روحه في يدي الآب السماوي، وكانت نفسه حزينة جدا كقول رب المجد يسوع " نفسي حزينة جدا حتي الموت " (مر34:14). وسوف نذكر درب آلام الرب في الأبواب التالية بسرد الأحداث بالأماكن والأوقات التي تمت فيها .

الآلام النفسية :

    بعد القبض علي ربنا يسوع المسيح في بستان جثسيماني اقتادوه إلي مقر حنان أولا الذي كان رئيس الكهنة في العام السابق (يو13:18) ، وهو حما قيافا رئيس الكهنة في ذلك العام  .  اقتادوه مقيدا كمجرم خارج علي القانون والدولة الرومانية ، وتعرض لإهانات بالغة من ضرب ولكم وتفل وشتائم من أولائك المستهزؤن تفوق الوصف ، ومع كل هذا ظل الرب صامتا  ونفسه حزينة جدا . كان كل ذلك لكي تتم نبوة إشعياء النبي القائلة  " أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن . إن جعل نفسة ذبيحة إثم " (إش 10:53) .  كما أن التلاميذ تفرقوا عنه وقت القبض عليه ، وذهب كل واحد منهم إلي خاصته ، كما هو مكتوب " فتركه الجميع وهربوا " (مر50:14) . كل هذه الآلام النفسية تحملها ربنا يسوع في صمت وكانت التهمة الموجهة لربنا يسوع المسيح هي كسر الناموس لأنه كان يعمل المعجزات يوم السبت ، ونظرا لأن هذه التهمة لا تؤدي إلي الحكم بصلبه ، لذلك وجه له قيافا تهمة أخري وهي الإخلال بالأمن العام وإعلان نفسه ابن الله وتنصيب نفسه ملكا لليهود ، وأمام بيلاطس أتوا بشهود زور من ضعاف النفوس يهودا وفريسيين . هذا بالإضافة إلي إنكار تلميذه بطرس معرفته بالرب أمام جواري وخدام رئيس الكهنة ثلاث مرات ، وخيانة يهوذا تلميذه ، وجحود الأمة اليهودية له الذين قالوا لبيلاطس الوالي إصلبه إصلبه عندما قال لهم " إني لم أجد فيه علة للموت " (لو22:23) ، ولكي لا يحدث شغب وسط الشعب في العيد " أخذ بيلاطس ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلا إني برئ من دم هذا البار . أبصروا أنتم . فأجاب جميع الشعب وقالوا  دمه علينا وعلي أولادنا " (مت24:27 – 25) ، كل هذا بالاضافة إلي الآلام الكفارية لكل البشرية  التي حملها في جسده الطاهر لكي ينقذنا وينقلنا من الموت إلي الحياة .

    فرؤساء الكهنة والشيوخ الذين سبق أن قالوا ليهوذا الخائن " أبصر أنت " عندما أراد أن يرد لهم الثلاثين من الفضة قائلا " قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا " (3:27-4) ، نجد هنا بيلاطس يقول لهم " ابصروا أنتم " لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون . وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد " (مت 2:7) ، (مر 24:4 ).

    لقد أعلن اليهود تحملهم مسؤولية سفك دم يسوع البار إذ قالوا " دمه علينا وعلي أولادنا " فإتشحوا واكتسوا باللعنة ووصمة العار ، ولذلك وبخهم معلمنا بطرس الرسول إذ قال لهم  "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال . يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون . هذا أخذتموه مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه . الذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه . " (أع22:2-24) . أيضا  قوله  لهم  " ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل . ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك " (أع14:3-15) . كذلك " إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه علي خشبة . هذا رفعه الله بيمينه رئيسا ومخلصا ليعطي إسرائيل التوبه وغفران الخطايا  " (أع 30:6-31) . كذلك قال لهم إستفانوس الشماس وأول شهداء المسيحية " أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبق فأنبأوا بمجئ البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه " (أع52:7) . لذلك أسلمهم الله إلي أيدي الرومان ، فأذاقهم القائد الروماني تيطس سنه 70 م العذابات والآلام التي لم ترها ولن تراها الأمة اليهودية ، وتحقق فيهم قول الرب بفمه الطاهر " لأنه يكون في تلك الأيام ضيق لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله إلي الآن ولن يكون " (مر19:13) .  وسوف ندرس آلام الرب الجسدية في الأبواب التالية .

    وهناك سؤال يتردد كثيرا  وهو لماذا اختار الرب أن يموت مصلوبا علي الصليب ؟ وليس بأي طريقة أخري مثل السيف أو المشنقة أو الرمي في لهيب النار أو الرمي بالحجارة. وللإجابة علي هذا السؤال نطلب إرشاد الله ومعونته  وهي كالآتي :-

1- نظرا لأنه مكتوب في الناموس عن المصلوب ، أن " المعلق ملعون من الله " (تث23:21) ، لذلك أصر رؤساء الكهنة والفريسين والشعب اليهودي أن يصلب الرب علي الصليب لكي يظهروه أمام بقية الشعوب مجرما أثيما ملعونا من الله . ولم يعلموا أنه تدبير إلهي ازلي ، لأنه هو الله الظاهر في الجسد ، الله الكلمة المتجسد قد جاء إلي العالم  فاديا ومخلصا للبشرية كلها " و له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال بإسمه غفران الخطايا " (أع43:10) ، وهذا دليل واضح وصريح لإدانتهم لعدم معرفتهم بالمكتوب في المزامير والناموس والأنبياء . يوضح ذلك معلمنا القديس بولس الرسول فيقول " المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق علي خشبة " (غلا 13:3) .  كما أن معلمنا إشعياء النبي بروح النبوة قال " لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا . وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا . ... والرب وضع عليه إثم جميعنا . ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق للذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه. " (إش 4:53-7). المسيح له المجد محي صك خطايانا بموته علي الصليب ، فالمسيح  " تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات "( رو4:1) ، فهو " الذي ’أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا " (رو25:4) .

2 –  إختار الرب الصليب بإرادته لكي يكون جسده كاملا ، لم تكسر عظم من عظامه ، كما رآه معلمنا يوحنا الرائي في وسط العرش " خروف قائم كأنه مذبوح " (رؤ6:5) ، ولذلك كان لا بد أن يموت المسيح ويدفن قبل حلول عيد الفصح اليهودي يوم السبت . لأن خروف الفصح لابد أن يؤكل كله مشويا ولا يبقوا منه شيئا حتي الصباح " وعظما لا تكسروا منه "، فكان ذلك إشارة إلي ربنا يسوع المسيح { انظر فريضة الفصح في (خر43:12-50) }.

3- وهو معلق علي الصليب كان  دمه يقطر علي الأرض ليطهرها من الخطية التي نجستها، وذلك لأنه قدم نفسه ذبيحة للعدل الإلهي من أجل خلاص البشرية ، لأنه  مكتوب  "بدون سفك دم لا تحدث مغفرة " (عب 22:9)  .

4 – المسيح وهو معلق علي الصليب كانت يداه مسمرتان علي خشبة الصليب وأحضانه  مفتوحة لكل إنسان في العالم يهوديا كان ام أمميا ، لأنه قال " أنا هو الطريق والحق والحياة . ليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي " ( يو6:14 ) ، أيضا قال " أنا هوالقيامة والحياة . من آمن بي ولو مات فسيحيا " (يو25:11). إن الحياة  الأبدية لأي إنسان تكون عن طريق التوبة  وقبول المسيح فاديا ومخلصا. فالتوبة والإيمان ثم بعد ذلك المعمودية ونوال المسحة المقدسة بزيت الميرون وهو سر حلول الروح القدس علي المعمد ، وقديما في أيام الرسل كان الروح القدس يحل علي المعمد بوضع الأيادي من الآباء الرسل . ثم الثبات في المسيح عن طريق الاعتراف والتناول من الأسرار المقدسة باستمرار والصلوات وقراءة الكتاب المقدس، ثم بعد ذلك القيام بالأعمال الصالحة كل حسب ما قسم الله له  من مواهب ووزنات .

5 – بموت الرب علي الصليب  أبطل شوكة الموت  ، ومن علي الصليب نزل إلي الجحيم وسبي سبيا وفتح الفردوس في السماء الثالثة وأدخل كل الذين ماتوا علي الرجاء ومعهم ديماس اللص ، كما أعد لهم الحياة الأبدية .

6 – وهو معلق علي الصليب ، كان معلقا بين السماء والأرض ليجذب إليه الجميع ، ويصالح السمائيين مع الأرضيين كقول الرب بفمه الطاهر " وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع " (يو32:12) ، أيضا قال " متي رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون إني أنا هو " (يو 28:8) ، كذلك " وكما رفع موسي الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان " (يو 14:3) .

7 – لأنه عن طريق ثمر شجرة { شجرة معرفة الخير والشر بالجنة } سقط الإنسان { آدم الأول } ، وعن طريق خشبة الصليب المأخوذة من شجرة أعاد المسيح { آدم الثاني } الإنسان إلي فردوس النعيم  ووعده بالحياة الأبدية . وهناك أمثلة ورموز بالعهد القديم تشير لذلك ، فكما كان فلك نوح المصنوع من خشب الشجر أداة نجاه من الغرق في الطوفان لثمانية أنفس وهما نوح وزوجته وأولاده الثلاثة سام وحام ويافث وزوجاتهم ، وكما كانت عصا موسي النبي المأخوذة من فرع شجرة أداة لشق بحر سوف لنجاة الإسرائليين وعبورهم إلي سيناء ، وكما كان تابوت العهد المصنوع من خشب شجر{وبداخله لوحي الشريعة وقسط المن وعصا هارون}أداة نجاة في عبور الإسرائليين نهر الاردن إلي أرض الموعد ،  هكذا كان الصليب المأخوذ من شجرة أداة نجاة لكل مؤمن لدخول كنعان السمائية .

8 – دم المسيح المسفوك علي الصليب كان للمصالحة كقول معلمنا بولس الرسول" وأن يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه " (كو20:1) . كذلك قوله أن دم المسيح فيه الصفح عن الخطايا السالفة " الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله " (رو 25:3) .  وبدم المسيح تكون لنا الغلبة كما هو مكتوب  " وهم غلبوه بدم الخروف " (رؤ11:12) ، أيضا به نغتسل من خطايانا  كقوله  "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه " (رؤ5:1)  ، ونتطهر من خطايانا " ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية "(1يو7:1) . 





البـــاب الثـــانـــي

مــن العليـــة إلي جثسيمــاني إلي الجلجثـــة



عـلـيـــة صـهـيــون

    كانت العلية هي المكان الذي اجتمع فيه الرب مع تلاميذه الإثني عشر، وتناولوا فيها العشاء الأخير ، وفيها غسل الرب ارجل التلاميذ وأسس سر الإفخارستيا . والعلية تقع بالدور العلوي بمنزل مريم أم مرقس الرسول بجبل صهيون باورشليم ، وكانت مجهزة ومفروشة لإستقبال هذا العدد الكبير ، وقد حل فيها الروح القدس علي التلاميذ في يوم الخمسين ، وفيما بعد صارت الكنيسة الأولي التي يجتمع فيها الأباء الرسل ، ولذلك ذهب معلمنا بطرس الرسول إلي هذه العلية عندما أطلق الملاك سراحه من السجن كما هو مكتوب " ثم جاء وهو منتبه إلي بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون ." (أع12:12) .

    كان مساء يوم الخميس 13 نيسان من ذلك العام الذي صلب فيه ربنا يسوع المسيح مساءا مباركا ملئ بالأحداث ، ففيه  أرسل الرب تلميذيه بطرس ويوحنا لكي يعدا الفصح في العلية بمنزل أم مرقس بجبل صهيون بأورشليم  ليأكله  مع تلاميذه الإثني عشر، ولما أعدا كل شئ  ذهب هو وتلاميذه إلي هناك وأكلوا الفصح . وأثناء ذلك حدثت بين التلاميذ مشاجرة عن من منهم ’يظن أنه أكبر (لو14:22) . وهذه هي أفكار عالمية باطلة يدخلها الشيطان في نفوس الناس وفي أفكارهم لكي يضلهم بعيدا عن طريق الحق ، لأن التلاميذ كانوا ما زالوا في مرحلة الاعداد والتدريب ولم يكن الروح القدس المنبثق من الآب قد حل عليهم بعد ، ولم يتسلموا مهمة التبشير والكرازة بإسم ربنا يسوع المسيح بعد . ولكن الرب أعطاهم بمحبته درسا هاما في حياتهم ، إذ " قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها . ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها "(يو4:13-5). " فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضا قال لهم أتفهمون ما قد صنعت بكم . أنتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لأني أنا كذلك . فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطيتكم مثالا حتي كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضا . الحق الحق أقول لكم إنه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله . إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه" (يو12:13-17) . لقد اعطي السيد المسيح تلاميذه ونحن أيضا المؤمنين به درسا رائعا في التواضع والاتضاع ، لذلك وجب علينا إخلاء ذواتنا من المجد العالمي الباطل . وكنيستنا تقوم بهذا الطقس لتذكرنا بما فعله ربنا يسوع المسيح لأنه قال " .. فأنتم يجب عليكم أن  يغسل بعضكم أرجل بعض . ... إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه" (يو14:13-17) ، لقد طوب الرب من يتمم عمل هذه الوصية . فالمؤمن الذي يتعامل مع كل الناس بمحبة وإتضاع ، ويتحمل حتي الأشرار بضعفاتهم وأخطائهم وربما شرهم ونميمتهم وإساءتهم ويرثي لحالهم فهو بمحبته وإتضاعه يغسل أرجلهم وقد يقود ذلك إلي توبتهم وخلاصهم  .  أيضا في هذا اليوم ، أثناء العشاء حذر السيد المسيح من الخيانة بقوله " إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان . كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد (مت24:26)، كما أنبأهم ربنا يسوع المسيح بخيانة أحد تلاميذه له إذ قال  " ... الحق الحق أقول لكم إن واحد منكم سيسلمني" (يو21:13) ، ولما اتكأ معلمنا يوحنا الحبيب علي صدر الرب وسأله " يا سيد من هو . أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي." (يو25:13-26) ، كان ذلك لكي يتم قول المرنم في المزمور بروح النبوة " أيضا رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع علي عقبه" (مز9:41) ، أيضا "أنعم من الزبدة فمه وقلبه قتال . ألين من الزيت كلماته وهي سيوف مسلولة "(مز21:55) ، كذلك " يزدحمون علي نفس الصديق ويحكمون علي دم زكي " (مز 21:94) ." فبعد اللقمة دخله الشيطان. فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة " (يو27:13). " فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت . وكان ليلا " (يو30:13). من دقة الوحي الإلهي أنه قال أن يهوذا الإسخريوطي خرج من العلية وكان ليلا أي ظلاما، لأن الوجود مع ربنا يسوع المسيح داخل العلية هو وجود في النور لأن المسيح قال " ما دمت في العالم فأنا هو نور العالم"(يو5:9) ، أيضا قال " أنا قد جئت نورا إلي العالم حتي كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة " (يو46:12) ، كذلك " أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة " (ية12:8) . يهوذا كان قد دخله الشيطان لذلك خرج إلي مملكة الشيطان حيث الظلمة الخارجية (مت 30:25) ، وقاده الشيطان لخيانة ربه وسيده فتآمر مع رؤِساء الكهنة علي أن يسلم لهم ربنا يسوع المسيح ويتقاضي ثمنا لذلك ثلاثين من الفضة (يو3:18) . فالبعد عن المسيح وعن كنيسته وتعاليمه السامية بالكتاب المقدس هو وقوع في براثن الشيطان عن طريق الإغراء بالشهوات العالمية " لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم " (1يو 16:2) ، ونهاية هذا الطريق  هو اليأس والدمار والموت الأبدي ، وهذا هو ما قاد يهوذا إلي الانتحار ففقد حياته وفقد آخرته.

    ربنا يسوع المسيح كان بلاهوته يعلم كل شئ ، فهو الله الظاهر في الجسد وكان  " عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلي الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلي المنتهي . ... . يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شئ إلي يديه وأنه من عند الآب خرج وإلي الله يمضي " (يو1:13،3) . لذلك أسس سر الشركة أو سر الإفخارستيا احدي الأسرار الكنسية السبعة وهي ما يعرف بالعشاء الرباني أو سر التناول من الأسرار المقدسة " لأن خبز الله هو الخبز النازل من السماء الواهب حياة للعالم " (يو33:6) ، إذ أبطل ربنا يسوع المسيح الذبائح الحيوانية بذبيحة جسده الطاهر . وبذلك نقلنا لعهد جديد بالصليب بأن سلم لنا جسده المقدس ودمه الذكي الكريم غفرانا لخطيانا ،  كما هو مكتوب "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطي التلاميذ وقال خذوا كلوا . هذا هو جسدي . وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم . لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد ألذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " (مت3:26-5 )، ( مر 1:14-2) . وكقول الأب الكاهن في صلاة القداس الإلهي الباسيلي " هذا هو الجسد المحي الذي أخذه ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم .... واعترف الإعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطي . وأسلمه عنا علي خشبة الصليب المقدسة بإرادته وحده عنا كلنا " { الإعتراف الأخير } . سر الشركة هذا الذي أسسه لنا ربنا يسوع المسيح كان قبل أن يجتاز  بحر آلام الصليب المريرة بساعات قليلة . كان ذلك لكي نعلم أنه قد اختار الصليب بارادته وسلطانه وحده " لأني أضع نفسي لآخذها أيضا . ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي . لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا " (يو 17:10-18)، وأن هذا  الخبز الذي باركه وكسره هو هو جسده الذي سوف يعلق في الغد علي خشبة الصليب المقدسة ، وأن الكأس وبها عصير الكرمة والماء التي أخذها وشكر وأعطاها لتلاميذه قائلا إشربوا منها كلكم هي هي دمه الذي سيسفك في الغد لعهد جديد علي خشبة الصليب المقدسة من أجل مغفرة الخطايا للكثيرين " لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " (عب 22:9). والأب الكاهن يمزج الخمر بالماء في الكأس ، لأن ربنا يسوع عندما طعنه الجندي لنجينوس بالحربة بعد أن مات بساعتين ، فخرج منه دم وماء. وقد بشر القديس بطرس لنجينوس فآمن وترك الجندية وذهب إلي بلاده وهي بلاد القبادوق ليبشر بالمسيح ربا ومخلصا ، وعند سماع بيلاطس  بإيمان لنجينوس كتب عنه إلي سيباريوس الذي أمر بقطع رأسه ، وتعيد له الكنيسة بعيد استشهاده يوم 23 أبيب (1) .
يتجلط الدم في شراين وأوردة الإنسان في خلال نصف ساعة من موته ، ولكننا نجد ان الرب أسلم روحه الطاهرة وهو معلق علي الصليب في الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا الحالي وبعد ساعتين أي في الخامسة بعد الظهر طعن لنجبنوس جسد الرب ليتأكد من موته قبل
إنزاله من علي الصليب ، فخرج منه دم وماء أي أن دمه لم يتجلط ، فهو دم حي فيه قوة حياة

(1)  كتاب السنكسار المستعمل في كنائس الكرازة المرقسية في أيام وآحاد السنة التوتية

أبدية ، ونحن نؤمن أن دم المسيح هو الدم المحيي الواهب مغفرة الخطايا (مت 28:26)، والمعطي حياة أبدية لكل من يتناول منه ، كما أن جسد المسيح الذي قدمه علي الصليب ذبيحة حية عنا كان " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " (كو9:2)، ونحن مملوؤن فيه (كو10:2)  ، فصار لنا اللاهوت المتحد بالناسوت ، بدون إختلاط أو إمتزاج أوتغيير، مصدر تقديس وواهب حياة أبدية لنا. فالمؤمن الذي يتناول من جسد المسيح  ودمه  باستحقاق ويسلك بالروح  ينال الفداء والخلاص وتوهب له الحياة  الأبدية.  كقول معلمنا القديس بولس

الرسول " إذا لا شئ من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح . لأن ناموس روح الحيوة في المسيح قد أعتقني من ناموس الخطية والموت " (رو 1:8-2) .

