Saturday, February 6, 2016

التجارب


لــــمــــــــــا ذ ا

 التجارب والضيقات  والإضطهادات  والآلام والأحزان







تـألـيــــف



دكتور/ جمـيـــل زكـــي فلتــــاؤوس













سيدنـــي – استراليـــا













شكـــر وتقـــدير



    انني أشكر الله علي كل نعمه التي أنعم علينا بها ، فقد أرسل الله ابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح إلي العالم ليفدينا ويخلصنا كقول معلمنا بولس الرسول بإرشاد من الروح القدس " ولكن لما جاء ملئ الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا  تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني " (غلا4:4-5) . وقد قال ربنا يسوع المسيح بفمه الطاهر " صدقوني أني في الآب والأب فيً " (يو11:14) ، أيضا قال " أنا والآب واحد " (يو30:10) ، وقد أعطانا ربنا يسوع المسيح جسده المقدس ودمه الذكي الكريم للحياة الأبدية كقوله " من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حيوة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو54:6) .

    كما أرسل لنا ربنا يسوع المسيح الروح القدس المنبثق من الآب ، المعزي روح الحق كقوله " ومتي جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي . " (يو26:15) . فالروح القدس      احدي صفاته أنه روح التعزية لكل المضطهدين والمجربين والمتضايقين ولكل الأرامل والأيتام  وكل المرضي والمعوزين  .

    وقد قال رب المجد يسوع " سلاما أترك لكم . سلامي أنا أعطيكم . ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا . لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب " (يو27:15) ، فقد وعدنا ملك الملوك ورئيس السلام ربنا بأن يعطينا السلام  ، سلام كل من يطلب بإيمان أن يملأ قلبه ، كل من هو في  تجربة وكل من هو  في ضيقة وكل من هو مضطهد  وكل من هو مريض  وكل من هو حزين .  فسلام المسيح سلام دائم  يختلف تماما عن سلام العالم الوقتي لأنه "سلام الله الذي يفوق كل عقل ... " (في7:4) . كما أنه أصبح لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح كقول معلمنا القديس بولس الرسول " فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضا قد صار لنا الدخول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر علي رجاء مجد الله " (رو1:5-2) .

    وانني أرجو من الله أن يكون هذا الكتاب سبب بركة وتعزية وسلام لكثيرين معذبين ومضطهدين ومتضايقين  ومتألمين . وللألهنا المجد الدائم أميين .

   

                                                     

                                                           د. جميل زكي فلتاؤوس

   






















البـــاب الأول



المـقـدمــــة



    يعتقد بعض الناس أن التجارب والضيقات والاضطهادات والأحزان والآلام المتنوعة التي يمرون بها طوال أيام حياتهم علي هذه الأرض هي من الله ، والحقيقة هي أنها تتم بسماح من الله لأنه هو الضابط الكل ونحن في صلواتنا نردد قانون الإيمان المقدس الأرثوذكسي ونقول " بالحقيقة نؤمن بإله واحد الله الآب ضابط الكل خالق السماء والأرض ما يري وما لا يري . ... "، ولذلك فإن معلمنا القديس يعقوب يقول  " لا يقول أحد إذا جرب إني أجرب من قبل الله . لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدا . ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته . ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتا " (يع13:1-15) . ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول" ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كو13:10) . فالإنسان يتصارع طوال أيام حياته مع أجناد الشر الروحية ، لذلك يقول معلمنا القديس بولس الرسول بإرشاد من الروح القدس " فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات " (أف 12:6) . لذلك قال ربنا يسوع المسيح بفمه الطاهر" اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة"  (مت 41:26) ، ولهذا فنحن عندما نصلي الصلاة الربانية نقول "... ولا تدخلنا في التجارب لكن نجنا من الشرير بالمسيح يسوع ربنا " وقد قال المسيح بفمه الطاهر " اثبتوا فيً وأنا فيكم . ... . لأنكم بدوني لا تقدروا أن تفعلوا شيئا " ( يو4:15-5) ، لأن انتصارنا هو في المسيح  وبالمسيح  ربنا . ومعلمنا القديس بطرس يقول         "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان عالمين أن نفس هذه الآلام تجري علي إخوتكم الذين في العالم " (1بط8:5-9). كما أن معلمنا القديس يعقوب يقول " قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع7:4) . فيجب علينا أثناء التجارب أن نقاوم إبليس غير خائفين ، بل بإيمان الغالب والمنتصر نقاومه ، وأن نكون كلنا ثقة ويقين أن ربنا يسوع المسيح سوف يقودنا إلي النصرة ، فيهرب منا لأن إبليس هو الضعيف والمؤمن هو القوي ، والإنتصار دائما للمسيح وكنيسته  " وأبواب الجحيم لن تقوي عليها " ( مت 18:16). معلمنا القديس يعقوب يقول " إحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرا . وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شئ ." (يع2:1-4) . كذلك " بل نفتخر أيضا في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزي لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا " ( رو3:5-5) .

وأحب أن أوضح نقطة هامة هنا ، وهي أن الأفكار الخاطئة التي تراود الإنسان أثناء التجارب ليست خطية طالما أنها مجرد أفكار ولم تدخل مرحلة التنفيذ ، كقول معلمنا بولس الرسول " اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد . لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد " (غل16:5-17) ، كذلك من يزرع الشيطان في فكره فعل خطية معينة ولكنه في اللحظات الأخيرة يطرد هذه الفكرة ولا يتمم فعل هذه الخطيه فهذا ما يطلق عليه " شبه الشر ". فالإنسان المؤمن سوف يحارب من عدو الخير إبليس وأعوانه بالأفكار الشريرة طوال أيام حياته علي الأرض إلي أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ، في هذه اللحظة فقط يستطيع أن يقول الإنسان " يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا " (رو37:8) . ويكون انتصار أو هزيمة الإنسان في التجارب والضيقات نابعا من داخله  ، من فكره ومن قلبه ، كما أن الظروف الخارجية المحيطة بأي إنسان يكون لها تأثيرا سلبيا عليه ، ولذلك ترنم معلمنا داود النبي والملك في المزمور وقال " قلبا نقيا اخلق فيً يا الله وروحا مستقيما جدده في أحشائي " (مز10:51) ، ومن يريد أن يعيش في هذا العالم بطهارة وبر ونقاء في الفكر والروح عليه أن يلتصق بالرب يسوع ويحفظ تعاليمه ووصاياه ويطبقها في حياته ، كقول معلمنا بولس الرسول "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده " (رو28:8 (.

  

   وأنت أيها الإنسان المجرَبْ  لست وحدك الذي يجرب أو يحارب أو يضطهد،   فقد حارب الشيطان أيوب البار الذي قال الرب عنه للشيطان " هل جعلت قلبك علي عبدي أيوب . لأنه ليس مثله في الأرض . رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر " (أي8:1) ، فالشيطان يحارب دائما الأقوياء والأبرار والذين يعيشون حياة الكمال والاستقامة والتقوي . وكان نجاح أيوب في التجربة الأولي (أي12:1 - 22 ) سببا في معاودة المحاولًة وجرًبه مرة ثانية (أي4:2-10) ، ثم عاود الخديعة مرة ثالثة مستخدما أصدقاؤه الثلاثة (أي11:2- 13 ) الذين كانوا يعذبونه ويسحقونه عشر مرات بكلامهم (1:19) ولم يخجلوا . لقد خرج أيوب البار من التجارب أقوي مما كان ، لذلك  قال " لأنه يعرف طريقي .  إذا جربني أخرج كالذهب . بخطواته استمسكت رجلي.  حفظت طريقه ولم أحد . من وصية شفتيه لم أبرح . أكثر من فريضتي ذخرت كلام فيه " (أي10:23-12) .   كذلك حارب الشيطان إيليا النبي الناري بعد انتصاره علي أنبياء البعل والسواري ، وبعد أن أنزل الله المطر الغزير بصلاته ، بث الشيطان في روحه الخوف والرعب من جراء تهديد الملكة الشريرة إيزابل (1مل2:19) ، حتي أنه هرب إلي البرية مسيرة يوم حتي أتي وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه (1مل4:19) .              

     كما أن  ربنا يسوع المسيح َقبلَ أن يجرب من الشيطان فقد اقتاده الروح القدس إلي البرية القاحلة لكي يجرب من الشيطان ،  فأطاع ، وكان هذا في قصد الله وخطته الأزلية لفداء وخلاص البشرية.

     ليتنا نتأمل قليلا في نبوة سمعان الشيخ الرجل البار التقي الذي كان ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه (لو25:2) ، فقد تنبأ وقال لأمنا القديسة العذراء مريم " إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم . وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف . لتعلن أفكار من قلوب كثيرة " (لو34:2-35) . فالعلامة التي تقاوم هي علامة الصليب المقدس .

    إن هذه النبوة كانت  قبل زمان تحقيقها بما يقرب من ثلاثة وثلاثين سنة ، فقد جاز في نفس أمنا الطاهرة البتول كل حين مريم سيف ، عندما رأت ابنها يضطهد ويقبض عليه ويحاكم ويضرب بالسياط ويتألم ويهان ويبصق علي وجهه ثم تدق المسامير في يديه ورجليه و’يعلق علي الصليب عريانا من كل ملابسه ويضعون إكليل شوك فوق رأسه ،  فكانت أحشائها في داخلها تتلوي من الحزن والأسي لذلك قالت وهي تبكي وكلها حسرة وألم " أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلي صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي " (القطعة السادسة من صلاة الساعة التاسعة في الأجبية) .

    الكتاب المقدس يخبرنا في الإصحاح الأول من سفر أيوب أن ألله يسيج حول خائفيه الذين يتقونه ويحيدون عن الشر،  وأيضا يسيج حول بيوتهم وحول كل ما لهم من كل ناحية (أي 10:1) حتي لا يصيبهم أي أذي . أيضا  تعلمنا كنيستنا المجيدة وكذلك الكتاب المقدس أن الملائكة هم أرواح خادمة كقول معلمنا بولس الرسول  عن الملائكة " أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " (عب14:1) ، وربما يتساءل سائل ويقول فلماذا لا تحمينا هذه الملائكة من محاربات إبليس لنا ؟ . الإجابة علي هذا السؤال في الباب التالي  .





















البـــاب الثـــاني

المـــلائـكــــة





    الملائكة ورؤساء الملائكة هم كائنات روحية  مهمتهم الأساسية هي التسبيح لله باستمرار وبدون انقطاع وبغير فتور، كما أنهم أحيانا يحملون رسائل إلاهية للبشر (لو26:1) ، كذلك تقوم بحماية شعب الله (دا22:6) ، وأيضا تقدم التشجيع (تك7:16-12) والإرشاد للإنسان (خر19:14، تك7:24، خر20:23) ، كما تجلب عقوبه الله العادلة علي الأشرار (2صم15:24-16) ، وتقاتل القوي الشريرة (رؤ1:20-3) . الملائكة يتميزون بالبر والطهارة والقداسة (مت31:25) ، وليس فيهم ذكر وأنثي كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر عن حياة الأرواح في السماء بعد القيامة (مت30:22)  ، ونظرا لأنهم أرواح فهم لا يموتون ( لو35:30-36)  ، وهم يتحركون بسرعة فائقة أكثر من سرعة الضوء . 

