Saturday, March 12, 2016

العرش الإلهي




العـــرش الإلهـــي









شكر وتقدير



 أشكر الله أبو ربنا وإلهنا  ومخلصنا يسوع المسيح الذي زرع في قلبي وروحي وعقلي الاشتياق الكبير والحب العارم لمعرفة الكثير عن عرشه الإلهي وكل ما يختص بالعرش في سماء السماوات ، وأنا في هذا الكتاب سأحاول جاهدا أن أعطي الآيات والأحلام والرؤي الإلهية بالكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد لأنقل صورة العرش الإلهي بمنظورنا البشري المحدود ، حتي ينجذب كل من يقرأه ويزداد شوقا ويلتهب قلبه بمحبـة معرفته ،  ونرفع عيوننا نحو السماء ، ونجاهد معا ونحن في هذا العالم لكي يكون لنا نصيب في ملكوت السماوات والحياة الأبدية لكي نتمتع بكل هذه الأمجاد السمائية ، لأن ربنا يسوع المسيح قال للتلاميذ وكل من حوله " قد أعطي لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله . ... " (مر11:4) ، وملكوت الله هو أن الله يملك علينا هنا في العالم وأيضا يملك علي أرواحنا في الفردوس في السماء الثالثة وكذلك علي أرواحنا المتحدة بأجسادنا النورانية الممجدة  في القيامة العامة عند المجئ الثاني لربنا والهنا يسوع المسيح عند اختطاف المؤمنين إلي ملكوت السماوات والحياة الأبدية .  إنني لا أدعي لنفسي العلم والمعرفة ، ولا مداركي البشرية قادرة علي استيعاب ذلك . فنحن الآن نعرف بعض المعرفة ، ولكننا عندما نخطف علي السحاب في المجئ الثاني لربنا والهنا يسوع المسيح كوعده الصادق الأمين ، فإننا سنعرفه المعرفة الكاملة .  وإذا كان التجسد الإلهي لربنا يسوع المسيح في ملئ الزمان قد أهلنا لإدراك الله بروحنا وحواسنا الجسدية  ، فإن محاولة معرفة المزيد من المعلومات عن عرش الله في سماء السماوات ليس خطية وليس ضلالا وليس جرما ، لأن ربنا يسوع المسيح يأمرنا قائلا    " فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حيوة أبدية . وهي التي تشهد لي " (يو 29:5). ومعلمنا القديس يوحنا البشير يقول " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحيوة . فإن الحيوة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحيوة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا . الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح . ونكتب لكم هذا لكي يكون فرحكم كاملا " (1يو1:1-4) .  وقد أعطانا الله الاستحقاق لأن نعاين عظمة عرشه السماوي .

وانني أطلب من الله القدير أن يساعدني ويرشدني في هذه المهمة من أجل إظهار مجد ربنا والهنا يسوع المسيح وبهاء عظمته وقوته في أن يهبنا المكافأة بالحياة الأبدية وملكوت السماوات لنعاين عرشه الإلهي،لأن"هبات الله ودعوته هي بلا ندامة"( رو29:11) .

    وأشكر أبي الروحي جناب الراهب القمص تادرس الباخومي علي رعايته الأبوية وإرشاده الروحي لي ومراجعته لهذا الكتاب ، راجيا من الرب أن يعوضه علي تعب محبته ، كما أطلب من الرب أن يكون هذا الكتاب سبب بركة لكل من يطلع عليه ، بشفاعة  أمنا القديسة الطاهرة مريم وربوات الملائكة المحيطة بالعرش الالهي وجميع قديسي الكنيسة الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة ، ولإلهنا المجد الدائم آمين .







البـــاب الأول 

 المقـــدمـــة





    العرش الأرضي :

    العرش الأرضي هو الكرسي الذي يجلس عليه الإمبراطور أو الملك (1مل31:1) أو الوالي (نح7:3) أو البابا (1صم 13:4) ، ويرمز للسلطان وتسلم مقاليد الحكم . وقديما كانت الملوك تتوج في احتفال عظيم تقام فيه الولائم الفاخرة ويدعي لها كل رجالات الدولة العظماء ، ويقوم رئيس الكهنة بمسح الملك بالدهن المقدس ثم يلبسه الحلة الملوكية ويضع تاج المملكة فوق رأسه ويعطيه في يده صولجان الحكم ، ثم تقام مراسيم التجليس ،  حيث تضرب الأبواق وتعزف الموسيقي ، ويهتف الشعب " يحي الملك " (1مل 34:1-35) . والملك لا بد أن يكون عادلا " يجري حكما وبرا " (1مل9:10 ، 2 أخ8:9 ، أم 14:29) . وقد ورد ذكر الكرسي في العهد القديم ، فجاء ذكر كرسي فرعون في (تك 40:31 ، خر 5:11) ، وكرسي نبوخذ نصر في (دا20:5)  . يكون كرسي العرش داخل البلاط الملكي ، والذي منه تبرم كل الأعمال الرسمية للدولة وتصدر المعاهدات وتصدق القوانين وتعلن الأحكام. والبلاط الملكي هو محور العمل السياسي بالمملكة ، ولحاشية البلاط الملكي تأثير كبير علي سير نظام الحكم .

وعروش الملوك عادة تكون كراسي فاخرة تليق بثرائهم وعظمة مملكتهم ، فقد كان كرسي عرش سنحاريب الملك مصنوع من الصخر البلوري . وقد عمل سليمان الملك "كرسيا عظيما من عاج وغشاه بذهب إبريز . وللكرسي ست درجات . وللكرسي رأس مستديرة من ورائه ويدان من هنا ومن هناك علي مكان الجلوس وأسدان واقفان بجانب اليدين . واثنا عشر أسدا واقفة هناك علي الدرجات الست من هنا ومن هناك . لم يعمل مثله في جميع الممالك ." (1مل18:10-20) . وكانت القاعة التي بها العرش تسمي " رواق القضاء " (1مل 7:7) .  

 العــرش الالهـي :

 العرش الإلهي موجود في سماء السماوات ، والجالس عليه هو الله ، والله يكون دائما فوق كرسي العرش الإلهي وأينما وجد الله هناك يكون كرسي العرش . وظهورنا أمام كرسي العرش الإلهي لربنا يسوع المسيح في مجيئه الثاني للدينونة ،  فانه يكون مملوء فرحة وسعادة وألفة ومودة ومحبة عارمة ومكافأة لأبناء الله الأبرار والقديسين ، لأنهم سوف يسمعون ذلك الصوت الحنون " تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " (مت 34:25) . أما للخطاة والأثمه فإنه يكون مخيفا ومرعبا لأنه يكون وقت المحاكمة والقضاء العادل والدينونة الرهيبة ، لأنهم سوف يسمعون الرب يقول " اذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته " (مت41:25) . وبذلك يمضي الأشرار إلي عذاب أبدي أما الأبرار فيمضون إلي نعيم الحياة الأبدية (مت 46:25) . انظر صورة لأيقونة الدينونة الأثرية الموجودة بكنيسة السيدة العذراء بحارة زويله بالقاهرة  بالصفحة التالية .



 الــرؤي الالهيــة :

    هناك أناس أتقياء رأوا أحلاما ورؤي إلهية مثل معلمنا إشعياء النبي ودانيال النبي وإرميا النبي ومعلمنا يعقوب أبو الآباء وآخرون انفتحت لهم السموات مثل حزقيال النبي واسطفانوس الشماس والقديس بطرس الرسول ومعلمنا القديس يوحنا الرائي وكذلك في عماد ربنا يسوع المسيح . وفيما يلي بعض هذه الرؤي والأحلام :-

1- رأي معلمنا إشعياء النبي رؤياه عن كرسي العرش الإلهي وقال " رأيت  السيد جالسا علي كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل . السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير . وهذا  نادي ذاك  وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء  كل الأرض . فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانا . فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينيً قد رأتا الملك رب الجنود . فطار إليَ واحد من السيرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من علي المذبح ومس بها فمي وقال إن هذه قد مست شفتيك فأنتزع إثمك وكفر عن خطيتك . ثم سمعت صوت السيد قائلا من أرسل ومن يذهب من أجلنا . فقلت هأنذا أرسلني ." (إش1:6-8).              وقول السيرافيم قدوس ثلاث مرات لها معناها الروحي وهو الثالوث الأقدس ، فالله الآب قدوس ، كقول ربنا يسوع المسيح" أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن " (يو11:17) ، والله الابن قدوس كقول الملاك لأمنا العذراء البتول مريم " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله ." (لو35:1) ، والله الروح القدس قدوس كقول معلمنا القديس بولس الرسول " ... إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده" (أف 13:1-14) . ولكن هذا المشهد الذي رآه معلمنا إشعياء النبي هو لله الابن ربنا يسوع المسيح ، وليس لله الآب لأن الله قال لمعلمنا موسي النبي عندما طلب منه أن يريه مجده " أجيز كل جودتي قدامك وأنادي باسم الرب قدامك . ... . وقال لا تقدر أن تري وجهي . لأن الإنسان لا يراني ويعيش ." (خر18:33-20) ، كما أن معلمنا القديس يوحنا البشير يقول  " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر " (يو18:1) . فكل الظهورات  والرؤي في العهد القديم  قبل التجسد الإلهي في ملئ الزمان كانت لله الابن ، كما أن رؤياه السيد جالسا علي كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل ، فهذا يرمز إلي كرسي العرش لرب الجنود يسوع المسيح علي الأرض في هيكل سليمان الملك الذي بناه في أورشليم ، لذلك قال " فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت من الدخان "، والدخان يرمز إلي البخور الذي يرفع في الهيكل أثناء صلوات القداس الإلهي في الكنيسة .  وقول معلمنا إشعياء النبي " ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن وسط شعب نجس الشفتين " يرمز إلي سر الاعتراف لله أمام أب الاعتراف قبل التناول من الأسرارالمقدسة . كما أن وجود الجمرات فوق المذبح ترمز وتشير إلي الذبيحة الموضوعة علي المذبح والتي عندما مس السيرافيم بجزء منها فم معلمنا إشعياء النبي انتزع إثمه وكفر عن خطيته . ووجود السيرافيم  في هذه الرؤيا يرمز ويشير إلي وجود الملاك خادم الذبيحة  أثناء صلاة القداس الإلهي بالكنيسة والذي يقوم الأب الكاهن بصرفه بعد الإنتهاء من الخدمة .

                 2- رأي دانيال النبي حلما ورؤيا وهو في فراشه بالمنفي في بابل فقال " كنت أري أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام . لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه  كالصوف النقي وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة . نهر نار جري وخرج من قدامه.ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات  وقوف قدامه . فجلس الدين وفتحت الأسفار . ... . كنت أري في رؤي الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتي وجاء إلي قديم الأيام فقربوه قدامه . فأعطيً سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ." (دا 9:7-10، 13-14) . نبوة دانيال النبي هذه عن الأزمنة الأخيرة ، وقوله " وجلس القديم الأيام "  تعني الله كلي القدرة الأزلي الأبدي الأيام وقوله " لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي " دليل علي الطهارة والنقاوة والبر والقداسة فهو إله قدوس، ووصفه  " عرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة  "لأن الرب إلهك هو نار آكلة إله غيور" (تث  24:4 ، عب29:12) . ومشهد الدينونة العامة والقضاء الذي رآه دانيال يتوافق إلي حد كبير مع ما رآه معلمنا القديس يوحنا الرائي في (رؤ14:1-15) . فلقد رأي معلمنا دانيال ربوات ربوات من الناس قدام الرب وقوف ، فجلس الديان العادل وفتحت الأسفار . فجميع الخليقة سوف تقف أمام ربنا يسوع المسيح للدينونة .  وقوله "مثل ابن إنسان " إشارة إلي ربنا يسوع المسيح الديان العادل، وقد أشار ربنا يسوع عن نفسه بأنه ابن الإنسان كما ورد في (مت  64:26، لو27:21،يو51:1) . وسحب السماء تشير إلي جلال حضوره المخوف المملوء مجدا (خر10:16 ،9:19). وقد أخذ الرب سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل شعوب العالم لأن سلطانه منذ الأزل وإلي الأبد فهو الله السرمدي.