ربنا يسوع المسيح مات وقبر وقام من بين الأموات وقبل صعوده إلي السماء وعد أن يرسل الروح القدس المحيي كقوله للتلاميذ وهم مجتمعون في علية صهيون " ومتي جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي .  وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء " (يو26:15-27) ،( يو13:16-15) ، (يو21:20-23) ، (أع 8:1). ففي جرن المعمودية عندما نغطس في الماء فإننا نموت مع المسيح وتموت خطايانا الموروثة من أبوانا الأولين آدم وحواء ،  ونقوم خليقة جديدة مغسولين من خطايانا ومتحدين به (رو3:6-5) ، فالمعمودية هي موت مع المسيح ثم حياة مع المسيح الحي ، فهي إذا ولادة ثانية روحية من الماء والروح ولذلك فهي سر من أسرار الكنيسة السبع . هناك إشارات ورموز تشير إلي ذلك في العهد القديم. فخروج الماء من الصخرة بعد أن ضربها معلمنا موسي النبي بعصاه كان يشير ويرمز لخروج الماء من جنب المسيح له المجد ‘ لأن الصخرة هي المسيح (1كو4:10) .

    وأثناء اجتماعهم في العلية ، أنبا الرب تلميذه بطرس بأنه سوف ينكرة ثلاث مرات كما هو مكتوب " الحق أقول لك إنك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات" (مر30:14) . كما " قال الرب سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة . ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك . وأنت متي رجعت ثبت إخوتك " (لو 31:22-32) .

    وقد أورد معلمنا يوحنا الحبيب في الاصحاحات من الرابع عشر إلي السابع عشر من بشارته تعاليم رائعة للتلاميذ وللبشرية كلها علي مر الأجيال . هذه التعاليم التي قالها ربنا يسوع المسيح ، تعتبر تعاليم وداعية لكي يطمئنهم ويعضدهم لتحمل التجارب ، لأنها كانت ليلة الخميس 13 نيسان سنة 34م ، بداية درب آلامه ، وقبل القبض عليه بساعات قليلة ، من أجل  محاكمتة وصلبه .

    بدأ الرب تعاليمه الوداعية بقوله " لأ تضطرب قلوبكم . أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي . في بيت أبي منازل كثيرة. وإلا فإني كنت قلت لكم . أنا أمضي لأعد لكم مكانا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إليً حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا " (يو1:14-3) . قال هذا لكي يطمئنهم ويزيل الرعب من نفوسهم ويهدئ من روعتهم لأنه بلاهوته كان يعلم أن ساعته قد إقتبربت لكي يقبض عليه قبل منتصف هذه الليلة ، وفي الغد يحاكم ويصلب ، وأن ذلك سوف يشتت التلاميذ كما هو مكتوب " أضرب الراعي فتتشتت الغنم " (زك 7:13) ، ( مت 31:26) . وقد عرفهم الطريق للحياة الأبدية إذ قال " أنا هو الطريق والحق والحيوة . ليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي .  ... . الذي رآني فقد رأي الآب . ... .صدقوني أني في الآب والآب فيً . ... . الحق الحق أقول لكم من يِؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها لأني ماض إلي أبي . ومهما سألتم بإسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالإبن . إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله " (يو6:14-14) . ثم أعطاهم وعدا بأعظم عطية مقرونة بوصية ، وهي عطية الروح القدس المنبثق من الآب ، هذه العطية المقرونة بوصية هي للتلاميذ ولكل المؤمنين عبر الأجبال " إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي . وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلي الأبد . روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه . وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم . لا أترككم يتامي إني آتي إليكم ." (يو15:14-18) ، فالوصية هي أن نحفط وصاياة وهذا في حد ذاته دليل علي محبتنا له . ثم يؤكد ذلك في قوله " إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا " (يو23:14) . ثم قدم للتلاميذ وللكنيسة سلامه ، السلام الإلهي السمائي الحقيقي لأنه هو رئيس السلام ومانح السلام ، فعند  ميلاد ربنا يسوع المسيح بشر الملاك الرعاة بمولده وبحلول السلام علي الأرض والبهجة والمسرة بالناس ، كما هو مكتوب " وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة " (لو13:2)، فبمولد رئيس السلام ربنا يسوع المسيح حل السلام علي الأرض والسرور والبهجة للبشر. ولذلك قال ربنا يسوع المسيح بفمه الطاهر " سلاما أترك لكم . سلامي أعطيكم . ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا . " (يو 27:14) .

    ثم وضع مبدأ وقاعدة روحية غاية في الأهمية وهي الثبات في المسيح ، كقوله " أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام . كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه . وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر . أنتم أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به . اثبتوا في وأنا فيكم . ... . لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا . ... . إن ثبتم فيً وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم " ( يو1:15-7) . في هذه الآيات يوضح ربنا يسوع المسيح أنه هو الكرمة الحقيقية ، وأننا نحن المؤمنين به كالأفرع والأغصان ، وأن الآب السماوي هو الكرام الذي ينقي الكرمة من الأفرع الغير جيدة واليابسة لكي ما تأتي الكرمة بثمر جيد وكثير، وقد أظهر أنه بدون أعمال لا يمكن ارضاءه.  إن ما يسر الله هو ثباتنا فيه وهو فينا بالإيمان والرجاء والمحبة ، وهذا أيضا يكون سبب بهجة للسمائيين . فكما يثبت الغصن في الكرمة ويأخذ غذاءة منها وينمو ويأتي بثمر جيد هكذا نحن أيضا ، وقد أكد ربنا يسوع المسيح ذلك بقوله "لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا " .

    ثم أعطاهم وأعطانا وصية المحبة بقوله " هذه وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم . ... . بهذا أوصيكم حتي تحبوا بعضكم بعضا " (يو12:15،17) . بعد ذلك أوضح الرب أن الإيمان هو عطية الله المجانية كقوله " ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم " (يو16:15) .

    ولكي لا يضعفوا ويخوروا بسبب حزنهم علي موته وقيامته وصعوده إلي السموات وتركه لهم كقطيع بلا راع ، شجعهم لكي يكونوا ثابتين في محبتهم وإيمانهم به ، كما أنبأهم ربنا مقدما أنهم سوف يبغضون ويضطهدون ، كقوله "إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم . ... . إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم . ... . لكن لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم إنهم أبغضوني بلا سبب " (يو18:15-25) ، (مز4:69). كما قال لهم "سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله " (يو2:16) . ثم أضاف " قد كلكمتكم بهذا ليكون لكم فيً سلام .في العالم سيكون لكم ضيق . ولكن ثقوا . أنا قد غلبت العالم " (يو33:16) . إن المسيحين منذ بداية العصر الأول للمسيحية كانوا يضطهدون ولم يثنيهم هذا الإضطهاد والتعذيب عن إيمانهم ، بل كان إيمانهم يزداد ويقوي لأنهم كانوا واثقين أن الذي وعدهم بالغلبة صادق وأمين وقادر أن ينصرهم ويخلصهم .

    وعندما اقتربت الساعة التي يسلم فيها يهوذا الإسخريوطي الخائن ربنا يسوع المسيح ، رفع الرب عينيه نحو السماء وصلي صلاته الشفاعيه قائلا "أيها الآب قد أتت الساعة . مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا . إذ أعطيته سلطانا علي كل جسد ليعطي حيوة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته. أنا مجدتك علي الأرض . العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته . والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم . ... . أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا ليروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم . أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك . أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني . وعرفتهم إسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم " (يو1:17-26) .

    إن الإصحاح السابع عشر من إنجيل معلمنا يوحنا البشير هو الإصحاح الذي يوضح أن الآب والإبن والروح القدس اله  واحد كقوله " وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد " (يو 22:17) ، كما أنه سبق أن قال    "صدقوني أني في الآب والآب فيٌ "(يو 11:14) ، أيضا " الذي رآني فقد رأي الآب " يو9:14) ، فالمسيح في كل أقواله وأعماله ‘يعلن الآب ومشيئته نحو الإنسان كقول معلمنا بولس الرسول " الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شئ الذي به أيضا عمل العالمين " (عب1:1-2) . كما يوضح هذا الإصحاح مقدار محبة المسيح اللانهائية لتلاميذه الأطهار ولنا نحن المؤمنين به ، فهو فادينا ومخلصنا الذي سيهبنا حياة أبدية ، لأنه قال " حيث أكون أنا هناك يكون خادمي . وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب " (يو 26:12). كما يظهر جليا بما لا يدع مجالا للشك أن ربنا يسوع المسيح أزلي أبدي ، وأن مجد ربنا يسوع المسيح عند الآب كان قبل إنشاء العالم ، ثم أوضح في صلاته أمرا هاما ومعزيا ومطمئنا لكل مؤمن وهو أن كل من يتبعه يكون معه في ملكوته السماوي الأبدي ، كقوله " أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو 24:17) .

    معلمنا متي البشير يوضح أنهم بعد ذلك " سبحوا وخرجوا إلي جبل الزيتون" (مت30:26) ، " عبر وادي قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه " (يو1:18) ، وهو بستان جثسيماني . التسبيح لله بعد الإنتهاء من أكل الفصح هو تقليد يهودي ، ولكنهم هنا نراهم يقدمون التسبيح بعد تناولهم سر الإفخارستيا ، والكنيسة تعلمنا التسبيح لله باستمرار ، لذلك يقوم خورس الشمامسة أثناء التناول من سر الإفخارستيا بترنيم (مز 150)  ، لأن التسبيح هو عبادة عقلية مرضية عند الله (رو1:12). أيضا " امتلئوا بالروح مكملين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف18:4-19) .

بـستـــان جـثسـيـمــانـي

جثسيماني كلمة آرامية ، وهي طبقا لقاموس الكتاب المقدس تعني معصرة الزيت ، وقد رآي معلمنا إشعياء النبي بروح النبوة الرب يجتاز المعصرة وحده وبكامل إرادته " قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 3:63 )، وكما ورد في الكتاب المقدس فهي ضيعة (مت36:26)  أو بستان (يو1:18) مملوء بأشجار الزيتون وبه معصرة لعصر الزيتون . وبستان جثسيماني يقع بالقرب من سفح جبل الزيتون (مر26:14) في الناحية الشرقية من مدينة أورشليم حيث يوجد بأورشليم الهيكل الذي بناه سليمان الحكيم والملك ، وكان وادي قدرون يفصل بين الهيكل وجبل الزيتون (يو1:18) . وكان يمتلك هذا البستان القديس مرقس وهو يقع علي الطريق المؤدي إلي بيت عنيا والسامرة ، والذي يتفرع منه طريقان أحدهما يؤدي إلي الهيكل وآخر يؤدي إلي قلعة أنطونيا مقر بيلاطس. وأثناء زيارة الرب لأورشليم ، كان ربنا يسوع المسيح يذهب إلي بستان جثسيماني الملئ بأشجار الزيتون والتي تمتاز بخضرة أوراقها طوال العام وتزهر في شهر نيسان وتملأ الجو بروائح عطرة ، وكان ربنا يسوع المسيح دائما يصطحب معه إلي هذا البستان تلاميذه الإثني عشر لكي يعظهم ويشرح لهم الكتب والنبوات وكل الأمور الخاصة به ، كما كان يدربهم لحمل شعلة البشارة والكرازة لجميع الأمم بعد موته علي الصليب ودفنه وقيامته وصعوده إلي السموات ، وأيضا لكي ينادوا لليهود والأمم بالتوبة والإيمان بالرب فاديا ومخلصا ، ويعتمدوا بإسمه المبارك القدوس، كما هو مكتوب " وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ماهو مكتوب عني في ناموس موسي والأنبياء والمزامير. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث . وأن يكرز بإسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم . وأنتم شهود لذلك" (لو44:24-48)، كما وعدهم بإرسال الروح القدس الذي حل عليهم في يوم الخمسين " وها أنا أرسل إليكم موعد أبي. فأقيموا في مدينة أورشليم إلي أن تلبسوا قوة من الأعالي " (لو49:24) .

    يذكر معلمنا لوقا البشير أنه  بعد التسبيح  في العلية ، أن ربنا يسوع المسيح  "خرج ومضي كالعادة إلي جبل الزيتون وتبعه أيضا تلاميذه "(لو39:22) ، ولم يكن معهم يهوذا الاسخريوطي ،  " حينئذ جاء معهم يسوع إلي ضيعة يقال لها جثسيماني فقال لتلاميذه اجلسوا ههنا حتي أمضي وأصلي هناك. ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب . فقال لهم نفسي حزينة جدا حتي الموت امكثوا ههنا واسهروا معي . ثم تقدم قليلا وخر علي وجهه وكان يصلي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس . ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت  . ثم جاء إلي التلاميذ فوجدهم نياما . فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة . اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة . أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف . فمضي أيضا ثانية وصلي قائلا يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن أشربها فلتكن مشيئتك . ثم جاء فوجدهم أيضا نياما إذ كانت أعينهم ثقيلة . فتركهم ومضي أيضا وصلي ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه . ثم جاء إلي تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا . هوذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يسلم إلي أيدي الخطاة . " (مت 36:26 - 45).

    كانت هذه آخر مرة يدخل فيها الرب بستان جثسيماني ، " وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة علي الأرض " (لو44:22)، كما هو مكتوب " الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به ." (عب 7:5-8) ، وقد سمع الآب لإبنه الوحيد الجنس فقام من بين الأموات في اليوم الثالث منتصرا علي الموت ، كقول المرنم بالمزمور بروح النبوة " لأنك لا تترك نفسي في الجحيم . ولا تدع قدوسك يري فسادا " (مز 10:15) .

أخذ الرب معه بطرس وابني زبدي وهما يعقوب ويوحنا ،  والسبب في أنه أخذ هؤلاء الثلاثة فقط هو أنهم هم الذين أخذهم أيضا معه في حادثة التجلي علي جبل تابور ورأوا مجد ربنا يسوع المسيح الأبدي الأزلي، فقد" تغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور . واذا موسي وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه . ... إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت . له اسمعوا" (مت 2:6-5) . فالذين رأوا كل هذه الأمجاد السمائية وسمعوا صوت الآب السماوي لن يضعفوا ويشكوا عندما يرون الرب  "يدهش ويكتئب ويقول لهم نفسي حزينة جدا حتي الموت"(مت27:26-28) . لم يكن الرب يدهش ويكتئب خوفا من الآلام الجسدية ، ولكن لأنه هو الله الظاهر في الجسد ، كلي  القداسة والطهر يكره الخطية ولا يقبلها ولا يطيقها ، وقد تجسد لكي يحملها في جسده الطاهر لكي ينقلنا من الموت إلي الحياة ، كقول الأب الكاهن في القداس الإلهي " لأنه بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم لهم بالحياة الأبدية " { قسمة تقال للآب في عيد القيامة وفي الخماسين } ، هذا بالإضافة لطبيعة لاهوته الغير قابل للموت لأن لاهوت المسيح متحد بناسوته بدون امتزاج أو اختلاط أو تغيير وأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين . ربنا يسوع المسيح بناسوته كإنسان كانت نفسه حزينة جدا حتي الموت ، لذلك ظهر له ملاك ليقويه ، ومما زاد حزنه أن تلاميذه الذين اختارهم وعاش معهم فترة تزيد علي الثلاث سنوات ورأوا معجزاته وتعاليمه السمائية لم يستطيعوا أن يسهروا معه حتي لا يدخلوا في تجربة ، ولم يشاركوه في أحزانه والآمه النفسية وأيضا لم يشتركوا معه في الصلاة إلي الآب السماوي لكي لا بصيبهم أذي في هذه الساعة بالذات لأنه كان يعلم بلاهوته أن هذه الساعة هي التي قرب فيها إلقاء القبض عليه ليحاكم ويصلب. كما أنه أراد أن يعلمهم الصلاة بلجاجة في كل وقت وأثناء الضيقات والتجارب التي تأتي عليهم ، ولذلك لم يبتعد عنهم كثيرا لكي يسمعوه ويتعلموا منه طريقة الصلاة بلجاجة ، ويكونون شهودا علي ذلك أمام العالم وأمام اليهود الذين اتي من أجلهم لكنهم رفضوه وصلبوه " وقالوا دمه علينا وعلي أولادنا " (مت 25:27). وفي نهاية كل صلاه كان يأتي ويوقظ تلاميذة النيام وفي كل مرة كان يوبخهم بلطف ومحبة لأنهم لم يفهموا قوله " اسهروا وصلوا " ولذلك قال لهم في المرة الثالثة " ناموا الآن واستريحوا . هوذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يسلم إلي أيدي الخطاة . قوموا ننطلق . هوذا الذي يسلمني قد اقترب" (مت45:26-46) . كان من ضمن آلامه النفسية خيانة يهوذا له وتسليمه لليهود بقبلة وبيعه لهم بثلاثين من الفضة (مر44:14-45)، وإنكار بطرس معرفته بالرب أمام جارية وامام خدام رئيس الكهنة ثلاث مرات ، وترك بقية التلاميذ له وتفرقهم بعيدا عنه ( مر 50:14).

 إن إرادة ومشيئة كل اقنوم من الأقانيم الثلاثة الآب والإبن والروح القدس واحدة لأنهم هم إله واحد مثلث الأقانيم . وقد أظهر الإبن طاعته التامة للخطة الإلهية الأزلية التي تجسد طوعا من أجلها لفداء وخلاص البشرية من خطاياها بموته علي الصليب ، ومحي صك خطايانا ودفع دمه الذكي الكريم ثمنا لذلك إلي العدل الإلهي كقوله " أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها " (إش 4:43)  .

    لقد سلم ربنا يسوع المسيح نفسه بإرادته وسلطانه وحده (يو18:10)، ولم يهرب او يختفي  او يجتاز من وسطهم كما إجتاز من قبل (لو29:4-30) ، (يو39:11) ، كان ذلك ممكنا في الوقت الذي فيه رجع الجنود إلي الوراء وسقطوا علي الأرض عند قوله لهم" إني أنا هو " (يو6:18) . أيضا كان بإمكان الرب أن يوقع الأذي بهم بكلمة واحدة من فمه الطاهر مثلما لعن شجرة التين فيبست من الأصول (مر20:11) .  ولكن نظرا " لتمام الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلي أورشليم" (لو51:9) .

    لقد ذهب ربنا يسوع المسيح إلي بستان جثسيماني بجبل الزيتون ، ولم يكن ذلك هروبا من رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون ولكن لكونه هو الله الظاهر في الجسد والعالم بلاهوته بكل الأمور ، كان يعرف أنهم لن يستطيعوا إلقاء القبض عليه وسط مدينة أورشليم ، لأنهم لو فعلوا ذلك لأثاروا فتنة وشغبا كثيرا وسط الشعب ومحبيه وأتباعه ، لذلك خرج هو لهم خارج المحلة (المدينة ) ، كقول معلمنا بولس الرسول  " لذلك يسوع أيضا لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب . فلنخرج إذا إليه خارج المحلة حاملين عاره . لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة " (عب12:13-14) .