     ويوجد سبعة رؤساء ملائكة هم ميخائيل وغبريال ورافائيل وسوريال وسداكيال وسراتيال وأنانيال وقوف يسبحون أمام الضابط الكل . أما عدد الملائكة فهو غير معروف لكثرتهم ، والأب الكاهن في القداس الإلهي الباسيلي يقول في صلاة القسمة " الذي يقف أمامه ألوف ألوف وربوات ربوات من  الملائكة ... " ، وهي مأخوذة من رؤيا دانيال النبي " كنت أري أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام . ... . ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه . فجلس الدين وفتحت الأسفار ." (دا9:7-10) ، وربوات ربوات تعني   10000    X 10000  أي  مائة مليون ملاك ، والملائكة لهم قدرة وقوة عالية جدا كقول معلمنا إشعياء النبي "  فخرج ملاك الرب وضرب من جيش أشور مئة وخمسة وثمانين ألفا . فلما بكروا صباحا إذ هم جميعا جثث ميتة ." (إش36:37) ، وقد ترنم معلمنا داود النبي في المزمور عن قدرتهم وعن تنفيذ مشيئة الله المقدسة الطوباوية علي الفور وقال " باركو الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه " (مز20:103).  ، وكقول المرنم بالمزمور " ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم " (مز7:34)، وأيضا كقول الرب للشعب الإسرائيلي " ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجئ بك إلي المكان الذي أعددته " (خر20:23). معلمنا يعقوب أبو الآباء وهو في طريق عودته بعد تركه خاله لابان ، كان خائفا من انتقام أخيه عيسو ، لذلك لاقته ملائكة الله لتطمئنه كما هو مكتوب  " وأما يعقوب فمضي في طريقه ولاقاه ملائكة الله . وقال يعقوب إذ رآهم هذا جيش الله . فدعا اسم ذلك المكان محنايم " (تك1:32-2) . كما أن الملاك أرشد فيلبس الشماس ليبشر الخصي الحبشي (أع 26:8-35) ، وقد ’أرسل الملاك جبرائيل من الله لبشارة أمنا العذراء مريم (لو26:1-38) " وقال لها سلام لك أيتها المنعم عليها . الرب معك. مباركة أنت في النساء . ... فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله . وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيما وابن العلي يدعي ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه . ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ولا يكون لملكه نهاية " (لو28:1-33) ، وظهر ملاك الرب ليوسف النجار في حلم ثلاث مرات (مت20:1،13:2،19:2 -20 ) ، وظهر ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور لزكريا الكاهن ليبشره بأن زوجته أليصابات ستلد ابنا وتسميه يوحنا (لو11:1-16) ، والملاك بشر الرعاة الذين يحرسون حراسات الليل علي رعيتهم كقول الكتاب " وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما .فقال لهم الملاك لا تخافوا . فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب . إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السموي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة " (لو9:2-14) . والملائكة دحرجت الجحر عن باب القبر وكلمت النسوة حاملات الحنوط (لو1:24-6) ، كما أن الملاك انتهر الشيطان من أجل يهوشع (زك1:3-2) . والملائكة ستكون مع المسيح له المجد في مجيئه الثاني (مت27:16) ،

     الملائكة في السماء تفرح بتوبة الخطاة كقول رب المجد يسوع المسيح بفمه الطاهر" هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب " (لو10:15). والملائكة يحضرون عند موعد انتقال الأبرار ليحملوا أرواحهم الطاهرة إلي الفردوس (لو22:16) .  

    الملاك ميخائيل هو رئيس الملائكة و كان يطلق عليه الملاك الحارس للأمة اليهودية ، وفي العهد الجديد يطلق عليه الملاك الحارس للكنائس المسيحية ، وأيضا يطلق عليه ملاك السلام ، وملاك العدل والرحمة . وهو الملاك الذي ظهر ليشوع بن نون وقال له أنا رئيس جند الرب (يش14:5) ، وعضده وحطم العمالقة ، وأسقط مدينة أريحا في يده ، والرب يوم أسلم الأموريين أمام الإسرائيلين أوقف الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل (يش13:10). ورئيس الملائكة ميخائيل هو الشفيع في جنس البشر كل حين أمام الله الضابط الكل ، وهو الذي حارب التنين ، الحية القديمة الذي هو الشيطان ، وكسر قوته عن المسيحين .  رئيس الملائكة ميخائيل يتصف بالعدل،  وله أيقونة تصوره حاملا ميزانا إشارة إلي عدله ، كما يتصف أيضا بالرحمة والتحنن .

    وكنيستنا الأرثوذكسية تعيد في اليوم الثاني عشر من كل شهر قبطي تذكارا لرئيس الملائكة ميخائيل ، رئيس الأجناد السماوية ، القائم في كل حين أمام كرسي العظمة الإلهية يشفع في جنس البشر . شفاعته تكون معنا آمين .



    رئيس الملائكة رافائيل في سفر طوبيا ، وهو أحد الأسفار القانونية الثانية ، قام بدور الملاك الحارس لطوبيا الابن أثناء سفره ونصحه بالزواج من ساره وكان حارسا لاحتفالات زواج طوبيا بساره وكان حارسا ومنقذا لهما من الشيطان الذي كان يقتل أزواج سارة السابقين ، وقام بدور الطبيب السماوي الشافي لطوبيا الشيخ . وهو شفيع للمقبلين علي الزواج والمرضي وكذلك المسافرين . وكان هو الملاك الذي يحرك الماء في بركة بيت حسدا والمريض الذي ينزل أولا إلي الماء يشفي كما هو مكتوب " لأن ملاكا كان ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء . فمن ينزل أولا بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه " (يو4:5) .  

    وكتاب السنكسار (2) ملئ بتعاملات الملائكة ورؤساء الملائكة مع آبائنا القديسين وسوف أذكر بعض هذه المعاملات علي سبيل المثال لا الحصر :-

ففي يوم الخامس والعشرون من شهر كيهك المبارك تذكار نياحة القديس يوحنا كاما ، وكان والديه قد زوجاه بغير ارادته ، وكيف أنه هو وزوجته اتفقا علي أن يظلا بتوليين ، فكان إذا رقدا ينزل ملاك ويظلل عليهما بجناحيه  . وبعد فترة قال يوحنا لزوجته أنه يشتهي الذهاب إلي البريه للترهب فوافقته علي ذلك،  فأدخلها أحد أديرة العذاري ، وهناك صارت أما فاضلة وصنعت عجائب كثيرة أهلتها لأن تكون رئيسة للدير .

    أما القديس يوحنا فإنه لما خرج من بلده ، ظهر له ملاك الرب وأرشده إلي طريق برية شيهيت ، فذهب إليها وترهب هناك بدير القديس مقاريوس . بعد فترة ظهر له الملاك وأمره أن يمضي إلي غرب دير القديس أبو يحنس القصير بقليل ، ويبني له مسكننا هناك، فمضي وفعل كما أمره الملاك .

    وفي اليوم الثاني عشر من شهر برمهات المبارك نعيد لتذكار ظهور بتولية القديس ديمتريوس الأول وهو البابا الثاني عشر من باباوات الإسكندرية . وقد اختير للبطريركية  بإعلان إلهي عن طريق ملاك الرب الذي ظهر لسلفه البابا يوليانوس في رؤيا وأعطاه علامة بقوله له ، غدا يأتيك رجل ومعه عنقود عنب  فامسكه عندك وصل عليه . وبعد نياحة البابا يوليانوس رسموه وجلسوه بطريركا علي كرسي الكرازة المرقسية وكان متزوجا ، يعيش مع زوجته في بتولية وطهارة لمدة ثمانية وأربعين سنة ، وطوال هذه المدة كان ينزل ملاك الله في كل ليلة ويسترهما بجناحيه .  ولما تذمر بعض الشعب من كونه متزوجا خلافا للبطاركة الذين سبقوه ، ظهر له ملاك الرب وأمره بكشف حقيقة سر العلاقة بينه وبين زوجته  ، فبعد الإنتهاء من صلاة القداس الإلهي أخذ جمرا ووضعه في إزاره  ثم في إزار زوجته فلم تحترق ، حينئذ أعلمهم بسر حياتهما معا في بتولية . كما تعيد له الكنيسة في اليوم الثاني عشر من شهر بابة المبارك تذكارا لنياحته .

    في اليوم السابع والعشرون من شهر طوبة المبارك تعيد الكنيسة تذكار الملاك الجليل سوريئيل . هذا الذي كان مع عذرا الصديق ، وعرفه الأسرار الخفية . وهو أيضا شفيع للخطاة .

     أيضا في اليوم التاسع من شهر أمشير المبارك تعيد الكنيسة لتذكار استشهاد القديس بولس السرياني ، الذي ولد بالإسكندرية من أبوين سريانيى الجنس . وبعد وفاة والديه ، وزع كل أمواله علي المساكين وصلي إلي الله طالبا إرشاده ، فأرسل له الله ملاكه سوريئيل الذي قال له قد رسم لي الرب أن أكون معك وأقويك فلا تخف . فقام وذهب إلي والي أنصنا الذي كان يضطهد المسيحيين واعترف أمامه بالسيد المسيح . فعذبه بعذابات كثيرة وكان الملاك سوريئيل يشفيه من جراحاته ويقويه ، وفي النهاية استشهد القديس بولس السرياني بقطع رأسه .  

    والأب الكاهن يصلي إلي الله عند القبر بعد دفن الميت لكي " يرسل له ملاك الرحمة ، وملاك العدل ، وملاك السلام ليقدموه أمام الله بغير خوف ... ولتسر أمامه ملائكة النور، وليفتح له باب البر ، وليكن مشاركا لمصاف السمائيين ."

    والتعليم الكتابي أن الملائكة ترفع صلوات القديسين إلي الله مع البخور كما هو مكتوب " وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطي بخورا كثيرا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم علي مذبح الذهب الذي أمام العرش . فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله " (رؤ3:8-4) .

    والكنيسة المجاهدة علي الأرض في القداس الإلهي تقدم قربانة في الصينية وعصير الكرمة الممزوج ماء في الكأس كذبيحة لله ، لها ملاك هو ملاك الذبيحة والحاضر علي المذبح أثناء صلاة القداس الإلهي ، والأب الكاهن يقوم بصرفه بعد الإنتهاء من التناول من الأسرار المقدسة وغسل الأواني ، فيقوم برش الهيكل بالماء إلي فوق وهو يقول " يا ملاك هذه الصعيدة الطائر إلي العلو بهذه التسبحة اذكرنا قدام الرب ليغفر لنا خطايانا " .

    الكنيسة هي بيت الملائكة والقديسين ، وأثناء صلاة القداس الإلهي نشعر أننا نشترك معهم في الصلاة ، ففي صلاة باكر من الاجبية نقول " فلنسبح مع الملائكة قائلين : المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة ...." كما أننا نقول " قدوس ، قدوس ، قدوس ، رب الصاباؤوت ، ...." ، والثلاثة تقديسات " قدوس الله ، قدوس القوي ، قدوس الحي الذي لا يموت ، ...... " ، وفي صلاة القداس الإلهي الغريغوري يقول الأب الكاهن " ... . الذي ثبت قيام صفوف غير المتجسدين في البشر ، الذي أعطي الذين علي الأرض تسبيح السيرافيم . اقبل منا نحن أيضا أصواتنا مع غير المرئيين . احسبنا مع القوات السمائية ، ولنقل نحن أيضا مع أولئك ، إذ قد طرحنا عنا كل أفكار الخواطر الشريرة  ، ونصرخ بما يرسله أولئك بأصوات لا تسكت وأفواه لا تفتر ونبارك عظمتك " .

    كنيستنا الأرثوذكسية تعتبر الإنسان المتقدم للعماد ذبيحة مقدمة لله علي المذبح الناطق السمائي بواسطة خدمة الملائكة . والأب الكاهن يقول في قداس تقديس ماء المعمودية "... عبيدك الذين قدموا لك بنيهم مجدا وإكراما لاسمك القدوس . اقبلهم علي مذبحك المقدس الناطق السمائي كرائحة بخور تدخل إلي عظمتك التي في السماوات بواسطة خدمة ملائكتك ورؤساء ملائكتك الأطهار.

وفي طقس الميرون المقدس يطلب الأب الكاهن بركات السمائيين والملائكة للمعمد بعد رشمه 36 رشما في كل أعضاء جسمه ، ثم يضع يديه عليه وهو يقول " تكون مباركا ببركات السمائيين ، وبركات الملائكة. يباركك الرب يسوع المسيح وباسمه اقبل الروح القدس ، ( وفي أثناء ذلك ينفخ في وجه المعمد) ، ويقول كن إناءا طاهرا  من قبل يسوع المسيح ربنا .

    وفي الصلاة علي التيجان أو الأكاليل التي ’يلبسها الكاهن للعروسين علي رؤوسهم في سر الزواج المقدس يقول " هب لعبيدك اللذين يلبسانها ملاك السلام ورباط المحبة . ... ".