3- وقديما تنبأ إرميا النبي بأن ملوك الشمال سيأتون " ويضعون كل واحد كرسيه في مدخل أبواب أورشليم وعلي كل أسوارها حواليها وعلي كل مدن يهوذا " (إر15:1) .                                                                    

 4- رؤيا حزقيال النبي الذي رأي السموات قد انفتحت ورأي رؤيا الله عندما كان مسبيا عند نهر خابور، وصار كلام الرب إليه  ، كما كانت يد الرب عليه هناك (حز1:1-5) . وقد تبدو لنا هذه الرؤيا غريبة لأنها رمزية، فما رآه حزقيال النبي كان صورا رمزية تقدم أفكارا حية تبين للشعب المسبي عظمة مجد الله وقداسته لإنذارهم من عواقب الخطية التي تسببت في سماح الله بسبيهم، وانه يجب عليهم أن  يعتمدوا علي الله ويصرخوا إليه ليردهم من السبي . رأي حزقيال النبي هبوب عاصفة مصحوبة بسحابة هائلة ونار متوهجة تومض ضياءا باهرا ، واتت من النار والسحابة أربعة حيوانات حية .  من خلال هذه الرؤية أدرك حزقيال أن الله موجود في كل مكان في السماء وعلي الأرض وأنه هو الضابط الكل الذي لا يعصي عليه شئ ، وهو الماسك بزمام الأمور علي الأرض .

  والعهد القديم ملئ  بآيات علي أن الله ملك كبير يجلس علي كرسي قدسه ويحكم السموات والأرض وكل ما فيها ما يري وما لا يري كقول المرنم بالمزمور " يا جميع الأمم صفقوا بالأيادي . اهتفوا لله بصوت الابتهاج. لأن الرب عليُ مخوف ملك كبير علي كل الأرض. ... . رنموا لله رنموا . رنموا لملكنا رنموا . لأن الله ملك الأرض كلها رنموا قصيدة . ملك الله علي الأمم . جلس الله علي كرسي قدسه ." (مز1:47- 2، 5- 8) . كذلك ترنم المرنم وقال " كرسيك يا الله إلي دهر الدهور . قضيب استقامة قضيب ملكك " (مز6:45)  ، أيضا " العدل والحق قاعدة كرسيك . الرحمة  والأمانة  تتقدمان أمام وجهك " (مز14:89) ، كذلك " ملك الله علي الأمم . الله جلس علي كرسيَ  قدسه ." (مز8:47) ، أيضا ترنم معلمنا داود النبي وقال" الرب في السموات ثبت كرسيه ومملكته علي الكل تسود" (مز19:103)  كذلك " وأما عن الابن كرسيك يا الله إلي دهر الدهور . قضيب استقامة قضيب ملكك " (عب8:1)، فالسماوات هي كرسيه والأرض موطئا لقدميه (إش 1:66) . وقد وعد الرب داود قائلا أن كرسيه " يكون ثابتا أمام الرب إلي الأبد" (1مل45:2 ، مز36:89-37 ، إر 17:33) ، كما أقسم الرب لداود وقال " إن حفظ بنوك عهدي وشهاداتي التي أعلمهم إياها فبنوهم أيضا إلي الأبد يجلسون علي كرسيك ."(مز12:132) . والقارئ لسفر راعوث، الإصحاح  الرابع يجد أن بوعز تزوج راعوث وأنجب منها عوبيد ، وعوبيد أنجب يسي ويسي أنجب داود (را 13:4-22) . أيضا ورد في إنجيل متي تسلسل نسب ربنا يسوع المسيح كما هو مكتوب " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم . ...  " (مت1:1 - 16) ، كما أن معلمنا إشعياء النبي تنبأ عن مولد المسيح من نسل داود قبل مولده بما يقرب من سبعمائة سنة وقال  " ويخرج قضيب من جزع يسي وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ... . ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه "  (إش 1:11-2 ،5) . فملك الملوك ربنا والهنا يسوع المسيح هو ابن الملك داود بحسب الجسد وابن الله بحسب اللاهوت كبشارة الملاك جبرائيل لأمنا العذراء مريم " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيما وابن العلي يدعي ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه . ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ولا يكون لملكه نهاية " (لو31:1-33) ، وقد ملك الرب بالحب علي البشرية جمعاء حينما علق علي صليب الجلجثة .

لقد اخذ يعقوب البركة بمكر من أبيه إسحق ، وقد كانت البركة كنزا عظيما يتوارثه الإبن البكر، حيث أن البركة في تاريخ البشرية صدرت من الله  مباشرة، ومن الله وحده . فقد بارك الله أبوانا آدم وحواء(تك 1: 28) ، وبارك نوح البار وبنيه (تك 9: 1) ، وبارك أيضًا أبونا إبراهيم (تك 12). وهو أول إنسان قال له الله "وتكون بركة" (تك 12: 2).  كما أن أبونا  إسحق أوصي يعقوب وقال له " قم اذهب إلي فدان أرام إلي بيت بتوئيل أبي أمك وخذ لنفسك زوجة  من  هناك  من  بنات  لابان أخي  أمك " (تك 2:28) .  ويقول الكتاب " فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران وصادف مكانا وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت. وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذلك المكان . ورأي حلما وإذا سلم منصوبة علي الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها . وهوذا الرب واقف عليها فقال أنا الرب إله إبراهيم  أبيك وإله إسحق . الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك . ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا . ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض . وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلي هذه الأرض . لأني لا أتركك حتي أفعل ما كلمتك به .     فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم . وخاف وقال ما أرهب هذا المكان . ما هذا إلا بيت الرب وهذا باب السماء ."     (تك10:28-17) .

توحي هذه السلم بأن السماء لا تنقطع صلتها بالأرض ، مهما أخرجت الأرض من أشواك وحسك . كما ترمز إلي أمنا العذراء القديسة مريم التي ولدت للعالم مخلصنا الرب يسوع ، لهذا ندعو العذراء في التسبحة "سلم يعقوب". إلا أن أبونا يعقوب كان له عزاء أعظم من السلم ومن الملائكة ومن باب السماء وهو رؤيته الرب. فقد كان الرب واقفًا علي السلم يتحدث إليه (تك28: 13). حقًا إن الله عجيب في ظهوره لأبونا يعقوب بالرغم من خداعه لأبيه ، واستغلاله لجوع أخيه عيسو وشراءه البكورية بآكلة عدس . وعلي الرغم من كل ذلك فالرب عجيب في كل وعوده ومباركته له ولنسله . وبذلك يكون أبونا يعقوب قد أخذ البركة التي تأكدت له أربع مرات ، مرتين من أبيه إسحق (تك27:27) و(تك1:28) ، ومرتين من الله ذاته (تك14:28-15) و(تك29:32) ، "لأنه ليس بكيل يعطي الله" (يو 3: 34) ، كما قام الله بتغير إسمه من يعقوب إلي إسرائيل (تك28:32 ). فالله دائما يعطينا حسب غناه الكثير ورحمته وسخاؤه في العطاء الذي لا حدود له .لأن الله ينظر دومًا إلي احتياجنا ، وليس إلي استحقاقنا ، لذلك قال أبونا يعقوب "حقًا إن الله في هذا المكان ، وأنا لم أعلم . وخاف وقال ما أرهب هذا المكان . ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء " (تك 28: 16-17) . لم يكن يعلم أن الله معه ، وما أكثر الأيام التي فيها يكون الله معنا يدبر كل أمور حياتنا ونحن لا نعلم . واكبر مثل علي ذلك لقاء الرب لتلميذي عمواس بعد قيامته من بين الأموات وقبل صعوده إلي السموات (لو 24: 15 - 16) . وكثيرًا ما يكون الله معنا ، ولكن انشغالنا بأمور الحياة وكثرة الضيقات تحول دون أن نشعر بوجوده معنا . لذلك يجب علينا أن نكون مطمئنين لأن ألله يكون قريبا منا وقت الضيقات والتجارب ، فالتجارب والضيقات إذا قبلناها بشكر تقربنا إلي الله وتجلب لنا البركات السمائية . ولهذا فإن الله يسمح بالضيقات والتجارب ، لكي ندعوه فينقذنا منها وينجينا . وعلي الرغم من أن أبونا يعقوب لم يطلب من الرب ، لكن مما لاشك فيه أن احتياج أبونا يعقوب كان يصرخ إلي الله دون أن يفتح فاه ، فقديما قال الرب لمعلمنا موسي النبي   " إني رأيت مذلة شعبي.... علمت أوجاعهم . فنزلت لإنقذهم من أيدي المصريين ..." (خر 3: 7، 8) .  مع أنهم لم يصرخوا إلي الله ، بل كانوا يصرخون بسبب المصريين المضايقين لهم .    

      وقد انفتحت  السماوات  عند عماد الرب يسوع المسيح في نهر الأردن ، وقد كان ذلك قبل أن يبدأ خدمته التبشيرية بملكوت الله ، إذ ذهب إلي معلمنا يوحنا المعمدان لكي يعتمد منه . وقد كان هذا إتضاعا وتواضعا من الرب لأنه بذلك انضم إلي جموع الشعب الخطاة الذين اعتمدوا بمعمودية  الماء للتوبة ومغفرة خطاياهم ، مع أن ربنا يسوع المسيح" لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر"(1بط 21:2) ، وهو الذي قال بفمه الطاهر" من منكم يبكتني علي خطية" (يو46:8) ، وقد كان ذلك لكي ينوب عنا في تقديم التوبة عن خطايانا. ولقد رأي الرب ، وكذلك معلمنا يوحنا المعمدان انفتاح السماوات والروح القدس نازلا علي الرب وسمع صوتا من السماء قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ، كما هو مكتوب " فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء . وإذا السموات قد انفتحت له فرأي روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه وصوت من السموات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " (مت 16:3-17) ، وهذا الحب وهذا السرور أزلي كقول ربنا يسوع المسيح لله الآب "... لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو24:17). وكنيستنا الأرثوذكسية تعيد في اليوم الحادي عشر من شهر طوبه من كل عام كما هو مدون بالسنكسار تذكارا لذلك وهو ما يسمي بعيد الظهور الإلهي ، لأن الابن صاعدا من الماء والروح القدس نازلا علية  بهيئة جسمية  " مثل حمامة من السماء فاستقر عليه" (لو22:3) والله الآٍب في سماء السماوات يقول "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " (مت17:3) ، ومع ان الأقانيم الثلاثة الاب والابن والروح القدس متساوية في الجوهر إلا ان إتضاع وتواضع وطاعة الرب يسوع للآب كان عوضاعنا حيث أن البشرية كلها كانت قد أخفقت في تحقيق ذلك، وهذا جعل السموات تنفتح والآب يبدي سروره .