    وكان يهوذا مسلمه يعلم أن المسيح إعتاد الذهاب إلي بستان جثسيماني ، وذهاب الرب إلي هناك كان لكي يعطي التلاميذ فرصة للهرب بعد القبض عليه  كما هو مكتوب " فسألهم أيضا من تطلبون . فقالوا يسوع الناصري . أجاب يسوع قد قلت لكم إني أنا هو . فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون . ليتم القول الذي قاله إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحد " (يو7:18-9) . 

 

الـجـلـجـثــة

    كلمة الجلجثة تعني الجمجمة (يو17:19)، وهي هضبة عالية في الناحية الغربية من مدينة أورشليم ، وقد سميت كذلك لأن الناظر إلي هذه الهضبة من بعيد يراها مثل الجمجمة. وقد صلب عليها ربنا وإلاهنا ومخلصنا يسوع المسيح "حيث صلبوه وصلبوا اثنين آخرين معه من هنا ومن هنا ويسوع في الوسط " (يو18:19) ، كان هذين الاثنين الذين صلبا والرب في وسطهم  لصين ومجرمين ، لكي يتم المكتوب في نبوة إشعياء النبي " لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقيم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين " ( إش 12:53)  .  " وكذلك أيضا كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه " (مت44:27) ، (مر32:15) فقد كان أحد اللصين " يجدف عليه قائلا إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا . فأجاب الآخر،{ ديماس الذي انفتحت بصيرته الروحية ولمسته نعمة المسيح } ، وانتهره قائلا أولا تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه . وأما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا . وأما هذا  فلم يفعل شيئا ليس في محله . ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متي جئت في ملكوتك . فقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس " (لو 29:23-43)  . اللص التائب ديماس بعد أن جدف علي ربنا يسوع المسيح ندم وتاب وآمن بالرب يسوع إذ انتهر زميله ثم قال " اذكرني يا رب متي جئت في ملكوتك "  فقبل الرب توبته وغفر له خطاياه وهو معلق علي الصليب " وقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس" . وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام  خلص نفسك وانزل عن الصليب . وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئون فيما بينهم مع الكتبة قالوا خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصلها . لينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصليب لنري ونؤمن . " (مر29:15-32) .



البـــاب الـثـــالث

عـيـــد الـفـصـــح الـيـهـــودي



    لقد شاءت العناية الإلهية أن يكون يوم عيد الفصح اليهودي في ذلك العام الذي صلب فيه ربنا يسوع المسيح وهو الرابع عشر من شهر نيسان هو يوم جمعة ، وبالتالي كان يوم الخميس الثالث عشر من شهر نيسان هو البرامون أو يوم الاستعداد لعيد الفصح اليهودي. وكانت الشريعة  اليهودية وهي كلام الله لموسي وهرون في أرض مصر أن يكلما كل جماعة إسرائيل قائلين : في العاشر من هذا الشهر (شهر نيسان) يأخذون لهم كل واحد شاة صحيحة ذكرا ابن سنة ، " ويكون عندكم تحت الحفظ إلي اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحة كل جماعة إسرائيل في العشية " (خر6:12) . أيضا " سبعة أيام تأكلون فطيرا . اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم . ... . في الشهر الأول في اليوم الرابع عشر من الشهر مساء تأكلون فطيرا إلي اليوم الحادي والعشرين من الشهر مساء. سبعة أيام لا يوجد خمير في بيوتكم. فإن كل من أكل مختمرا تقطع تلك النفس من جماعة إسرائيل الغريب مع مولود الأرض . لا تأكلوا شيئا مختمرا. في جميع مساكنكم تأكلون فطيرا." (خر5:12 ،18 - 20). أي أن كل جماعة بني إسرائيل كانوا في صباح يوم الرابع عشر من نيسان يخرجون الخميرة وكل شئ مختمر خارج مساكنهم ، لأن الخميرة تشير للخطية والإثم (1كو8:5) . أيضا يذكر معلمنا القديس يوحنا البشير أنه " ثم قبل الفصح بستة أيام أتي يسوع إلي بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من بين الأموات . فصنعوا له هناك عشاء . ... . وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلي العيد أن يسوع آت إلي أورشليم . فأخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل  " (يو1:12-2 ،12-13) . وهذا يدل علي أن المسيح ذهب إلي بيت عنيا يوم السبت  وهذا اليوم هو قبل الفصح بستة أيام ، لأنه في الغد كان أحد الشعانين .

    لقد دخل السيد المسيح أورشليم في نفس الوقت الذي فيه يختار اليهود خروف الفصح وهو يوم العاشر من شهر نيسان (خر3:12) ، ويكون عندهم تحت الحفظ إلي الرابع عشر من هذا الشهر (خر 6:12). ثم مات علي الصليب وقت نحرهم خروف الفصح ما بين العشائين أي نحو الساعة التاسعة بتوقيتهم الموافق نحو الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا الحالي ، وقام من بين الأموات يوم الباكورة اليهودية وهو عيد باكورة الحصاد (لا9:23-10) ، لأن المسيح هو باكورتنا الذي صعد إلي السماء وهو ضمان قيامتنا (1كو20:15-21) . لقد قال الرب عن الفصح " شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم " (لو15:22) ، فالفصح الذي اراده واشتهاه مخلصنا يسوع المسيح ليس هو الفصح اليهودي ، بل فصح جديد لعهد جديد ولذلك قال " هذا هو دمي الذي للعهد الجديد" (مت28:26) . فلم يكن السيد المسيح يشتهي أن يأكل الفصح اليهودي مع تلاميذه ، لآنه أكله معهم فيما سبق مرتين ، بل كانت شهوة قلبه أن يؤسس سر الشركة المقدسة بأن يعطيهم ويعطي المؤمنين بإسمه جسده المقدس ودمه الذكي الكريم فصحا جديدا لعهد جديد .

    عيد الفصح في ذلك العام كان يبدا عشية يوم الجمعة ، ولم يكن صباح يوم الجمعة ، وهذا ما يوضحه معلمنا القديس يوحنا البشير " ثُم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلي دار الولاية. وكان صبح . ولم يدخلوا هم إلي دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح" (يو28:18) ، لأن من يأكل الفصح لا بد أن يكون طاهرا (عدد 6:9) ، وهذا يدل علي أن الفصح لم يكن قد بدأ صباح الجمعة ، بل بدأ عصر الجمعة في الساعة التي أسلم فيها ربنا يسوع المسيح روحه الإنسانية وهو معلق علي الصليب ، وهي نحو الساعة التاسعة بتوقيتهم في ذلك الزمان والتي توافق نحو الساعة الثالثة ظهرا بتوقيتنا الحالي ، وهي الساعة التي يبدأون فيها نحر خروف الفصح " ما بين العشائين " ، " ... . لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا " (1كو 6:5) ، فهو فصحنا  . ونظرا لأن اليهود كانوا يمتنعون عن القيام بأي عمل أو تسخير  في الفصح ، فيكون سمعان القيرواني الذي كان آتيا من عمله في الحقل ، وتم تسخيره ليحمل صليب المسيح دليلا قويا علي أن عيد الفصح لم يكن قد حل بعد . كما أن كل من معلمنا القديس متي البشير ومعلمنا القديس مرقس الرسول قد أوضحا أن رؤساء الكهنة والكتبة كانوا " ... يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه . ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب ." (مت3:26-5 ، مر 1:14-2) .  كل هذا تم بدقة  تامة .

    كان اليوم عند اليهود ينقسم إلي أربع فترات نهارية وأربع فترات ليلية كل فترة ثلاث ساعات ، وهذه الفترات النهارية هي من باكر إلي الثالثة ، ومن الثالثة إلي السادسة ، ومن السادسة إلي التاسعة ومن التاسعة إلي الثانية عشرة { كما هو موضح بصلوات الأجبية}، والتي بعدها يبدأ يوم جديد ببداية الفترات الليلة  الأربع ، فالهزيع الأول من الساعة السادسة إلي الساعة التاسعة ليلا بتوقيتنا الحالي، والهزيع الثاني من الساعة التاسعة إلي الساعة الثانية عشرة {منتصف الليل} ، والهزيع الثالث من الساعة الثانية عشرة إلي الساعة الثالثة ليلا ، والهزيع الرابع من الساعة الثالثة إلي الساعة السادسة فجرا ، ولم يكن لديهم ساعات لتحديد الأوقات بدقة  مثل التي نستخدمها الآن ، ولكنهم كانوا يستخدمون الشمس والظل في تحديد الأوقات بالتقريب نهارا ، والقمر والنجوم ليلا . وقد صلب رب المجد يسوع علي الصليب في نحو الساعة السادسة بالتوقيت اليهودي في ذلك الزمان الموافق نحو الثانية عشرة ظهرا بتوقيتنا الحالي ، وأسلم روحه الإنسانية في نحو الساعة التاسعة الموافقة نحو الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا الحالي ، وأنزل من علي الصليب نحو الساعة الحادية عشرة الموافقة نحو الساعة الخامسة مساء بتوقيتنا الحالي ، وقبل الساعة الثانية عشر أي السادسة مساء بدقائق قليلة دفن باستعجال في القبر ، فقد غسلوه  بسرعة ولم يكفنوه كما يليق لضيق الوقت ، لأنه يجب ألا تبقي الأجساد معلقة في السبت لكي لا تنجسه " لأن المعلق ملعون من الله  " (تث22:21) ، (غل 13:3) ، أيضا "... لكي لا تبقي الأجساد علي الصليب في السبت  لأن يوم ذلك السبت كان عظيما... "(يو31:19) . كان يوم ذلك السبت عظيما لأنه سبت وايضا لأنه كان يوم عيد الفصح .

     ونظرا لأن اليهود توارثوا بعض عادات وتقاليد المصريين القدماء مثل عادة تغسيل جسد الميت وهي عادة شائعة في العالم كله حتي يومنا هذا ، وايضا توارثوا عادة وضع الأطياب والحنوط علي الجسد ثم تكفينه بلف  الجسد بالكتان ، فكانوا يغمسون الشاش المصنوع من  الكتان في " مزيج من المر والعود والزيوت العطرة " ، كقول المرنم بالمزمور بروح النبوة " كل ثيابك مر وعود وسليخة " (مز8:45) ، ثم تلف اليدين كل يد علي حدة ثم تلف الرجلين كل رجل علي حدة ثم يلف الصدر والبطن وأخيرا يضعون منديلا علي الرأس وبعد ذلك يضعونه في القبر . ونظرا لضيق الوقت لم يستطيعوا تكفين الجسد كما يليق ، بل أنزلوه من علي الصليب ووضعوا مئة منا # من الحنوط والأطياب ، وهي تساوي ما يقرب من 46 كيلوجرام  كان قد اشتراها نيقوديموس ، علي جسده الطاهر ولفوه بثوب من الكتان ووضعوه في القبر، هذا الكفن موجود الآن في متحف  تورنتو إيطاليا .  معلمنا القديس لوقا قال عن يوسف الرامي " هذا تقدم إلي بيلاطس وطلب جسد يسوع . وأنزله ولفه بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وضع فيه . وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح . وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده . فرجعن وأعددن حنوطا وأطيابا . وفي السبت استرحن حسب الوصية ." (لو52:23-56)، ثم يضيف  أنه " في أول الأسبوع أول الفجر{ أي فجر يوم الاحد والظلام باق } أتين الي القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس . فوجدن الحجر مدحرجا عن القبر"(لو1:24-2) ، لقد حضرن هؤلاء النسوة ومعهن حنوطا  لكي يحنطوا الجسد المقدس بالطريقة اليهودية اللائقة السابق ذكرها ، وكان معهن أناس اي رجال لكي يدحرجوا لهن الجحر عن باب القبر. " فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع " ( لو3:24) .  وأصبح واضحا للعالم كله أن الرب يسوع المسيح قد قام من بين الأموات في اليوم الثالث كما سبق أن قال لهم (مت 21:16 ، 19:20)

    كما سبق أن ذكرت أن العناية الإلهية شاءت أن يموت المسيح مصلوبا يوم الجمعة وليس بأي طريقة أخري مثل الرجم أو الشنق أو الغرق أو الرمي بالسهام أو بالسيف ، لأن رؤساء الكهنة اليهود والكتبة أرادوا أن يظهروا المسيح كمجرم أثيم " وفاعل شر " (يو30:18) ولذلك هيجوا الشعب عندما أراد بيلاطس أن يطلقه لهم في الفصح، " فصرخوا قائلين إصلبه إصلبه " (لو21:23) .

    كذلك لم يصلب في أي يوم آخر  من أيام الإسبوع . لأنه لو صلب ربنا يسوع المسيح في يوم آخر غير يوم الجمعة ، لما كنا علمنا بقيامة المسيح من بين الأموات ، لأن يوسف الرامي والنسوة كانوا سيغسلونه وسيضعون الحنوط علي الجسد ويكفنوه بالطريقة اليهودية عن طريق لف الشاش المصنوع من الكتان والمغموس في مزيج الحنوط  قبل أن يضعونه في القبر حتي لو تأخروا ساعة أو إثنين من  اولي ساعات ليل اليوم التالي   .    أيضا لو كان المسيح صلب في أي يوم غير الجمعة لما كان الجسد كفن باستعجال ، ولكن لأن الله بعلمه السابق بالتقدم العلمي الذي سيصل إليه العالم الآن ، ذلك جعل الكفن أداة شهادة حية بعد أن قام العلماء بعمل الأبحاث العلمية والفحوصات المجهرية عليه ، لما به من آثار دم ناتج عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

#  منا جمع منة وهي وحدة أوزان كانت مستخدمة في ذلك الوقت وتقدر تقريبا ب 460 جرام.

المسامير والحربة وإكليل الشوك ووسيلة التعذيب بالسياط المسماة بالعقارب  ذات الأطراف المتفرعة وفي نهاية كل فرع قطعة من العظم المدبب تمزق الجلد. فإنطبع علي الكفن صورة ناطقة لما لاق جسد الرب من تعذيب .



الـبـــاب الرابـــع

المحاكمات الغير عادلة 



    بعد القبض علي ربنا يسوع المسيح في بستان جثسيماني ، " حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا " (مت 56:26) ، فمعظم التلاميذ هربوا ما عدا يوحنا الحبيب وبطرس اللذين تبعاه من بعيد حتي دار الولاية .  اقتاد قائد الجند ربنا يسوع المسيح وهو موثوق اليدين إلي دار الولاية حيث تعرض ربنا يسوع المسيح لثلاث محاكمات دينية أمام رؤساء الكهنة اليهود ، ثم بعد ذلك لثلاث محاكات مدنية أمام الحكام الرومان .

أولا المحاكمات الدينية :

      قدم السيد المسيح لمحاكمات دينية ، الأولي كانت أمام حنان  رئيس الكهنة السابق  ، والثانية كانت أمام قيافا رئيس الكهنة في ذلك العام . " فقال لهم واحد منهم . وهو قيافا . ... . أنتم لستم تعرفون شيئا . ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها . ولم يقل هذا من نفسه بل إذ كان رئيسا للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة . وليس عن الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلي واحد " (يو49:11-52) .

لقد أوضح معلمنا القديس يوحنا البشير في بشارته أن " الجند والقائد وخدام الهيكل قبضوا علي يسوع وأوثقوه ومضوا به إلي حنان أولا لأنه كان حما قيافا الذي كان ريئسا للكهنة في تلك السنة ." (يو13:18) . قبضوا علي ربنا يسوع المسيح وهو في بستان جثسيماني في الهزيع الثالث من الليل

  " وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور علي يسوع لكي يقتلوه . فلم يجدوا . ومع أنه جاء شهود زور كثيرون لم يجدوا . ولكن أخيرا تقدم شاهدا زور وقالا.هذا قال إني أقدر أن أنقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه. فقام رئيس الكهنة وقال له أما تجيب بشئ . ماذا يشهد به هذان عليك . وأما يسوع فكان ساكتا . فأجاب رئيس الكهنة وقال له أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله . قال له يسوع أنت قلت . وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا علي سحب السماء . فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلا قد جدف . ما حاجتنا بعد إلي شهود . ها قد سمعتم تجديفه . ماذا ترون . فأجابوا وقالوا إنه مستوجب الموت ." (مت59:26 – 66) .

    ومع أن المسيح لم يقل أنه يقدر أن ينقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام يبنيه ، بل قال   "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه " (يو19:2) لأنه كان يتكلم عن هيكل جسده . هم علقوه علي الصليب باختياره وارادته  الكاملة كقوله " لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضا . ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي . لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا . هذه الوصية قبلتها من أبي " (يو17:10-18 )، أي أنه بموت ربنا يسوع المسيح علي الصليب يكونون قد  نقضوا هيكل جسده ، وفي ثالث يوم قام المسيح من بين الأموات بسلطان لاهوته ، أي أقام هيكل جسده ، فقد قام بجسد نوراني ممجد ، علما بأن الأقانيم الثلاثة الآب والإبن والروح القدس قد اشتركوا في قيامة السيد المسيح . هنا نري التزوير واضحا في شهادتا شاهدي الزور . وأمام هذا التزوير الواضح في شهادة الشهود ظل ربنا يسوع المسيح صامتا ، ماذا يقول لهؤلاء الذين شاهدوا وسمعوا عن معجزاته الكثيرة من شفاء مرضي وإقامة   موتي من الأموات  منهم لعاذر بعد أن أنتن ، وسلطانه علي الطبيعة وعلي الشياطين والأرواح النجسة ، وتحويله الماء خمرا في عرس قانا الجليل، وإشباعه الجموع من خمسة خبزات وسمكتين . ولقد أفحم الرب رئيس الكهنة الذي سأله بمكر وخبث عما إذا كان هو المسيح ابن الله ، إذ أجابه " أنت قلت . ومن الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا علي سحب السماء " . تمزيق رئيس الكهنة ثيابه هنا كان علامة علي غضبه الشديد ، لأنه لايطيق أن يري ويسمع التجديف علي الله لأن الرب أيد كلامه بأنه ابن الله وأنهم منذ الآن لا يرونه في ضعف الجسد لأنه سيصعد إلي السماء ويجلس عن يمين القوة وسوف يأتي علي السحاب في مجيئه الثاني ليدين البشرية . لقد كان تمزيق رئيس الكهنة ثيابه رياءا ليظهر للناس تدينه وغيرته الشديدة علي الله لأن إسمه قد جدف عليه ، ليثير كل الحاضرين فيؤيدوا قراره بموت المسيح ، وهو في الواقع كان علامة وإشارة علي نهاية الكهنوت اللاوي وظهور كهنوت جديد هو كهنوت ربنا يسوع المسيح علي رتبة طقس ملكي صادق كقول المرنم في المزمور " أقسم الرب ولن يندم . أنت كاهن إلي الأبد علي رتبة ملكي صادق ." (مز 4:110) . فقد أبطل المسيح الذبائح الحيوانية ، بذبيحة جسدة الكريم ودمه الذكي وهو سر الإفخارستيا الذي أسسه في علية صهيون بخبز وعصير الكرمة الممزوج بالماء ، وأوصانا قائلا " إصنعوا هذا لذكري " ،   وفي ذلك قال معلمنا إرميا بروح النبوة " ها أيام تأتي يقول الرب واقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب " (إر31:3-32)، وكان ذلك العهد الجديد  ليلة الخميس الذي يطلق عليه  "خميس العهد " قبل صلبه بساعات قليلة.