     وللإجابة علي السؤال المطروح في نهاية الباب السابق فالآن وبعد معرفة القليل عن الملائكة ، نستطيع أن نجد الإجابة وهي أن الملائكة كائنات روحية احدي مهامها هو تنفيذ قول الله بكل سرعة وبدون تواني ، كما أن إبليس لا يستطيع أن يؤذي أحدا أو يجرب أي إنسان إلا بسماح من الله الذي قال " لا أهملك ولا أتركك . تشدد وتشجع " (يش5:1-6) . والله من صلاحه ومحبته لنا أحيانا كثيرة يمنع عنا الكثير من المشاكل والضيقات والإضطرابات قبل حدوثها لنا ، وعلي الرغم من ذلك  هناك أناس يتذمرون عندما يقعون في بعض التجارب والضيقات والآلام والأحزان ويسألون هل خلقنا الله لكي يعذبنا؟  كلا لم يخلقنا الله لكي يعذبنا ، لأن الله يحب جبلته التي خلقتها يداه ولذلك افتداها، كقول معلمنا القديس بطرس " عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفني بفضة أو بذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم " (1بط 18:1-20)  ، فقد خلقنا ليعطينا حياة أبدية ، ومن أجل ذلك خلقنا وله خطة خاصة لكل واحد منا ولأجل أعمال صالحة قد سبق وأعدها الله لنا لكي نقوم بها أثناء حياتنا علي الأرض ،  كقول  معلمنا القديس بولس الرسول " لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أف 10:2) ( أنظر أيضا مثل الوزنات لو11:19-27، مت13:25-26)  . لقد خلقنا الله  أحرارا مخيرين وغير مصيرين ، وأعطانا وصاياه وتعاليمه في الكتاب المقدس ، وأعطانا كامل الحرية إما أن نعمل مشيئته وإرادته الصالحة ونعيش بالتقوي لكي نرث الحياة الأبدية وملكوت السماوات ، أو نسلك في ملذات وشهوات العالم وتكون نهايتنا الجحيم ، ولنعلم جيدا أن البشرية كلها تئن وتتمخض من أعمال إبليس وشروره  كقول الكتاب " ولكن الإنسان مولود للمشقة كما أن الجوارح لارتفاع الجناح " (أي7:5) . وعلينا أن نقبل التجارب بالشكر والصلاة المستمرة كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لا تهتموا بشئ بل في كل شئ بالصلوة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدي الله " (في 6:4) ، حتي يعطينا الله المقدرة علي تحملها ولكي يرفعها عنا ، ونحن منتصرون دوما بقوة كلمته المقدسة وبعمل روحه القدوس الساكن فينا ، لأنه إن كان ربنا يسوع قد قبل أن يجرب من إبليس فكيف لا نقبل نحن ، فهل المخلوق أعظم من خالقه ؟، أو التلميذ أفضل من معلمه ؟، وهل للجبلة أن تقول لجابلها لماذا جبلتني  ؟ .

 هذه التجارب التي يمر بها المؤمنون هي عادة ما تكون اختبار لقوة إيمانهم ، ولمعرفة مدي التصاقهم بالله وبكلمته المقدسة وبحفظهم وصاياه وتطبيقها في حياتهم ومقدار طاعتهم له  لأن " جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوي في المسيح يسوع يضطهدون " (2تيمو 12:3) ، فقد امتحن الله طاعة أبونا ابراهيم بأن قال له "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واذهب إلي أرض المريا وأصعده هناك محرقة علي أحد الجبال الذي أقول لك . فبكر إبراهيم صباحا وشد علي حماره ... " (تك 2:22-3) ، أطاع أبونا إبراهيم الله في هذا الامتحان الصعب وكان لديه الإيمان والثقة التامة في الله وفي مشيئته ، " فبني المذبح ورتب الحطب وربط إسحق ابنه ووضعه علي المذبح فوق الحطب ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه " (تك 9:22-10) ، فالطاعة تجلب البركات الإلهية " فقال لا تمد يدك إلي الغلام ولا تفعل به شيئا . لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك أبنك وحيدك عني . فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه . فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه " ( تك 12:22-13) ، ونتيجة لنجاحه في هذا الامتحان أعطاه الرب وعدا " أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذي علي شاطئ البحر .  ... . ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض . من أجل أنك سمعت لقولي " (نك17:22-18) .   

    تجارب المؤمنين نهايتها دائما الانتصار والمكافأة والجزاء إذا قبلناها بالشكر والحمد وسلمنا كل أمور حياتنا لله ، كقول المرنم في المزمور " خير لي  يا رب أنك أذللتني حتي أتعلم وصاياك ." (مز71:119) . فالتجارب تمحص الإنسان وتنقيه كما ينقي الذهب في البوتقة  بالنار ، فيخرج منها أكثر نقاءا وبريقا ولمعانا ، كذلك هناك بوتقة الضيقات ، وبوتقه الإضطهادات ، وبوتقة المرض ، وبوتقة الآلام  ، وبوتقة الأحزان ، كلها لتنقيتنا من كل الشوائب العالقة بنفوسنا وأرواحنا من كبرياء وغطرسة وتشامخ الروح وقسوة الضمير،  لكي نكون أنقياء أمام الله القدوس كقول المرنم في المزمور " قلبا نقيا اخلق فيً يا الله وروحا مستقيما جدد في أحشائي" (مز10:51) .



    سندرس في الأبواب الأربع التالية تجارب ربنا يسوع المسيح من إبليس ، لأن فيها دروسا لنا نتعلم منها ، لأن ربنا يسوع المسيح سمح للشيطان أن يجربه ، ولكنه لم يخطئ  أبدا . فعلينا دائما أن نقتفي خطواته لكي ننتصر دائما في كل تجاربنا ، وكما سلك ربنا يسوع المسيح يجب أن نسلك نحن أيضا .

























البـــاب الثـالـــث

تجـــارب ربـنـــا يســـوع المـسيـــح



    ذكر لنا الكتاب المقدس في كل من بشارة متي وبشارة لوقا ثلاث تجارب ’جرب بها ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح  وشرحوها بأكثر دقة وتوضيح عن الذي ذكر في بشارة مرقس  لتأكيد حدوثها . كما هو مكتوب " أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية أربعين يوما يجرب من إبليس . ولم يأكل شيئًا في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيرا. وقال له إبليس إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا . فأجابه يسوع قائلا مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من الله . ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان.  وقال له إبليس لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن لأنه إلي قد دفع وأنا أعطيه لمن أريد . فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع . فأجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد .ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل . لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك . وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك . فأجاب يسوع وقال له  إنه قيل لا تجرب الرب إلهك . ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين "(لو1:4-13) . {انظر أيضا (مت 1:4-11) وكذلك (مر12:1) } . لم تكن هذه التجارب الثلاث هي كل التجارب ، ولكن هناك العديد من التجارب التي ’جرب بها ربنا يسوع لم تكتب واكتفي البشير بأن قال " ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلي حين " (لو13:4).    إن التجارب التي مر بها ربنا يسوع كانت حربا روحية نفسية فكرية عنيفة ، في صورة قوة وعظمة المجد العالمي الباطل والزائل لكي يغريه بالعتق من آلام الصلب القاسية المريرة . وهذا في الواقع هو مصدر فرحنا وابتهاجنا ومصدر تعزيتنا وصبرنا ورجائنا " لأنه فيما قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين "(عب 18:2) ، وهناك من يخلطون بين التجربة والخطية  فينزعجون ولا يقبلون أن يقال أن ربنا يسوع قد ’جرب . والحقيقة أن إبليس جرب ربنا يسوع المسيح أيضا وهو علي الصليب كما هو  مكتوب       " وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام . خلص نفسك وانزل عن الصليب . وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئين فيما بينهم مع الكتبة قالوا خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها . لينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصليب لنري ونؤمن. واللذان صلبا معه كانا يعيرانه" (مر29:15-32) .

    يتضح لنا من النص في (مت 1:4-11) أن روح الله هو الذي اقتاد ربنا يسوع المسيح إلي البرية لكي يجرب من إبليس ، لأنه " إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس " (في6:2-7) . فقد كان الرب يسوع يتمم تدبير الآب السماوي الأزلي ويحقق مقاصده الإلهية ، فهو الذي قال بفمه الطاهر" طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله " (يو24:4) . وكان التوقيت الزمني لهذه التجارب بعد عماده في نهر الأردن كما هو مكتوب "ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا . وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلا أنت أبني الحبيب بك سررت"  (لو 21:3-22 ،مت 16:4- 17 ، مر9:1-11 ، يو 29:1-34) ، وهذه التجارب كانت في نهاية صومه أربعين يوما في البرية ، فالمسيح صام عنا ولأجل خلاصنا لكي يعلمنا الصوم ، وكان صوم الرب هذا سببا لذهاب الشيطان اليه لمحاربته بالتجارب . فأثناء الصوم دائما تكثر محاربات الشيطان علينا.

    ربنا يسوع المسيح هو الله الظاهر في الجسد ، كقول معلمنا بولس الرسول " وبالإجماع عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد " (1تي16:3) ، وكقول معلمنا يوحنا البشير " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملؤا نعمة وحقا " (يو14:1) ، وأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين ، وهو لم يكن محتاجا إلي معمودية يوحنا وهي معمودية بالماء للتوبه ، ولكنه َقبلَ أن يعتمد بمعمودية يوحنا لثلاثة أسباب :-

 أولا: لكي ’يظهر لإسرائيل كقول معلمنا يوحنا المعمدان " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم . هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي  . وأنا لم أكن أعرفه لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء . وشهد يوحنا قائلا إني قد رأيت الروح نازلا مثل حمامة من السماء فاستقر عليه. وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس . وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله ." (يو29:1-34) .

 ثانيا: لكي يعلمنا طاعة الوصية للحصول علي المعمودية ، ومسحة الميرون المقدس لنوال وحلول الروح القدس ، فالمسيح له المجد غير محتاج لمعمودية التوبة لأنه لم يفعل خطية وهو الذي قال بفمه الطاهر " من منكم يبكتني علي خطية " ( يو46:8) ، ومعلمنا بولس الرسول يقول " لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية " (عب15:4) ، ومعلمنا بطرس الرسول يقول عنه " الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر " (1بط22:2) .

 ثالثا: إن الآب السماوي قد أعد الرب يسوع روحيا ونفسيا وجسديا وأهله لإنتصار الناسوت قبل الدخول في التجارب ، فالمسيح " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلي ذاته آحذا صورة عبد صائرا في شبه الناس " (في6:2-7)، فقد انفتحت السموات وحل الروح القدس علي الرب يسوع  في هيئة حمامة استقرت عليه ثم سمع صوت الآب السماوي قائلا " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " . كل هذا التمجيد من الآب السماوي لكي يقويه ويعده لإنتصار الناسوت في كل تجربة .

    لقد أخفي ربنا يسوع المسيح عن إبليس لاهوته وأيضا أخفي عنه أنه هو المسيا المنتظر، وكان إبليس في حيرة عظيمة ،  هل هذا هو المسيح الذي ولد منذ ثلاثون عاما من عذراء مخطوبة  ليوسف النجار والذي تنبأ عنه إشعياء النبي وقال " ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " (إش14:7 ) ؟ !!، وعندما ولد بشر الملاك الرعاة " وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السموي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة " (لو13:2-14) ؟ !! ، وهل الله الظاهر في الجسد الذي يطلق عليه المسيا المنتظر مخلص البشرية  يولد في مزود بقر؟!! ، وهل كلمة الله المتجسد يعمل نجارا ؟!! ، ولكي يتأكد من ذلك جربه في نهاية فترة الأربعين يوما وقبل بدء كرازته الجهارية ، وكان السبب وراء إخفاء ربنا يسوع المسيح لاهوته عن إبليس لكي لا يتسبب إبليس في محاولة منعه أو إثنائه عن الصليب الذي جاء من أجله لكي يتمم الفداء والخلاص للبشرية ، ولذلك نجد أن ربنا يسوع المسيح في نهاية كرازته عندما " ابتدأ ’يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلي أورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم . فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلا حاشاك يا رب . لا يكون لك هذا . فالتفت وقال لبطرس إذهب عني يا شيطان . أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس" (مت23:16) . كذلك كان ينتهر الشيطان كما هو مكتوب " وكان في مجمعهم رجل به روح نجس . فصرخ قائلا آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري . أتيت لتهلكنا . أنا أعرفك من أنت قدوس الله , فانتهره يسوع قائلا اخرس واخرج منه . فصرعه الروح النجس وصاح بصوت عظيم وخرج منه  " (مر23:1-26) ، كذلك   "وكانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله . فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه أنه المسيح " (لو41:4) .