    كذلك الإضطهادات والضيقات والآلام من أجل الشهادة جعلت السموات تنفتح للشماس والشهيد إستفانوس .   لقد كان إستفانوس أحد سبعة شمامسة كانوا مكلفين من جهة الرسل بخدمة الموائد (أع3:6-8) . ولما تصدي له " قوم من المجمع الذي يقال له مجمع الليبرتينيين والقيروانيين والاسكندريين من الذين من كليكيا وأسيا يحاورون استفانوس . ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به. حينئذ دسوا لرجال يقولون إننا سمعناه يتكلم تجديف علي موسي وعلي الله . وهيجوا الشعب والشيوخ والكتبة فقاموا وأتوا به إلي المجمع" (أع9:6-12) . وأمام رئيس الكهنة تكلم إستفانوس عن إله المجد ، وشرح للجميع الكتب وكيف أنه ظهر لأبونا إبرهيم وهو في ما بين النهرين(أع2:7) ، مارا ب اسحق ويعقوب ثم موسي  وكيف ظهر له في برية جبل سيناء في لهيب نار عليقة ، وخيمة الشهادة " إلي أيام داود الذي وجد نعمة أمام الرب والتمس أن يجد مسكنا لإله يعقوب  ولكن سليمان بني له بيتا."(أع 45:7-47) . ثم بدأ الشماس إستفاتوس يوبخهم وقال " يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان أنتم دائما تقاومون الروح القدس . كما كان آباؤكم كذلك أنتم . أي الأنبياء لم يضطهده آبائكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجئ البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه. ... فلما سمعوا هذا حنقوا بقلوبهم وصروا بأسنانهم عليه . وأما هو فشخص إلي السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فرأي مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله . فقال ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله " (أع51:7-52 ، 54-57). فغضبوا وأخرجوه خارج المدينة ورجموه ، وأصبح الشماس إستفانوس أول شهيد في مسيحي العهد الجديد بعد قيامة وصعود ربنا يسوع المسيح  ، بركة صلواته وشفاعته تكون معنا آمين.

    أيضا رأي معلمنا القديس بطرس الرسول السماء مفتوحة (أع 11:10-16).



البــاب الثـــانـي

سمــاء السمــاوات

    يوجد في كوننا هذا ثلاث سماوات ، الأولي هي سماء الطيور وهي الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية ، والسماء الثانية هي سماء الكواكب والمجرات السمائية ، والسماء الثالثة هي الفردوس حيث توجد أرواح الأبرار والقديسين في انتظار المكفأة من ربنا يسوع المسيح عند مجئه الثاني في القيامة العامة ، ليتحدوا بأجسادهم المقامة ، ليقفوا أمام الرب الديان العادل  ، كقوله الصادق الأمين " وها أنا آتي سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله " (رؤ12:22) . ثم بعد ذلك يخطف المؤمنون علي السحاب بأجسام نورانية (1كو43:15-50) إلي سماء السماوات حيث يوجد كرسي العرش الإلهي ، والمساكن التي أعدها الله لهم في أورشليم السمائية النازلة من عند الله لكي يتمتعوا بالنعيم الأبدي . وهناك يمنحنا الديان العادل إكليل البر ( رؤ8:1) ، وإكليل البر هذا هو البر في الإرادة والمعرفة معا، كقول معلمنا القديس بولس الرسول " قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيرا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا " (2تيمو7:4-8) ، وهناك نكون كالملائكة ، لذلك وجب علينا أن ندرب أنفسنا علي أن نعيش في هذا العالم حياة الطهر والنقاء ، وتكون كل أفكارنا نقية سماوية ونطرد عنا كل فكر أرضي لا يرضي الله ونكنز لنا كنوزا في السماء (مت19:6) . ومعلمنا القديس يوحنا في سفر الرؤيا يخبرنا عن ذلك ويقول  " وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها لهم " (رؤ3:21) . وقد أعطانا الجالس علي العرش وعدا ثمينا جدا وهو أن " من يغلب يرث كل شئ وأكون له إلها وهو يكون لي ابنا " (رؤ7:21) . لأنه أيضا يقول " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر علي كل شئ."  (رؤ8:1) . فكل فكر وكل شعور وكل إحساس وكل نية وكل كلمة تفوه بها الإنسان ستؤدي به إلي إما النعيم الأبدي أو إلي العذاب الأبدي (رؤ1:3-5 ، أف1:2-5 ، رؤ 23:21-24) . وأبناء الله في الحياة الأبدية تكون معرفتهم لله الغير محدود معرفة كاملة ، لأن كل لحظة تمر بهم تزداد معرفتهم بالله " وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته " (يو3:17) .

       لقد كان معلمنا القديس يوحنا في جزيرة بطمس منفيا من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح (رؤ9:1) . وقد صعد معلمنا القديس يوحنا بالروح ورأي بابا مفتوحا في السماء وسمع ملاكا صوته كصوت بوق يأمره اصعد إلي هنا لكي اريك ما لا بد أن يصير بعد هذا (رؤ1:4) . فلنشكر ربنا يسوع المسيح ونسبحه ونعظمه علي الدوام ، لأنه هو الوحيد القادر علي فك رموز سفر الرؤيا لأن هذا السفر الرمزي هو " إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب مرسلا بيد ملاكه لعبده يوحنا " (رؤ1:1) . وهو وحده القادر علي فك ختومه أي رموزه  .

    ويوجد أمام وحول العرش الإلهي عدة طغمات سمائية أو رتب ملائكية ، لكل طغمة من هذه الطغمات عملها . وإنني سأحاول أن ألخص عمل هذه الطغمات بقدر ما سمح الله لنا من إعلانات الوحي الإلهي المدونة في أسفار الكتاب المقدس بعهديه وفي صلاة القداس الإلهي . وهي كالآتي :-

1- الشاروبيم أو الكاروبيم : كلمة الشاروبيم او الكاروبيم تعني ملئ المعرفة وهي ترمز لحضور الله القوي ، وهم ممتلؤون أعينا وهذا يعني كثرة المعرفة لوجودهم بالقرب من الله القدوس ، وقد جاء ذكر الكاروبيم بالكتاب المقدس لأول مرة في سفر التكوين " فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (تك24:3) . كما كلم الرب موسي النبي وقال له "وتصنع كاروبين من ذهب . صنعة خراطة تصنعهما علي طرفي الغطاء . ... . وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك من علي الغطاء من بين الكروبين اللذين علي تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلي بني إسرائيل " (خر17:25-22) .  كما أن معلمنا داود النبي ترنم في المزمور وقال " طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه. ركب علي كاروب وطار وهف علي أجنحة الرياح ." (مز10:18) ، وذلك عندما ظهر بمجده علي الأرض . أيضا ذكر حزقيال النبي في رؤياه " ثم رفعت الكروبيم  والبكرات أجنحتها والبكرات معها ومجد إله إسرائيل عليها من فوق . وصعد مجد الرب من علي وسط المدينة ووقف علي الجبل الذي علي شرقي المدينة" (حز22:11-23) . كذلك عمل سليمان كروبين كبيرين في بيت قدس الأقداس في الهيكل بأورشليم كما هو مكتوب "وعمل في بيت قدس الأقداس كروبين صناعة الصاغة وغشاهما بذهب . ... . وعمل الحجاب من أسمانجوني وأرجوان وقرمز وكتان وجعل عليه كروبيم ." (2أخ 10:3 ، 14)  .

 2- السيرافيم  : كلمة السيرافيم معناها المتقدون بالنار أو المتوهجون نظرا لنقاوتهم ووجودهم بالقرب من العرش الإلهي ، كخدام لله الكلي القداسة والكامل في عدله ورحمته ومحبته للبشر " السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة  باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير . وهذا نادي ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض " (إش2:6-3) ،  وعملهم هو التسبيح الدائم لله أثناء وجودهم  فوق العرش الإلهي .         

3-الأربعة كائنات الحية: يطلق عليهم حاملي مركبة الله او حاملي عرش الله ، وكتاب السنكسار (2) يلقبهم بالأربعة حيوانات الغير متجسدين ، وهم يقومون بقيادة الطغمات السمائية الأخري في العبادة والتسبيح وإعلان قداسة الله . وقد شرح بعض الدارسين للكتاب المقدس أن هذه الكائنات الحية يمثلون الأناجيل الأربعة ، وأن بعض الأوجه او الشبه بالرب يسوع كما يلي :-

الأسد يشير إلي إنجيل القديس مرقس الذي في انجيله أظهر ربنا كملك قوي له سلطانه علي كل شئ ، فهو صاحب القوة والمجد والسلطان لأنه هو الملك الأزلي الأبدي الذي كان منتظرا  لخلاص البشرية .

ووصف السيد المسيح بالإنسان إشارة إلي إنجيل القديس متي الذي بدأ بسلسلة نسب المسيح له المجد ووصفه بابن الإنسان كقول الرب " فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضا."(مت8:12) .

العجل يشير لإنجيل القديس لوقا الذي بدأ بكهنوت زكريا وقدم ربنا يسوع المسيح علي أنه هو الكاهن والذبيحة في نفس الوقت ، وأنه بدم ذبيحته يخلص العالم " لأن ابن الإنسان جاء ليخلص ما قد هلك " (لو10:19) ولأنه تحدث عن الذبائح والتقدمات .

والنسر يشير إلي انجيل القديس يوحنا الذي في إنجيله أظهر لاهوت ربنا يسوع المسيح  له المجد بأنه ابن الله" وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حيوة باسمه " (يو 30:20) . فقد أظهر بوضوح قوة لاهوته الكامل ، وبذلك صار القديس يوحنا الحبيب وانجيله مثل النسر المحلق لأعلي السماويات .

4 – الكراسي والعروش : هؤلاء هم إحدي الطغمات السمائية المقتدرة التي تقوم بتمجيد الله وخدمة العرش الإلهي . وقد جاء ذكرها في القداس الإلهي الغريغوري ، الذي يقول فيه الأب الكاهن " أنت الذي ترسل لك الكراسي الكرامة . ألوف ألوف وقوف قدامك . وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة ...." وعددهم كثير جدا .

5 – الأرباب والأجناد والسلاطين والقوات : هذه الطغمات السمائية عملها هو التمجيد والتسبيح وإعطاء الكرامة علي الدوام  ، والأب الكاهن في القداس الإلهي الباسيلي يقول " الذي يقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة والسلاطين والكراسي والأرباب والقوات " . وفي القداس الإلهي الغريغوري يقول الأب الكاهن " أنت الذي تسبحك الملائكة وتسجد لك رؤساء الملائكة . أنت الذي تباركك الرؤساء وتصرخ نحوك الأرباب . أنت الذي تنطق السلاطين بمجدك . أنت الذي ترسل لك الكراسي الكرامة . ألوف ألوف وقوف قدامك . وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة ".

6 – الأربعة وعشرون قسيسا : هؤلاء الأربعة وعشرون قسيسا هم كنيسة الأبكار يسبحونه بلا فتور ، كما يتشفعون عن المرضي والراقدين ويطلبون الرحمة والسلام لكافة ميراثه .  والأب الكاهن يقول في قسمة القداس الإلهي   التي تصلي في صوم وأعياد السيدة العذراء مريم وفي أعياد الملائكة القديسين " والأربعة وعشرين قسيسا جلوس علي كراسيهم . وأربعة وعشرين إكليل ذهب علي رؤوسهم ، وأربعة وعشرين جاما من ذهب في أيديهم مملوءة بخورا الذي هو صلوات القديسين. ويسجدون أمام الحي إلي أبد الآبدين". وهؤلاء الأربعة وعشرون قسيسا يرمزوا إلي خدام الله الذين خدموا الكهنوت المقدس بكل أمانة والشفعاء عن البشرية .