    كان مجمع السنهدريم هو السلطة القضائية العليا في الأمة اليهودية ، وكان  أحيانا يطلق عليه مجلس السبعين  لأنه يضم سبعين عضوا من كل فئات الشعب يعينهم رؤساء الكهنة ، فكان يضم الصدوقيين نسبة لصادوق الكاهن الذي كلفه الملك سليمان برئاسة الكهنوت (1مل35:2) . كان الصدوقيين ينكرون القيامة والملائكة والأرواح وحياة الدهر الآتي ، وقد اضطربوا عند سماعهم ربنا يسوع المسيح يتكلم عن القيامة والدينونة في اليوم الآخير والحياة الأبدية . ولذلك أرسلوا له رسلا يسألونه عن المرأة التي تزوجت سبعة إخوة الواحد بعد موت الآخر لمن من السبعة تكون زوجة في القيامة . " فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله . لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء . وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب . ليس ألله إله أموات بل إله أحياء " (مت29:22-32). وكان قيافا وحنان وأولاده الخمسة من الصدوقيين وكان كل اهتمامهم هو الحصول علي الجباية من الهيكل وجمع العشور والنذور والبكور من الشعب ، وتركوا الفقراء والمحتاجين وأهملوا الغرباء ، وكانوا يجزلون العطاء لروما لكي يظلوا في مناصبهم وتكون لهم السلطة علي الهيكل ، وكانوا يعيشون بترف ويصرفون علي أنفسهم ببذخ . وكان مجمع السنهدريم يضم أيضا الفريسيون  الذين يعتبرون أنفسهم أنهم مميزون عند الله عن بقية اليهود بسبب تدقيقهم في تطبيق الناموس ، وكانت شعبيتهم اكثر من تلك التي لرؤساء الكهنة الصدوقيون. وكان للفريسيون سلطة القضاء بمجمع السنهدريم وتمسكوا بالتطبيق الحرفي للناموس ، وارتبط الفريسيون بعلاقات طيبة مع الكتبة ، بينما كانوا علي خلاف شديد مع الصدوقيون ، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم معلموا الطقوس ، وكان من ضمن معتقداتهم أن الله يبارك اليهود لأنهم أولاد إبراهيم ، ولذلك وبخهم القديس يوحنا المعمدان إذ قال لهم " يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي . فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة . ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أب . لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم " (لو7:3-8) . وكان من الفريسيون كل من غملائيل معلم أولاد الملوك وتلميذه شاول الطرسوسي ، ونيقوديموس وسمعان الأبرص  أعضاءا بمجمع السنهدريم . وقد اتهم الفريسيون ربنا يسوع المسيح أنه يكسر السبت لأنه " قال للمفلوج قم احمل سريرك وامشي " (يو8:5-9) . وكانوا  يوجهون اللوم للتلاميذ لأنهم لا يصومون ، بينما هم يصومون الإثنين والخميس من كل اسبوع ،  تذكارا لصعود معلمنا موسي النبي الجبل يوم الخميس لإستلام لوحي الشريعة المكتوبين باصبع الله ، ويوم الاثنين تذكارا لنزوله من الجبل ومعه لوحي الشريعة . وقد وبخ المسيح له المجد الفريسيون وقال لهم " ويل لكم ايها الفريسيون ... " (لو43:11-52).  أما الكتبة فكان عملهم هو نسخ الأسفار المقدسة ، وقد اعتبروا أنفسهم معلموا اللاهوت  ، وكان لهم أعضاء في مجمع السنهدريم ، وكانوا يكنون العداء الشديد لربنا يسوع المسيح لأنه كان يوبخهم دائما (مت1:23-7) . وكان هناك طائفة أخري وهم طائفة الناموسيين  الذين تخصصوا في دراسة ناموس موسي من النواحي القانونية ، فهم كانوا معلموا القانون ويعتبرون أنفسهم حماة الشريعة  ورفضوا بشارة يوحنا المعمدان، وكرازة الرب يسوع ، وقد قال لهم الرب " ويل لكم أنتم الناموسيون ... " (لو46:11-48) . كما ضم مجمع السنهدريم بعض الطوائف الأخري مثل " الأسينيون " الذين عاشوا حياة البتولية والنسك والتقشف ،  وأيضا " طائفة  الهيرودوسيون " الذين ينتمون للعائلة الهيروديسية ، وكذلك " طائفة الغيورون " وهم لا يعترفون  بالسلطة الرومانية ويقاومونها ولا يعترفون إلا بالسلطة الإلهية ، وكان منهم سمعان الغيوري أحد تلاميذ السيد المسيح .  

 ومجمع السنهدريم كان يقع في الطابق العلوي من المبني ، وكان الداخل إلي مجمع السنهدريم ، يدخل من الباب الخارجي إلي الدهليز ثم إلي الحوش بالطابق الأرضي ، ثم يصعد السلم إلي الدور العلوي حيث  كان مقر حنان في احد جانبي مجمع السنهدريم وفي الجانب الآخر كان مقر قيافا.

    كان الخدام والعبيد مجتمعين في الحوش  وقد أضرموا جمرا ليصطلوا { ليستدفئوا}، وكان معلمنا القديس بطرس يصطلي معهم  بعد أن أدخله معلمنا القديس يوحنا لأنه كان معروفا عند رئيس الكهنة وخدمه ، " فقالت الجارية البوابة لبطرس ألست أنت أيضا من تلاميذ هذا الإنسان . فقال ذاك لست أنا " (يو17:18) . وعندما خرج معلمنا القديس بطرس " إلي الدهليز ، صاح الديك . فرأته الجارية أيضا وابتدأت تقول للحاضرين إن هذا منهم . فأنكر أيضا . وبعد قليل أيضا قال الحاضرون لبطرس حقا أنت منهم لأنك جليلي أيضا ولغتك تشبه لغتهم. فابتدأ يلعن ويحلف إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه . وصاح الديك ثانية . فتذكر بطرس القول الذي قاله له يسوع إنك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات. فلما تفكر به بكي " (مر 68:14-72) . كان صياح الديك لأول مرة بمثابة ناقوس انذار لمعلمنا القديس بطرس حتي لا يستمر في الإنكار ويطرد الخوف الذي اعتراة ويفوق من غفلته ، فصياح الديك كان لإيقاظ ضميره . وقول الحاضرون لمعلمنا القديس بطرس لأنك جليلي أيضا ولغتك تشبه لغتهم ، لأن الجليليون ينطقون السين كما تنطق الثاء، وفي طريقة كلامه كان يشبه معلمه ربنا يسوع المسيح . أيضا يذكر معلمنا القديس لوقا أنه بعد أن صاح الديك للمرة الثانية " فالتفت الرب ونظر إلي بطرس "(لو61:22) ، عندما نظر الرب إلي بطرس كانت نظرته كلها عتاب ، فكان صياح الديك ونظرة الرب لبطرس لهما تأثيرا كبيرا في قلب بطرس لذلك " خرج بطرس إلي خارج وبكي بكاء مرا " ( لو62:22)، فقد غسل بدموعه خطية الإنكار وكانت هذه الدموع هي دموع توبة حقيقية . فندم وتوبة وبكاء بطرس علي ما فعل من انكار، كان بمثابة معموديه بدموع الندم جعلت هذه الخطية تغفر له ، وكان الرب سبق أن قال له  " سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك . وأنت متي رجعت ثبت إخوتك " ( لو31:22-32 ). أيضا " طوباك يا سمعان بن يونا . إن لحما ودما لم يعلن لك. لكن أبي الذي في السموات " (مت17:16،19) . معلمنا القديس بطرس الذي قال عنه معلمنا القديس بولس أنه أحد المعتبرون الثلاثة أعمدة الكنيسة (غل9:2) ، فهل يعقل أن القديس بطرس أكثر التلاميذ تحمسا للرب ولإرساليته والذي قال للرب في حماس شديد "ولواضطررت  أن أموت معك لا أنكرك" (مت35:26) . القديس بطرس المملوء غيرة الذي منذ لحظات قليلة إستل سيفه وضرب اذن ملخس عبد رئيس الكهنة يمكن أن ينكر معرفته بالرب ؟ . فإن كان معلمنا القديس بطرس وقع في خطية الإنكار ، ألا يجب أن نحترس نحن ونداوم علي الصلاة لكي يسندنا الرب ويعضد ضعفنا ، ويفيض علينا بروحه القدوس لكي يرشدنا في طريق حياتنا إلي كل عمل صالح ونرتل مع المرنم قائلين " لولا أن الرب كان معنا . ... . لولا أن الرب كان معنا عندما قام الناس علينا .لابتلعونا ونحن أحياء عند سخط غضبهم علينا . ... . مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم ... "(مز1:124-6) . أليس هذا هو بطرس الذي قال له الرب " أنت بطرس وعلي هذه الصخرة { إيمانه الثابت بالمسيح} أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها . وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات . فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطا في السموات. وكل ما تحله علي الأرض يكون محلولا في السموات " (مت18:16-19 ) ، فقد بني الرب علي إيمان بطرس الصخري كنيسته المجيده لذلك وجب علينا أن نتوخي الحذر ، ولقد استفاد معلمنا القديس بطرس من انكاره للرب ، لذلك في يوم إستشهاده طلب ألا يصلب مثل معلمه ربنا  يسوع المسيح بل طلب أن يصلب منكس الرأس ، وكأنه يقول أنا لست مستأهلا لأن أصلب مثلك يا  ربي ولا بد أن تكون رأسي إلي أسفل لأني خنتك وقت أن كنت معتمدا علي قوتي ، والآن أنا أظهر لك ضعفي ، فأعن يا رب ضعفنا ، واحفظنا يا رب كما حفظت تلاميذك الأطهار .

    " والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه . وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ . من هو الذي ضربك . وأشياء أخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدفين ." (لو63:22-65) ، . لقد تلقي ربنا يسوع المسيح آلاما نفسيه وآلاما جسدية تفوق الوصف  وفوق طاقة تحمل الإنسان . وفيما يلي سوف نتأمل في الآلام الجسدية التي تعرض لها ربنا ومخلصنا يسوع المسيح .

    هذه المحاكمات الدينية الأولي والثانية التي تمت أمام رؤساء الكهنة أولا في مقر حنان ثم بعد ذلك في مقر قيافا ثم تلاها إجتماع في قاعة مجلس السنهدريم  أثناء الليل كانت غير شرعية وضد التقليد اليهودي  الذي يحرم اجراء المحاكمات ليلا ، ويعتبر قراراتها لاغيه ، لذلك اجتمعوا في الصباح لكي يقدموه لمحاكمة دينية ثالثة في الهيكل بقيادة قيافا وللتصديق علي الحكم الذي صدر في المحاكمات الدينية السابقة ، وهذه الأخيرة كانت محاكمة صورية لأن القرار كان قد اتخذ مسبقا من قيافا رئس الكهنة في تلك السنة قبل القيض علي ربنا يسوع وقبل محاكمته، إذ كان قد  قال" أنتم لستم تعرفون شيئا . ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها " (يو50:11).  ونظرا لأن التلمود يمنع اصدار الحكم بالموت  في نفس يوم المحاكمة  ، كما أن المحاكمات الدينية كانت أساسا تقام علي جرم تم فعله فعلا وليس علي كلام الزور الذي شهد به  الشهود . كذلك كان نظام المحاكمه أن تسمع أقوال المتهم المقدم للمحاكمة قبل سماع أقوال الشهود  ، كقول نيقوديموس الذي قاله لأعضاء مجمع السنهدريم وهوكان أحد أعضاءه " ألعل ناموسنا يدين إنسانا لم يسمع منه أولا ويعرف ماذا فعل " (يو51:7).

    كان رؤساء الكهنة حنان وقيافا يربحون مبالغ طائلة من التجارة في الهيكل ، وعندما دخل ربنا يسوع إلي الهيكل ، قلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم  "مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوص " (مت13:21 ) ، لذلك  وجدوا أن تجارتهم والأرباح الكثيرة التي تتدفق عليهم في المواسم والأعياد من البيع في الهيكل سوف تتوقف فأضمروا للرب شرا لكي يقدموه لمحاكمة صورية سريعة أثناء الليل لكي يقتلوه ، وهم لا يعلمون أن هذه هي إرادة الآب والإبن والروح القدس الأزلية أن الإبن ربنا يسوع المسيح يأتي إلي العالم ويولد من عذراء بتول وبكر  بحلول الروح القدس عليها كبشارة ملاك الرب ليوسف النجار قائلا " يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك . لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس . فستلد ابنا وتدعواسمه يسوع . لأنه يخلص شعبه من خطاياهم . وهذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل . هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا " (مت20:1-25) ، فهذه النبوة مكتوبة في (إش14:7) . فهل رؤساء الكهنة وأعضاء مجمع السنهدريم لم يقرأوها أم قرأوها وتجاهلوها وتناسوها  ليحققوا مآربهم الشريرة ؟.

    ومع أولي ساعات نهار يوم الجمعة الرابع عشر من نيسان  "اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه إلي مجمعهم قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا . فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون . وإن سألت لا نجيبونني ولا تطلقونني . منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسا عن يمين قوة الله . فقال الجميع أفأنت ابن الله . فقال لهم أنتم تقولون إني أنا هو . فقالوا ما حاجتنا بعد إلي شهادة لأننا نحن سمعنا من فمه " (لو66:22- 67)  ، ماذا سمعوا من فمه ؟ لم يقل الرب نعم أنا ابن الله ، مع أنه لو قال هذا فهو صادق ، بل قال ابن الإنسان . فهم كعادتهم يحورون ويختارون  الكلمات التي تناسب هواهم لكي يصلوا إلي مآربهم الشريرة .  إن ربنا يسوع المسيح وهو علي هذه الأرض كان هو ابن الإنسان بالناسوت ، وهو ابن الله باللاهوت  ، وبعد صعوده إلي السماء فهو الله خالق كل شئ ومدبر كل شئ ، وهو الأزلي الأبدي .

ثانيا : المحاكمات المدنية .

    قدم السيد المسيح لثلاث محاكمات مدنية ، الأولي أمام بيلاطس البنطي الوالي وكان هو الحاكم الروماني علي اليهودية ، " وابتدأوا يشتكون عليه قائلين إننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلا إنه هو مسيح ملك ." (لو2:23) كان رؤساء الكهنة اليهود والفريسيون والكتبة يريدون صلب المسيح له المجد ، ولكنهم كانوا يعلمون أن الوالي الروماني لن يصلبه بسبب تهمة دينية ، لذلك ادعوا أن المسيح يطلب الملك ويقاوم قيصر . " فسأله بيلاطس قائلا أنت ملك اليهود . فأجابه وقال أنت تقول . فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع إني لا أجد علة في هذا الإنسان . فكانوا يشددون قائلين إنه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل إلي هنا " (لو3:23-5) .  وبينما كان بيلاطس جالسا علي كرسي الولاية ، أرسلت له زوجته قائلة " إياك وذلك البار . لأني تألمت كثيرا في حلم من أجله " (مت 19:27) .  أراد بيلاطس الوالي أن يخلص السيد المسيح من شر رؤساء الكهنة اليهود والكتبة والفريسين ،  فعند سماعه أن السيد المسيح كان يبشر أيضا في الجليل  أمر بإرساله إلي هيرودس أنتيباس حاكم منطقة الجليل وكانت وظيفته رئيس ربع للرومان علي منطقة الجليل وبيرية ، وكان يقيم في قيصرية شمال أورشليم ، وفي الأعياد الكبري كان يقيم في أورشليم ليحافظ علي الأمن بها لوجود تجمعات كبيرة بها أثناء الأعياد وأيضا لكي يخمد أي فتنة أو شغب بسرعة ، وكانت هذه هي المحاكمة المدنية الثانية . 

    " وأما هيرودس فلما رأي يسوع فرح جدا لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجي أن يري آية تصنع منه . وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشئ. ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد . فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزا   به وألبسه لاباسا لامعا ورده إلي بيلاطس " (لو8:23-12) . محاكمة السيد المسيح الأولي أمام بيلاطس ثم الثانية أمام هيرودس أنتيباس كانت كقول المرنم بروح النبوة في المزمور " لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب في الباطل . قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا علي الرب وعلي مسيحه" (مز1:2-2) .

     لقد ألبس عسكر هيرودس ربنا يسوع المسيح لباسا أرجوانيا (مر17:15) .   ألبسوه لباسا أرجوانيا يشبه لبس الملوك الرومان للسخرية منه . أما لماذا فرح هيرودس لما رأي الرب ، لأنه ظن أنه يوحنا المعمدان " قد قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات " (مت 2:14) ، (مر16:6) ، ثم أعاده إلي بيلاطس وكانت هذه هي المحاكمة الثالثة.

   " فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب وقال لهم قد قدمتم إليَ هذا الإنسان كمن يفسد الشعب . وها أنا قد قد فحصت قدامكم ولم أجد في هذا الإنسان علة مما تشتكون به عليه. ولا هيرودس أيضا. لأني أرسلتكم إليه . وها لا شئ يستحق الموت صنع منه . فأنا أأؤدبه وأطلقه " (لو12:23-16) . وفي بشارة معلمنا القديس يوحنا مكتوب " فحينئذ أخذ بيلاطس يسوع وجلده . وضفر العسكر إكليلا من شوك ووضعوه علي رأسه وألبسوه ثوب أرجوان . وكانوا يقولون السلام يا ملك اليهود وكانوا يلطمونه . فخرج بيلاطس أيضا خارجا وقال لهم ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا أني لست أجد فيه علة واحدة.  " (يو1:19-4).

    أراد بيلاطس الوالي أن يستدر عطف رؤساء الكهنة اليهود والخدام والشعب ، فقام بجلد الرب يسوع وجعل العسكر يضعون علي رأسه إكليلا من الشوك ويلبسونه الثوب الأرجواني  وهم يسخرون منه ، "  فقال لهم بيلاطس هوذا الإنسان . فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين اصلبه اصلبه . قال لهم بيلاطس خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علة  (يو5:19-6) .  لقد قال لهم بيلاطس الوالي ثلاث مرات لست أجد فيه علة واحدة لعلهم يتعظون ويتراجعون عن قرارهم بصلب إنسان برئ ، وكان بيلاطس يريد أن يطلقه ، ولكن نظرا لضعف شخصية بيلاطس أمام رؤساء الكهنة اليهود وخوفه علي منصبه ، لأنهم هددوه قائلين " إن أطلقت هذا فلست محبا لقيصر . كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر " (يو13:19) .  " وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة أي الساعة الثانية عشره ظهرا بتوقيتنا الحالي . فقال لليهود هوذا ملككم . فصرخوا خذه خذه اصلبه . فقال لهم بيلاطس أأصلب  ملككم . أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر . فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب ." (يو14:19-16) . كان قول بيلاطس لرؤساء الكهنة اليهود هوذا ملككم سخرية وتهزيئا لهم ، لأنه كان يعلم في داخله أنهم اسلموه السيد المسيح كخاطئ أثيم حسدا (مت18:27)، وهم لا يعلمون أن هذه هي الخطة الإلهية الأزلية لفداء البشرية ، كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه " (2ك 16:5) . كان صراخهم بصورة همجية ، وقولهم خذه  خذه اصلبه لكي يتم ما ترنم به معلمنا داود بروح النبوة إذ  قال " أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب . ... صرت أجنبيا عند إخوتي وغريبا عند بنو أمي" (مز 4:69 ،8) .