    ومما يوضح أن اليهود أيضا لم يكن يعلموا أن يسوع المسيح هو الله الظاهر في الجسد ، ما هو مكتوب في بشارة معلمنا يوحنا " كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم . إلي خاصته جاء وخاصته لم تقبله " (يو10:1-11) ، أيضا ما قاله سمعان الفريسي الذي دعي ربنا يسوع لبيته ، عندما رأي مريم أخت لعازر تبل قدميه بدموعها وتمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب " لوكان هذا نبيا لعلم من هذه الإمرأة التي تلمسه وما هي إنها خاطئة " (لو38:7) ، كذلك عندما قال الرب لها " مغفورة لك خطاياك . فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم من هذا الذي يغفر خطايا أيضا " (لو48:7-49) .

    ولقد جاء ربنا يسوع المسيح إلي عالمنا هذا وتجسد لأجل خلاصنا ، كقولة بفمه الطاهر " وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حيوة وليكون لهم أفضل " (يو10:10) .   لقد سمح الآب السماوي بهذه التجارب لإبنه الوحيد وفي هذا التوقيت وهو قبل بدء كرازته الجهرية لأن الشيطان وهو" رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية " (أف 2:2 ) " ورئيس ظلمة هذا الدهر" (أف 6 : 12) و " رئيس هذا العالم "(يو30:14)  كان حرا طليقا يضل الناس . فكان علي الرب يسوع أن يجتاز التجارب ببشريته وإنسانيته أي بناسوته كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس" (في7:2)  ، أيضا " لأنه فيما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين "(عب18:2) , وينتصر ويهزم الشيطان في عقر داره ، لذلك أقتيد بروح الله أي بالروح القدس إلي البرية التي ترمز وتشير إلي العالم حيث توجد مملكة الشيطان ، فانتصر عليه وقيده وشل حركته وسلبه قوته وسلطانه وجبروته لكي لا يعطل خدمة الرب وكرازته ثم آلامه وصلبه وقيامته ، كقول السيد المسيح بفمه الطاهر" أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولا وحينئذ ينهب بيته " (مت 29:12) ، ونحن نشكر الله من كل قلوبنا لأنه قيد الشيطان وحدد حركته ، في الحكم الألفي الذي نعيشه الآن . لذلك قال معلمنا يوحنا البشير " لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب . لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم . والعالم يمضي وشهوته  وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلي الأبد " (1يو15:2-17). وقد قال ربنا يسوع عن الشيطان " لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيً شئ " (يو30:14) .

    أثناء التجارب والضيقات والاضطهادات والأمراض والآلام والأحزان التي نتعرض لها ، لا يمكن أن يتركنا الله وحدنا فريسة لإبليس لأن الله متحد بنا وروحه القدوس يسكن فينا ويقوينا ويقودنا للنصرة ، كقول معلمنا القديس بولس الرسول " أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم"(1كو16:3) ، كل هذا لأنكم " اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كو11:6) . لذلك وجب علينا أن نكون مطمئنين وراسخين في إيماننا به كوعده الصادق الأمين " من يمسكم يمس حدقة عينه " (زك8:2) .

    عندما ظهر ربنا يسوع المسيح لشاول وهو في الطريق إلي دمشق قال له    " شاول شاول لماذا تضطهدني " (أع4:9) ، لم يقل له لماذا تضطهد أتباعي أو لماذا تضطهد أتباع الطريق ، ولكنه قال له لماذا تضطهدني ، " لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه " (أف30:5) .



   إنني أحيانا كثيرة أقف مبهورا مسبحا الرب وممجدا إياه علي كل أعماله معنا وحفظه لنا وسهره علينا كقول رب المجد يسوع بفمه الطاهر " وأما أنتم فحتي شعور رؤوسكم جميعها محصاة  فلا تخافوا" (مت30:10-31) ، أيضا قال " وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك " (لو17:21-22) . فقديما قال لابان عندما كان يطارد يعقوب أبو الآباء ويريد أن يصنع به شرا " إله أبيكم كلمني البارحة قائلا احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو بشر " (تك29:31) . ما أعظم إلاهنا المعتني بنا والذي يدبر مسبقا كل أمور حياتنا دون أن نسأل أو نطلب . انظروا معي وتأملوا هذا الإله المحب الحنون الذي قال لمعلمنا القديس بطرس " سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك . وأنت متي رجعت ثبت إخوتك " ( لو 31:22-32) ، لقد طلب ربنا يسوع من أجل بطرس واخوته الرسل  قبل غربلة الشيطان لهم  .

    قبل أن نبدأ في دراسة تجارب الرب يسوع  من إبليس ، ربما يتساءل سائل ويقول " لقد ’جرب ربنا يسوع المسيح بعد عماده مباشرة وقبل بدء كرازته ولم يكن بعد قد اختار أحدا من تلاميذه ، فكيف علم البشيرون الثلاثة متي ومرقس ولوقا بهذه التجارب وبتفاصيلها كما وردت في الإنجيل ؟

    وللإجابة علي هذا السؤال الصعب علينا بالرجوع إلي بدء الخليقة لإبراز بعض النقط الهامة ، فقد سجل لنا الوحي الإلهي في سفر التكوين كل شئ بطريقة سلسة ومبسطة لكي يسهل فهمها وإدراكها الإدراك الروحي العميق ، والذي سجل لنا هذا السفر بإرشاد من الوحي الإلهي هو معلمنا موسي النبي ، وهو ولد بعد بدء الخليقة وبعد نوح والطوفان بآلاف السنين .  كذلك سجل لنا قصة سقوط أبوانا الأولين آدم وحواء في أول تجربة لهما من الحية القديمة التي ترمز لإبليس " وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله " (تك 1:3) ، لكي يعلمنا أن كسر وصية الله خطية تستحق العقاب ، وقد عانت البشرية من ذلك الوقت حتي ميلاد ربنا يسوع المسيح لأجل خلاصنا من هذه الخطية الموروثة . كذلك سجل لنا قصة الطوفان وفلك نوح بكل تدقيق .

    ايضا سجل لنا الوحي الإلهي  تجارب ربنا يسوع المسيح الثلاث في البشائر الثلاث  ، وهي بشارة متي وبشارة لوقا وبشارة مرقس لكي نتعلم منها دروسا في كيفية التعامل مع إبليس والانتصار عليه وعلي حيله ومكره ، لكي نعيش حياة النصرة الدائمة ويكون ما فعله ربنا يسوع المسيح هو الطريق الأفضل والوسيلة الأمثل في محاربة إبليس بالمكتوب .  لأن " كل الكتاب هو موحي به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر ليكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح " (2تيمو 16:3-17) ، كذلك قول معلمنا بطرس الرسول بإرشاد من الروح القدس " لأنه لم تأتي نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " (2بط21:1) . كذلك قول رب المجد يسوع بفمه الطاهر " لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق . لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي . ولكن إن ذهبت أرسله إليكم . ومتي جاء ذاك يبكت العالم علي خطية وعلي بر وعلي دينونة . أما علي خطية فلأنهم لم يؤمنوا بي . وأما علي بر فلأني ذاهب إلي أبي ولا ترونني أيضا . وأما علي دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين . ... . وأما متي جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلي جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية . " ( يو 7:16-13) . العهد القديم ملئ بنبوات عن ربنا يسوع المسيح ، تنبأ بها هؤلاء الأنبياء القديسين مسوقين من الروح القدس (2بط21:1) ، فكان الروح القدس يوحي إليهم ويمليهم ما يقولونه أو يكتبونه وكان يصونهم من الخطأ.  فكل ما كتب في الكتاب المقدس كان بإرشاد من الروح القدس ، وليس ضروريا أن يحضر البشيرون الثلاثة تجارب الرب لكي يسجلوها لنا .                                                                                                                                                                                                              

















البــــاب الرابـــع

التجـــربة الأولـــي



    مكتوب في بشارة معلمنا متي البشير " فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السموات قد  انفتحت له فرأي روح الله  نازلا مثل حمامة وآتيا عليه. وصوت من السموات قائلا  هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت." (مت17:3) . ، وعند سماع إبليس ما قاله الآب السماوي " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " ، استخدم عنصر التشكيك وهو اسلوبه دائما، فقال له " إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا " (مت3:4) . كان التوقيت الزمني لهذا الحدث العظيم وهو عيد الظهور الإلهي  قبل أن ’يجرب ربنا يسوع من إبليس ، وبعده صام أربعين نهارا وأربعين ليلة في البرية وجاع أخيرا (مت2:4)  وكأن الشيطان يقول للرب هل صدقت تلك الأوهام والتخيلات انك ابن الله حقا ، إن كان الأمر كذلك فاثبت لنا صحته وحول هذه الحجارة خبزا ، لكي تشبع هذا الشعب الجائع فيتبعونك ، ويملكونك ملكا عليهم. حاول إبليس أن يستغل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي كان يعيشها الشعب تحت الاحتلال الروماني من اضطهاد وعبودية وفقر وجوع ،  لأن بعض أفراد الشعب كانوا يفسرون نبوات العهد القديم بما يحلمون ويأملون ويترجون حدوثه فكانوا يتطلعون إلي مجئ  المسيا المنتظر الذي يظنون أنه قائد شجاع قوي سوف يخلصهم من هذا الاستعمار ويطرد الرومان ويحقق لهم السلام والرخاء الاجتماعي والحياة الرغـدة والشبع بكل خيرات الأرض . فكانوا يظنون أن المسيا المنتظر سوف ينشئ ملكوت زمني أرضي لإسرائيل ، وأن إسرائيل ستكون أم الدنيا المملوءة بكل خيرات الأرض ومباهجها  ، وان كل سكان الأرض يأمون إليها للتمتع ببركاتها وخيراتها . وأن ملكوته الأرضي الذي سوف ينشئه سيكون مجتمعا جديدا خاليا من أي مشاكل اقتصادية أو حربية أو أي نزعات دينية أو طائفية أو عرقية ويعم السلام والاطمئنان كل ربوعها  . وأنه سوف يجلس علي كرسي مجده ، وأن جميع شعوب العالم ستخضع له .

    كان من الممكن ومن السهل بما كان أن يحول الرب يسوع هذه الحجارة إلي خبز ويشبع كل البطون الجائعة ، فهو فيما بعد أثناء كرازته قد أشبع نحو خمسة آلاف رجل غير النساء والأولاد من خمسة أرغفة وسمكتين (مت21:14 ، يو9:6-13) .    ونظرا لأن الرب يسوع هو الله الظاهر في الجسد والعالم بلاهوته بكل خفايا الأمور وبمكر وخبث إبليس وإغرائه بالمجد  العالمي الباطل ، لذلك رفض الرب الاستجابة لطلبه لأن رب المجد يسوع المسيح مملكته ليست من هذا العالم فهو الذي قال بفمه الطاهر لبيلاطس الوالي " مملكتي ليست من هذا العالم " (يو36:18)  ، فهو جاء لكي يملك بالحب والوداعة علي قلوب المؤمنين به ولكي يخلصنا من خلال الصليب . فهو القائل " وأنا إن إرتفعت عن الأرض أجذب إليً الجميع " (يو32:12).

ولكن ربنا يسوع أفحم  إبليس بالمكتوب إذ قال له " مكتوب  ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " (مت4:4) . وفي هذا درسا لنا أن نتسلح دائما بالمكتوب لمحاربة إبليس .