7 – المائة وأربعة  وأربعون ألفا البتولين : هؤلاء ليسوا من الطغمات الملائكية السمائية بل عدد رمزي يشير الي نفوس كل المفدين الذين اكملوا جهادهم في العهدين القديم والجديد وهم عبيد الله المختومين علي جباههم  ، كما هو مكتوب " ورأيت ملاكا آخر طالعا من مشرق الشمس معه ختم الله الحي فنادي بصوت عظيم إلي الملائكة الأربعة الذين أعطوا أن يضروا الأرض والبحر قائلا لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار حتي نختم عبيد إلهنا علي جباههم . وسمعت عدد المختومين مئة وأربعة وأربعين ألفا مختومين من كل سبط من بني إسرائيل " (رؤ2:7-4) ، وهؤلاء هم الذين   تحولوا إلي الإيمان المسيحي أي المؤمنون الذين ختموا بروح الموعد القدوس كقوله " الذي فيه أيضا أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده " (رؤ13:2-14) . والعدد 144000 المختومين هو عدد رمزي يعني     12X12X1000  وهو يرمز لتمام الكمال وهذا يرمز إلي أبناء الله الأمناء الأوفياء الأنقياء الذين ثبتوا علي الإيمان بيسوع المسيح أثناء الإضطهاد والضيقة العظيمة . ونجد أنه عندما بوق الملاك الخامس ، " خرج جراد علي الأرض فأعطي سلطانا كما لعقارب الأرض سلطان . وقيل له أن لا يضر عشب الأرض ولا شيئا أخضر ولا شجرة ما إلا الناس فقط الذين ليس لهم ختم الله علي جباههم"(رؤ3:9-4) . هؤلاء  المختارين والمختومين علي جباههم هم الذين اختارهم الله قبل تأسيس العالم كما جاء في رسالة معلمنا بولس الرسول إلي أهل أفسس " مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غني نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة " (أف 3:1-8) .

يقول معلمنا يوحنا الرائي "ثم نظرت وإذا خروف واقف على جبل صهيون، ومعه مئة وأربعة وأربعون ألفًا، لهم اسم أبيه مكتوبًا على جباههم (رؤ1:14) .

وجبل صهيون في الكتاب المقدس يرمز لأورشليم عاصمة مملكة إسرائيل ، كما أن الخروف الواقف  هو ربنا يسوع المسيح لأنه يرمز له بالخروف (رؤ 7:19-9 ،رؤ 23:21 ،رؤ1:22) وأحيانا بالخروف القائم كأنه مذبوح (رؤ6:5). ويضيف معلمنا يوحنا الحبيب قائلا " وسمعت صوتا من السماء كصوت مياه كثيرة وكصوت رعد عظيم . وسمعت صوتا كصوت ضاربين بالقيثارة يضربون بقيثاراتهم وهم يترنمون كترنيمة جديدة أمام العرش وأمام الأربعة الحيوانات  والشيوخ ولم يستطع أحد أن يتعلم الترنيمة إلا المائة وأربعة وأربعون ألفا الذين اشتروا من الأرض . هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أطهار . هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب . هؤلاء اشتروا من بين الناس باكورة لله وللخروف وفي أفواههم لم يوجد غش لأنهم بلا عيب قدام عرش الله "(رؤ2:14-5) . وقوله " هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أطهار " لا يعني الناس البتولين فقط من الرهبان وكل الرتب الرهبانية الكهنوتية ، بل أيضا المتزوجين لأن الزواج في المسيحية مقدس وهو أحد أسرار الكنيسة السبعة ، ولكن المقصود هنا بالناس الذين لم ولا يقيمون علاقات جنسية مع النساء خارج رباط الزواج وبدون الارتباط المقدس من خلال الكنيسة بالاسلوب المسيحي الحقيقي السليم، ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول " ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبسوا كما أنا . ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا . لأن التزوج أصلح من التحرق " (1كو8:7-9) ، أيضا يقول " من زوَج فحسنا يفعل ومن لا يزوًج يفعل أحسن . " (1كو38:7) .



                                      البـــاب الثـــالـث

                               بـاب مفتـوح فـي السـمـاء





    عندما شن الإمبراطور الروماني دوميتيان اضطهادا قاسيا علي الكنيسة  كان كل المؤمنين المسيحين واقعين تحت هذا الاضطهاد ، حتي أن عددا كبيرا منهم استشهد ، كما قام بنفي معلمنا القديس يوحنا البشير "  إلي جزيرة بطمس من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح " (رؤ 9:1) . وبطمس هذه هي إحدي الجزر اليونانية الصغيرة  الواقعة علي بحر إيجة ،  معظم من يقطنها من المجرمين وقراصنة البحار . وكنائس آسيا السبع التي جاء ذكرها في الإصحاحين الثاني والثالث ، كتب إليها معلمنا القديس يوحنا للإعلان عن المجئ الثاني لربنا يسوع المسيح  (رؤ7:1) ، مع وعد بالبركات لمن يغلب ويظل أمينا كقوله " كن أمينا إلي الموت فسأعطيك إكليل الحيوة " (رؤ 10:2)، أيضا قوله " من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه " (رؤ21:3) . لقد تكررت عبارة " من يغلب " سبع مرات ، مرة لكل كنيسة من الكنائس السبع، وفي كل مرة تكون مصحوبة بوعد وبركات ،  وفي آخر السفر يعطينا صورة " المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله " (رؤ 10:21) .

    كما نقرأ في أول الإصحاح  الرابع من سفر الرؤيا أن معلمنا يوحنا الرائي قد نظر بابا مفتوحا في السماء ودعيً لكي يصعد بالروح ويدخل من هذا الباب المفتوح كما هو مكتوب " بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلا اصعد إلي هنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا . وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع  في السماء وعلي العرش جالس .  وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد.  " (رؤ1:4 -3) .  وقد  تكررت  مرتين في الآية الأولي عبارة  " بعد هذا " لأنها عبارة انتقالية بين مشهدين من الرؤيا ، تدل علي نهاية المشهد الأول وبداية مشهد آخر. لقد دعي معلمنا يوحنا الحبيب أن يصعد بالروح بعد أن رأي بابا مفتوحا في السماء  ، لكي يري العرش الإلهي والجالس عليه ، فقد أخذ معلمنا يوحنا الحبيب يرتفع في درجات روحانية أعلي فأعلي كمن يصعد السلم حتي ما يحتمل رؤية الجالس علي العرش ، وهذا ما يؤكده قول معلمنا يوحنا الرائي "كنت في الروح " (رؤ10:1) ، ثم " صرت في الروح " (رؤ2:4) .

    وما أود أن أوضحه هنا هو أن معلمنا يوحنا الحبيب عندما يري رؤيا إلهية مثل هذه ، وخصوصا أن الذي كان يكلمه هو ربنا يسوع المسيح ، قد انبهر بها ولذلك ظل صامتا فترة من الزمن وكان كمن  أصيب بصدمة نفسية روحية ، كقول معلمنا القديس يوحنا الحبيب نفسه " فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت فوضع يده اليمني عليً قائلا لا تخف أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتا وها أنا حي إلي أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 17:1-18). فهي تثير الرهبة ، وترمز لهيبة ربنا وإلاهنا يسوع المسيح وقوته وعظمته عندما نراه جالسا علي عرش مجده في سماء السموات ، فإن ذلك يخيف ويرعب ويرهب البشر كقول معلمنا موسي النبي " أنا مرتعب ومرتعد " (عب21:12) ، لأنها تشير لدينونته العادلة . إن رؤية كهذه تجعله عاجزا عن أن يجد الكلمات المناسبة لوصف ما يراه من أمجاد سماوية ، لأن معجم لغتنا الأرضية يكون عاجزا وقاصرا عن وصف السماء وأمجادها ، ولذلك نجده يستخدم كلمات أرضية مثل " رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج وعيناه كلهيب نار. ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون وصوته كصوت مياه كثيرة " ( رؤ 14:1-15) ، كذلك" وكان الجالس في المنظر شبه حجر  اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد "(رؤ 3:4).  فقوله " شبه " لأنه لا يعرف ما هو بالضبط ولكنه يريد أن يقرب الوصف للقارئ، فهو لا يجد الكلمات الدقيقة المعني لوصف ما يراه في سماء السماوات وهو في الروح . فحجر اليشب هو حجر كريم ذو درجة عالية من الشفافية  والصلابة وله عدة ألوان منها الأخضر الفاتح والأزرق الفاتح ويرمز لبهاء وقوة وعظمة الله . أما العقيق فلونه أحمر قاني كالدم ، وهو يرمز إلي سفك دم المسيح علي الصليب لكي يفدي ويخلص كل من يؤمن به ويحفظ وصاياه ويعمل بها . كما أن الزمرد لونه أخضر ، ووصفه قوس قزح بألوانه السبعة يرمز للقديسين ذو الفضائل المتنوعة المستحقين ان يكونوا حول العرش الالهي كما أنه يرمز لإنعامات الله المختلفة والمتنوعة للمؤمنين وللكنيسة ، وهي تؤكد صدق وعود الله منذ أيام أبينا نوح وحتي نهاية الأيام .  

    هناك سؤال يتكرر كثيرا وهو : هل الله الغير محدود مالئ الكون كله يمكن ان  يحده عرش يجلس عليه ، وما هو حجم هذا العرش ؟ وهل الله اللامحدود يمكن ان يحد ؟.

للإجابة علي هذا السؤال الصعب لأنه سؤال يختص بعلم اللاهوت ، ودائما الحديث في اللاهوتيات يكون عسر الفهم عند بعض الناس . وانني أطلب معونة الله وإرشاده لكي أقدم إجابة سهلة ومبسطة طبقا لما هو معلن بالكتاب المقدس :-

الله روح كقول ربنا يسوع المسيح للسامرية " الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا " (يو24:4) ، كذلك الله نور كقول ربنا يسوع المسيح " أنا هو نور العالم " (يو12:8) . أيضا " الله نور وليس فيه ظلمة البته " (1يو5:1) . فالله لم يره أحد ولا يستطيع ان يراه كقول الله لمعلمنا موسي النبي عندما طلب منه ان يريه مجده " لاتقدر ان تري وجهي. لأن الإنسان لا يراني ويعيش " (خر20:33) ، وذلك لأن الله روح وبطبيعة لاهوته غير مرئي كقول معلمنا بولس الرسول " الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدني منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية .آمين " (1تيمو16:6) . ولا يعرف حقيقة جوهر الله سوي الله نفسه . ولذلك فإن الآب والابن والروح القدس هم واحد ، وكل اقنوم من أقانيم الثالوث القدوس يعرف الاقنومين الآخرين معرفة كاملة ، وهذا ما يؤكده لنا ربنا يسوع المسيح " كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب " (يو15:10) ، (مت27:11) ،(1 كو 10:2) .

كما ان قانون الإيمان المقدس للكنائس الرسولية الثلاث ، وهو الذي نردده في صلواتنا ينص علي أننا " بالحقيقة نؤمن بإله واحد ،الله الآب ، ضابط الكل ، خالق السماء والأرض ، ما يري وما لا يري .