    كانت الساعة السادسة بتوقيت ذلك الزمان أي الساعة الثانية عشرة من نهار يوم الجمعة بتوقيتنا الحالي ، حين أسلم بيلاطس ربنا يسوع المسيح إلي اليهود لكي يصلبوه . وهذا يعني أن الرب ظل طوال الليل في محاكمات دينية حتي الصباح الباكر ، ثم بعد ذلك في محاكمات مدنية أمام بيلاطس ثم هيرودس أنتيباس ثم بيلاطس ثانية . كان طوال هذه الفنرة بلا طعام أو شراب وبدون نوم أو راحة ، فكان منهك القوة جسمانيا ، هذا بالإضافة للجلد بسياط يطلق عليها اسم العقارب .  لأن هذا السوط له ثلاث سيور، يتفرع كل منها إلي طرفين وفي نهاية كل منها قطعة مدببة من العظم تنغرس في الجلد وتحدث تهتكا غائرا ، وهذا النوع من السياط هو ما هدد به الملك رحبعام بن سليمان شعبه  إذ قال لهم " أبي أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب " (1مل11:12) . فإمتلا ظهر ربنا يسوع بالجروح التي تنزف دما كقول المرنم بروح النبوة " علي ظهري حرث الحراث . طولوا أتلامهم ." (مز3:129) ، كما تنبأ عن ذلك معلمنا إشعياء النبي إذ قال " بذلت ظهري للضاربين وخديّ للناتفين . ووجهي لم أستر عن العار والبصق " (إش6:50) ، كذلك تنبأ وقال " وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل أثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا " (إش 5:53). وعندما ألبسوه ثيابه تلطخت بالدماء النازفة من جسده ، هذا بالإضافة إلي إكليل الشوك الذي أدمي رأسه وسال الدم علي وجهه وعلي ملابسه ، لذلك تنبأ إشعياء وقال " ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة . قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 2:63-3) . كما وضع أحدهم " قصبة في يمينه ، وكانوا يجثون أمامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود " (مت29:27) ، لم يعلموا أنه سوف " تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن علي الأرض ومن تحت الأرض ."(في10:2) .









الـبـــاب الخــامـــــس

درب الـصـــليـب



    درب الصليب هو الطريق الذي سار فيه ربنا يسوع المسيح حاملا صليبه ، وعلي جانبي هذا الطريق توجد الآن كنائس وأديرة وأماكن مقدسة لصلوات المؤمنين من جميع الطوائف المسيحية . ويوجد هناك أربعة عشره مرحلة من درب الصليب ، يوجد رقم علي المبني  وأمام المبني علي الحجارة الكبيرة المحززة المرصوف بها الطريق ، وقد استخدم فيها الترقيم الروماني ، وكل رقم يمثل مرحلة لحدث من الأحداث المقدسة الأربعة عشرة    وهذه هي :-

المرحلة الأولي من درب الصليب  :  إدانة الرب والحكم عليه بالموت :

    هذه المرحلة تبدأ من أمام الموقع الذي فيما بعد شيدت عليه مدرسة العمرية  التابعة للفرنسسكان وهي الآن بجوارالمكان الذي كان معروفا بقلعة  أنطونيا حيث تم إدانة ربنا يسوع المسيح من قبل رؤساء الكهنة اليهود بقيادة قيافا والحكم علية بالموت صلبا . وكما هو مكتوب " ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلي دار الولاية. وكان صبح . ولم يدخلوا هم إلي دار الولاية لكي لا يتنجسوا . فيأكلون الفصح" (يو18:28) . وكان قيافا قد أصدر حكمه علي الرب قبل القبض عليه وقبل محاكمته إذ قال " أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها " (يو50:11) .

المرحلة الثانية من درب الصليب : الرب يحمل الصليب :

   هذه المرحلة تبدأ من دير راهبات صهيون حاليا والتي كانت سابقا قلعة أنطونيا الرومانية مقر حكم بيلاطس في ذلك الوقت . والآن يوجد كنيستان للفرنسسكان في هذا الموقع ، يطلق علي إحداهما كنيسة الجلد والأخري كنيسة الإدانة ، " فحينئذ أخذ بيلاطس يسوع وجلده .  ...      ثم أسلمه إليهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به ." (يو 1:19 ، 16) . " فمضي به العسكر إلي داخل الدار التي هي دار الولاية وجمعوا كل الكتيبة . وألبسوه أرجوانا وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه عليه " (مر16:15-17) .

    لقد حمل ربنا يسوع المسيح وكذلك اللصان الصليب الذي سيعلق عليه كل منهم وساروا به حتي هضبة الجلجثة ، وسار اللصان في بداية الموكب ولم يبدو عليهما التعب أو الاعياء ولم يعانيا أي تعذيب أو جلدات تدمي أجسادهما كما حدث مع ربنا يسوع ، الذي كان يسير في آواخر الموكب يترنح تحت ثقل الصليب من كثرة السهر والتعب والاعياء الجسدي وضربات الجنود بالسياط المعروفة بالعقارب التي أدمت جسده وكانت قطرات دمه المختلطة بعرقه تتساقط علي الطريق  . وكان يسير أمام كل متهم جندي يحمل لافته مدون عليها بإختصار تهمته .

    وسار موكب الصلب من دار الولاية يتقدمه بعض الفرسان الرومان ، ليعلن قوة وعظمة  وسطوة روما والرومان .  وكتب بيلاطس عنوانا كان يحمله الجندي الذي يتقدم الرب ، وامر بوضعه  علي صليب ربنا يسوع المسيح عند صلبه  وكان مكتوبا  " يسوع الناصري ملك اليهود" (يو19:19) مكتوبا بثلاث لغات عبرية ويونانية ولاتينية ، وقد طالبه رؤساء كهنة اليهود بتغيرها قائلين له " لا تكتب ملك اليهود . بل ان ذاك قال أنا ملك اليهود. أجاب بيلاطس ما كتبت قد كتبت " (يو21:19) . كان ما كتبه بيلاطس سخرية وتهكما من رؤساء الكهنة اليهود والفريسيين والكتبة وكل الشعب اليهودي لأنهم رفضوا إطلاق سراح ربنا يسوع  البار الذي " لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر" (1بط22:2)، كما أن بيلاطس فعل ذلك تحقيرا لهم وتصغيرا من شأنهم  . كثف الجند الرومان الحراسة حول الموكب وبخاصة حول ربنا يسوع المسيح خوفا من حدوث شغب من تلاميذه وأتباعه ومحبيه ممن سمعوا عظاته وعاينوا معجزاته .  والتف علي جانبي الطريق  جمعا غفيرا بسبب زحمة الأعياد كما تطلع أناس كثيرين آخرين من النوافذ ومن أعلي أسطح المنازل الممتدة بطول الطريق ،  لكي يختلسوا نظرة لنبي الناصرة .  كان موكبا حزينا ومؤلما عند بعض الناس أصحاب الأحاسيس الطيبة  والمشاعر المرهفة لرؤياهم قطرات دم المسيح البار الممزوجة بعرقه تتساقط تحت أقدامه وتترك آثارا علي الطريق الحجري لتكون شاهدا علي قسوة قلوب الناس الذين اتي المسيح لأجل خلاصهم ورفضوه ، في حين كان هذا الموكب مبهجا ومفرحا ممزوجا بمشاعر الفخر والإنتصارعند الغوغائين وأصحاب المصالح من رؤساء الكهنة اليهود والكتبة والفريسيين والناموسييين لأنهم أرغموا بيلاطس وهيرودس علي تنفيذ مطالبهم ، وظنوا أنهم قد أوشكوا علي التخلص من كل ما يقلقهم للحفاظ علي مناصبهم ، ولذلك إنضموا إلي موكب الصلب ليروا الرب منهك القوة ، يمشي حاملا الصليب وهو يترنح تحت وطأة الصليب الثقيل وضربات الجند الجلادين الذين إنتزعت من قلوبهم الرحمة، لينظروا إلي ذاك الذي في صمت يتجرع كأس الألم المرير  ، فيشعروا بالنشوة والبهجة والانتصار والفخار .

المرحلة الثالثة من درب الصليب : الرب يسقط علي الأرض تحت الصليب:

   يسوع المسيح يسقط علي الأرض تحت الصليب للمرة الأولي ، المرحلة الثالثة هذه هي أمام كنيسة بولندية  شيدت فيما بعد لتذكار ذلك .  وما كان من الجنود الرومان القساة القلوب وعديمي الرحمة والإنسانية إلا أن إنهالوا عليه بالسياط فألهبوا جسدة الجريح ، ولما عجز عن النهوض ثانية ، تطوع جنديان وساعداه علي النهوض ، وكان ذلك ليس عطفا منهم بل لأنهم لا يريدون تأخر الموكب من الوصول إلي الجلجثة ، لأن المسيح كان ينهح ويلهث وصارت أنفاسه متقطعة ، وخافوا أن يموت قبل أن ينفذوا عليه حكم الصلب .   

المرحلة الرابعة من درب الصليب :الرب يلقي نظرة علي أمه الواقفة علي جانب الطريق:

    في هذه المرحلة أمنا القديسة العذراء مريم أسرعت برفقة معلمنا القديس يوحنا وبعض النسوة الذين رافقوا ربنا يسوع المسيح من الجليل ، ووقفت القديسة العذراء مريم علي جانب الطريق من أجل رؤية ابنها  ، وفي هذا المكان  شيدت  كنيسة باسم   "سيدة الحزن " للأرمن الكاثوليك ، لتذكار حزن وأسي السيدة العذراء علي فلذة كبدها . كما أنهم ساروا معه حتي موضع الجلجثة ، وكان قلب السيدة العذراء مريم يتمزق الما وحسرة  ، كما كان "يجوز في نفسها سيفا " كنبوة الرجل البار سمعان الشيخ (لو25:2) .  وبعد عبوره بوابة أورشليم  سقط المسيح له المجد علي الأرض ولم يستطع القيام ثانية لما وصل إليه من إرهاق وإعياء شديد . لقد سقط ربنا يسوع المسيح وهو في الناسوت تحت وطأة خطايا العالم كله التي حمِلها في جسده لينقذنا من موت الخطية ، ولكي يخلص ما قد هلك . ليتنا نتأمل قليلا في هذا الذي يحمل كل الأشياء بكلمة قدرته كيف يئن تحت وطأة ثقل صليبه من أجلنا نحن البشر الخطاة .

                                                                                                                                                                                                              المرحلة الخامسة من درب الصليب : تسخير سمعان القيرواني لحمل الصليب :

    في هذه المرحلة شعر قائد المئة أنه لا يستطيع المسيح أن يكمل المشوار ويصعد إلي هضبة الجلجثة ، فنظر حوله فوجد إنسانا قيروانيا قويا مفتول العضلات عائدا من عمله في الحقل  اسمه سمعان القيرواني ،  فسخره ليحمل الصليب عوضا عن ربنا يسوع المسيح   ، " فسخروا رجلا مجتازا كان آتيا من الحقل وهو سمعان القيرواني  أبو ألكسندروس وروفس ليحمل صليبه . وجاءوا به إلي موضع جلحثة الذي تفسيره موضع جمجمة " (مر21:15- 22) . ولكن الأمر الذي يدعو إلي الدهشة هو تمسك المسيح بصليبه ، فأخذ يحاول مساعدة سمعان القيرواني في حمله ، وسار بجانبه  ويده علي الصليب وكأنه يحكي لسمعان ما كان ، وما هو كائن ، وما هو عتيد أن يكون . وكان السبب في تمسك المسيح بالصليب هو أن هذا الصليب هو قوة الله ، كقول معلمنا القديس بولس " كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله " (1كو18:1) . سمعان القيرواني هذا قد لمسته نعمة المسيح هو وزوجته وإبنيه الكسندروس وروفس  ، فآمنوا به وأصبحوا من أتباع المصلوب (رو13:16) . فيما بعد رسم الكسندروس أسقفا علي افينون بفرنسا وأخيه روفس رسم أسقفا علي تيباس . في هذا المكان شيد الفرنسسكان مبني خصصوه للصلاة والعبادة ، ومن هذه المرحلة الخامسة من درب الصليب يبدأ الطريق في الصعود بشكل حاد حتي هضبة الجلجثة.

المرحلة السادسة من درب الصليب : فيرونيكا تمسح بمنديل العرق من وجه المسيح :

 في هذه المرحلة السادسة قامت شابة اسمها فيرونيكا بوضع منديل أبيض علي وجه السيد المسيح لتمسح عرقه ، فانطبع علي المنديل صورة ناطقة لوجهه . وقد شيد في هذا المكان كنيسة للروم الكاثوليك بإسم كنيسة القديسة فيرونيكا ، ودير لراهبات يسوع الصغيرات ، ويوجد داخل  دير راهبات يسوع الصغيرات المعروف بإسم بيت القديسة فيرونيكا هذا كنيسة بها مذبح وشمعدان أثري ، وقد رمم بيت القديسة فيرونيكا عام 1953م ، ويعتقد أن هذا الدير بني علي أنقاض دير قديم باسم القديسين قزمان ودميان الذي شيد فيما بين عامي 546- 563م .

المرحلة السابعة من درب الصليب  : الرب يسقط علي الأرض :

    هذه المرحلة تقع عند تقاطع سوق خان الزيت مع طريق الآلام ، حيث شيد هناك مبنين للصلاة والعبادة للأقباط الكاثوليك ، وفي هذا المكان سقط السيد المسيح علي الأرض . كما أن التقليد يخبرنا أن إعلان موت ربنا يسوع المسيح ناسوتيا كان من هذا المكان ، ولذلك سمي هذا الموقع " باب القضاء " .

المرحلة الثامنة من درب الصليب  : الرب يطيب خاطر بنات أورشليم :

    كذلك اصطف علي جانب الطريق بعض النسوة اليهود من بنات أورشليم يبكين ويلطمن وينحن عطفا منهن علي معلم الجليل الذي لاقي الكثير من ضربات وجلدات السياط المسماة بالعقارب التي مزقت وادمت جلد جسده ، " فالتفت إليهن يسوع وقال . يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ بل ابكين علي أنفسكن وعلي أولادكن " (لو28:23) ، فكان يطالبهم بالتوبة الصادقة وخلاص نفوسهن ونفوس اولادهن وقوله يا بنات أورشليم تشير إلي الأمة اليهودية كلها ،  فمع كل هذه الآلام وقوته المنهكة لم يكف عن الوعظ والتعليم  والإرشاد وقد قال هذا  لأنه   " إلي خاصته جاء وخاصته لم تقبله. وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله  أي المؤمنون بإسمه "  (يو12:1) ،  . ويوجد في هذا الموقع دير يوناني .

المرحلة التاسعة من درب الصليب  : الرب يسقط علي الأرض :

    في هذه المرحلة وأمام عمود روماني أثري  سقط ربنا يسوع المسيح علي الأرض وهذا العمود علي مقربة من كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس الحالية . وعند تشييد دير أنبا أنطونيوس القبطي الأرثوذكسي تم بناء حائطه  ملاصقا لهذا العمود  .



المرحلة العاشرة من درب الصليب  : تجريد ربنا يسوع من ثيابه :

     في نحو الساعة الثانية عشر ظهرا بتوقيتنا الحالي أي الساعة السادسة بالتوقيت اليهودي في ذلك الزمان ، سلم بيلاطس الرب لليهود ليصلب كما هو مكتوب  " وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة {بالتوقيت اليهودي }. فقال لليهود هوذا ملككم . فصرخوا خذه  خذه اصلبه . قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم . أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر . فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب ." (يو14:19-16) ، ومن دقة الوحي الإلهي أن قال " ونحو الساعة السادسة " ، فالتوقيت اليهودي في ذلك الزمان لم يكن دقيقا لأنه توقيت تقديري يختلف من شخص لآخر لأنه يعتمد علي ميلان الشمس ، ولذلك فإن أحداث الصلب بدأت في خلال الساعة الثالثة وإنتهت في خلال الساعة السادسةبالتوقيت اليهودي ،  وكما هو مكتوب " "فخرج وهو حامل صليبه إلي الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة " (يو 17:19) حيث قام الجنود الرومان بتجريد ربنا يسوع المسيح من جميع ثيابه قبل أن يصلب وهذه كانت عادتهم ، لكي ما يسخروا به وهو مصلوب علي الصليب ، ولكن  اليهود كانوا لا يقبلون ذلك حسب ناموسهم وكانوا يسترون عورة المصلوب . هذه المرحلة من درب الصليب والمراحل التالية كلها تمت في هذا  الموضع الذي  فيما  بعد أقيم عليه كنيسة للفرنسسكان  تسمي "كنيسة تجريد يسوع المسيح من ملابسه " . في ذلك تمت رؤيا إشعياء النبي " من أسفل القدم إلي الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت " (إش 6:1). ومع أن هذه النبوة جاءت قبل مجئ ربنا يسوع المسيح بما يقرب من 700 سنه وكانت كما يفسرها بعض المفسرون بشأن يهوذا وأورشليم ، إلا أن البعض الآخر من المفسرين يري أنها تصف حالة السيد المسيح بدقة تامة.

المرحلة الحادية عشر من درب الصليب  : السيد المسيح يسمر علي الصليب :

    في مكان الضريح الرئيسي من كنيسة " تجريد يسوع المسيح من ملابسه " سمر السيد المسيح علي الصليب ودقت المسامير في يديه ورجليه ، كما هو مكتوب بروح النبوة في المزمور " لأنه قد أحاطت بيَ كلاب . جماعة من الأشرار اكتنفتني . ثقبوا يديَ ورجليَ . أحصي كل عظامي ." (مز 16:22-17) .  " وكان نحو الساعة السادسة . فكان ظلمة علي الأرض كلها إلي الساعة التاسعة . وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه " (لو44:22-45) ، (مر 33:15) ، (مت45:27).

المرحلة الثانية عشر من درب الصليب : موت السيد المسيح علي الصليب :

    هذا المكان الذي نصبت فيه الثلاث صلبان هو صخرة الجلجثة ، واحد للرب يسوع والاثنين الآخرين لللصان اللذان صلبا معه . ونحو الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا الحالي  " صرخ يسوع بصوت عظيم قائلآ إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني . ... . فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح " (مت46:27 ، 50) . في هذا المكان تم بناء مذبح يوناني علي الطراز الشرقي . ويوجد شرخ كبير أسفل الصخرة ناجم عن الزلزال الذي وقع لحظة موت المسيح علي الصليب ،  كما هو مكتوب  " وإذا حجاب الهيكل قد إنشق إلي إثنين من فوق إلي أسفل . والأرض تزلزلت والصخور تشققت . " (مت 50:27).

المرحلة الثالثة عشر من درب الصليب : إنزال جسد المسيح من علي الصليب :

   ظل جسد الرب يسوع معلقا علي الصليب  لمدة ساعتين  بعد موته ، أي أنه ظل جسد الرب معلقا علي الصليب حتي الساعة الخامسة مساءا بتوقيتنا الحالي ، كما هو مكتوب      " ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه  يوسف . وكان هو أيضا تلميذا ليسوع. فهذا تقدم  إلي بيلاطس وطلب جسد يسوع . فأمر بيلاطس حينئذ أن يعطي الجسد . فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي . " (مت57:27-59) .