            لم تكن هذه التجارب سوي محاولة تهدف إلي إثناء وإقصاء الرب يسوع من اتمام العمل الذي أتي إلي العالم من أجله وهو الصليب ، ولم تكن موجهة لناسوته لإيقاعه في خطايا بشرية أو إلي لاهوته بكماله ، بل إلي ارساليته وكرازته . فبعد تمجيد الآب للابن مباشرة وفي نهاية صومه أتت التجارب من الشيطان (مر9:1-13) ،  ونحن أيضا علينا أن نكون متوخين الحذر الشديد لأن الشيطان دائما يحارب الإنسان وهو صائم وفي الأوقات التي يكون فيها في روحانية عالية لكي يسقطه ، وأحيانا كثيرة يحارب الخدام في الوقت الذي يكونون فيه في غاية النجاح في خدمتهم الروحية . فلو نظرنا إلي معلمنا إيليا النبي الذي حقق انتصارات كبيرة علي أخاب الملك وأنبياء البعل بإستجابة الله لصلاته ، فنزلت نار الرب علي ذبيحة إيليا النبي وأكلت الذبيحة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة ، كذلك  نزول المطر الغزير بعد جفاف شديد لمدة ثلاث سنوات (1مل 36:18-46) . بعد كل هذه الإنتصارات مباشرة نجد إيليا النبي الناري يضعف ويخاف علي حياته أمام تهديد إيزابل الملكة الشريرة ، ويهرب إلي بئر سبع التي ليهوذا  وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه (1مل3:19-4) .

    الروح الذي حل علي المسيح له المجد مثل حمامة في المعمودية هو الروح القدس روح الوداعة والتواضع ، روح القداسة والطهارة والعفة ، وهو نفس الروح الذي قاده إلي البرية وهو في نفس الوقت روح الشجاعة والجرأة المقدسه ، روح المواجهة والتحدي لإبليس وأعوانه . فالمسيحية تعلمنا الوداعة والتواضع وفي نفس الوقت تعلمنا الشجاعة والجرأة والمواحهة ، لذلك معلمنا القديس يعقوب الرسول يقول " قاوموا إبليس فيهرب منكم " (يع7:4) ، فيجب علينا ألا نخاف بل نتسلح بالمكتوب " لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم " (2مل16:6) ، فملائكة الله تحرسنا وهي أكثر وأقوي" ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم " (مز7:34) ، وقد ترنم معلمنا داود النبي وقال " سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجري ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة " (مز5:37) .

        إن أوقات الضعف والاحتياج عند كل إنسان سواء كان ماديا أو روحيا أو نفسيا أو عاطفيا أو جسديا دائما يكون مصحوبا بالحزن والأسي والمرارة ، ويكون فرصة سانحة لمهاجمة إبليس ليسقطه في شباكه ، محاولا إقناع الإنسان بضرورة إشباع  هذا الاحتياج بطرق خاطئة غير مسيحية وغير مشروعة مثل الكذب والغش والاختلاس والسرقه والكسب غير المشروع ، غير مدرك لعاقبة ما يفعله لأنه دائما يشل تفكيره ، كما هو مكتوب " كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم " (1يو11:2) . ومعلمنا القديس يعقوب الرسول يقول " كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتا " (يع14:1-15) ، ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول " اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد . لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد . وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتي تفعلون ما لا تريدون " (غل16:5-17) .



























البـــاب الـخـامـــس

التجـــربـــة الثـــانيـــة

    يذكر   لنا الوحي الإلهي  " ثم أخذه إبليس إلي المدينة المقدسة وأوقفه علي جناح الهيكل. وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلي أسفل . لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك . فعلي أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك . قال له يسوع مكتوب أيضا لا تجرب الرب إلهك " (مت5:4-7) .  

    المدينة المقدسة في الآيات السابقة هي مدينة أورشليم كما ورد في (نح1:11) ، وأيضا  " ... لأن من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب " (مي2:4) . والهيكل الذي أخذ المجرب إليه ربنا يسوع المسيح  هو الهيكل الذي بناه سليمان الملك في هذه المدينة المقدسة ويقع علي جبل الموريا او جبل التجربة. وهذه التجربة هي صراعا فكريا نفسيا روحيا عميقا.

    السيد المسيح له المجد كان قد أخفي لاهوته عن إبليس لكي لا يعرقل إبليس مسيرته المقدسة إلي الصليب الذي جاء وتجسد من أجله لإتمام الفداء وتقديم الخلاص للبشرية جمعاء ، فالمسيح له المجد قال عن نفسه أنه قد " جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك " ( لو 10:19) ، والملاك عندما بشر العذراء القديسة مريم قال لها أنها " ستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع . لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " (مت 21:1) . ونظرا لأن اليهود في ذلك الوقت كانوا يتطلعون إلي وينتظرون مجئ  المسـيا  الذي سوف يخلصهم من الإستعمار الروماني  ، وكان الاعتقاد السائد بين الأحبار اليهود طبقا لتعاليم المدراش اليهودية ، وهي عبارة عن مجموعة من القصص اليهودية القديمة مبنية علي تفسيراتهم للعهد القديم ، وكانت تتوارث من جيل إلي جيل شفاهة ، وتدرس بالمدارس اليهودية للأطفال ، والآن قد ’جمعت في عدة مجلدات ، وطبقا للآمال اليهودية المتعلقة بمجئ المسيا المنتظر فإن إحدي هذه القصص تقول بأن المسيا سوف يظهر بطريقة فجائية ليعلن عن نفسه في الهيكل ، وهي مبنية علي نبوة ملاخي النبي " ها أنا أرسل ملاكي فيهئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلي هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هوذا يأتي قال رب الجنود ."(ملا 1:3). لذلك نجد أن إبليس حاول جاهدا أن يثني ربنا يسوع المسيح عن الصليب بأن قدم له حلا سهلا وهو أن يطرح بنفسه من فوق جناح الهيكل  إلي أسفل فتأتي الملائكة وتحمله لكي يثبت لليهود بأنه ابن الله فيؤمنون به ويملكونه عليهم ملكا.  والعجيب في الأمر أن إبليس استخدم نفس اسلوب ربنا يسوع المسيح في الرد عليه في التجربة الأولي ،  لذلك أقتبس الشيطان آية من سفر المزامير واقتطع منها هذه الكلمات " لكي يحفظوك في كل طرقك "  وقال له  "مكتوب أنه يوصي ملائكته بك  . علي الأيدي يحملونك لئلا تصطدم بحجر رجلك ". فمن دهاء إبليس ومكره استقطع آية واحدة غير كاملة من النص الكامل للمزمور لكي يبرر ما يوحيه ولكي يقنع الرَبْ بصحة وصدق ما يقوله . فالنص الكامل هو "لأنك قلت أنت يا رب ملجإي . جعلت العلي مسكنك . لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك . لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك .علي الأيدي يحملونك لئلا تصطدم بحجر رجلك . علي الأسد والصل تطأ  . الشبل والثعبان تدوس . لآنه تعلق بي أنجيه . أرفعه لأنه عرف اسمي . يدعوني فأستجيب له . معه أنا في الضيق . أنقذه وأمجده . ومن طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي " (مز9:91-16) .

      رفض ربنا يسوع المسيح فكرة الشيطان بأن يطرح بنفسه من فوق جناح الهيكل فتأتي الملائكة وتحمله علي أيديهم لكي لا تصطدم بحجر رجله ، فينبهر اليهود بذلك ويملكونه عليهم . ونظرا لأن الشيطان يعلم جيدا أن اليهود دائما يطلبون آيات ومعجزات وعجائب لكي يؤمنوا وكانوا يعتقدون أن عصر المسيا المنتظر سيكون عصر الآيات والمعجزات والعجائب كقول معلمنا القديس بولس الرسول " لأن اليهود يسألون آية واليونانين يطلبون حكمة " (1كو22:1)  وهذا يؤكده لنا معلمنا يوحنا البشير عندما صنع الرب معهم      " معجزة البركة " فيها قام بإشباع خمسة آلاف رجل ومن معهم من أطفال ونساء ،  من خمسة أرغفة شعير وسمكتان . وبعد أن شبعوا جمعوا اثني عشرة قفة من الكسر التي فضلت عن الآكلين .  " فلما رأي الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلي العالم . وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويخطفوه ليجعلوه ملكا انصرف أيضا إلي الجليل وحده " (يو14:6-15) . أيضا يذكر لنا معلمنا يوحنا البشير أنه بينما كان المسيح في الهيكل يعلم " فآمن به كثيرون من الجمع وقالوا ألعل المسيح متي جاء يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا " (يو 31:7) . كما أن إبليس يعلم جيدا أنه لا يوجد فداء ولا خلاص للبشرية إلا بواسطة فادينا ومخلصنا ربنا يسوع المسيح من خلال الصليب ، فبموته علي الصليب وقبره ثلاثة أيام وقيامته من بين الأموات وصعوده إلي السموات ، أنار طريق الخلود والحياة الأبدية  وفتح أبواب الفردوس لأرواح المؤمنين به الذين ماتوا ويموتون علي الرجاء وكانوا يسلكون حسب وصاياه ويصنعون مرضاته أثناء حياتهم  وهم علي الأرض . إن الشيطان كان يجهل تماما وغير متأكد أن هذا هو ابن الله ، المسيا المنتظر، الفادي والمخلص للبشرية ، لذلك قال له " إن كنت أنت ابن الله" ، وهو بطبيعته شكاك، يشك في كل شئ ، ويشكك الناس لكي يضلهم ويضمهم إلي حظيرته ، لذلك أراد بهذه التجربة أن يكتشف من هو ، لأنه إن كان هو ابن الله المعين للفداء والخلاص فستأتي الملائكة وتحمله  ، وبذلك يكون متأكدا فيعمل جاهدا لكي يبعد ربنا يسوع المسيح عن الصليب لكي يعطل رسالة الخلاص التي جاء المسيح ليتممها بدمه الذكي الكريم المسفوك علي عود الصليب

    كان من السهل علي إبليس أن يمنع الرب من الصليب لو تأكد أن هذا هو المسيا المنتظر ، بأن يوحي الي رؤساء الكهنة والشيوخ الذين كانوا يحرضون الجموع ، علي أن يطلبوا يسوع ويهلكوا باراباس عندما " قال لهم بيلاطس من تريدون أن أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعي المسيح " (مت 17:27)،   ولكنه لم يستطع فعل ذلك لأن الشيطان لم يكن متأكدا أن هذا هو المسيح المخلص ، وأيضا لأن الشيطان لا يستطيع أن يغير خطة الله الأزلية لفداء وخلاص البشرية .

    لقد استخدم إبليس كلمة " مكتوب " ثم ألصقها بوعد لكي يجرب الرب ، أما ربنا يسوع المسيح فقد استخدم كلمة " مكتوب " وألصقها بوصية وبهذا انتصر علي الشيطان .  ونحن لابد أن ننفذ الوصية أولا لكي نحصل علي وعد الله ، وليس العكس صحيحا ، وقد استقطع إبليس هذه الكلمات " لكي يحفظوك في كل طرقك " من نص المزمور لأن السائر في طرق الرب التي رسمها لنا الله هو الذي يحفظه الرب ويرسل ملائكته لكي يحرسوه ويحملونه علي الأيدي  . والوصية التي استخدمها ربنا يسوع المسيح من سفر التثنية هي " لا تجربوا الرب إلهكم كما جربتموه في مسة " (تث16:6) ، هذه الوصية في صورة الجمع لأنها لجميع الشعب ، ولكن الرب قالها بصورة المفرد " لا تجرب الرب إلهك .." . فيجب علي كل واحد منا أن يأخذ الوصية علي أنها له شخصيا ويطبقها في حياته ثم ينتظر تحقيق وعود الله  في الوقت المناسب حسب مشيئته الصالحة .