نؤمن برب واحد يسوع المسيح ، ابن الله الوحيد المولد من الآب قبل كل الدهور، نور من نور ،إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساو للآب في الجوهر ، الذي به كان كل شيء ، هذا الذي من أجلنا نحن البشر ، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس ، وصلب عنا علي عهد بيلاطس البنطي ، تألم وقبر وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب ، وصعد إلي السموات ، وجلس عن يمين أبيه ، وأيضا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات ، الذي ليس لملكه انقضاء.

نعم نؤمن بالروح القدس ، الرب المحيي المنبثق من الآب ، نسجد له ونمجده مع الآب والابن الناطق في الأنبياء ، وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية ، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ، وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين .

مما سبق يتضح ان الله الآب الأقنوم الأول وكذلك الروح القدس الاقنوم الثالث لم يتجسدا ، بل أرسل الله ابنه الوحيد الله الكلمة الاقنوم الثاني ، الذي تجسد من الله الروح القدس ومن  القديسة العذراء مريم . فالله الكلمة اتخذ طبيعة بشرية كاملة ، وهو الحامل الطبيعة اللاهوتية السرمدية ، فاللاهوت اتحد بالناسوت بدون اختلاط او امتزاج او تغيير، كما ان لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين . وهذا ما يؤكده لنا العهد القديم بالكتاب المقدس ،لأن كل الظهورات قبل التجسد الإلهي في ملئ الزمان كانت لله الابن ، ما عدا ظهورا واحدا للآب. فقد ظهر الآب بصورة رؤيا لأحد رجاله الأتقياء ، فقد رأي معلمنا دانيال النبي في رؤي الليل الإبن والآب كما هو مكتوب " كنت أري في رؤي الليل واذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتي وجاء إلي قديم الأيام فقربوه قدامه . فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض "(دا13:7-14) . كما ظهر الآب في العهد الجديد ، فقد رآي معلمنا القديس يوحنا الرائي الله الآب عندما صعد بالروح من خلال باب مفتوح في السماء " وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلي العرش جالس " (رؤ 2:4) ، كما رأي الله الإبن في وسط العرش مثل خروف قائم وكأنه مذبوح ، فأتي وأخذ السفر من يمين الجالس علي العرش (رؤ6:5-7).

أما عن ظهورات الابن الكلمة ، فربنا يسوع المسيح ظهر لأبونا ابراهيم ومعه ملاكين في هيئة ثلاث رجال عند بلوطات ممرا ، والملائكة هم " أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص "(عب14:1) . فدعاهم أبونا ابراهيم وأتكأهم تحت الشجرة وقدم لهم طعاما ويقول الكتاب " ثم أخذ زبدا ولبنا والعجل الذي عمله ووضعها قدامهم . وإذ كان واقفا لديهم تحت الشجرة أكلوا " (تك8:18) . وقد أعطاه الرب وعدا بإنجاب اسحق من زوجته سارة في شيخوختها وقال له الرب " في الميعاد أرجع إليك نحو زمان الحيوة ويكون لسارة ابن " (تك 14:18) . كما ظهر الرب ليعقوب أبو الآباء عند مخاضة يبوق (تك22:32) في هيئة إنسان وصارعه حتي طلوع الفجر ، وفي النهاية باركه الله واعطاة اسم إسرائيل .

وهناك العديد من الظهورات في صور كثيرة ، فمثلا علي سبيل المثال لا الحصر ظهر الله لموسي النبي علي جبل حوريب في برية سيناء " وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر واذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تحترق. ..... . ثم قال أنا إله أبيك إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب . فغطي موسي وجهه لأنه خاف أن ينظر إلي الله " (خر2:3، 6) . كما كان الله يحل بين الكاروبين المظللين فوق غطاء تابوت العهد بقدس الأقداس بخيمة الاجتماع ويتكلم مع معلمنا موسي النبي وكان ذلك مصحوبا بظهور عمود السحاب فوق الخيمة (خر21:25 -22).

 فكل الظهورات التي كانت في العهد القديم للإبن هي ظهورات في هيئة إنسان وهي ليست تجسدا ، وكانت تمهيدا لظهوره الأعظم بالتجسد الإلهي في العهد الجديد، الذي تم في ملئ الزمان ، فقد نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس ، وأخذ جسدا بطبيعة بشرية مثل طبيعتنا بلا خطية، لكي ما يخبرنا عن الله الآب كما هو مكتوب " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يو18:1) لأن هذه هي طبيعة عمل الله الكلمة، فهو المعلن عن مشيئة أبيه . ثم صلب وقبر وقام  لكي ما يخلص البشرية من خطاياها ويدفع الدين إلي العدل الإلهي عوضا عنا طبقا للخطة الالهية الأزلية.

والكتاب المقدس يوضح لنا حالتين من حالات ظهور الروح القدس بصورة مرئية بالعهد الجديد، الأولي كانت عند نزوله من السماء بهيئة جسمية مثل حمامة استقرت علي المسيح ربنا عند صعوده من الماء في عيد الظهور الالهي عندما اعتمد من معلمنا يوحنا المعمدان (مت16؛3-17) ، (مر10:1-11) ، (لو21:3-22) ، (يو32:1-33) . والثانية كانت عندما حل علي التلاميذ يوم الخمسين وهم مجتمعين في العلية ،"وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت علي كل واحد منهم . وامتلآ الجميع من الروح القدس" ( أع3:2-4) .

الأقانيم الثلاثة الآب والإبن والروح القدس غير مرئية من حيث جوهرها اللاهوتي ، فجوهر الإبن هو من نفس جوهر الآب والروح القدس . وبعد التجسد الالهي ، فإنه برؤيتنا للابن نكون قد رأينا الآب كقول رب المجد يسوع " الذي رآني فقد رأي الآب " (يو 9:14 ) ، أيضا قال "أنا والآب واحد." (يو30:10) .

معلمنا القديس بولس الرسول يدعو اللاهوت نار آكلة كقوله " لأن الهنا نار آكلة" (عب29:12) ، كما ان معلمنا بطرس الرسول يدعو الأجساد كالعشب "لأن كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب . العشب يبس وزهره سقط" (1بط24:1) . ووجود العشب والنار معا سوف يحرق العشب ، ولكن كما لم تحترق العليقه بالنار{ اللاهوت } المشتعلة بها ، بل قدستها وقدست الأرض التي حولها إذ قال الله لموسي من العليقة " اخلع حذاءك من رجليك. لأن الموضع الذي انت واقف عليه أرض مقدسة " (خر5:3) ، وقد كان هذا رمزا للتجسد الإلهي ، فعندما صار الله إنسانا لم يحترق او يفني الناسوت ، وأيضا لم تحترق بطن العذراء مريم بحلول الروح القدس عليها ، ولكنه قدسها وطهرها .

مما سبق نري أن الله روح والروح لايحده مكان فهو موجود في كل مكان من الكون ، كذلك الله نور وبطبيعة النور سرعة الإنتشار في كل مكان دون أن يحدة شيء، أيضا الله نار آكلة وطبيعة النار أنها تحرق كل شيء في طريقها بقوة هائلة ولا يحدها شيء. كذلك يتضح بصورة جلية ان المسيح هو الله . وحيث ان الله كلي القدرة يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه شيء ، فهو قادر علي أن يجلس علي كرسي عرشه السماوي الغير منظوروالغير محدود والذي ليس له أبعاد ، وفي نفس الوقت هو في كل مكان في السماء وعلي الأرض ، وكما سبق أن ذكرت انه حيثما يكون الله هناك يكون عرشه، فقد تجسد في بطن العذراء مريم وكان ايضا مسيطر علي الكون كله ، كما كان في القبر،لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفه عين ، وكان في نفس الوقت مالئ السماء والأرض، كقول الرب لنيقوديموس وهم في اورشليم " ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو13:3) . إذا كرسي العرش الالهي تعبير عن حضور الله الكلي القدرة والسلطان حسب مفهومنا البشري، ولكن لا تعني أن الله يحده أي مكان أو زمان. ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم " (1كو16:3) ، فمادام الله يسكن فينا بروحه ، فنحن اذا عرش لله أي مخصصين لله ، وهذا لا يحده حجم جسدنا لأنه موجود في كل أولاده وفي كل مكان من الكون .





     وربما يتساءل سائل ويقول لماذا أعطي الله هذه الرؤيا للقديس يوحنا الحبيب؟

    للإجابة علي هذا السؤال ، دعونا ننظر إلي الظروف التي كان يعيش فيها معلمنا القديس يوحنا الحبيب في ذلك الوقت وهي :

أولا : هو آخر التلاميذ الإثني عشر الباقي علي قيد الحياة ، لأن الإحدي عشر تلميذا الآخرين كانوا كلهم قد استشهدوا { انظر كتابنا معجزة الاثني عشر} .



ثانيا : كان القديس يوحنا منفيا في جزيرة بطمس والحياة فيها قاسية ومؤلمة، والكنيسة تمر بظروف اضطهاد واستشهاد صعبة . لذلك كانت معاناته وآلامه شديدة جدا وكان يحتملها بشكر وبصبر وبحب من أجل المسيح إلهنا حبيب نفسه،  وقد  فتح له الرب بابا في السماء ، كقول معلمنا القديس بولس الرسول  " ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا " (1كو13:10) . هذه الرؤيا كانت لكي تعلمنا أننا عندما ندخل في الضيقة بإرادتنا ونحتملها بصبر وشكر كوصية الرب لنا " ادخلوا من الباب الضيق . لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلي الهلاك . وكثيرون الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلي الحيوة. وقليلون هم الذين يجدونه " (مت13:7-14)، والقديس مار اسحق قال " من يهرب من الضيقة يهرب من الله ". لقد رأي معلمنا القديس يوحنا الحبيب الآب السماوي ووصفه " وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلي العرش جالس ." (رؤ2:4) ، فمن بهاء وعظمة وجمال الله الكلي القداسة الضابط الكل والخالق لكل الأشياء، لم يستطع أن يجد الكلمات التي يعبر بها عما رآه لذلك قال " والجالس "  . فإذا كنا نحن الشمامسة عندما ندخل الهيكل ونري صورة البانطوكراطور جالسا علي العرش في الجهة الشرقية للهيكل المقدس نشعر برهبة وخشوع وعدم إستحقاق للوقوف أمامه ،  فكم كان شعور ورهبة معلمنا القديس يوحنا الحبيب، لأنه رأي " ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر علي بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه " (1كو 9:2) ، كما أن معلمنا بولس الرسول عندما " اختطف إلي الفردوس سمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لأي إنسان أن يتكلم بها " (2كو4:12) .

ثالثا : كان القديس يوحنا الحبيب بتولا ولذلك نسميه في التسبحة " بالبتول الإنجيلي " ، ولذلك كان أنسب رسول من بين الإثني عشر ليدعي إلي السماء ويري هذه الرؤيا الإلهية ، كما أن  المحبة بين الرب يسوع ومعلمنا القديس يوحنا وهو علي هذه الأرض كانت محبة قوية لدرجة أن معلمنا القديس يوحنا كان يتكئ علي صدر الرب ، لأنه وجد فيه المحبة الصادقة التي بلا رياء وبلا غش ، لذلك فتح له الرب باب في السماء ودعاه ليصعد بالروح ليريه ما لا بد أن يصير، ليعزيه في عزلته وآلامه وكذلك ليطمئنه أنه هو الله " الضابط الكل " والمسيطر علي كل الأمور، وأن النصرة لله ولكنيسته المجاهدة . فتعزيات ربنا وإلهنا  يسوع المسيح لمعلمنا القديس يوحنا هي تعزيات إلهية سماوية بسبب المنفي الذي يعيش فيه. فلو نظرنا إلي الفتية الثلاثة في أتون النار(دا 13:3-30)،  نجد أن الرب كان رابعهم في داخل أتون النار ليقويهم ويسيج حولهم ليبعد عنهم الأذي ، لأنهم في هذا الموقف كانوا في أشد الاحتياج لوجود الرب معهم ، هم لم يطلبوه لكنه شعر بهم وباحتياجهم له ، وقد كان ذلك ليس من أجل استحقاقهم ، بل من أجل احتياجهم لذلك جاء وسطهم. وما أكثر الأيام التي يكون الرب فيها معنا يدبر ويحل كل مشاكلنا ونحن لا ندري متي وكيف وأين كان ذلك ، فهو دائما يسرع لنجدتنا في وقت احتياجنا  ، لكي نترنم مع معلمنا داود النبي ونقول "  ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم.ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبي للرجل المتوكل عليه. اتقوا الرب يا قديسيه لأنه ليس عوز لمتقيه" (مز7:34-9) .