المرحلة الرابعة عشر من درب الصليب : وضع جسد الرب في القبر :

    وسط كنيسة القيامة  يوجد أقدس مكان لكل المسيحين في العالم ، وهو موقع دفن ربنا يسوع المسيح وقيامته في اليوم الثالث من بين الأموات ، وهو قبر منحوت في الصخر لم يدفن به أحد ، كان يمتلكه يوسف الرامي . وكما هو مكتوب " وإذا رجل إسمه يوسف وكان مشيرا رجلا صالحا بارا . ... . هذا تقدم إلي بيلاطس وطلب جسد يسوع . وأنزله ولفه بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وضع فيه " (لو 50:23-53) .

ومن هذا القبر يفج النور في تمام الساعة الثانية وعشرة دقائق ظهر يوم  سبت النور من كل عام وكل الحاضرين يوقدون الشموع  من هذا النور المقدس العجيب ، والشموع الموقدة تظل غير حارقة لمدة 30 ثانية . وقد شيد هذه الكنيسة الصليبيون في عهد قسطنطين الملك علي طراز بيزنطي جميل  .





البـــاب الســـادس

أحـــداث الصلـــب علي هضبـــة الجلجثـــة


    وصل موكب الصلب إلي هضبة الجلجثة أو تل الجمجمة ، وقد كان هذا التل يدعي قديما في أيام أبونا إبراهيم " جبل المريا " . ولو تأملنا قليلا في قصة امتحان الله لأبونا إبراهيم كما هو مكتوب " وحدث بعد هذه الأمور أن الله أمتحن إبراهيم . فقال له يا إبراهيم . فقال نعم هأنذا . فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واذهب إلي أرض المريا وأصعده هناك محرقة علي أحد الجبال الذي أقول لك . فبكر إبراهيم صباحا وشد علي حماره وأخذ اثنين من غلمانه معه وإسحق ابنه وشقق حطبا لمحرقة وقام وذهب إلي الموضع الذي قال له الله . ... . فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه علي إسحق ابنه وأخذ بيده النار والسكين . فذهبا كلاهما معا .  " (تك 1:22-3 ، 6) .  إن حمل إسحق حطب المحرقة كان رمزا وإشارة لربنا يسوع المسيح الذي حمل الصليب الذي صلب عليه من أجل إتمام الفداء. ما أصعب هذا الإمتحان  وإنني أعتقد أنه كان أهون علي أبونا إبراهيم أن يضحي بنفسه عوضا عن ابنه إسحق ، ولكنه بالإيمان قدم ابنه  كقول الكتاب " بالإيمان قدم إبراهيم إسحق وهو مجرب . قدم الذي قبل المواعيد وحيده الذي قيل له إنه بإسحق يدعي لك نسل . إذ حسب أن الله قادر علي الإقامة من الأموات أيضا الذين منهم أخذه أيضا في مثال " (عب 17:11-19) . إنها قصة رائعة ومروعة ’يظهر فيها  أبونا إبراهيم قمة إيمانه الكامل الثابت وحبه لله الذي لا يضاهيه أي حب آخر . وتظهر قمة الإيمان حينما تساءل  إسحق في براءة وثقة البنين قائلا  "يا أبتي . فقال هأنذا يا إبني. فقال هوذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة . فقال إبراهيم الله  يري له الخروف للمحرقة يا إبني" (تك7:22-8) . لقد كان لسؤال إسحق لأبيه ، وقع الصاعقة التي كادت أن تؤدي لإنهيار هذا الشيخ الوقور البار ، ولكن إيمان أبونا إبراهيم كان قويا ولذلك جاء جوابه لإبنه قويا وحاسما ، وأخذ يبني المذبح بكل ثبات ورباطة جأش ثم وضع الحطب  وربط ابنه إسحق ووضعه علي الحطب فوق المذبح . " ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه " (تك 10:22) .إنها  لحظات يتعانق فيها الإيمان والرجاء والحب الباذل  المضحي لإرضاء الله في أسمي المعاني ، في هذه اللحظات الجميلة الفريدة من نوعها تألق أبونا إبراهيم كأعظم شاهد للأجيال عبر التاريخ ، فانفتحت بصيرته الروحية فرأي بالروح الأب السماوي يسمح  لإبنه الوحيد الجنس الذي يحبه أن يقدم نفسه ذبيحة علي الصليب مذبح الجلجثة  ، ففرح وأدرك المغزي الحقيقي من إمتحان الله له ، كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر " أبوكم إبراهيم تهلل أن يري يومي فرأي وفرح " (يو56:8) .

    بعد وصول موكب الصليب إلي هضبة الجلجثة بقليل أعطي قائد المئة اوامره للجنود بالبدء في صلب المسيح ، فجاؤوا وقاموا بنزع ثيابه بعنف ، فجرت الدماء بعد أن كانت قد تجلطت لإلتصاقها بالملابس ، ثم طرحوا السيد المسيح بعنف فوق الصليب الموضوع علي الأرض ، وأمسكوا به وفحصوا عظام يديه ورجليه لكي يجدوا مكانا للمسامير لكي لا تكسر المسامير العظام ولا تمزق الشرايين حولها وقاموا بدق المسامير في يديه ورجليه ليتحقق  قول المرنم بالمزمور بروح النبوة " جماعة من الأشرار اكتنفتني . ثقبوا يديّ ورجليّ . أحصي كل عظامي . وهم ينظرون ويتفرسون فيَ." (مز16:22-17) ،. ثم قاموا بقلب الصليب ، فأصبح الصليب فوق المسيح وقاموا بثني المسامير بالمطرقة لكي تكون ثابتة في مكانها ، ثم ثبتوا علي الصليب فوق رأس ربنا يسوع العنوان الذي كان قد كتبه بيلاطس وكان مكتوبا بالعبرانية واليونانية واللاتينية "يسوع الناصري ملك اليهود " (يو19:19). بعد ذلك قاموا برفع الصليب والرب معلق عليه ووضعوا قاعدته في حفرة كانت معدة لذلك وثبتوا الصليب فيها بإستخدام بعض الحجارة والأوتاد الخشبية . ونحن نتذكر ذلك في صلاة الساعة السادسة من صلوات الاجبية ونقول { اقتل أوجاعنا بآلامك الشافية المحيية ، وبالمسامير التي سمرت بها ، انقذ عقولنا من طياشة الأعمال الهيلولية والشهوات العالمية ، إلي تذكار أحكامك السمائية كرأفتك } . ثم صلبوا اللصين بعد ذلك بنفس الطريقة ، ووضعوا صليب اللص التائب ديماس * عن يمين صليب ربنا يسوع المسيح ، ووضعوا صليب اللص الآخرعن شمال صليب ربنا يسوع المسيح ." فقال يسوع يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا   يفعلون " (لو34:23) . وأثناء عمليات الصلب تعالت أصوات الحشود من اليهود والرؤساء أيضا معهم (لو35:23)  الذين وقفوا من بعيد لمشاهدة هذه الواقعة اللاإنسانية والتي تنم عن الوحشية والهمجية ، وظهر فيها قسوة وشر الإنسان وانعدام الرحمة ، فكانوا كالوحوش الضارية  وكطيور السماء الجارحة الجائعة المتعطشة للدماء . وكانت قلوب الجنود الرومان متجحرة فاقدة للإحساس ومنعدمة العواطف والرحمة وتصرفاتهم كلها خشونة وغلاظة ووحشية .

    إن حكم الناموس الذي  كان يأمر بالرجم حتي الموت ، أرحم كثيرا من حكم الرومان بالصلب ، لأن الرجم كان يقتل المذنب في دقائق قليلة أما الصلب فكان يستمر لأيام ، حتي أن  طيورالسماء الجوارح كانت تأتي وتنهش لحمه وهو حي . وكان من تتحرك عواطفه وأحاسيسه الإنسانية وتأخذه الشفقة من أقارب المصلوب فيتجرأ بشجاعة وينزله من علي الصليب قبل أن يموت ، كان يصلب ويعلق مكانه . 

   لقد أظهرت الطبيعة غضبها ونقمتها عندما علق ربنا يسوع المسيح علي الصليب ، كما هو مكتوب " وكان نحوالساعة السادسة { الثانية عشرة ظهرا بتوقيتنا الحالي } . فكانت ظلمة علي الأرض كلها إلي الساعة التاسعة { الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا الحالي } . وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه " (لو44:23-45)، (مت 45:27) ، (مر33:15) .  لم يكن إظلام الشمس كسوفا ، فالكسوف يكون لمدة دقائق معدودة وليس لمدة ثلاث ساعات كاملة ، والكسوف إستحالة حدوثة في منتصف الشهر القمري عندما يكون ___________________________________________

*طبقا للتقليد الكنسي المقدس ، وأيضا طبقا لقاموس آباء الكنيسة وقديسيها للقمص تادرس ملطي فان اسم اللص اليمين هو ديماس. وقد وصل الينا بالتسليم .



القمر بدرا ، وإنما كان هذا الظلام ظلاما معجزيا ليس له مثيل من قبل ، إعلانا من الله عن دينونة هؤلاء الجناة الخطاة ، وكانت هذه الظلمة دليلا لحزن الطبيعة علي خالقها فإرتدت ثوب الحداد ، وكان إتشاح السماء بالسواد لكي يستر المصلوب من عيون المستهزؤون المتغطرسون فخرسوا وهرولوا مسرعين إلي بيوتهم خوفا وإحساسا بالرعب والقهر  ، وساد الصمت الرهيب المسكونة كلها . والعهد القديم ملئ بنبوات عن هذه الظلمة كما هو مكتوب "ألبس السموات ظلاما وأجعل المسح غطائها " (إش 3:50) ، أيضا  " غربت شمسها إذ بعد نهار " (إر9:15) ، كذلك " الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها . والرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطي صوته فترتجف السماء والأرض"  (يؤ 15:3-16)  ، وايضا " ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب أني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور . " (عا 9:8) .  ووسط هذا الظلام وهذا الصمت الرهيب إجتاز  ربنا يسوع بحر الآلام الكفارية الرهيبة ،  وحمل في جسده الطاهر عقاب البشرية عوضا عنها لكي يوفي الدين إلي العدل الإلهي ،  وبذلك صار لنا فداءا أبديا " لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك " (لو10:19) .  فهذه هيَ الكأس التي شربها والصبغة التي اصطبغ بها والتي سبق أن قالها لإبني زبدي يعقوب ويوحنا (مر10: 35 -40) .

    ربنا يسوع المسيح وهو وسط الظلمة كان لنا نورا لأنه هو شمس البر الذي يضئ لنا الطريق في العالم لأنه قال " أنا قد جئت نورا إلي العالم ..." (يو46:12) ، وشرب كأس الأهوال والآلام المريرة لنشرب نحن كأس الفرح والبهجة والسرور بقيامته من بين الأموات، لأنه " أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات " (أف 6:2) و’ترك هو لكنه يقول لنا "... . لا أهملك . ولا أتركك " (يش5:1) ، ووهب لنا الحياة الأبدية .

كان الظلام الذي غطي المسكونة مصحوبا بانشقاق حجاب الهيكل إلي اثنين من فوق إلي أسفل علامة وإشارة علي إنتهاء الكهنوت اللاوي . وهوذا رئيس الكهنة الحقيقي ، كما هو مكتوب " أنت كاهن إلي الأبد علي رتبة ملكي صادق "(عب 6:6) ، رئيس كهنة العهد الجديد معلق علي الصليب ، وانه عند صعوده إلي سماء السماوات سوف يستقبله السمائيون بالفرح والتهليل ، وسوف يدخل إلي قدس الأقداس السمائي بدم نفسه ، وليس إلي قدس أقداس الهيكل الأرضي بدم عجول وتيوس ، مقدما البشرية المفدية بدمه  إلي الله الآب كما هو مكتوب " لأن المسيح لم يدخل إلي أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة بل إلي السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا " (عب24:9)

    الحجاب عبارة عن قماش سميك بسمك ثلاث سنتميترات تقريبا ومنسوج من مجموعة من الخيوط القوية ذات الألوان الزاهية ، وكان هذا الحجاب يفصل بين القدس حيث يوجد مذبح البخور ومائدة خبز الوجوه والمنارة الذهبية ، وبين قدس الأقداس حيث تابوت العهد والغطاء وعليه الكاروبان المظللان، وبداخل تابوت العهد يوجد قسط المن وعصا هارون ولوحي الشريعة . وأمام الحجاب توجد سلسلة ذهبية تحذر ببريقها ولمعانها كل من تسول له نفسه الدخول إلي قدس الأقداس ، وكان رئيس الكهنة هو الوحيد الذي يدخل مرة واحدة كل عام في يوم الكفارة العظيم حاملا دم الذبيحة الحيوانية ، وكان يدخل ورجله مربوطة بحل ، بواسطته يسحبونه إلي خارج قدس الأقداس إذا حدث له مكروه .

    كانت الجلجثة مكتظة بالناس ، فمنهم من جاء لحب الاستطلاع وبدافع من الفضول وهم المارة لأن المكان كان قريبا من المدينة (يو29:19) ، ومنهم من جاء بواعز من التشفي والشماتة كرؤساء الكهنة اليهود والفريسيون مع الكتبة والشيوخ ، ومنهم من كان يؤدي عمله وهم قائد الماءة والجنود المكلفون بالحراسة ، ومنهم من جاء بدافع من المحبة الصادقة والوفاء وهؤلاء هم مريم أم يسوع وأخت أمه ، ومريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية ، وكان معهم القديس يوحنا الحبيب تلميذ الرب يسوع ." وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه . " (مت 55:27) . أليس هذا عجبا ، ففي هذا الوقت العصيب هرب التلاميذ الرجال وظهر جبنهم ، في حين أظهرت النساء صاحبات القلوب الضعيفة شجاعتهن وشهامتهن لعلهن يستطعن تخفيف آلام وأحزان المصلوب المهان النفس ، وكن آخر من تركن الجلجثة بعد وضع جسد الرب في القبر، وأيضا كن أول من ذهبن إلي القبر فجر الأحد (مت 1:28).

     بعد أن انتهي العساكر الرومان من صلب يسوع البار ، جلسوا تحت أقدام الصليب لحراسته ثم " أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام لكل عسكري قسما . وأخذوا القميص أيضا . وكان القميص بغير خياطة منسوجا كله من فوق . فقال بعضهم لبعض لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون . ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلي لباسي ألقوا قرعة . " (يو 23:19- 24)  . 

    " وكان الشعب واقفين ينظرون . والرؤساء أيضا معهم يسخرون به قائلين خلص آخرين فليخلص نفسه إن كان هو المسيح مختار الله . والجند أيضا استهزأوا  به وهم يأتون ويقدمون له خلا قائلين إن كنت أنت ملك اليهود فخلص نفسك . " ( لو35:23-38) .  

   

البـــاب السـابــــع

العبـــارات السبـــع علـــي الصليـــب



    السيد المسيح بعد أن علق علي الصليب نطق بسبع عبارات قصيرة، كل عبارة من هذه العبارات السبع تعتبر كنزا روحيا  ثمينا وتعاليما سامية ، وكل كلمة من هذه العبارات السبع لها معناها ومغزاها العميق  في نفوس المؤمنين . هذه العبارات السبع هي :-

العبارة الأولي هي : شفاعة من أجل المذنبين   .                                                       " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون  " (لو34:33) .

العبارة الثانيه هي : وداع أمه السيدة العذراء وتلميذة يوحنا الحبيب ، مستودعا إياها لرعايته.  " يا امرأة هوذا ابنك . ثم قال للتلميذ (يوحنا ) هوذا أمك " (يو26:19-27) .

العبارة الثالثة هي  : وعد بإدخال اللص اليمين الفردوس اليوم .                                                                             

" الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس "  (لو23:33)

العبارة الرابعة هي : سؤال موجه للآب بدالة البنين .

 " ايلي ايلي لما شبقتني "  أي " إلهي إلهي لماذا تركتني "(مت46:27) .

العبارة الخامسة هي : موجهة  لكل البشر من حوله ، معبرا فيها عن آلامه الجسدية والنفسية.  " قال أنا عطشان " (يو28:19).

العبارة السادسة هي  : موجهة لكل البشرية.

" قد أكمل . ونكس رأسه وأسلم الروح " (يو30:19).

العبارة السابعة هي  : موحهة للآب ، مستودعا روحه في يديه  .

" يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( لو46:33).

العبارة الأولي : " يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون "

  ربنا يسوع المسيح وهو معلق علي الصليب كانت يديه ورجليه مسمرتان علي خشبة الصليب  ، وأثناء محاكماته وجلده لم يتكلم إلا قليلا ولم يدافع عن نفسه ، وكان بإمكانه بكلمة من فمه الطاهر أن يجعل الأرض تنشق وتبتلع الأشرار الذين تشاوروا علي صلبه وكذلك الذين اشتركوا في ذلك ، كما فعل بشجرة التين فيبست .  ولكننا نراه يصلي للآب وهو في ضعف الجسد بصفته ابن الإنسان ، متشفعا فيهم وطالبا  لهم  الغفران وملتمسا لهم الأعذار "لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون "  .  أليس هذا أمرا غريبا وعجيبا أن ينطق بهذه الكلمات التي كلها محبة وعطفا وغفرانا وسط هذا الإنهاك والضعف الجسدي وهذه الآلام الرهيبة التي يكيلونها له ؟. كلا ليس كذلك ،لأنه كان يصلي إلي ابيه ومهما اشتدت الآلام والإهانات والتعييرات فإنها لن تعطل صلاته لأبيه ولا أن تعطل أو تقطع العلاقة والرابطة القوية بينهما، فقد علمنا في الصلاة الربانية أن نغفر للمذنبين إلينا، فكل ما علمه لنا فعله هو  أيضا ليكون لنا قدوة ولتكون صلاتنا مقبولة عند الله . لذلك تنرنم معلمنا داود النبي بروح النبوة وقال " بكلام بغض أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب . بدل محبتي يخاصمونني . أما أنا فصلاة. وضعوا علي شرا بدل خير وبغضا بدل حبي " ( مز 9:109) .

    لم يصلي ربنا يسوع المسيح إلي الآب من أجل نفسه ، ولكنه صلي من أجل أعدائه وصالبيه ، لأنه هو رئيس الإيمان ومكمله وفي موعظته علي الجبل قال " أحبوا أعدائكم . باركوا لاعنيكم . أحسنوا إلي مبغضيكم . وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " (مت44:5). هذه الوصية تعاليم سمائية سامية ، وقد عمل بها وتممها الرب في أولي عباراته وهو معلق علي الصليب .