    الله يسمح للشيطان بتجربتنا ، لكي نشعر بضعفنا وعجزنا كقول الله          " واضيق عليهم لكي يشعروا " (إر18:10) ، فنتضع ونصرخ إلي الله لكي ينجينا منها ، ولكي نشفق علي المجربين ونرثي لحالهم ونعضدهم ،  عالمين أن " الله أمين ، لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون . بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا " (1كو13:10) . وعندما تشتد حروب الشيطان علينا ، وتحكم قبضتها ، نجد أنفسنا نصرخ إلي الله ونقول " اللهم أسرع إليً. معيني ومنقذي أنت . يارب لا تبطِؤ "(مز5:70) ، فاننا  نجد العون من الله الذي ينجينا من هذه التجربة ، دون أن نعلم كيف أو متي ، فلنكن دائما مطمئنين وواثقين في حفظ الله لنا كقول المرنم في المزمور " أقول للرب ملجأي وحصني إلهي فأتكل عليه . لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوباء الخطر . بحوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي . ترس ومجن حقه . لا تخشي من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار .  ولا من وباء يسلك في الدجي ولا من هلاك يفسد في الظهيرة .  يسقط عن جانبك ألف وربوات عن يمينك , إليك لا يقرب . إنما بعينيك تنظر وتري مجازات الأشرار " (مز 2:91-8) . وإذا وجدنا أنفسنا يوما من الأيام بدون حروب روحية ، وبدون تجارب ، وبدون فتور روحي ، يجب الا نغتر بأنفسنا ونظن أننا أصبحنا  قديسين ، لأن هذا الكبرياء والغرور يؤدي إلي السقوط السريع كقول معلمنا سليمـان الحكيــم " قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح " (أم18:16) .

    الشئ الذي يجب أن يجذب أنظارنا هو أن إبليس استخدم آيات من الكتاب المقدس في تجربته ربنا يسوع ، ولذلك علينا أن نكون حذرين جدا ، فليس كل من يمسك الكتاب المقدس بيده ويجول يعظ فوق المنابر رجلا تقيا صالحا وجب علينا إتباع تعاليمه . يجب أن يكون لدينا موهبة الإفراز لمعرفة إذا كان هذا المتكلم يتبع التعليم المسيحي المستقيم أم لا.   والحقيقة المؤلمة منذ القرون الأولي للمسيحية هي ظهور بعض البدع والهرطقات ، من رجال الدين مثل بدعة بيلاجيوس الذي كان برتبة " راهب قس " بريطاني ، وكان ينادي بتعاليم ضد سر الفداء ودم المسيح ، "دم المسيح الذي يطهرنا من كل خطية" (1يو7:1). أيضا كان ينادي بأن خطية آدم قاصرة عليه دون بقية الجنس البشري . وهناك بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية الذي تولي كرسي البطريركية عام 428م ، وكان ينادي بأن ربنا يسوع المسيح له اقنومين وطبيعتين ، وكان ضد تسمية السيدة العذراء مريم بوالدة الإله وانتقد المجوس لسجودهم للطفل ربنا يسوع المسيح . وقد تصدي لهذه البدع والهرطقات البابا كيرلس  الأول ، البطريرك الرابع والعشرون والملقب بالقديس كيرلس عمود الدين ، وللمحافظة علي الإيمان القويم عقد عدة مجامع مكانية ومسكونية ليردهم إلي الإيمان السليم ،  ولما لم ينجح في ذلك عقد المجمع المسكوني الثالث وهو مجمع أفسس الأول سنة 431م ، وقام المجتمعون بإصدار قرار حرمان لكل من بيلاجيوس وبدعته وتعاليمه وكذلك نسطور وبدعته وتعاليمه ، وتم حرمانهم .  ونتيجة صراع المذاهب ظهرت بدع كثيرة من صنع البشر مثل بدعة أريوس التي تصدي لها القديس أثناسيوس بكل حزم ، وبدعة مقدونيوس ، وبدعة أوطاخي . حتي في عصرنا الحديث لا يهدأ الشيطان ، الحية القديمة ، من عمل المزيد من الفرقة ومزيد من الإنقسام والتشكيك ، فنحن نشهد اليوم شهود يهوه وقد قاموا بطبع   " العالم الجديد للكتاب المقدس "  وهي ترجمة محرفة من الأصل اليوناني لكي تتماشي مع عقيدتهم وتخدم أفكارهم ، وكذلك المورمان وغيرهم ، كذلك الإنشقاق الذي أراد أن يصنعه ماكس مشيل ، الذي نصب نفسه في 22 نوفمبر1982م  بطريركا للأقباط باسم مكسيموس الأول  وفشل فيه ، لذلك قال معلمنا القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس " ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة . لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين .... . ... . لهم صورة التقوي ولكنهم منكرون قوتها . فأعرض عن هؤلاء " (2تيمو 1:3-5) .





الــــباب الســـادس

التجــربــــة الثـالثــــة



    سبق أن ذكر المرنم بروح النبوة أن الآب السماوي قد وعد الابن بأن يعطيه الأمم ميراثا وأقاصي الأرض ملكا له ، طبقا للخطة الإلهية الأزلية لخلاص البشرية من خلال الصليب كما هو مكتوب " إني أخبر من جهة قضاء الرب . قال لي أنت ابني . أنا اليوم ولدتك . اسألني فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصي الأرض ملكا لك " (مز7:2-8) . ولذلك أراد الشيطان أن يثني ربنا يسوع المسيح عن الصليب وعن الكأس التي سيشربها والصبغة التي سوف يصطبغ بها (مر35:10-39) و (مت 23:20) ، بأن  قدم  له حلا آخر سهلا  ووعدا بالمكافأة وهي أن يملكه علي جميع ممالك العالم ومجدها إذا سجد له . لذلك نجد في هذه التجربة أنه مكتوب " ثم أخذه إبليس إلي جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها . وقال له أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي . حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان . لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد.  ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه ." (مت 8:4-11).

    يذكر الوحي الإلهي في هذه التجربة أن إبليس أراه ، فالنظر والرؤية هي أول الطريق في أي تجربة ، يليه مرحلة الإغراء ثم مرحلة الانجذاب والانبهار، ثم مرحلة الانخداع الذي قد يؤدي للسقوط في الخطية والهلاك . وقد قال ربنا يسوع بفمه الطاهر " سراج الجسد هو العين . فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا . وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما " (مت 22:6-23) ، كذلك يقول معلمنا سليمان الحكيم " العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع " (جا 8:1) ، ومعلمنا القديس يعقوب الرسول يقول " ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته . ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتا "(يع14:1-15) . والعهد القديم يسجل لنا سقوط أمنا حواء  في أول  تجربة  لها من الحية القديمة عن  طريق  الرؤية  وحاسة  النظر  " فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل . وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر..." (تك6:3) ،  وكانت النتيجة الحتمية لذلك الوقوع في خطية كسر الوصية الإلهية لأنها " أخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل "  ، كذلك معلمنا داود النبي والملك الذي عندما كان وقت المساء " قام عن سريره وتمشي علي سطح بيت الملك فرأي من علي السطح امرأة تستحم . وكانت المرأة جميلة المنظر جدا " (2صم2:11) ، وكانت نتيجة ذلك وقوعه في خطية الزني مع هذه المرأة وهذا قاده إلي خطية أخري إذ قد تسبب في موت زوجها أوريا الحثي . كما أن بنو إسرائيل انكسروا أمام أهل قرية صغيرة تدعي "عاي" ، وقد كان سبب إنكسارهم هو خيانة عخان  بن  كرمي  الذي " أخذ  من الحرام فحمي غضب الرب علي بني إسرائيل " (يش1:7) ، وقد اعترف عخان بن كرمي ليشوع بن نون وقال   " رأيت  في الغنيمة رداء شنعاريا نفيسا ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلا فاشتهيتها وأخذتها. ... " (يش21:7) .  ولذلك  علينا دائما أن نترنم مع المرنم ونقول " حول عيني عن النظر إلي الباطل . في طريقك أحيني " (مز37:119) .

    لقد أخذ إبليس  الرب يسوع إلي " جبل عال جدا ، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها " (مت8:4) ، فذهابه إلي جبل عال  ورؤيته جميع ممالك العالم ومجدها يشبه الرؤية التي أراها الله لحزقيال الكاهن لهيكل سليمان بأورشليم وهو جالس في بيته في بابل أثناء السبي ، كما ورد في (حز1:8-  18 ) ، فغرور الشيطان وكبرياءه وغطرسته دفعه لكي يتشبه بالله وأراد أن يصير مثل العلي ، كقول معلمنا إشعياء النبي  " كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح . كيف قطعت إلي الأرض يا قاهر الأمم . وأنت قلت في قلبك أصعد إلي السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس علي جبل الاجتماع في أقاصي الشمال . أصعد فوق مرتفعات السحاب . أصير مثل العلي ." (إش12:14-14) ، فقد كان الشيطان أحد الطغمات السمائية برتبة كروب منبسط مظلل أقامه الله علي جبل الله المقدس (حز 14:28)   .

 علينا في شرح هذه التجارب أن نلجأ إلي التفسير الروحي ونبتعد عن التفسير الحرفي لأن " الحرف يقتل والروح يحيي " (2كو6:3). والمعني المفهوم في هذه الآية هو أن إبليس قد جسد للرب منظر ممالك العالم في لحظة من الزمان. ومن دقة الوحي الإلهي أنه ذكر أنه " أراه جميع ممالك العالم ومجدها " ،  ولذلك فإن معلمنا يوحنا البشير يقول " لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم " (1يو16:2) ، فشهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة كلها فكرية تصورية خيالية . والغريب في هذه التجربة أن الشيطان جاء ليغري ربنا يسوع المسيح بمجد العالم الباطل الزائف الزائل ، والذي لا يملكه لكي يعطيه للرب ، لأن الله هو الذي خلق العالم وهو وحده الذي يملكه ، فكل ما يملكه الشيطان هو أن يغرينا بالنجاح والشهرة والغني بإستخدامنا أساليبه وغشه وتحايله وخداعه ،  وهو طريق نهايته الهلاك الأبدي .

    كما أنه هناك فرق كبير بين أن نعيش وبين أن نحيا ، فلكي نعيش نحتاج إلي أمور من أجل الجسد مثل المأكل والمشرب والملبس ، وهناك أناس يعملون ساعات عمل طويلة من أجل الحصول علي المال الوفير لشراء عربية ومنزل والترقية في الوظيفة وأن يكون لديهم أموال في البنك ومهما حصلوا عليها يطمعون فيما هو أكثر فأكثر،  ولكن لكي نحيا علينا أن نهتم بالأمور الروحية كقول ربنا يسوع المسيح بفمه الطاهر" الروح هو الذي يحيي . أما الجسد فلا يفيد شيئا . الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة " (يو63:6) ، كذلك قوله في العهد القديم "... لكي تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا " (تث6:30) ،  لأن الله هو الذي يحيي ويعطي للإنسان عطايا حسنة ، كقول معلمنا يعقوب الرسول " كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 17:1) ، وكقول معلمنا بولس الرسول " كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غني مجد ميراثه في القديسين " (أف17:1-18) ، وكذلك قول معلمنا يوحنا البشير بالروح القدس " وهذه الحيوة هي في ابنه . من له الابن فله الحيوة ومن ليس له ابن الله فليس له الحيوة " (1يو11:5-12) .  إن المجد الحقيقي للإنسان أثناء حياته في العالم الحاضر هو في حفظ وصايا الله والالتصاق بالرب يسوع الذي يهب البر والطهارة والقداسة والحياة الصالحة والتي يكللها الله بالميراث الأبدي في الحياة الأبدية . ومن الواضح أنه في كل من التجربة الأولي والثانية كان إبليس يحاول أن يغري ربنا يسوع المسيح بأنه لو نفذ اقتراحه سوف يتوج ملكا علي إسرائيل ، أما في التجربة الثالثة فقد أغراه بما هو أعظم وهو أن  يعطيه ويملكه علي جميع ممالك العالم وأمجادها، فالشيطان لا يملكها لكي يعطيها لمن خلقها ربنا يسوع المسيح ، كما أنه كان لا يعلم أن مملكة المسيح ليست من هذا العالم (يو36:18) .