    في صعود ربنا يسوع المسيح إلي السماء انفتحت له الأبواب الدهرية التي كانت مغلقه ، وجلس عن يمين العرش الإلهي، وقد ترنم معلمنا داود النبي بروح النبوة وقال " ارفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارتفعن أيتها الأبواب الدهريات  فيدخل ملك المجد . من هو هذا ملك المجد . الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال . ارفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد . من هو هذا ملك المجد . رب الجنود هو ملك المجد . سلاه " (مز7:24-10) ، ولذلك حرصت كنيستنا علي عمل تمثيلية القيامه هذه في قداس عيد القيامة لتذكرنا بهذا الحدث العظيم الجليل الذي تنبأ به معلمنا داود النبي قبل حدوثه بما يزيد علي الألف سنة ، وكلمة الأرتاج تعني الرؤساء .

    ولكي ما تستطيع جماعة المؤمنين في الكنيسة المجاهدة من معاينة العرش الإلهي، وهبها الله أن تكون شركاء الطبيعة الإلهية في أن تعيش حياة البر والطهارة والقداسة كقول معلمنا القديس بطرس الرسول " كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحيوة والتقوي بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمي والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة ." (2بط 3:1-4) . كما أننا دائما نكون في احتياج لشركة الآب والإبن والروح القدس لنعيش معهم وبهم حياة الشركة المفرحة وحياة النصرة الدائمة .

    ولكي ما نستطيع أن نجد تفسيرا لما يصفه معلمنا القديس يوحنا في سفر الرؤيا  في كل من الإصحاحين الرابع والخامس عن العرش الإلهي ، سوف نقوم بدراسة نظام وطريقة العبادة في المسكن الأرضي في العهد القديم وكذلك في مذبح العهد الجدبد لمعرفة ارتباطهما معا ، لأن الكتاب المقدس يفسر نفسه بنفسه.  ونظرا لأن الله قد أعطي معلمنا موسي النبي مواصفات وتعليمات محددة عندما عزم علي أن يصنع المسكن الأرضي. فقد كان نظام المسكن الأرضي علي صورة ذاك السماوي حسب المثال الذي أظهره له  في الجبل  (خر1:27-8) ، لأنه قال " فيصنعون لي مقدسا لأسكن في وسطهم " (خر8:25) .  وذلك  لأن لنا " رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات ، خادما للأقداس والمسكن الحقيقي ، الذي نصبه الرب لا إنسان . لأن كل رئيس كهنة يقام لكي يقدم قرابين وذبائح . فمن ثم يلزم أن يكون لهذا أيضا شىء يقدمه . فإنه لو كان علي الأرض لما كان كاهنا إذ يوجد الكهنة الذين يقدمون قرابين حسب الناموس الذين يخدمون شبه السمويات وظلها كما أوحي إلي موسي وهو مزمع أن يصنع المسكن . لأنه كذلك قال انظر أن تصنع كل شئء حسب المثال الذي أظهر لك في الجبل . ولكنه الآن قد حصل علي خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضا لعهد أعظم قد تثبت علي مواعيد أفضل ." (عب1:8-6) ، (رؤ 19:11) ، ( رؤ 5:15) .  أيضا قوله   " وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذي ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلي الأقداس فوجد فداءا أبديا . لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش علي المنجسين يقدس إلي طهارة الجسد فكم بالحرى يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي " (عب 11:9-14) .

         

إن محبة الله الفائقة المعرفة التي بها سفك دمه علي الصليب ليدفع ثمن خطية البشرية وهو حكم الموت ، وبإستحقاقات  دمه المسفوك لمحو الخطية ، دخل الأقداس واستحق أن يأخذ السفر المختوم الذي عن يمين عرش النعمة ويفتحه .

كما أن ربنا يسوع المسيح الذي أوحي إلي معلمنا موسي النبي وهو مزمع أن يصنع المسكن وقال انظر أن تصنع كل شىء حسب المثال الذي أظهر لك في الجبل ، هو نفسه الذي أسس كنيسة العهد الجديد وأسس سر الشركة المقدسة {سر الإفخارستيا } وذلك في مساء خميس العهد وهو مجتع مع التلاميذ الاثني عشر في العلية ليأكلوا الفصح . وقد سجل لنا الوحي الإلهي في ثلاث بشائر ذلك " وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطي التلاميذ وقال خذوا كلوا . هذا هو جسدي . وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم . لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا . وأقول لكم إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلي ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا في ملكوت أبي " (مت 21:26-29) ، (مر 22:14-26) ، (لو15:22-20) . أيضا أسس سر العماد كقوله " الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يدخل ملكوت الله . ... . الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله " (يو3:3-5) ، أيضا أسس سر التوبة والاعتراف لمغفرة الخطايا والخلاص كقول الرب يسوع لتلاميذه " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله . فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " (مر 15:1) ، أيضا كقوله " اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها . من آمن واعتمد خلص . ومن لم يؤمن يدن " (مر15:16-16) ، وكقول معلمنا القديس بطرس الرسول " توبوا وليعتمد كل واحد منكم علي اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 38/2) . كذلك أسس سر الزواج المقدس ووضع شريعة الزوجة الواحدة كقول رب المجد يسوع بفمه الطاهر" وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزني  يجعلها تزني . ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني " (مت32:5) ، أيضا " ولكن من بدء الخليقة ذكرا وأنثي خلقهما الله . من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته . ويكون الاثنان جسدا واحدا . إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد . فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان " (مر6:10-9). كما أسس سر الكهنوت المقدس كما هو مكتوب " فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم . كما أرسلني الآب أرسلكم أنا . ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له . ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو21:20) ، كذلك قول معلمنا القديس بولس الرسول " احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ليرعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه  " (أع28:20) ، أما بقية الأسرار الكنيسة السبعة فقد أعطاها الرب يسوع للتلاميذ في خلال فترة الأربعين يوما ما بين قيامته من بين الأموات وصعوده إلي السموات ، وذلك يتضح من حديثه مع تلميذي عمواس (لو13:14-31) وقول معلمنا القديس بولس الرسول " وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان . لأني لم أقبله من عند إنسان ولا ‘علمته . بل بإعلان يسوع المسيح " (غل11:1) ،ٍ أيضا قول الرب يسوع لتلاميذه " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله . فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " (مر 15:1) ، كما أن حلول الروح القدس عليهم في يوم الخمسين كان هو يوم ميلاد كنيسة العهد الجديد التي أسسها الرب يسوع وقد كان الروح القدس الذي حل عليهم يوم الخمسين يقويهم لكي يكرزوا ويتكلموا بكلام الله بكل مجاهرة ، وكان يرشدهم ويذكرهم بكل ما سبق أن قاله لهم الرب قبل صعوده كما هو مكتوب  " وأما متي جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلي جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية " (يو13:16) . لم يكن الإنجيل في ذلك الوقت قد كتب ، ولكن المعني المقصود هنا هو أن يتوبوا ويؤمنوا بكرازة الرب يسوع المسيح وبشارته المفرحة ويتذكروا كل كلمة قالها الرب لأنها محفورة في أذهانهم وقلوبهم . أيضا  قوله  للأحد عشر تلميذا قبل  صعوده  إلي  السموات " وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به . وها أنا معكم كل الأيام إلي إنقضاء الدهر . آمين" ( مت20:28). لقد فعل كل هذا ربنا يسوع المسيح بمحبته التي لا توصف للبشرية ، لكي يؤهلنا للدخول الي ملكوته السماوي ، ولكي نتمتع بوجودنا بالقرب من عرشه الإلهي المحاط بربوات القوات السمائية حسب وعده القدوس الصادق "في بيت أبي منازل كثيرة. وإلا كنت قلت لكم . أنا أمضي لأعد لكم مكانا . وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إليً حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا" (يو 2:14-3) . 

 الآن نعود لدراسة رؤيا معلمنا القديس يوحنا الرائي ونغوص بالذهن وبالروح في أعماق رموزها ومعانيها في ضوء دراستنا لنظام وطريقة العبادة في المذبح الأرضي ، لأن المسكن الأرضي كان علي صورة ذاك  السماوي حسب المثال الذي أظهره له الله علي الجبل ، علما بأن هناك بعض الرموز ستكون عسرة الفهم وعلينا أن ننتظر حتى نصل إلي السماء لكي نستطيع فهمها وندرك معانيها الإدراك الكامل .

    يذكر معلمنا القديس يوحنا في رؤياه"وحول العرش أربعة وعشرون عرشا . ورأيت علي العروش أربعة وعشرين قسيسا جالسين متسربلين بثياب بيض وعلي رؤسهم أكاليل من ذهب. ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله . وقدام العرش بحر زجاج شبه البلور . " (رؤ4:4- 6) .