إن هؤلاء الأعداء كانت كراهيتهم للمسيح الذي كان يجول وسطهم يصنع خيرا بلا حدود ، لأن الخطية وحب الإنتقام قد أعمت عيونهم وأصمت آذانهم وطمست عقولهم كقول معلمنا أيوب البار " أما الرجل ففارغ عديم الفهم ، وكجحش الفرا يولد الإنسان " ( أي12:11) . إن طبيعتنا البشرية تتلذ بالإنتقام من الأخرين وتتفنن في كيفية إذائهم ، لأن " جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوي في المسيح يسوع يضطهدون " (2تيمو12:3) . هناك أناس كثيرين في العهد القديم صلوا إلي الله ولكنهم صلوا من أجل أن ينتقم الله لهم من أعدائهم مثل  شمشون الجبار ، فلقد صلي هو أيضا إلي الله في آخر لحظات حياته طالبا الإنتقام من الفلسطينين أعداء شعبه وأعداء الله . أيضا إرميا النبي الباكي المرهف الاحساس طلب من الله أن يريه إنتقامه من الأعداء (إر20:11) . كذلك معلمنا داود النبي صلي إلي الله وقال  "احكم لي يارب وإنتقم لمظلمتي ... " (مز41:42) ، في حين أولي كلمات الرب بعد أن علق علي الصليب كانت  "يا أبتاه إغفر لهم " يا لها من كلمات تسموا  إلي أعلي درجات المحبة الصادقة المملؤة نعمة وغفرانا فقد أيد وبرهن بهذه الكلمات الرائعة ما كان سبق أن قاله " أنا من البدء ما أكلمكم أيضا به " (يو25:8) ، لأنه هو الله المتجسد ، حيث " الله محبه " وأن   "المحبة قوية كالموت . ... . مياة كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها " ( نش 6:8-7) . ولقد سار شهداء المسيحية  علي هذا المنوال وتعلموا من  الرب ، فنجد أن استفانوس الشماس وهو أول شهيد في العهد الجديد صلي لأجل نفسه أولا ، ثم بعد ذلك صلي لأجل قاتليه (أع 59:7-60) . أما المسيح يسوع الرب فكانت أول عبارة نطق بها بعد ان علق علي الصليب هي صلاة شفاعة لأجل صالبيه ، وآخر عباراته السبعة كانت هي صلاة لأجل نفسه. فهل نحن يا إخوتي الأفاضل نتبع خطوات المثال الرائع الذي قدمه لنا الرب ، ونصلي من أجل أعدائنا من الذين لا يعلمون ماذا يقولون وماذا يفعلون ، أوعلي من يفترون، أو من يهينون ، أو من ينكرون ، وهل نحن نصلي لأجلهم ليسامحهم الله ويغفر لهم ويفتح عيونهم وبصيرتهم ليؤمنوا، " لأن هذا حسن ومقبول لدي مخلصنا الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون " (1تي3:2-4) .

   هناك سؤال يتكرر كثيرا وهو أن ربنا يسوع المسيح وهو علي الأرض كان يجول يصنع خيرا ، يشفي المرضي ويطهر البرص ويخرج الشياطين ، ويغفر الخطايا فلماذا لم يغفر وهو علي الصليب خطايا صالبيه بل صلي للآب لكي يغفر لهم ؟ ؟ .

    فعلا كان السيد المسيح وهوعلي هذه الأرض يعمل معجزات كثيرة ويغفر الخطايا بسلطانه ولم يقل ولا مرة واحدة " يا أبتاه إغفر لهم " ، لقد حدث هذا مرتين ، الأولي كانت للمفلوج  " فلما رأي يسوع إيمانهم قال للمفلوج  يا بني مغفورة لك خطاياك " (مر5:2 ) ولما قال الكتبة الجالسون " لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف . من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده" . ... .  فقال لهم يسوع لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم . أيهما أيسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك . أم أن يقال قم احمل سريرك وامش . ولكن لكي تعلموا أن لإبن الإنسان سلطانا علي الأرض أن يغفر الخطايا . قال للمفلوج لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلي بيتك ." (مر7:2-11) . والمرة الثابية كانت عندما خلص المرأة الخاطئة وأرسلها بسلام  "فقال للمرأة إيمانك قد خلصك . اذهبي بسلام " (لو50:7) ، إن أعظم بركة للإنسان هي بركة خلاصه وغفران خطاياه ، فقد ترنم معلمنا داود النبي والملك وقال " طوبي للذي غفر إثمه وسترت خطيته . طوبي لرجل لايحسب له الرب خطية ولا في روحه غش " (مز1:32-2) . كذلك " باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس . باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته . الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي جميع أمراضك ." (مز1:103-3) .

 ولكنه بعد أن علق علي خشبة الصليب بين السماء والأرض  ، كان يحمل في جسده كل خطايا البشرية ليفديها ويسدد الدين إلي العدل الإلهي ، وكان نائبا وممثلا للبشرية الساقطة، فكيف يغفر الخطايا وهو الذي قبل طوعا أن يحمل خطايانا وآثامنا عوضا عنا لكي يخلصنا منها بموته علي الصليب ، كما هو مكتوب " ليكن معلوما عندكم أيها الرجال الإخوة أنه بهذا ينادي لكم بغفران الخطايا . وبهذا يتبرر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسي " (أع 38:13-39) . أيضا " أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل إسمه ." (1يو12:2) . كذلك " فإن المسيح أيضا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلي الله مماتا في الجسد ولكن محي في الروح " (1بط18:3) . أيضا " وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا " (1يو1:2) فقد كان السيد المسيح وهو علي الصليب الشفيع الذي يشفع فينا لدي الآب ولذلك قال " يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " . هذه العبارة قطعا سمعها الجنود الرومان الذين صلبوه وجلسوا تحت الصليب يقترعون علي ثيابه وكذلك قائد الجند وربما يكون سمعها حنان وقيافا وغيرهم من اليهود ، ولكنهم لم تستيقظ ضائرهم ولم يتوبوا إلي الله وربما كانت آداة سخرية لهم وسببا لمزيد من الإستهزاء ، ولكن الرب علي الصليب أراد بهذه الكلمات التي وجهها إلي الآب أن يعطيهم فرصة للتوبة والخلاص ، وكان الله طويل الأناة عليهم فترك أورشليم أربعين عاما خلالها سمع كل القاطنين بها يهودا وأممين خبر قيامة السيد المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث وسمعوا بشارة الآباء الرسل الأطهار يكرزون بالإنجيل ، الأخبار السارة ، قبل خرابها علي يد القائد تيطس سنه سبعين ميلادية ، وكان هذا إتماما للنبوة الخاصة برجسة الخراب القائمة في الموضع المقدس (مر14:13) . فيجب ألا  نستهين بغني لطف الله وإمهاله وطول أناته  .

العبارة الثانية : " يا إمرأة هوذا إبنك . ثم قال للتلميذ هوذا أمك " .

    كانت بالقرب من صليب ربنا يسوع المسيح أربعة نساء )# ( هن مريم العذراء أم يسوع،  وأخت أمه سالومة زوجة زبدي أم يوحنا ويعقوب الكبير ابني زبدي ، ومريم زوجة كلوبا أم يعقوب الصغير وبوسي ، ومريم المجدلية التي أخرج الرب منها سبعة شياطين ، وكان معهم من الرجال يوحنا الحبيب .

    " فلما رأي يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لأمه يا إمرأة هوذا ابنك . ثم قال للتلميذ هوذا أمك . ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلي خاصته " (يو26:19-27) . ربي وإلهي كيف ، وسط تجرعك كأس الآلام المريرة وانت معلق علي الصليب عندما كنت تقوم بأعظم عمل في تاريخ البشرية مقدما لها الفداء والخلاص المجاني ، كنت تفكر في صالبيك وتتشفع لهم عند الآب ، وكيف كنت تهتم بأمك العذراء مريم وتودعها عند يوحنا الحبيب ، فهي رمزا للقداسة والحب وكانت بالنسبة ليوحنا أغلي هدية وأكبر بركة وأعظم تشريف. فأصحاب المحبة القلبية الصادقة هم الذين يؤتمنون علي أعظم وأغلي وديعة في كل الوجود . حقا إنك إله عجيب لأنك تحيط  باهتمامك وعنايتك كل خاصتك الذين في العالم والذين أحببتهم إلي المنتهي (يو 1:13) ، فأنت تعتني بنا وبكل أولادك كما تعتني بالقديسة العذراء  لأنك سبق أن قلت " إن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي " (مت50:12) . 

   هذا التلميذ الذي كان يسوع يحبه هو يوحنا ابن خالة السيد المسيح بحسب الجسد ، وظلت أمنا القديسة العذراء مريم كل أيام حياتها علي الأرض مع معلمنا القديس يوحنا الحبيب  وصارت  له  كأم حنون ، أيضا صارت أما لكل كنيسة المسيح ، فالمسيح هو الرأس والكنيسة هي جسده ، ونحن بالمعمودية من الماء والروح صرنا أعضاء في جسد المسيح ، وبذلك أصبح يوحنا أخا للمسيح "... . ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين ." (رو29:8) . وكقول معلمنا القديس بولس  "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة . الأشياء العتيقة قد مضت .هوذا الكل قد صار جديدا " (2كو16:5-17) . فبموت المسيح وقيامته وصعوده إلي السموات وإرساله الروح القدس المنبثق من الآب صرنا " أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه ." (أف 30:5) .

    وقول الرب لأمه " يا امرأة . هوذا إبنك "(يو26:19) عند نهاية خدمته وهو معلق علي الصليب كان تأكيدا لما سبق أن قاله لأمه في بداية خدمته في عرس قانا الجليل  " ما لي ولك يا امرأة . لم تأتي ساعتي بعد . " (يو4:2) ، فقوله " يا امراة " كان تأكيدا علي أنه هو" نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية " (تك15:3) .

    إنه لمن العجيب والغريب  أن يوحنا الحبيب كان أحد التلاميذ الذين قال لهم الرب " كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة " (مت31:26) ، فقد جبن وهرب مع بقية التلاميذ لحظة القبض علي الرب في بستان جثسيماني كما هو مكتوب " حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا " (مت56:26) . ولكن من محبته القوية للرب تبع المسيح هو وبطرس  من بعيد إلي دار الولاية ، وها هو نجده واقفا بجوار العذراء القديسة مريم مع بقية النسوة تحت أقدام الصليب، لذلك استحق أن يؤتمن علي العناية بأمنا القديسة مريم . فالرب غفر لبطرس إنكاره وليوحنا هروبه ، لأنه هو الله المحب الغافر الذنوب والخطايا ، وإذا كان قد أظهر نعمته الغامرة لصالبيه ، فهل لايظهرها بالحري لتلاميذه وخاصته ، ومهما كان ضغفنا وخطايانا فإنه سوف يغفر لنا كل ضعف وكل شك وكل فتور بمجرد رجوعنا إليه وإعترافنا له .

العبـــارة الثـــالثة : الحق أقول لك . إنك اليوم  تكون معي في الفردوس .

    إن توبة وخلاص هذا اللص التائب ديماس كانت بعمل نعمة ربنا يسوع المسيح ، فبعد أن كان اللصان يشتركان معا في تعيير السيد المسيح (مت44:27) و(مر32:15) ، نجد تغيرا مفاجئا في كلام ديماس لأنه تغير وتبرر، وابتدأ يهاجم زميله " وانتهره قائلا أولا تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه ." ثم بدا مدافعا عن  السيد المسيح بقوله " أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا . وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محله . ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متي جئت في ملكوتك . فقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس " (لو39:23 – 43) . يبدو أن كلمات الإنتهار والتأنيب من ديماس لزميله لم يكن لها تاثير ، فتركته النعمة ومات في خطاياه ، في حين أن ديماس الذي لمسته النعمة فخلص ، وبعد موتهما افترقا ، واحد منهما ذهبت روحه إلي الفردوس في السماء الثالثة والآخر ذهبت روحه إلي الجحيم وهومكان انتظار أرواح الأشرار ليوم الدينونة في المجئ الثاني لرب المجد يسوع المسيح . أليس هذا عجبا أن أحد تلاميذ السيد المسيح وهو يهوذا الإسخريوطي الذي عاش معه ما يقرب من ثلاث سنوات وستة أشهر يشنق نفسه فيهلك وتذهب روحه إلي الجحيم في نفس اليوم الذي فيه تاب وندم وآمن اللص ديماس بالمسيح وطلب الغفران فأنعم عليه الرب بالخلاص وذهبت روحه إلي الفردوس  ؟ !!!  حقا إن خلاص ربنا يسوع المسيح ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

        # قارن (مت56:27) ، ( مر40:15) ، (يو25:19)        

المجاني هو وحده الذي خلص ذلك اللص كقول معلمنا يونان النبي في صلاته  وهو في بطن الحوت " للرب الخلاص" (يون 9:2) .

    إن كلمات اللص ديماس وهو علي الصليب فيها قبول للرب وإعتراف بخطاياه في قوله "أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا "، أيضا فيها إيمان بالمسيح ربا إذ قال " اذكرني يا رب " وأنه يؤمن أن المسيح هو ملك الملوك ورب الأرباب ، وانه يؤمن بالآخرة والخلود وأن المسيح له المجد له ’ملك آتِ " متي جئت في ملكوتك ". فصدق فيه قول الكتاب " وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله  أي المؤمنون بإسمه . الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة رجل . بل من الله ولدوا " (يو12:1-13) . فالخلاص هو من الله وهو مجاني وليس للإنسان أي دور فيه سوي التوبة والايمان بالمسيح ربا ومخلصا ، ويجب علي الإنسان ألا يستكثر خطاياة علي نعمة الله المجانية لأن " دم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية " (1يو7:1) ، وأنه " حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا " (رو20:5) . كلمات هذا اللص ديماس الأخيرة كانت تدل علي ثقته بالمسيح ربا ومخلصا واتكاله علي نعمته المخلصة ، ولم يطلب منه سوي أن يذكره وترك له ولمشيئته كيف يذكره . فاستجاب ربنا يسوع المسيح لصرخة هذا الخاطئ المثتغيث في الحال وقال له " الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس " .

    لقد أخجل اللص ديماس التلاميذ الذين خافوا وهربوا وأظهر بشجاعته تشامخ إيمانه ، أيضا أخجل رؤساء الكهنة اليهود الذين طالبوا بأن يصلب كمجرم أثيم وأيضا آلاف اليهود والأممين من المارة والجنود الرومان الذين كانوا يعيرون المسيح إذ قال بشجاعة أن المسيح " لم يفعل شيئا ليس في محله " واعترف به ربا وملكا ، وكذلك يخجل عشرات الآلاف من المؤمنون اليوم الذين يخجلون من الإعتراف  والمجاهرة بالمسيح ربا ومخلصا وسط هذا العالم الشرير الملوء بالفساد .

العبـــارة الرابعـــة : إيلي إيلي لما شبقتني ، أي ، إلهي إلهي لماذا تركتني .

    كلمات هذه العبارة الرابعة نطق بها ربنا يسوع بعد ساعات الظلمة الدامسة التي غطت كل الأرض واستمرت لمدة ثلاث ساعات كاملة من نحو الساعة الثانية عشرة إلي نحو الساعة الثالثة ظهرا بتوقيتنا الحالي كما هو مكتوب " وكان نحو الساعة السادسة . فكانت ظلمة علي الأرض كلها إلي الساعة التاسعة " (لو44:23) .  " ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا إيلي إيلي لماذا شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني" (مت46:27). إن هذه الظاهرة الفلكية لم تكن كسوفا للشمس ، بل هي احدي الآيات والمعجزات التي رافقت الصلب .

    فكما إرتبط ميلاد ربنا يسوع المسيح بظاهرتين فلكيتين عجيبتين  ، الأولي ظهور نجمه للمجوس وهم أحبارعلماء يدرسون الفلك والنجوم  وقد اتوا من بلاد فارس إلي أورشليم قائلين " أين هو المولود ملك اليهود . فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له " ( مت2:2) . والظاهرة الفلكية الثانية هي ظهور ملاك الرب للرعاة الذين يحرصون حراسات الليل علي رعيتهم " وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما . فقال لهم الملاك لا تخافوا . فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب . أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب " (لو9:2-11) ، هكذا أيضا أرتبط  صلبه بظاهرة الظلمة الدامسة التي غيبت الشمس نهائيا عن الأرض لمدة ثلاث ساعات من ساعات الظهيرة ، كقول عاموس النبي " ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب أني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور " (عا 9:8) . وكما كان غياب الشمس وضؤها وحلول الظلام فجائيا ولحظيا ولمدة ثلاث ساعات كاملة ، كذلك كان ظهور الشمس وإنقشاع الظلمة الدامسة فجأة في نحو الساعة الثالثة ظهرا بتوقيتنا الحالي ، وهذا في حد ذاته برهانا علي أن ذلك عمل الهي معجزي .

    طوال فترة الظلمة كان هناك صمت وهدوء تام يخيم علي هضبة الجلجثة ، حتي طيور السماء لم تعد تغرد ، لأن العدل الإلهي كان يتعامل مع المسيح كممثل للبشرية الساقطة أمام الله القدوس ، ديان كل الأرض .  وصرخة  المسيح وقوله " إيلي إيلي لما شيقتني " ، لأنه كان ينبغي أن يذوق المسيح بنعمه الله القدوس الموت ويشرب كأس الألام الرهيبة وهولها لأنه إرتضي طوعا أن يكون هو بنفسه الكفارة عن الشعب الخاطئ الأثيم منذ بدء الخليفة وحتي نهاية الأيام . وهذه الصرخة ترينا بشاعة الخطية ونتائجها المروعه ، ومع أننا أحيانا كثيرة نري في وسائل الاعلام المختلفة ويلات الحروب والأوبئه التي تفتك بالإنسان ، هذا بالاضافة إلي الأمراض الجسدية والنفسيىة ومع هذا هناك أناس كثيرون يعيشون في خطاياهم ولا يريدون  التوبة والخلاص بالاعتراف بالرب يسوع المسيح مخلصا وفاديا ، لأن حبهم للخطية قد أعمي عيونهم وأصم آذانهم فلا يبصرون ولا يسمعون، فلا يستهجنون ولا يستقبحون الخطية التي كانت سببا في أن يأتي المسيح إلي عالمنا ثم يتألم ويصلب ويموت ويقوم في اليوم الثالث ويصعد إلي سماء السماوات ليشفع في المذنبين .

    السيد المسيح لم يصرخ من الله بل صرخ إلي الله وكأنه يقول له  يا سندي وقوتي لا تتركني ولا تتخلي عني  ، لأنه كان متروكا من الله ليستوفي العدل الإلهي القصاص . وقد خاطب الله بقوله إلهي إلهي لأنه كان في ذلك الوقت  ابن الإنسان حامل خطايا البشرية كلها  في ضعف الجسد ، كقول معلمنا إشعياء النبي " أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن . إن جعل نفسه ذبيحة إثم " (إش10:53)  . كانت صرخة الرب  ليعلن للعالم أن صليبه ليس فقط الصليب الخشبي المعلق عليه ، ولكنه في حقيقة الأمر كان صليبا إلهيا آلامه تفوق كل آلام وأهوال الجحيم لكي يتمم الفداء ، وهذا لأنه  هو  " رئيس الإيمان ومكمله " (عب 2:12) .

العبـــارة الخـــا مســـة : " أنـــا عطشـــان "

     المسيح ينبوع الماء الذي ينبع إلي حياة أبدية (يو14:4) قال أنا عطشان ، وهذه دلالة علي ان المسيح المصلوب كان إنسان كامل ، شابهنا في كل شئ ما خلا الخطية  وحدها ، لأنه حاشي لله أن يعطش ،  كان ذلك لأن المسيح جسديا كانت مياه جسده قد نقصت  من كثرة العرق نتيجة المجهود الشاق الذي بذله من مساء يوم الخميس أثناء صلاته للآب في بستان جثسيماني حتي ساعة القبض عليه ، ثم سهره طوال الليل في محكمات غير عادلة ثم جلدة وحمله الصليب وصلبه ، وقد ظل طوال هذه الساعات بدون أكل أوشرب . هذا بالإضافة إلي نزفه الدم من الجروج نتيجة الجلدات وإكليل الشوك والمسامير في يديه ورجليه ، فكان منهك القوة وفي إرهاق واعياء شديد  .