    لقد طلب الشيطان من ربنا يسوع المسيح أن يسجد له ، وهذا يدل دلالة واضحة علي أن الشيطان لم يكن يعلم أنه هو المسيا المنتظر لخلاص البشرية،  فالسجود هو نوع من العبادة للشيطان ، وهذا ما كان يتمناه ويصبوا إليه الشيطان ، فكبرياءه وغروره وغطرسته دفعه للسقوط كقول معلمنا إشعياء النبي (إش12:14-14) ، والسجود للشيطان هو إعتراف ضمني بالتبعية والإنضمام لمعسكره مكبلا بالقيود ، يطيع الأوامر ويصنع كل ما يؤمر به . لقد أخفي الرب عن الشيطان أنه الكلمة ابن الله ، لكي لا يعطل عمله الخلاصي للبشرية بموته علي الصليب وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث وصعوده إلي السموات بعد أربعين يوما وإرساله الروح القدس علي التلاميذ المجتمعين في العلية في يوم  الخمسين ، لكي يأخذوا قوة من الأعالي  ويتمموا الكرازة باسمه المبارك ، ولذلك كثيرا ما كان الرب يطلب من التلاميذ ألا يعلنوه إلا بعد قيامته وصعوده إلي السموات (مر39:8) ، كذلك كان ينتهر الشيطان الذي أخرجه لكي لا يعلنه (مر25:1) ، (مر34:1) .

    يوضح لنا الوحي الإلهي بأن الرب انتهر الشيطان بعد أن أكمل كل تجربة  كما هو مكتوب " حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان .  ... . ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه . " (مت10:4-11) . فقد كان انتهار وطرد ربنا يسوع للشيطان دليل علي الانتصار والقوة فقد جاء المسيح إلي العالم لكي يغلب الشيطان وهو في جسد بشريتنا نيابة عن الجنس البشري بأن يموت علي الصليب ليوفي العدل الإلهي حقه ، ويكفر عن خطايا البشرية كلها ويعطي الخلاص لكل الذين يتقونه ويقبلونه فاديا ومخلصا . فبموت السيد المسيح علي الصليب أباد سلطان الموت بسيف الموت الذي كان إبليس يستخدمه ضد جميع البشر كقول معلمنا هوشع النبي بروح النبوة " أين شوكت يا موت أين غلبتك يا هاوية " (هو14:13 ، 1كو 55:15) . والمتأمل في قصة داود الشاب الصغير الذي وقف أمام جوليات الجبار الذي كان شاهرا سيفه مهددا شعب الله ومعيرا إياهم ، يجد أن داود قطع رأس جوليات الجبار بنفس السيف الذي أشهره في وجه داود ، وفي هذا إشارة ورمزا إلي ما فعله ربنا يسوع المسيح مع الشيطان إذ أباد الشيطان الذي له سلطان الموت بالموت الذي كان يستخدمه الشيطان ضد جميع البشر ، كقول معلمنا بولس الرسول " فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك  الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية " (عب14:2-15)  .  بعد ذلك تركه الشيطان وجاءت ملائكة وصارت تخدمه  وتعتني به وتقدم له الطعام والشراب للجسد واينما وجد ربنا يسوع تكون الملائكة حوله للتسبيح الدائم وإعطاء المجد له . والوحي الإلهي يذكر أن ملائكة وهي في صور الجمع تدل علي أن عددا كثيرا من الملائكة جاءت وصارت تخدمه لأن المسيح هو الله الظاهر في الجسد، ، أما في حالة البشر نجد أن ملاك واحد فقط يأتي برسالة معينة والأمثلة علي ذلك بالكتاب المقدس كثيرة منها أن ملاك مس إيليا النبي وأيقظه (1مل5:19-8) ، ظهور ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور لزكريا الكاهن (لو11:1-13)، وظهور الملاك جبرائيل بالبشارة للسيدة العذراء مريم (لو26:1-38) ، ظهور ملاك للرسل الذين وضعوهم في حبس العامة ليخرجهم " ولكن ملاك الرب في الليل فتح أبواب السجن وأخرجهم وقال اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة " (أع19:5-20).



















البـــاب الســـابع

الخـــاتمـة

    إن التجارب والضيقات والاضطهادات والأمراض والآلام والاحزان  التي يمر بها الإنسان حتي الأنبياء والقديسين والأبرار طوال أيام حياتهم في هذا العالم الشرير هي دائما لمنفعتنا ، لأن " كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله اللذين هم مدعوون حسب قصده  " (رو28:8) . والإنسان بطبيعته مداركه للأمور محدودة ونظرته قصيرة المدي ، ولكن الله المعتني بأولاده يدبر لهم كل شئ صالح ، ولكنه أثناء التجارب والضيقات والاضطهادات ينظر الانسان إلي بواطن الأمور بنظرة ضيقة ويتساءل لماذا كل هذا ؟، ولكن بعد مرور أية تجربة أو ضيقة أو اضطهاد يكتشف وبعد فترة من الزمن أن ما حدث كان لخيره ولمصلحته وأن ما حدث قد أنقذه من ضيقة أكبر وتجربة أقسي وشر أعتي . ويجب علينا أثناء ذلك ألا نخاف أو نضعف أو يهتز إيماننا، بل دائما نكون شاكرين وصابرين وممجدين ومسبحين الله وواثقين أن الله سوف يعطينا المنفذ من كل هذا لنخرج منها منتصرين ، ونترنم مع معلمنا داود النبي " إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك معي " (مز4:23) . وعلينا أن نفرق بين الضيقات والتجارب والأحزان التي يقع فيها الخطاة بسبب أخطائهم ، وبين  القديسين والأبرار الذين تصيبهم الضيقات والتجارب بسبب شرور الآخرين وحسدهم وكراهيتهم لهم ، فكلهم قد اجتازوا في بوتقة الألم واختبروا التجارب والضيقات والاضطادات كقول المرنم في المزمور " كثيرة هي أحزان الصديقين ومن جميعها ينجيهم الرب " (مز33:20) .  وأنني أود أن أذكر كل واحد يمر بتجربة أو ضيقة  بما قاله معلمنا موسي النبي للشعب بروح الإيمان " لا تخافوا . قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. ... . الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون . " (خر13:14 - 14 ) ، كما أنه يجب علينا ألا نتزعزع أو نضطرب لأن ملاك الرب يحرسنا وينجينا  كقول المرنم بالمزمور " ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم . ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبي للرجل المتوكل عليه " (مز7:34-8) .

    ومعلمنا القديس يعقوب الرسول يقول " احسبوه كل فرح يا اخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان  إيمانكم ينشئ صبرا . وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شئ " (يع2:1) . أيضا " طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة . لأنه إذا تزكي ينال إكليل الحيوة  الذي وعد به الرب للذين يحبونه " (يع 12:1)  . أما ربنا يسوع المسيح فينصحنا بالدخول من الباب الضيق الملئ بالتجارب والضيقات والآلام والأحزان " ادخلوا من الباب الضيق . لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلي الهلاك . وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلي الحيوة وقليلون هم الذين يجدونه " (مت13:7-14) ،                                     وبعد أن رجع القديسين بولس وبرنابا الرسولين إلي لسترة وإيقونية وأنطاكية كانا " يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثيتوا في الإيمان وأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله "  (أع22:14) .    وقد أنبأنا الرب صراحة أنه " في العالم سيكون لكم ضيق . ولكن ثقوا . أنا قد غلبت العالم ." (يو33:16) .  وفي الموعظة علي الجبل طوب الرب الذين يجتازون الاضطهادات منتصرين ووعد بأنه سيكون لهم فرح في السماء " طوبي للمطرودين من أجل البر. لأن لهم ملكوت السموات . طوبي لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين . افرحوا وتهللوا . لأن أجركم عظيم في السموات ... " (مت10:5-12) . 

    في وسط التجارب والضيقات والاضطهادات تأتي بركات الله ، فقد ألقي الفتية الثلاثة في أتون النار المحمي سبعة أضعاف  (دا19:3) ،" فلم تكن للنار قوة علي أجسامهم وشعرة من رؤوسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأت عليهم " (دا 27:3 ) ،  حتي أن نبوخذ نصر بارك إلههم واعترف به إذ " اقترب نبوخذ نصر إلي باب أتون النار المتقدة وأجاب فقال يا شدرخ وميشخ وعبد تناغو يا عبيد الله العليَ أخرجوا وتعالوا . فخرج شدرخ وميشخ وعبد تناغو من وسط النار . ... . فأجاب نبوخذ نصر وقال تبارك إله شدرخ وميشخ وعبد تناغو الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك وأسلموا أجسادهم لكيلا يعبدوا أو يسجدوا لإله غير إلههم " (دا 26:3،28 )  . وقد أنقذ الرب أيوب البار بعد اتضاعه ، فبعد أن فقد ثروته وأولاده وصحته  باركه الله وأعطاه ضعفا في كل شئ  "وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه " (أي 12:42) . لقد كان صبر أيوب مثالا رائعا يحتذي به في الضيقات والآلام والأحزان .

    في وسط التجارب والضيقات والآلام والأحزان علينا أن نتسلح بالمكتوب فمثلا عندما يحاربنا عدو الخير بمحبة العالم علينا أن نتذكر ونردد المكتوب في رسالة معلمنا يعقوب " محبة العالم عداوة لله " (يع4:4) ، كذلك " لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم . إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب " (1يو15:2) . وعندما نحارب بخطية الكبرياء علينا أن نتذكر الوصية القائلة "يقاوم الله المستكبرين . أما المتواضعين فيعطيهم نعمة " (يع6:4، 1بط5:5).وعندما نحارب بأخطاء وزلات اللسان علينا أن نتذكر الوصية القائلة " ليكن كل إنسان مسرعا إلي الإستماع مبطئا في التكلم " (يع20:1) ، ونترنم مع معلمنا داود النبي ونقول " ضع يا رب حافظا لفمي وبابا حصينا لشفتي " (مز3:141) ، لأن " كثرة الكلام لا تخلو من معصية " (أم19:10) . أما إذا حاربنا عدو الخير بالنظرات الشريرة علينا أن نردد قول الرب " قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن . وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلي امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه "(مت 17:5-18) ، لأن أجسادنا هي هيكل للروح القدس الساكن فينا (1كو19:6) .

    إن وسائط النعمة من صوم وصلاه وقراءة الكتاب المقدس والإعتراف والتناول من الأسرار المقدسة تحصنا وتقوينا ضد التجارب ولكنها في نفس الوقت لا تمنع إبليس من أن يحاول محاربتنا بالتجارب الفكرية والروحية والنفسية ، ولذلك لا بد أن يكون لكل مؤمن أب اعتراف يكون بمثابة مرشده  الروحي . لأن إبليس يستخدم أساليب وحيل كثيرة ، فمثلا عندما يكون إنسان في تجربة ما يهمس إبليس في اذنية قائلا " قم صلي إلي الله لكي يرفع عنك هذه التجربة " وربما يكون رفع هذه التجربة في ذلك الوقت ليس حسب مشيئة الله ، فيأتي مرة أخري ويقول له " هو فين ربنا بتاعك اللي صليت له ، هو مش قال " تعالوا إليً يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت28:11) !! لماذا لم يستجب لك ؟  لقد ذكر هنا إبليس عدد 28 وقطعه’ من بقية النص الكامل في العددين 29، 30 القائل " تعالوا إليً يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم . احملوا نيري عليكم وتعلموا مني . لأني وديع ومتواضع القلب . فتجدوا راحة لنفوسكم . لأن نيري هين وحملي خفيف " (مت28:12-30) .  فلكي يحقق الله وعده لنا ونجد الراحة النفسية لابد أولا من تنفيذ الوصية وهي حمل الصليب وأن نكون ودعاء ومتواضعين . وربما يعيد إبليس الكرًة مرة أخري فيقول له  ألم يقل الله " ادعني في يوم الضيق انقذك فتمجدني " (مز15:50)؟ وربما يتمادي أكثر فيقول له هو صحيح ربنا بتاعك موجود ؟ مستخدما كل أساليب التشكيك والخداع لكي يسقط الإنسان .  واضح من هذا الاقتباس من مزمور 50 أن ابليس أخذ الجزء الخاص بالوعد ولم يذكر الجزء الخاص بالوصية وبواجبنا ومسئوليتنا لكي نحصل علي وعد الله  ،  فالنص الكامل هو " اذبح لله حمدا وأوف العلي نذورا . وادعني في يوم الضيق انقذك لتمجدني " (مز14:50-15) ، إبليس هنا حذف العدد14 الخاص بالوصية من مزمور50 لكي يخدع الإنسان . فالله  قبل أن يقدم لنا الوعد أعطانا الوصية بأن نقدم له ذبائح الحمد والشكر ونوفي النذر، كما أن الله سوف يحفظنا عندما نكون سائرين في الطريق الذي رسمه لنا حسب الوصية ، أما إذا حدنا عن هذا الطريق وعن وصيته فإننا نخسر هذا الوعد .   ولكن الإنسان الواعي والسهران علي خلاصه وحياته الأبدية لابد أن ينفذ الوصية ولا يجرب الرب إلهه ، وفي وقت التجربة يجب أن يتسلح بقوة الله ويرشم علي نفسه علامة الصليب فيهرب من أمامه إبليس ، ولكنه ربما يعاود الكرًة ويعود مرة أخري فيما بعد . فلا يستهين أحد بهذه القوة الجبارة  الغير منظورة لأن "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله " (1كو1:18) . أيضا يجب علينا أن نتسلح بالمكتوب في الإنجيل ،  نترنم  بأحد  المزامير أو بآية  مثل   " أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني"(في13:4)  فيهرب من أمامنا عدو الخير . لأن الحياة تصبح مستحيلة بدون الإلتصاق بالله وكلمته وقوته الغير منظورة العاملة فينا .