    لقد رأي معلمنا القديس يوحنا الحبيب حول العرش أربعة وعشرون عرشا . ورأي علي العروش أربعة وعشرين قسيسا {شفيعا} جالسين متسربلين بثياب بيض وعلي رؤوسهم أكاليل من  ذهب . هؤلاء القسوس الأربعة وعشرين يفسرهم بعض المفسرين بأنهم يرمزوا إلي ممثلوا وقادة شعب أولاد الله المفدين في كل من العهدين القديم والجديد. وهؤلاء القسوس الأربعة وعشرين متسربلين بثياب بيض وهي ترمز لنقاوة خدمتهم لله المرموز لها باللون الأبيض. وقد يفسرهم البعض بأنهم أربعة وعشرين قسيسا متسربلين بثياب بيض وهذه الثياب البيض تشير إلي الملابس الكهنوتية، وعملهم كهنوتي ولهم جامات أو شوريات يخرج منها بخورا الذي هو صلوات القديسين (رؤ8:5) ، وهم طغمة سمائية ملائكية روحانية يرمزون للإثني عشر أسباط اليهود بالعهد القديم ، بالإضافة للإثني عشر تلميذا بالعهد الجديد . " والأربعة الحيوانات لكل واحد منها ستة أجنحة حولها ومن داخل مملؤة عيونا ولا تزال نهارا وليلا قائلة قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر علي كل شئ الذي كان والكائن والذي يأتي . وحينما تعطي الحيوانات مجدا وكرامة وشكرا للجالس علي العرش الحي إلي أبد الآبدين يخر الأربعة والعشرين قسيسا قدام الجالس علي العرش ويسجدون للحي إلي أبد الآبدين ويطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخلقت " (رؤ8:4-11) . كل هؤلاء يمثلون الخليقة كلها وينوبون عنها ، وهم يرفعون أصواتهم بالتسبيح لهذا الخالق العظيم " فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما علي الأرض ما يري وما لا يري سواء كان عروشا أم سيادات أم سلاطين . الكل به وله قد خلق " (كو16:1) ، لكي يعلنوا قداسته المطلقة ، ويعلنوا طبيعته السرمدية ، وسيادته وسلطانه وتحكمه الكامل وسيطرته علي كل المخلوقات بما في ذلك الإنسان الذي يمجد الله علي الدوام . ومجموعة القسوس هؤلاء يزينون  رؤوسهم بأكاليل من ذهب وهم جالسون علي عروشهم أمام الله وأمام الخروف القائم وكأنه مذبوح . هذه الأكاليل هي أكاليل ملوكية تتبع العروش ، وليست أكاليل انتصار أو مكافأة كقوله " كن أمينا إلي الموت فسأعطيك إكليل الحيوة" (رؤ10:2) . ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات وهذه كلها تسبق صوت الله ومرتبطة به (خر16:19) ، (إش 6:29)، وهي تدخل الرهبة والخوف والخشوع في نفوس الشعب لكي تكون أذهانهم حاضرة ومستعدة لسماع صوت الله . وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله (رؤ 5:4)، وهذه السبعة مصابيح  نار متقدة ترمزللسبعة رؤساء الملائكة الأولين الواقفين أمام عرش الله ،  كما أن وجود بحر زجاج شبه البلور أمام العرش ، يشير ويرمز إلي معمودية العهد الجديد التي ألغت كل أنواع تطهير العهد القديم حيث انه لا طريق للوصول الي السماء حيث عرش المسيح إلهنا إلا عن طريق معمودية العهد الجديد بالماء والروح كقول الرب " من آمن واعتمد خلص. ومن لم يؤمن يدن" (مر16:16)، كذلك " إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله " (يو5:3) ، وبعد المعمودية نستمر في فعل وعمل المعمودية المتكرر بالإغتسال بدموع التوبة لكي نتطهر من كل خطية وذلك عن طريق التوبة والإعتراف والتناول من الأسرار المقدسة مع الصلوات والتضرعات والإبتهالات وأعمال المحبة المسيحية الصادقة التي بلا رياء أو غش، وبذلك نستطيع أن نصل الي السماء حيث العرش الإلهي كقوله الي ملاك كنيسة ساردس"  من يغلب فذلك سيلبس ثيابا بيضا ولن أمحو اسمه من سفر الحيوة وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته " (رؤ5:3) . كما أن وجود بحر زجاج شبه البلور يشير إلي  انعكاس أمجاد العرش الإلهي والجالس عليه  علي الأبرار والقديسين الموجودين حول العرش لأن البلور هو زجاج علي درجة كبيرة من الجودة والشفافية ويعكس الأضواء بألوان جميلة وهؤلاء قد أشرق عليهم من قبل نور الرب أثناء حياتهم علي الأرض ، حيث بأعمالهم الصالحة كانوا نورا للعالم كقول ربنا يسوع المسيح " أنتم نور العالم . ... .فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات ." (مت14:5-16).  ويجب أن أوضح أنه في سماء السموات لا توجد معمودية لأن كل الذين يكونون مؤهلين لدخولها هم معمدون وطاهرون وأنقياء ، ومن دقة الوحي الإلهي أنه ذكر" بحر من زجاج شبه البلور ".

   أما بالنسبة لقوس قزح فقديما أبرم الله ميثاق عهد مع أبينا نوح البار وبنيه ونسلهم من بعدهم  كما هو مكتوب " وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا . وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم . ... . وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض . فتكون متي أنشر سحابا علي الأرض وتظهر القوس في السحاب أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد . فلا تكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد " (تك9:9، 13-15) .  وقوس قزح الذي نراه في سماء أرضنا التي نعيش عليها هو قوس أي جزء من دائرة بزاوية أقل من 180 ْ ، أما قوس قزح الذي رأه معلمنا يوحنا في رؤياه  حول العرش فهو دائرة كاملة أي 360 ْ لأنه يرمز لصدق الوعد الإلهي لنا وكماله. ووجود قوس قزح حول العرش الإلهي يبعث فينا نحن القاطنين الأرض الطمأنينة والراحة النفسية لأن وعود الله صادقة وأمينة ومستمرة  " لآن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة " (رو29:11)  وان الله لن يهلك العالم بالطوفان .  وألوان الطيف السبعة المعروفة والمرئية في قوس قزح طبقا لطول موجة كل منها هي : الأحمر، البرتقالي ، الأصفر ، الأخضر، الأزرق ، النيلي ، والبنفسجي ، فهي ترمز وتشير لثمار الروح القدس (غلا22:5) الساكن في أولاد الله ، حسب ما قسم الله لكل واحد من مواهب واكبر مثل علي ذلك هو الفضائل التي يقتنيها القديسون والقديسات.

    عند صعود رب المجد يسوع المسيح ، انفتحت له الأبواب الدهرية ،  ودخل من خلالها إلي عرش النعمة ، وهنا رسم لنا معلمنا القديس يوحنا الرائي في الإصحاحين الرابع والخامس من سفر الرؤيا صورة العرش الالهي، وأوضح لنا كيف كان ربنا يسوع المسيح مؤهلا ومستحقا لفتح السفر وفك ختومه كما هو مكتوب "  ورأيت عن يمين الجالس علي العرش سفرا مكتوبا من داخل ومن وراء مختوما بسبعة ختوم . ورأيت ملاكا قويا ينادي بصوت عظيم من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه’ . فلم يستطع أحد في السماء ولا علي الأرض ولا تحت الأرض أن يفتح السفر ولا أن ينظر إليه . فصرت أنا أبكي كثيرا لأنه لم يوجد أحد مستحقا أن يفتح السفر ويقرأه ولا أن ينظر اليه . فقال لي واحد من القسوس لا تبك . هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة."   (رؤ1:5 -5) .  لقد بكي معلمنا القديس يوحنا لأنه كان مكلفا من ربنا يسوع المسيح ذاته بأن يكتب كل ما يرى ويسمع ، " أنا هو الألف والياء . الأول والآخر . والذي تراه أكتب في كتاب وأرسل ... " (رؤ11:1) ، والسفر مختوم ولم يوجد أحد مستحقا أن يفتح السفر ويقرأه ولا أن ينظر اليه ، فمعلمنا القديس يوحنا الحبيب من محبته كان الخوف والغيرة المقدسة يملآن قلبه علي الكنيسة ويريد أن يطمئن عليها وعلي مستقبلها لأن الرب قال له " فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا " (رؤ1:4). ونظرا لأن من يفك ختوم السفر السبعة لا بد أن يكون مستحقا ، وجاء غالبا ولكي يغلب ، وهذا الأسد هو ربنا يسوع المسيح لأنه هو الوحيد الذي غلب بالصليب ، ولأنه أيضا رئيس كهنة الخيرات العتيدة (عب11:9) . لقد أعلن لنا الرب هذا صراحة بفمه الطاهر أثناء كرازته عندما " جاء إلي الناصرة حيث كان قد تربي . ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ . فدفع إليه سفر إشعياء النبي . ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه  روح الرب عليَ لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة . ثم طوي السفر وجلس . وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه . فابتدأ يقول لهم إنه اليوم  قد تم هذا المكتوب في مسامعكم "  ( لو16:4-22) ، (إش1:61-2 ، 1:62 ، 1:63- 4).  

     وسجود الأربعة وعشرين قسيسا أمام الله وطرحهم أكاليلهم يعني تركهم لكل أساليب المجد الباطل وخضوعهم لله ملك الملوك ورب الأرباب ، ولذلك نجد أن قداسة البابا والأساقفة في كل القداسات الإلهية يخلعون التيجان قبل البدء في قراءة الإنجيل . فخلع التاج هو شعور بالانسحاق وعدم الاستحقاق في الوجود أمام الله أثناء سماع وقرآة كلمة الله المقدسة ، معلنا بذلك أن الله هو فقط الملك الحقيقي المتوج بكل المجد والكرامة متمثلين بالأربعة وعشرين قسيسا الذين طرحوا أكاليلهم .

    في الإصحاح الخامس من سفر الرؤيا نجد أن معلمنا القديس يوحنا يري عن يمين الجالس علي العرش سفرا مكتوبا من داخل ومن وراء مختوما بسبعة ختوم . ووجود هذا السفر عن يمين العظمة الإلهية دليل علي أهميته واهتمام الله به وحفظه له ، وهذا السفر مختوما بسبعة ختوم ، وعادة الختوم كانت عبارة عن شمع أحمر منصهر يوضع علي جانب المكتوب ويختم عليه ختم الراسل ، ونظرا لما له من سرية تامة وقيمة كبيرة في نظر الله فقد ختم بسبعة ختوم ، ورقم سبعة يدل علي كمال سرية ما هو مكتوب فيه لأنه يحتوي علي معاملات الله مع البشر ومقاصده نحوهم ووصاياه وتعاليمه لهم في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل ، وقد فتحت هذه الختوم واحدا بعد الآخر كما جاء في الإصحاح السادس  ومعني هذا أن كل جزء من السفر له ختم خاص به . ونظرا لأنه كانت المكاتبات في زمن القديس يوحنا عبارة عن ورقة طويلة مثبت أحد طرفيها علي بكرة خشبية ، لكي يسهل لفها عليها . وبذلك يكون عليها كتابة من الداخل هي وجه المكتوب ومن الخارج هي خلف المكتوب ، كما رآه حزقيال النبي في رؤِياه " فنظرت وإذا بيد ممدودة إليً وإذا بدرج سفر فيها . فنشره أمامي وهو مكتوب من داخل ومن قفاه وكتب فيه مراث ونحيب وويل."  (حز10:2) ، والذي عندما أكله صار في فمه كالعسل حلاوة (حز3:3). وهذا يدل علي أنه مقاصد الله مع البشر في العصور الماضية وفي أيامنا الحاضرة وكذلك في مستقبل الأيام  وإلي انقضاء الدهور . وقول معلمنا حزقيال النبي الذي أكل السفر فصار في فمه كالعسل حلاوة يدل علي أن هذا السفر هو كلمة الله أى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، لأن العهد القديم يمثل معاملات الله ومقاصده مع شعبه في الماضي في شريعته ووصاياه ، في حين أن العهد الجديد يمثل معاملات الله ومقاصده مع شعبه في الحاضر والمستقبل إلي انقضاء الأيام، كما أننا من خلال الكتاب المقدس ندرك محبة الله لنا ومدي تحكمه في حياتنا في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل ، ومما هو مؤسف للغاية أن هناك أناس لديهم الكتاب المقدس ولكنه مختوم لا يحاولون فتحه وقراءته ، لكي ما تتفتح عيونهم وأذهانهم علي وصايا الله وتعاليمه السامية ، وعلينا أن نطلب إرشاد الروح القدس لكي نفهم أسفاره ، لأننا أحيانا نكون غير قادرين علي فهم بعض نبواته المتعلقة بالمستقبل ولكن الله يعلنها لنا بروحه القدوس الساكن فينا كما هو مكتوب " فأعلنه الله لنا نحن بروحه . لأن الروح يفحص كل شئ حتي أعماق الله . لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه . هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله . ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله." (1كو 10:2-12)  والمرنم في المزمور يقول " ما أحلي قولك لحنكي أحلي من العسل لفمي " (مز103:119) ، أيضا " سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي " (مز105: 119)، كذلك قول معلمنا إرميا النبي " وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يا رب إله الجنود " (إر 16:15) .