    قال أنا عطشان لأنه روحيا عطشان ومتشوق لإتمام الفداء والخلاص للبشرية الساقطة ، وهو روحيا لم يكن محتاجا لشرب الماء ، فلو نظرنا إلي قصة المرأة السامرية نجد أن السيد المسيح ذهب إليها عند بئر سوخار وقال لها أعطيني لأشرب ، ولم يأخذ منها ماء ولم يشرب، وإنما قال لها هذا لأنه متعطش لخلاصها وخلاص أهل السامرة . كان ربنا يسوع المسيح يعلم بلاهوته أنه عندما يقول أنا عطشان سوف يعطونه خلا في اسفنجة مرفوعة علي قصبة كقول المرنم بروح النبوة " العار قد كسر قلبي فمرضت . انتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد . ويجعلون في طعامي علقما وفي عطشي يسقونني خلا " (مز 20:69-21) . وقد كان الخل ممزوجا بمادة شديدة المرارة كانت كمخدر للآلام الجسدية ، وهذه كانت عادتهم مع المصلوبين ، ولكنه عندما ذاق رفض أن يشرب ولو قطرات قليلة ، لأن الرب أراد أن يتمم الفداء ويشرب كأس الآلام وهو غير مخدر حتي يوفي العدل الإلهي حقه ، ويتمم العمل الذي قبله طوعا من الله الآب طبقا للخطة الإلهية الأزلية .

العبـــارة الســـادسـة : " قد أكمل . ونكس رأسه وأسلم الروح "

    لقد أكمل ربنا يسوع المسيح الناموس الموسوي بكل طقوسه ورموزه ، أيضا أكمل كل نبوات العهد القديم ، وأكمل لنا الفداء  وخلصنا من خطايانا لأنه " ليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص " (أع 12:4) .

    كانت صرخة الرب دليلا علي لاهوته وهذا واضح من كلمات الوحي الإلهي " بعد هذا رأي يسوع أن كل شئ قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان . وكان إناء موضوعا مملوا خلا . فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها علي زوفا وقدموها إلي فمه . فلما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل ." (يو18:19-20) . لقد رأي الرب وعلم بلاهوته أن كل النبوات بالعهد القديم المكتوبة عنه قد تمت ، لذلك نطق بهذه العبارة الصغيرة " قد أكمل"، وفيما يلي بعض هذه النبوات التي أكملها وهي :-

1 – ترك التلاميذ للمسيح وهروبهم ساعة القبض عليه في بستان جثسيماني " عند كل أعدائي صرت عارا وعند جيراني بالكلية ورعبا لمعارفي . الذين رأوني خارجا هربوا عني"  (مز11:31-12) ، أيضا " أضرب الراعي فتتشتت الغنم وأرد يدي علي الصغار " (زك13: 7) .

2 – احضار شهود ظلم أثناء محاكمته " شهود زور يقومون وعما لم أعلم يسألونني . يجازوني عن الخير شرا ثكلا لنفسي " (مز 11:35-12) .

3 – خيانة يهوذا الإسخريوطي أحد تلاميذة له " أيضا رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع علي عقبه " (مز9:41) . أيضا " لتصر دارهم خرابا وفي خيامهم لا يكن ساكن" (مز25:69) ، كذلك " لتكن أيامه قليلة ووظيفته ليأخذها آخر. " (مز8:109 ) .

4 – مجروح بسبب خطايانا وبجراحاته شفينا " وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. " (إش5:53).

5 – ظلم فلم يدافع عن نفسه ، وكان مستسلما كشاة تساق للذبح وكنعجة أمام جازيها " ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلي الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه " (إش 7:53).

6 – السيد المسيح يبرر الكثيرين ويحمل آثامهم ، صلب بين لصين وشفع في المذنبين الذين أولهم اللص اليمين " وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم يحملها . لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو يحمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ." (إش 11:53-12) .

7 – فحصوا عظامه أثناء صلبه  ، وثقبوا يديه ورجليه ، واقتسامهم ثيابه وإلقاء القرعة علي لباسه " جماعة من الأشرار اكتنفتني . ثقبوا يدي ورجلي . أحصي كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون فيّ . يقسمون ثيابي بينهم وعلي لباسي يقترعون " (إش 16:53-17) ، (مز16:22-17) .  ولقد فحصوا عظام يديه ورجلية لكي لا تنكسر أي من عظامه " يحفظ جميع عظامه وواحدة منها لا تنكسر " (مز 20:34) ، (خر46:12) ، (عدد12:9) .

8 -  استهزائهم به ، وتحديهم له بأن ينزل من علي الصليب " كل الذين يرونني يستهزئون بي . يفغرون الشفاة وينغضون الرأس قائلين اتكل علي الرب فلينجيه لأنه سر به " (مز7:22 -8)  ، كذلك " أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب " (مز4:69)

9 -  متروكا من الله الآب " إلهي إلهي لماذا تركتني بعيدا عن خلاصي عن كلام زفيري "  (مز1:22) .

10 – عندما فال أنا عطشان قدموا له خلا ممزوجا بالمر" ويجعلون في طعامي علقما وفي عطشي خلا " (مز21:69) .  

       من أقوي الآيات التي تثبت أن السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد ، اي أنه له لاهوت وله ناسوت متحدين بدون اختلاط أو إمتزاج أو تغيير، وأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين كما هو مكتوب " بالإجماع عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد تبرر في الروح ... " (1تي 16:3) . أيضا " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (إش 6:9) ، وهو الذي قال عن نفسه " الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن " (يو 58:8 ) أي أنه أزلي ، كذلك قال "... . أنا أصل وذرية داود . ..." (رؤ16:22) وهذا يعني أنه هو خالق داود وأيضا جاء من نسل داود النبي . فالمسيح له المجد قد تمم كل النبوات المكتوبة عن آلامه ومحاكمته وصلبه وموته بالعهد القديم .

  للمزيد من هذه النبوات أنظر كتابنا  " المسيح بين العهدين" ، الباب الثاني من ص8- 37 .

     ولو لم يأتي المسيح إلي العالم ويتألم ويصلب ويموت ويدفن في القبر ويقوم في اليوم الثالث ، كما هو مدون بالإنجيل ، البشارة المفرحة ، لما كنا عرفنا عن من تتكلم هذه النبوات المكتوبة عنه بالعهد القديم  كقول الخصي الحبشي لمعلمنا فيلبس " عن من يقول النبي هذا عن نفسه أم عن واحد آخر " (أع 34:8) ، لأن " شهادة المسيح هي روح النبوة " (رو10:19) ، لأن " الله لم يره أحد قط . الإبن الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يو18:1) ، وقوله لفيلبس " أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس . الذي ررآني فقد رأي الآب " (يو8:14-9) ، لأن المسيح " هو صورة الله غير المنظور "(كو15:1)  وهكذا لم تسقط كلمة واحدة من كل ما تنبأ به الأنبياء  . ففي مجئ ربنا يسوع المسيح  أبطل العمل بالناموس كما هو مكتوب " عند دخوله إلي العالم يقول ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسدا . بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر . ثم قلت هنذا أجئ في درج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا الله . إذ يقول آنفا إنك ذبيحة وقربانا ومحرقات وذبائح للخطية لم ترد ولا سررت بها . التي تقدم حسب الناموس . ثم قال هنذا أجئ لأفعل مشيئتك يا الله . ينزع الأول لكي يثبت الثاني" (عب 5:10-9)  .  لقد إقتبست هذه الآيات من قول المرنم بروح النبوة "بذبيحة وتقدمة لم تسر . أذني فتحت . محرقة وذبيحة خطية لم تطلب . حينئذ قلت هنذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت . وشريعتك في وسط أحشائي " (مز6:40-8)  .

    اننا نؤمن أن لنا إله واحد ، كذلك نؤمن أن لنا شفيع ووسيط واحد بين الله والناس وهو الإنسان يسوع المسيح ،  كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لأن هذا حسن ومقبول لدي مخلصنا الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون . لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1تيمو 3:2-6) .

    المسيح له المجد تمم لنا وللبشرية كلها الخلاص المجاني ، الخلاص الروحي من الهلاك الأبدي ، الذي كان ينتظره كل الذين ماتوا علي الرجاء كقول معلمنا يعقوب أبو الأسباط  "لخلاصك إنتظرت  يا رب ." (تك 18:49) . وهو الخلاص الذي تم  بالفداء الذي قدمه للبشرية علي الصليب ، " نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس . الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء . الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم ."( 1بط 9:1-10) .

    المسيح له المجد تمم وأكمل التدبير الإلهي الأزلي ، لأن الله كان يعلم أن الإنسان الذي خلقه سوف يسقط في الخطية ولذلك رسم الله خطته منذ الأزل للفداء والخلاص وهو العمل الذي أتي الإبن ربنا يسوع المسيح طوعا إلي العالم ومن أجله آخذا صورة عبد كقول معلمنا القديس بولس الرسول " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس . وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب . لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه إسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن علي الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب " (في6:2-11) . ولذلك علق علي الصليب ولم ينزل منه حتي تمم عمله الذي أتي طوعا إلي العالم من أجله وهو المصالحة بين السمائين والأرضيين التي استلذمت سفك دمه الذكي الكريم علي الصليب ، صليب الجلجثة "لأنه بدون سفك دم لا تحدث مغفرة " ( عب 22:9 ) .

    بعد أن قال المسيح "قد أكمل " نكس رأسه وأسلم الروح ، لقد أسلم الروح بإرادته وحده وسلطانه وحده كقوله " ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي  . لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا . " (يو18:10) .

العبـــارة الســـابـعة : " يا أبتاه في يديك أستودع روحي "  

إنها آخر عبارة نطق بها المسيح له المجد وهو معلق علي الصليب قبل أن يستودع روحه  الطاهرة في عناية الآب السماوي ، لأنه عاش طوال حياته وهو في الناسوت متكلا علي إلهه، كقول المرنم بروح النبوة " لأنك أنت جذبتني من البطن . جعلتني مطمئنا علي ثديي أمي . عليك ألقيت من الرحم . من بطن أمي أنت إلهي " (مز9:22-10) ، فالله هو المعتني بنا من قبل أن نولد ، فالمسيح وهو الله الأزلي الأبدي  ظهر في الجسد وصار إنسانا كاملا ، ولذلك أخذ مركز الإنسان الكامل المتكل علي الله الآب ، وعند موته مات كإنسان ولا يوجد علي فمه سوي صلاته للآب السماوي التي قالها بصوت عظيم " يا أبتاه ، في يديك أستودع روحي " بعد أن أكمل وأتم العمل العظيم الذي تجسد من أجله .

    المسيح المبارك القدوس كان عجيبا وفريدا في مولده ، وعجيبا وفريدا في حياته ، وحتي في مماته كان عجيبا وفريدا ، ولذلك نجده في آخر لحظة من حياته يتحول إلي الله مخاطبا إياه في صلاة قصيرة مقتبسة من (مز5:31)، لأنه اعتاد أن يسلم كل أمور حياته حتي نفسه لأبيه ، وهو الذي قال "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت . وشريعتك في وسط أحشائي " (مز8:40 ) . بعدها " أسند رأسه وأسلم الروح ".وعلينا أن نتعلم من ربنا يسوع المسيح لأنه ما أجمل أن نستودع بكل ثقة وإيمان أرواحنا في رعاية فادينا ومخلصنا الحبيب يسوع في لحظات ترك الروح للجسد ، فلا يوجد هناك شئ أغلي أو أثمن من أرواحنا لكي نستودعها في آياد أمينة فادية وواهبة الخلاص ، ويجب أن يكون شعارنا في حياتنا ما قاله معلمنا القديس بولس الرسول" إن عشنا فللرب نعيش ، وإن متنا فللرب نموت . فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن " (رو8:14) .



البـــاب الثـــامـن

تأمـــلات في قيـامـــة الـرب



    ظن اليهود أنه بموت السيد المسيح ودفنه في القبر أنهم قد استراحوا منه ومن تبكيته لهم علي خطاياهم وعلي تقديسهم يوم السبت ، لأنه كان يقول لهم " السبت إنما جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت . إذا ابن الإنسان هو رب السبت أيضا"  (مر27:2-28) . ومع ذلك نجد أن رؤساء الكهنة والفريسيون وحراس الهيكل قد كسروا السبت عندما ذهبوا إلي بيلاطس يوم السبت وطالبوه بأن يأمر بضبط القبر، فأذن لهم أن يذهبوا ويضبطوه كما يعلمون ، ولذلك" مضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر" (مت66:27)  .  حسب الناموس لم يكن مسموحا لهم القيام بأي عمل ولا الإنتقال يوم السبت مسافة كبيرة كهذه وخصوصا لأن  "يوم ذلك السبت كان عظيما " لأنه كان فيه عيد الفصح ، لأنهم إنتقلوا من مقر إقامتهم إلي مقر الولاية ثم إلي القبر بهضبة الجلجثة .

    لم تمنع الأختام الموضوعة علي الحجر الكبير الموضوع علي باب القبر من قيامة الرب من بين الأموات في اليوم الثالث ، لأنه في فجر الأحد قام الرب بسلطان لاهوته بجسد نوراني ممجد والقبر مغلق والأختام موضوعة ، وقد اشتركت الأقانيم الثلاثة الآب والإبن والروح القدس في قيامته من بين الأموات. بعد ذلك " زلزلة عظيمة حدثت . لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه . وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج . فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات " (مت2:28-4) .   فلما أتت مريم المجدلية ومريم الأخري إلي القبر عند فجر أول الأسبوع قال لهما الملاك " لا تخافا أنتما . فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب . ليس هو ههنا لأنه قام كما قال . هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعا فيه . " (مت 5:28 -6) .

    القيامة هي الرجوع إلي الحياة مرة أخري بأجساد ممجدة ، وهي انتصار علي الموت الذي ساد البشرية كلها كقول الكتاب " آخر عدو يبطل هو الموت " (1كو26:15) .

    قيامة ربنا يسوع المسيح هي عربون قيامتنا جميعا كقول معلمنا القديس بولس الرسول " ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين . فإنه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضا قيامة الأموات . لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع ." (1كو20:15-22) .

    بقيامة ربنا يسوع المسيح أصبح الصليب إكليل مجد ، وليس خشبة للعار ، وصار الصليب رمزا لقوة الله ، ولذلك نحن نرشم الصليب علي أنفسنا ونعلقه في صدورنا ونرسمه علي أيدينا لأن " كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "  (1كو 18:1) .أيضا الصليب أصبح سر افتخارنا "وأما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم " (غل14:6-15) ، وهو أيضا صليب حياة في البر    " الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده علي الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر " (1بط24:2) .

    ربنا يسوع المسيح قام سرا فجر الأحد والناس نيام حتي لا يري أمجاد القيامة الذين صلبوه وشمتوا فيه ، ولكنه ظهر فجر أحد قيامته لمريم المجدلية ومريم الأخري لأنهم من محبتهم له جاءوا  إلي القبر باكرا والظلام باق (مر9:16 ، مت 9:28 ) لأنه مكتوب "أنا أحب الذين يحبونني ، والذين يبكرون إليّ يجدونني " (أم17:8)  ، ثم ظهر لمريم المجدلية عند القبر الفارغ يوم أحد قيامته (يو11:20-18، مر 9:16-11) ، ثم ظهر لمعلمنا القديس بطرس في أورشليم (لو34:24) يوم قيامته ،  ثم ظهر لتلميذي عمواس (لو30:24-34) وهم منطلقين من أورشليم إلي عمواس في نفس يوم قيامته . كما ظهر للتلاميذ المجتمعين في غياب القديس توما مساء يوم الإثنين الأول بعد القيامة (يو19:20- 23 ، لو 36:24-49 ، مر14:16-18 ، 1كو 5:15) ، ثم للتلاميذ والقديس توما معهم في العلية مساء الاثنين الثاني بعد قيامته (يو26:20 -29) ، ثم للتلاميذ السبعة عند بحيرة طبرية بالجليل (يو1:21-23) ، ثم للتلاميذ ولأكثر من خمسماءة أخ علي جبل الجليل (مت16:28-20 ، 1كو6:15) ، ثم لمعلمنا يعقوب أخو الرب ثم لجميع التلاميذ بأورشليم (1كو7:15 ، أع 3:1-8) ، ثم ظهر للتلاميذ وأخرجهم خارج بيت عنيا ورفع يديه وباركهم وانفرد عنهم وأصعد إلي السماء من جبل الزيتون (مر19:16-20 ، لو50:24 -53 ، أع9:1-12)   . كل هذه الظهورات طوال الأربعين يوما كانت لتؤكد للتلاميذ حقيقة قيامته وكانت بالجسد الروحاني النوراني الممجد لكي يثبت إيمانهم ويشرح لهم كل الأمور الخاصة بملكوت السماوات وتأسيس الكنيسة وأسرارها المقدسة التي انتقلت إلينا بالتسليم . فالمسيح أثناء حياته علي الأرض كان يريد أن يثبت لهم لاهوته ، وبعد قيامته من بين الأموات كان يريد أن يثبت لهم ناسوته ، كقوله لتوما " هات إصبعك إلي هنا وأبصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا " (يو27:20) .

    القيامة هي خلود الروح ، لأنها للمؤمنين بالسيد المسيح تكون القيامة العامة هي الباب المؤدي للحياة الأبدية والنعيم الأبدي " وهكذا نكون كل حين مع الرب " (1تس17:4) ، وبالنسبة لغير المؤمنين تكون القيامة العامة هي الباب المؤدي للعذاب الأبدي .

    معلمنا بطرس الرسول يقول " فإن المسيح أيضا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلي الله مماتا في الجسد ولكن محيي في الروح الذي فيه أيضا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن " (1بط18:3-19) . فالمسيح له المجد بقيامته صار " مبطلا بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في  نفسه إنسانا واحدا جديدا صانعا سلاما ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا العداوة به "(أف15:2-16) ، والله الغني في الرحمة قد  " أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع  " (أف6:2) ، أيضا يقول " فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله " (كو1:3) . ويقدم لنا الإرشاد الروحي فيقول " فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا .  ... . كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضا . ... .  وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به "  (كو12:3-13 ، 17) .   

    انني أتضرع إلي الله القائم من بين الأموات والجالس عن يمين الله الآب أن يكون هذا الكتاب سبب بركة لكثيرين ، وأن يفيض علينا بالمزيد من نعمة روحه القدوس المنبثق من الآب ، وينعم علينا بأن تكون أسمائنا مكتوبة في سفر الحياة ويهبنا نصيبا في ميراثه الآبدي .

إخـرسـتـــوس آنـسـتـــي     ألـيـســـوس آنـسـتـــي

الـمـسـيـــح قـــام        بالـحـقـيـقـــة قـــام

هـلـلـــــوا يـــا





الـفـهــــرس



                           شـكـــر وتـقـديـــر                            2

الـبـــاب الأول         الـمـقــــدمـــة                                  3

الـبـــاب الـثـــاني     من العـلية إلي جثسيماني إلي الجلجثة      8

الـبـــاب الـثـــاُلث     عـيـد الـفـصح الـيـهـــودي                   21

الـبـــاب الـرابـــع      الـمحـــاكـمـات الغير عـــادلـة              26

الـبــــاب الخامـس      درب الصــلـيـــب                            37

الـبـــاب الســادس     أحداث الصلب علي هضبة الجلجثة        44

الـبـــاب الســـابع      الـعـبــارات السبـع علي الصليـــب         49
الـبــأب الـثـــامن     تـأمــلات في قـيـــامـة الـــرب               64

No comments:

Post a Comment