    الإنسان الروحي دائما يبحث عن الوصايا وعن التزاماته قبل الله ، ويضع الوعود بثقة وإيمان أمام الله لكي يتممها في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة حسب مشيئته وإرادته الإلهية ، ولكن الإنسان الغير روحاني فهو يبحث عن الوعود ويتمسك بها ولا يرغب في تنفيذ الوصية .

    يتعرض الناس لضيق ومضايقات واضطهادات كثيرة في أيام حياتهم في العالم ، ولذلك يقول معلمنا إشعياء النبي بروح النبوة " لأنهم يصرخون إلي الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم " (إش 20:19) . كذلك المرنم في المزمور يقول " لأنه تعلق بي أنجيه . أرفعه لأنه عرف إسمي. يدعوني فأستجيب له . معه أنا في الضيق . أنقذه وأمجده . من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي " (مز14:91-16) ، إن الوصية في هذا المزمور هي أن نتعلق بالرب ونعرف اسمه القدوس وندعوه والوعد هو أنه ينجينا ويرفعنا ويستجيب لنا ويكون معنا في الضيق وينقذنا ويمجدنا ويشبعنا من طول الأيام ويرينا خلاصه . ايضا " إلي الرب في ضيقي صرخت فاستجاب لي " مز1:120) . الوصية هي أن نصرخ إلي الرب بإيمان كامل في وقت الضيق ، والوعد هو أنه يستجيب لنا  . كما أن ربنا يسوع المسيح قد قال بفمه الطاهر " في العالم سيكون لكم ضيق . ولكن ثقوا . أنا قد غلبت العالم " (يو33:16)  ، ومعلمنا القديس لوقا البشير يقول    " أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله " (أع 22:14) ، ومعلمنا القديس بولس الرسول يقوينا فيقول " فرحين في الرجاء. صابرين في الضيق"  (رو12:12)  .

    أما الأمراض والآلام والأتعاب التي نمر بها طوال حياتنا علي الأرض فهذه كلها لمنفعتنا وخلاصنا " لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله " (عب 6:12) ، وكقول معلمنا القديس بطرس الرسول " وإله كل نعمة الذي دعانا إلي مجده الأبدي في المسيح يسوع بعد ما تألمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم له المجد والسلطان إلي أبد الآبدين .آمين " (2بط 10:5-11). ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول " لأنه فيما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين " (عب 18:2) . وأيضا " لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضا . ... . فرجاؤنا من أجلكم ثابت . عالمين أنكم كما أنتم شركاء في الآلام كذلك في التعزية أيضا " (2كو 5:1 ،7) .

    علينا أثناء جهادنا في العالم ضد التجارب والضيقات والاضطهادات والأمراض والآلام والأحزان أن نوجه أنظارنا دائما إلي ربنا يسوع المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات والجالس عن يمين عرش النعمة فنجد راحة ونعمة وتعزية ، كقول معلمنا القديس بولس الرسول " ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله . فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم"  (عب 2:12) . ومعلمنا إشعياء النبي بروح النبوة يقول " في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم . وبمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة " (إش9:63) . ومعلمنا القديس بولس الرسول يطمئن قلوبنا فيقول " إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه .  فإني أحسب أن آلام  الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا ." (رو17:8-18) ، كما يظهر لنا إفتخاره بالضعف لكي تحل عليه قوة ربنا يسوع المسيح كقوله " لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح . لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2كو 10:12) .

    معلمنا سليمان الحكيم يقول لنا " يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به " (أم 11:3) . ومعلمنا القديس يعقوب يقول " طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة . لآنه إذا تزكي ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه " (يع 112:1) .

    معلمنا إرميا النبي يقول للرب " أدبني يا رب ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني " (إر24:10) ، ومعلمنا إشعياء النبي يقول " أحمدك يا رب لأنه إذا غضبت عليً ارتد غضبك فتعزيني . هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتي وترنمي وقد صار لي خلاصا" (إش 1:12-2) ، ومعلمنا داود النبي والملك يترنم في المزمور فيقول " جربني يا رب وامتحني . صف كليتي وقلبي . لأن رحمتك أمام عيني .وقد سلكت بحقك " (مز 2:26-3) . أيضا " أنت ستر لي . من الضيق تحفظني . بترنم النجاة تكتنفني . سلاه" (مز7:32) . ومعلمنا أيوب الصديق الذي انكوي وتمحص  في  التجربة يقول " هوذا طوبي لرجل يؤدبه الله . فلا يخشي تأديب القدير . لأنه هو يجرح ويعصب . يسحق ويداه تشفيان " (أي17:5-18) . والله  في سفر التثنية يقول " أنا أنا هو وليس إله معي . أنا أميت وأحيي . سحقت وإني أشفي وليس من يدي مخلص " (تث 39:32) .

    هناك أناس كثيرين عندما يقعون في تجارب قاسية مثل  فقدان إنسان عزيز لديهم أو فقدان وظيفتهم أو مرض أحد أفراد العائلة بمرض مميت لا علاج له ، يملأهم الحزن والأسي ويتذمرون علي الله ويسألون لماذا كل هذه الضيقات والأحزان والتجارب ؟

    والحقيقة أن مثل هذه الأشياء دائما تحدث لاختبار إيماننا وثقتنا في الله ولكي ما يتمجد اسمه القدوس فينا ، فلو نظرنا إلي يوسف الصديق الذي حقد عليه إخوته الأشرار وطرحوه في البئر (تك 24:37) ، " واجتاز رجال مديانيون تجار. فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر وباعوا يوسف للإسمعيليين بعشرين من الفضة " (تك 28:37) . وأما " المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط " (تك 36:37) . وفي بيت فوطيفار تعرض لتجربة قاسية وبسببها وضع ظلما في السجن  ولكن " كان الرب معه ومهما صنع كان الرب ينجحه " (تك 23:39) ، وفي النهاية كلل الله أمانته وعفته وطهره وصبره وتمسكه بالله فأصبح يوسف الرجل الثاني بعد فرعون مصر وعندما " كان الجوع شديدا في الأرض " (تك1:43) كان يوسف سبب بركة وفرح في كل ربوع مصر ولإخوته فالله " يجرح ويعصب. يسحق ويداه تعصبان " (أيوب 18:5) . فالله المحب الحنون قد سمح بتمحيص يوسف في بوتقة التجارب وبوتقة الضيقات وبوتقة الاضطهادات ونجح يوسف فيها وتحملها بشكر وكان طاهرا عفيفا أمينا وصادقا مع نفسه ومع امرأة سيده فوطيفار وقال " فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلي الله " (تك 9:39) ، لذلك رفعه الله وأعطاه مكانة عظيمة هنا في العالم وأيضا في الحياة الأبدية .

    كما ان التجارب والضيقات والاضطهادات والأمراض وأحيانا الموت يكون لمجد الله . فلو نظرنا إلي المولود أعمي من بطن أمه (يو1:9-2) ، فعندما سأل التلاميذ ربنا يسوع المسيح هل أخطأ هذا أم أبواه ، أجابهم الرب وقال " لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه " (يو3:9) . ولو نظرنا إلي قصة مرض وموت لعازر (يو1:11-3) ، نجد أن الرب لما سمع بمرض لعازر قال " هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به " (يو4:11) . وعندما مات لعازر" قال لهم  يسوع حينئذ علانية لعازر مات . وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا . ولكن لنذهب إليه " (يو14:11-15) . وقد أقمه الله من الموت لكي تؤمن مرثا أخت لعازر وتري مجد الله (يو40:11) ، وأيضا لكي يري ويؤمن الجمع الواقف من اليهود عند القبر كقول ربنا يسوع المسيح في صلاته " وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي . ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت . ليؤمنوا أنك أرسلتني" (يو42:11) .

   ونستطيع أن نتعلم من تجارب ربنا يسوع المسيح وندرك إن أسس انتصار المؤمن علي إبليس في كل تجاربه وضيقاته وآلامه وأحزانه لنا تكون عن طريق الالتصاق بالرب يسوع " لأنه فيما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين " (عب 18:2) كما يلي :-

أولا : المداومة علي الصلاة إلي الله طالبين منه أن يفيض علينا معونة وقوة بروحه القدوس الساكن فينا ، " أنتم من الله أيها الأولاد وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي هو في العالم " (1يو4:4) . فالروح القدس الساكن في أولاد الله هو روح الحق وهو أعظم من روح الضلال الروح النجس الذي في العالم .

ثانيا : معرفة كلمة الله وحفظها وثباتها فينا ودوام ذكرها أثناء محاربتنا كقول معلمنا يوحنا البشير " ... . كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير. " (1يو14:2) .

ثالثا : ان يكون لدينا الإيمان الراسخ بأن يسوع المسيح هو ابن الله ، كما هو مكتوب " لأن كل من ولد من الله يغلب العالم . وهذه هي الغلبة التي نغلب بها العالم إيماننا . من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله " (1يو4:5-5) ، " ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصا للعالم. من اعترف أن يسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله  "             ( 1يو14:4-15) . 

رابعا : الاعتراف والتناول من الأسرار المقدسة  لأن " دم المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " (1يو7:1) ، والمقصود هنا كل خطية تبنا عنها واعترفنا بها .              

     لقد وهبنا الله حياة النصرة علي العالم  وكل شهواته وعلي رئيس هذا العالم إبليس وكل مملكته وكل مكره وحيله وشروره ،  كما يعلن لنا الروح القدس في الكتاب المقدس مصير الشيطان وما سيحدث له بعد اختطاف المؤمنين في المجئ الثاني لربنا يسوع المسيح مخلصنا كما هو مكتوب" وسمعت صوتا عظيما قائلا في السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح  المشتكي علي اخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهارا وليلا وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتي الموت " (رؤ10:13-14) . فلنمجد  الله ولنسبحه علي الدوام . 

    ويصف الكتاب المقدس الحياة الأبدية بأنها الموضع الذي " سيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولي قد مضت .  ...  . من يغلب يرث كل شئ وأكون له إلها وهو يكون لي ابنا " (رؤ4:21 ، 7) .

ومعلمنا القديس يوحنا الرائي يقول عن ربنا يسوع المسيح " ها أنا آتي سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله . طوبي للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم علي شجرة الحيوة ويدخلوا من الأبواب إلي المدينة ." (رؤ 12:22-14) . نعم  تعال أيها الرب يسوع .

  نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم  يا آبائي وإخوتي وأخواتي.  آمين  .       

    

No comments:

Post a Comment