ثم أكمل معلمنا القديس يوحنا الإنجيلي وقال " ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط القسوس خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلي كل الأرض . فآتي وأخذ السفر عن يمين الجالس علي العرش . ولما أخذ السفر خرت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون قسيسا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوة   بخورا هي صلوات القديسين .وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة فسنملك علي الأرض." (رؤ6:5 – 10) .  ففي هذا الجزء من الرؤيا رأي خروفا قائم كأنه مذبوح وكان مستحقا أن يأخذ السفر ويفك ختومه ، فهذا الخروف القائم وكأنه مذبوح هو حمل الله الذي صلب علي صليب الجلجثة وسال دمه الذكي الكريم لأنه " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 22:9) ، وأناب عنا في دفع الدين للعدل الإلهي عن خطايانا وقام برفعها عنا ، وهو قائم لأنه قام من بين الأموات ليشفع فينا (رو 24:8) ، (1يو 1:2) ، فقد كان كبش فداء كنبوة معلمنا إشعياء النبي القائلة " وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره  شفينا . كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا . ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلي الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه " (إش 5:53-7) . أيضا " هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي . وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم . لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته . قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ . إلي الأمان يخرج الحق." (إش1:42-3) . فالمسيح له المجد وهو علي الصليب كان حمل الفداء عوضا  عنا ، ولو نظرنا إلي مذبح النحاس الذي في الهيكل الأرضي الذي كانت تقدم عليه الذبائح نجد أنه يرمز للصليب ، والمسيح له المجد قدم ذاته ذبيحة طاهرة نقية وبلا عيب علي الصليب ليفدينا ويخلصنا.  وأما حمل الله الذي رآه معلمنا يوحنا الرائي كخروف قائم كأنه مذبوح فله سبعة قرون دليلا علي كمال قوة عمل المسيح له المجد علي صليب الجلجثة الذي كان كأسد في قوته وأدان وأبطل الموت بالموت ووهب لنا الحياة الأبدية. كما أن هذا الخروف المذبوح كأنه قائم رآه معلمنا يوحنا الحبيب وله سبعة أعين هي سبعة أرواح الله وهي ترمز لعمل الروح القدس الذي هو"روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب " (إش 2:11) . إن الإستنارة الروحية تجعلنا نتخلي عن الأرضيات الزائلة ونرفع أعيننا نحو السماوات لكي نري أمجادها كقول معلمنا القديس بولس الرسول" ما لم تري عين ولم تسمع أذن ولم يخطر علي بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه " (1كو9:2) ، ونظرا لأننا أولاد لله وروحه القدوس ساكن فينا لذلك لنا "فكر المسيح" (1كو16:2) ، ونحن الآن  " متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رو24:3) . كذلك الروحالقدس أيضا يشفع فينا "الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها" (رو 26:8) . وقوله كأنه مذبوح مع أن كل الذين يدخلون السماء من البشر يكونون بأجساد ممجدة بلا عاهات أو تشوهات ، إلا أن المسيح له المجد احتفظ بآثار جروح جسده وهو جالس عن يمين الآب في سماء السماوات لكي ما يراها المؤمنون فيفرحون به ويسبحونه ويباركون كل أعماله المجيدة من أجلنا كنبوة معلمنا زكريا النبي " فيقول له ما هذه الجروح في يديك . فيقول هي التي جرحت بها في بيت أحبائي " (زك6:13) .

    عندما أخذ ربنا يسوع المسيح السفر خرت له الأربعة حيوانات والأربعة وعشرين قسيسا ، وترنموا فرحين وقائلين " مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة فسنملك علي الأرض "(رؤ8:5- 10) . وقد كان سبب فرح السمائيين هذا هو الأخبار السارة بخلاص البشرية بالفداء الذي قدمه الرب علي الصليب " متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله" (رو24:3-25) .  وسجود الحيوانات الأربعة والشيوخ الأربعة والعشرين هو سجود عبادة  لأن المسيح هو الله . ووجود جامات من ذهب أي شوريات من ذهب مع الأربعة وعشرين قسيسا دليل علي أنهم طغمات ملائكية كهنوتية وهذه الجامات مملوة بخورا هي صلوات القديسين ، وطقس كنيستنا المجاهدة هو أن الكاهن في دورة البخور في صلاة عشية وباكر يأخذ الشورية في يده وبها البخور ويطوف  الكنيسة ، ويبخر أمام كل الأيقونات والشعب رجالا ونساءا وفي أثناء ذلك يجمع صلوات الشعب وصلوات وشفاعات قديسي الأيقونات عنا ويدخل المذبح لكي يقدمها إلي الله ، لذلك يجب علي المصلين أن يقدموا صلاة توبة حقيقية بإيمان لاستدرار واستمطار مراحم الله أثناء طواف الأب الكاهن بالبخور. لأن هذا البخور مع الصلوات والطلبات يصعد كرائحة زكية  أمام الله .

    وهؤلاء السمائيين كانت فرحتهم كبيرة وعارمة عندما أخذ الرب السفر ، لأنهم علموا أن كل أمور البشر ومصيرهم في يد الله الذي يرعانا بكل محبته لأنه هو الضابط الكل ولا يعثر عليه شئ ،  فهؤلاء السمائيين يشعرون بنا ويسعدون لسعادتنا ، ولذلك ترنموا " ترنيمة جديدة قائلين مستحق أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة . وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة فسنملك علي الأرض . ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرون حول العرش والحيوانات والقسوس وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغني والحكمة والقوة والكرامة والمجد والسلطان إلي أبد الآبدين. وكانت الحيوانات الأربعة تقول آمين . والقسوس الأربعة والعشرين خروا وسجدوا للحي إلي أبد الأبدين " (رؤ 9:5-14) . لقد كان فرح السمائيين وبهجتهم عظيما ولذلك ترنموا ترنيمة جديدة ، هي جديدة لأنها تعبر عن الخلاص الذي تممه الرب للبشرية بعد انتظار طال آلاف السنين ، وهذه  الترنيمة الجديدة كانوا فيها يقولون " مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة "(رؤ9:5) ، فكل الشعوب والأمم والقبائل والألسنة متاح لهم الدخول  إلي العرس السماوي بالتبرير المجاني الذي نناله بالإيمان  كما هو مكتوب "متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله" (رو24:3-25) ، أيضا (رو 1:5-2) . كان السمائيين يترنمون ترنيمة جديدة لأن الرب قد جعلهم ملوكا وكهنة لله وسيملكون علي الأرض ، ومن دقة الوحي الإلهي أنه قال علي الأرض وليس في الأرض ، وقد نظر وسمع معلمنا القديس يوحنا الرائي صوت ملائكة كثيرين حول العرش يقولون مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغني والحكمة والقوة والكرامة والمجد والسلطان إلي أبد الآبدين . وكانت بقية الطغمات السمائية  تقول آمين وخروا وسجدوا جميعهم للحي إلي أبد الأبدين . (لمعرفة المزيد عن الملائكة أنظر الباب الثاني من كتابنا لماذا التجارب والضيقات والاضطهادات والأمراض والآلام والأحزان ) .

   









البـــــاب الـرابــــع

الخـــاتمــــة



    انني أعتقد أن كل مسيحي دائما يتطلع بنظره نحو السماء ، كذلك  روحه وعقله وفكره ورجاؤه يكون دائما  متعلقا بالسماء وبالسماويات ، لأننا منها ننتظر مجئ ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ، لذلك  معلمنا القديس بولس الرسول يقول " فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع . الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شئ"(في 20:3-21) ، والسبب في ذلك هو اهتمام المسيحي بالحياة الأبدية ، وشعوره بالغربة في هذا العالم والذي يولد فيه رغبة قوية جامحة في الوجود بالقرب من الرب يسوع    " لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة . فلنقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه " (عب 14:13-15). والكتاب المقدس يعلمنا أن نكون دائما " ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب  مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله " (عب2:12) . فربنا يسوع المسيح بعد قيامته من بين الأموات وصعوده إلي سماء السماوات فتحت له الأبواب الدهرية  ودخل وجلس في يمين العرش الإلهي يشفع فينا .

ولو نظرنا إلي آبائنا القديسين والشهداء والمعترفين الذين سبقونا إلي الأمجاد السماوية ، نجد أنهم استهانوا بكل مباهج الحياة الأرضية وكل ملذاتها لكي يربحوا المسيح يسوع ربنا ، كقول معلمنا القديس بولس الرسول " ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة . بل إني أحسب كل شئ أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه ... "(في7:3-9) . وكان يعتبر أن الموت له ربح لأن الحياة بالنسبة له هي المسيح (في21:1) ، وكان له اشتهاء مقدس " لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح . ذاك أفضل جدا . " (في23:1) .

    في الإصحاح العشرين من سفر الرؤيا يقول معلمنا يوحنا الحبيب " ثم رأيت عرشا عظيما أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضع ." (رؤ11:20) ، ثم يضيف في أول الإصحاح الواحد وعشرين فيقول " ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لأن السماء الأولي والأرض الأولي مضتا والبحر لا يوجد فيما بعد . وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها . وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها لهم." (رؤ1:21-3) .

    في نهاية الأيام بعد إختطاف المؤمنين والدينونة العامة للأشرار فإن السماء الحالية والأرض الحالية سوف تزولان وسوف يحل محلهما سماء جديدة وأرض جديدة وهذا ما يؤكده لنا معلمنا القديس بطرس الرسول فيقول "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها . ... . ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وأرضا جديدة يسكن فيها البر . " (2بط10:3 ، 13)  . ولمزيد من المعلومات عن أوصاف المدينة المقدسة أورشليم السمائية النازلة من السماء من عند الله إقرأ (رؤ10:21-29).

    إنني أبتهل وأتضرع إلي ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح  أن يحفظنا في حياة ملؤها الإيمان والرجاء والمحبة حتي النفس الأخير، ويديم علينا نحن أعضاء الكنيسة المجاهدة علي هذه الأرض حياة الشركة المقدسة ، حتي نستحق ان نكون معا حول العرش الإلهي في سماء السموات ، ونحن نطلب منه هذا بدالة البنين  وكلنا ثقة ويقين أننا لو جاهدنا الجهاد الحسن حسب الحق الانجيلي الي النفس الأخير سيكون لنا نصيب في أورشليم السمائية حسب وعوده في الرسائل السبعة إلي الكنائس السبع ان من يغلب له اكليل الحياة ويأكل من المن السماوي . اننا نطلب ذلك بشفاعة أمنا البتول العذراء مريم والقديس يوسف النجار وكل مصاف القديسين الذين أرضوك منذ البدء أن تقبل طلبتنا هذه . لك المجد والقوة والعزة والبركة إلي الأبد آمين.








                                             الفـــهرس



 المـوضـــوع                                                        

شكـــر وتقـــدير                                                          



البـــاب الأول                                                             

المـقـــدمـة                                                               



البـــاب الـثـــانـي

العـرش الالهـي في سمـاء السمـاوات                                   



البـــاب الثـالـث

رؤية العرش الالهي من خلال بـاب مفتـوح فـي السمـاء          



البـــاب الرابـــع

الخـــاتمـــة                                                               

                            ــــــــــــــــــــــــــــــ

المـــراجـــع

1-الكتـــاب المقــــدس بعهـــديـــه ، العهد القديم والعهد الجديد .
2- كتاب السنكسار                                                        

No comments:

Post a Comment